Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

دعت لرحلة بلا عودة إلى كوكب المريخ ، تعرف على أول رائدة فضاء في العالم ....الأدب العلمي العدد الواحد والثلاثون


محمد حسام الشالاتي

بعد سنتين على الرحلة التاريخية لرائد الفضاء السوفيتي (الروسي) "يوري غاغارين" الذي أصبح أول إنسان يسافر إلى الفضاء الخارجي عام 1961، لحقت به مواطنته "فالنتينا تيريشكوفا" لتصبح أول امرأة تسافر إلى الفضاء عام 1963، لتسجل من جديد إنجازاً تاريخياً عظيماً .

نشأتها :
ولدت «فالنتينا تيريشكوفا » يوم 6 آذار من عام 1937 لأسرة متواضعة في قرية «بولشويا ماسلينيكوفا » الواقعة في إقليم «ياروسلافل » الروسي. و تنتمي عائلتها إلى فلاحين هاجروا إلى روسيا من بيلاروسيا. قُتل والدها عام 1939 في الحرب السوفيتية - الفنلندية.
في عام 1954 بدأت فالنتينا تعمل في معمل إطارات للسيارات بمدينة «ياروسلافل » و هي لم تتخرَّج بعد من المدرسة الثانوية، و ذلك لتساعد عائلتها مادياً. و التحقت في الوقت ذاته بمدرسة العمال المسائية و انتسبت أيضاً إلى نادي الطيران المحلي، حيث أجرت 90 قفزة مظلية. و في الفترة ما بين عامي 1955 و 1960 استمرت فالنتينا في العمل بمصنع الغزل و النسيج، و تابعت دراستها في معهد الصناعة الخفيفة بدورته المسائية.
تزوَّجت فالنتينا من رائد الفضاء «أندريان تزوَّجت فالنتينا من رائد الفضاء «أندريان نيكولايف » في 3 تشرين الثاني من عام 1963 ، و أنجبت بنتاً اسمها «إيلينا »، و هي أول طفلة في العالم كان والداها رائدي فضاء، و لكن الزواج لم ينجح فانفصلت عن زوجها عام 1982 . أما زوجها الثاني فهو اللواء الطبيب و مدير معهد الجراحة «يولي شابوشنيكوف » الذي توفي عام 1999 .

إنجازها :
بعد تحقيق أول التحليقات الفضائية الناجحة لروَّاد الفضاء السوفييت الأوائل، خطر ببال كبير المُصمِّمين الفضائيين السوفييت «سيرغي كوروليوف » أن يُطلق امرأة إلى الفضاء. و في مطلع عام 1962 بدأ البحث عن مُرشَّحات للقيام بهذه البعثة الفضائية. و افترض أن تتصف المُرشَّحة لرائدة فضاء بالمواصفات الآتية: ألا يتجاوز عمرها 30 عاماً، و لا يزيد طول قامتها عن 170 سنتيمتراً، و وزنها عن 70 كيلوغراماً.
وتمَّ انتقاء 5 مرشحات من مجموع المئات. وبعد انضمام فالنتينا إلى فريق روَّاد الفضاء انتسبت إلى الجيش السوفيتي برتبة مُجنَّدة. و بدأ إعدادها في فريق روَّاد الفضاء اعتباراً من 12 آذار من عام 1961 . و في 29 تشرين الثاني من عام 1962 انتهى تدريبها في دورة فريق روَّاد الفضاء، حيث اجتازت امتحانات التخرُّج بنجاح. و تعرَّضت خلال دراستها في فريق روَّاد الفضاء لاختبارات مختلفة، من بينها اختبار الصمود أمام عوامل التحليق الفضائي، و الوجود في حجرة حرارية بلغت درجة الحرارة فيها 70 درجة مئوية، و الوجود في حجرة عازلة للصوت تقضي فيها المُرشَّحة فترة عشرة أيام. أما التدريبات الخاصة بتحمُّل حالة انعدام الوزن فكانت تُجرى باستخدام طائرة «ميغ - »15 ، حيث قامت بحركات بهلوانية تهدف إلى خلق حالة انعدام الوزن داخل الطائرة لمدة 40 ثانية. و كانت تتكرر مثل هذه التجارب 4 مرات خلال تحليق الطائرة، و كان يجب على المُرشَّحة خلال هذه التجربة كتابة اسمها و القيام بمحاولة لتناول الطعام و إجراء مكالمة هاتفية. و تمَّ التركيز الخاص على القفز المظلي، علماً بأن رائد الفضاء كان ينزل بالمظلة قبل هبوط الجهاز الفضائي إلى الأرض. و كان من المفترض أولاً أن يُطلق إلى الفضاء طاقمان نسائيان في وقت واحد، بيد أنه تمَّ الاستغناء عن هذا المشروع في آذار من عام 1963 ، و اضطر المسؤولون عن البرنامج الفضائي إلى اختيار امرأة واحدة من أصل 5 مُرشَّحات، حيث وقع الاختيار على فالنتينا كمُرشَّحة أولى لتحقيق أول تحليق فضائي نسائي في التاريخ.
قامت فالنتينا تيريشكوفا بتحليقها الفضائي التاريخي عندما انطلقت المركبة الفضائية «فوستوك - »6 بها من «قاعدة بايكونور الفضائية » في كازاخستان يوم 16 حزيران من عام 1963 . و استغرق التحليق أكثر من ثلاثة أيام. و في الوقت ذاته، كان رائد الفضاء الآخر «فاليري بيكوفسكي » قد سبقها إلى مدار حول الأرض قبل يومين في سفينة الفضاء الأخرى «فوستوك - »5 . وقد جرى كل ذلك في سريّة تامّة، لدرجة أن فالنتينا أخبرت أهلها قبل أن تنطلق إلى الفضاء أنها ستشارك في مباراة للمظليين، و عرف أهلها لأول مرة عن تحليقها إلى الفضاء الخارجي من أنباء الإذاعة السوفيتية. و كانت إشارة النداء التي استخدمتها فالنتينا في الفضاء «نورس ». واكتُشِفَ بعد إطلاق المركبة إلى الفضاء وجود خطأ في برنامجها الآلي، حيث بدأت المركبة «فوستوك - »6 تبتعد عن الأرض كلما كانت تقوم بدورة حولها بدلاً من أن تقترب منها، فتمَّ تصحيح الخطأ مباشرة في المدار حول الأرض. و على الرغم من الغثيان و الحالة الصحية المزعجة، تمكنت فالنتينا من تحمُّل 48 دورة حول الأرض. و قضت ما يزيد على ثلاثة أيام في الفضاء الخارجي، وقامت بتعبئة سجل السفينة و تصوير أفق الأرض؛ تلك الصور استُخدِمت لاحقاً عند اكتشاف طبقات «الإيروزول » الجوية. إلا أن هبوط فالنتينا على الأرض أثار حالة من القلق، إذ انقطعت الاتصالات معها قُبيل بدء عملية الهبوط، بينما كانت قد قذفت بنفسها من المركبة، و هو إجراء طبيعي لعودة أوائل روَّاد الفضاء إلى الأرض، و حطّت بالمظلة في جنوب «سيبيريا ». و بعد ساعتين من هبوطها، كان خبراء قطاع الفضاء السوفيتي لا يزالون يحاولون تعقُّب موقعها في الفضاء، و لم يعرفوا بوجودها على مسافة عشرات الكيلومترات من الموقع المُحدَّد إلا بعد خمس ساعات من هبوطها.
أثارت رحلة فالنتينا الكثير من الإعجاب، خصوصاً أنها جاءت في إطار السباق المحموم بين الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية على اكتشاف الفضاء الخارجي و معرفة أسرار المجرَّات و الكواكب الأخرى، و إمكانية العيش خارج الكرة الأرضية. كما أنها ما زالت حتى يومنا هذا المرأة الوحيدة التي سافرت مُنفرِدَة إلى الفضاء.

إنجازاتها اللاحقة :
بعد التحليق الفضائي، درست فالنتينا في «أكاديمية جوكوفسكي للهندسة الجوية العسكرية » وتخرَّجت منها عام 1969 كمهندسة فضاء، و نالت درجة الدكتوراه في العلوم التقنية عام 1977 ، و هي حالياً «بروفسور» و لها أكثر من خمسين بحثاً علمياً. كما تمَّت ترقيتها في المناصب الحكومية التالية:
 نائبة في مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفيتي بين عامي 1966 و 1989 .
رئيسة لجنة النساء السوفييت بين عامي 1968 و 1987 . خلال الفترة ما بين 5 نيسان من عام 1969 و 28 نيسان من عام 1997 ، شغلت  فالنتينا منصب رائدة الفضاء المُدرِّبة في فريق روَّاد الفضاء.  
عضو رئاسة مجلس السوفييت الأعلى  للاتحاد السوفيتي بين عامي 1974 و 1989 .
 رئيسة إدارة اتحاد جمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية بين عامي 1987 و 1992 .
 نائبة الشعب للاتحاد السوفيتي بين عامي 1989 و 1991 .
 رئيسة إدارة الرابطة الروسية للتعاون الدولي خلال سنة 1992 .
 نائبة رئيس الوكالة الروسية للتعاون الدولي و التنمية بين عامي 1992 و 1995 .
 رئيسة الوكالة الروسية للتعاون الدولي والتنمية بين عامي 1994 و 2004 .
 تولَّت منصب كبيرة العلماء في مركز إعداد روَّاد الفضاء اعتباراً من عام 1997 .
 رُقِّيت إلى رتبة لواء في الجيش. و تقاعدت اعتباراً من 30 نيسان من عام 1997 .  نائبة مجلس الدوما المحلي في مقاطعة ياروسلافل و مُمثّلة حزب «روسيا المُوحَّدة » فيه منذ عام 2008 .
 أُطلق اسمها على بركان موجود على سطح القمر و على كوكب صغير، إلى جانب بعض الشوارع في المدن الروسية و البيلاروسية، وتمَّ إخراج العديد من الأفلام حولها. و مؤخراً، تمَّ الإعلان عن رحلة «المريخ- ؛»1 و هي «رحلة بلا عودة » إلى كوكب المريخ من المُتوقّع أن تبدأ عام 2024 ، و انتشرت الفكرة بين المُغامرين كانتشار النار في الهشيم ليبلغ عدد المُسجَّلين الذين أبدوا استعدادهم للقيام بهذا التحدِّي آلاف المتطوِّعين خلال ساعات قليلة. إن هذه الفكرة الجنونية كانت قد دعت لها فالنتينا تيريشكوفا سابقاً؛ بل و أبدت خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين لصعود أول امرأة إلى الفضاء الخارجي الذي أُقيم في «مبنى الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي » في «فيينا » (النمسا) عام 2013 ، أبدت استعدادها للقيام بتلك الرحلة إلى الكوكب الأحمر؛ و لو كانت تلك الرحلة ذهاباً فقط! لتُثبت فالنتينا مُجدَّداً قدرتها على المُغامرة و لو بعد خمسين عاماً من رحلتها التاريخية إلى الفضاء...

المراجع :
- كتاب "كتاب سلسلة أعلام للناشئة"- العدد 26 - أعلامٌ في ريادةِ الفضاء » - محمد حسام الشالاتي - «الهيئة العامة السورية للكتاب » - دمشق - 2014 .
- مُحاضرة «روَّاد الفضاء الأوائل » - الجمعية الجغرافية السورية - الخميس 30 نيسان 2015 .


0 comments: