Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

المكتبة وأثرها في تنمية الطفل ....دوائر الإبداع العدد الخامس


عبد العزيز الخضراء

مما لا شك فيه أن التعود على القراءة منذ الطفولة المبكرة يغرس في الأطفال حب القراءة والاطلاع وبذلك يتأصل حب القراءة لديهم وتصبح هواية يمارسها الطفل ويتمسك بها كوسيلة من وسائل تحقيق الذات ، وتنميتها خلال مراحل الحياة المختلفة ، ومن جملة هؤلاء المواطنين يتكون المجتمع القارئ الذي يتولى قيادة الحياة العلمية ، والثقافية ويطورها ويثريها .
 ومن المعروف أن الكثير من بلدان العالم على اختلاف درجة تقدُمها ونُموّها تهتم بالخدمات المقدمة للأطفال اهتماماً كبيراً وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على القناعة الراسخة بحقوق الطفل ورعايته وثقافته. ومن بين الخدمات التي تسعى الكثير من الدول إلى تقديمها للأطفال؛ الخدمات التعليمية والتربوية والتي من شأنها العمل على إعداد النشء وتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة وتربطه بوطنه ومجتمعه وتجعله أكثر التصاقاً بثقافة بلده أو وطنه أو أمته. وتساهم وسائل الاتصال على اختلافها وتنوعها بدور حيوي في هذا المجال، إلا أن الكتب والصحف والمجلات تتميز عن غيرها في تزويد القارئ بالمعلومات أو تنمية ملكة الحكم والنقد والتعبير. والمكتبة تعتبرُ جزءاً مؤثراً وفاعلاً في المجتمع وذلك لما لها من أثر فعّال في الحياة العامة لتلبيتها للحاجات التربوية والثقافية؛ ولذا فهي شديدة الصلة بالعناصر المختلفة للمجتمع . كذلك تعتبر المكتبة وما يتصل بها من خدمات مظهراً من مظاهر التطور الثقافي لكونها وسيلة تربوية ذات أثر فعّال في حياة الأفراد حاضراً ومستقبلاً. وقد أدركت كثير من المجتمعات المتقدمة أهمية المكتبات فعملت على إنشائها في المدرسة والجامعة والمدينة والقرية والمؤسسة والشركة.. إلخ بحيث أصبحت هذه المكتبات بما تحويه من مواد الثقافة والمعرفة قلاعاً للثقافة والمعلومات يرتادها الصغار والكبار المتعطشون والراغبون في التعليم والتعلّم، كما أولت اهتماماً أكثر للمكتبات المدرسية ومكتبات الأطفال باعتبارها أساسا لإعداد أجيال المستقبل، وكان من نتيجة ذلك ما نلاحظه من حب وتعطش للقراءة لدى كافة
الأعمار(1). إن القراءة وارتياد المكتبات من أهم الوسائل التي تُثري ثقافة الطفل، ولهذا نجد أن مكتبات الأطفال تحظى بمزيد من الاهتمام العام على كافة الصعد الاجتماعية والعلمية والثقافية باعتبارها عاملأً هاماً يُسهم بفعالية في معالجة مشاكل التنمية البشرية، فارتباط ثقافة الطفل بالمكتبة يُعَدُ أحد الأنماط البيئية السليمة التي تساعد على تكوين تلك الثقافة واستمرار تعزيزها ودعمها علاوة على أن المستفيد من المكتبات سواء من الأطفال أو من الكبار هو في الواقع محور أي نشاط معلوماتي. وتشير الكثير من الدراسات إلى الاهتمام بثقافة الطفل باعتبارها ضرورة يفرضها الوعي الناضج لاحتياجات الطفولة وتلبيتها حيث يتمّ التركيز على قدرات الطفل الذاتية وتنميتها لبناء جيل سليم قادر على العطاء المستمر . إن اجتذاب الأطفال إلى المكتبات العامة والمدرسية وتعويدهم وتشجيعهم على زيارتها يعتبره كثير من المتخصصين الخطوة الأولى نحو التعليم الذاتي الحرّ، والطريق نحو تأصيل مفهوم الثقافة والتعليم المستمر الذي يلازم الفرد طوال حياته .

فما هي الثقافة ؟
عند الحديث عن الثقافة يجدر بنا توضيح معنى الثقافة بشكل عام، فهي من الألفاظ الشائعة التي صار استخدامها شائعاً بين أوساط المثقفين وغيرهم فالبعض يستخدمها للدلالة على المعرفة وكثرة الاطلاع وسعة الأفق؛ إلا أن المعنى العام للثقافة أوسع من ذلك وأعم، فثقافة أي دولة أو أمة هي وجدانها وتراثها وماضيها وحاضرها ومستقبلها وهي التي تميزها وتنمّ عنها، «وتشمل الثقافة مجموع الأفكار والعقائد والمعاير الخلقية والأدبية والفنية التي تسود في المجتمع والتي يظهر أثرها في الكثير من النظم والقوانين وأساليب المعيشة؛ فالثقافة هي نتاج تفاعل كثير من العادات والتقاليد والعقائد والقانون والنظم الاجتماعية » (2). الثقافة هي الحاصل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقوانين والتقاليد والسلوك والقيم والاتجاهات التي يكتسبها الإنسان وهو عضو في المجتمع. وهذا يعني أن الثقافة ليست سجلاً لآثار الماضي وتراثه بقدر ما هي عماد الحاضر وأساس المستقبل وأنها طريقة حياة المجتمع وهي في نفس الوقت أداة تطوير هذه الحياة.(3). وبعبارة أخرى فإن الثقافة تشمل كلّ عناصر التراث الفكري والروحي الذي يتجمع لأي أمة من الأمم عبر تاريخها الطويل على مرّ الأزمان والعصور، وتنتقل من جيل إلى جيل. وكل مجتمع له طريقةٌ تميزُ أسلوب حياته عن غيره من المجتمعات، ووجود فارق بين المجتمعات الإنسانية مرجعه إلى ما يتميز به المجتمع الإنساني من وجود ظاهرة اجتماعية خاصة وهي ظاهرة الثقافة. ثقافة الطفل وعوامل تنميتها :قد يصعب إيجاد مفهوم محدد لثقافة الطفل باعتبارها تركيبة مزدوجة من مجموعة العوامل التي يمرّ بها الطفل في مراحل حياته، فقد تكون: مجموعة ما يحتويه رأس الطفل من معارف ومعلومات اكتسبها من خلال مجتمعه، أو مجموعة المعلومات والمعارف التي يتلقاها أو يكتسبها بشكل مقصود من خلال عملية التربية والتعليم أو ما يكتسبه الطفل من خلال أجهزة التوجيه غير المباشرة كالإعلام ومؤسسات النشاطات الاجتماعية والثقافية من أندية وجمعيات.. إلخ. إن ثقافة الطفل هي كل ما يمدُّه بمجموع القيم والأعراف والعادات والتقاليد وأنماط السلوك التي ارتضاها المجتمع الذي يحيا فيه إلى جانب ذلك الرصيد من المعارف والعلوم الذي يؤهله للإسهام بنجاح في أداء دور فاعل في حياة مجتمعه وتطويره إلى الأفضل. وتتعدد المؤثرات التي تساهم في تنمية ثقافة الطفل بداية من الأسرة وانتهاءاً بالمكتبة ومروراً بعدد من المحطات من بينها المدرسة ووسائل بث المعلومات المتعددة...إلخ.

مكونات ثقافة الطفل :
1-الأسرة :
يبدأ الطفل حياته داخل أسرته وفيها يتأثر بثقافتها وأسلوب حياتها، فالأسرة مصدر هام من مصادر ثقافة الطفل فكل أفراد الأسرة لهم تأثير مباشر على الطفل، وكُلما كان الوالدان واعيين بدورهما في تنشئة أطفالهما، كُلما كان التأثر إيجابياً على مستقبل الأطفال. فالأسرة تقع عليها مسؤولية إعداد أبنائها من خلال تعويد الطفل على القراءة وتحبيب الكتاب إليه، فالقدوة في ذلك لها تأثير ملحوظ على سلوك الطفل، فعندما ينشأ الطفل في بيت قارىء فمن الطبيعي أن يحاكي أفراد أسرته، فالأسرة التي تأخذ بيد أطفالها وتعودهم على القراءة في فترات مبكرة من حياتهم وتساعدهم في فهم قراءاتهم بأسلوب سهل مبسط ومشوق، وانتقاء الكتب وغيرها من أدوات المعرفة المناسبة لهم وتشجعهم من خلال حوافز معينة معنوية وأحيانا قد تكون مادية، إن كل ذلك يساهم مساهمة فعالة في تحبيب القراءة للطفل والتعلق بها، كما أن وجود مكتبة بالمنزل تضم مجموعة منتقاه من الكتب والمجلات والأشرطة والتسجيلات والتي تناسب الأطفال، يعتبر عاملاً مساعداً للأطفال. وينصح البعض بضرورة القراءة على الطفل بصوت عال خلال الفترات المبكرة من حياته التي لا يستطيع فيها القراءة لنفسه وشرح وتوضيح القصة أو المادة التي قرئت عليه بأسلوب به شيء من السهولة والبساطة والرقة؛ إن ذلك يجعله يشعر بالراحة والطمأنينة وتتولد لديه الرغبة إلى المزيد لما لمسه في القراءة من متعة وفائدة. إن الاهتمام بالكتاب يبدأ بالبيت فإذا نشأ الطفل في بيئة تشجعه على القراءة والمطالعة فإن حبه لها سوف ينمو واهتمامه بالكتاب سوف يزداد بعكس الطفل الذي حُرِم من مكتبة بيتيه ومن والدين قارئين فهو يحتاج إلى مكتبة مدرسية لتعرض له الكتب وتشجعه على القراءة وترفع من مستوى حياته الفكرية، وعندما يعتاد الطفل ارتياد المكتبة واستخدامه لكتبها في سن مبكرة فإنه سيكتشف أن المكتبة ليست مكاناً لاكتساب المعرفة بشكل دائم وحسب بل إنها مجال لقاء وتسلية؛ فالمكتبة تؤمن للأطفال نشاطات تثقيفية وخدمات تعليمية ولقاءات إنسانية مفيدة.

2-المدرسة :
ما من شك بأن للمدرسة دوراً مهماً في تكوين ثقافة الطفل خاصة إذا زودت بالوسائل الأساسية الي تعينها في تأدية رسالتها. فالمدرسة تتيح أمام تلاميذها فرص النمو الشامل وتعودهم الاعتماد على أنفسهم وتدريبهم على اتخاذ القرارات واختيار ما يريدونه وتحمّل مسؤولية ما يقومون به من أعمال .وإسهامات المدرسة متعددة خاصة في تنمية عادة القراءة، فالطفل يتعلم النطق السليم في المدرسة ومن خلالها يتمكن من اختيار وانتقاء الكتاب والقصة والمجلة التي يميل إلى قراءتها والاطلاع عليها، فالمدرسون وأمن المكتبة يتعاونون في الأخذ بيد الأطفال خصوصاَ في بداية رحلتهم التعليمية فمن خلال المعلم وأمين المكتبة تحقق المدرسة أهدافها في التنشئة العلمية والثقافية والتربوية للطفل حيث تعود إليها مهمة تنمية مهاراته في عملية القراءة وشرح الكلمات غير المألوفة، وكذلك تنمية العادات السليمة في القراءة. كذلك من خلال المسابقات الثقافية يتم توظيف الكثير من الأنشطة اللامنهجية المدرسية داخل المدرسة وخارجها؛ وذلك بقصد تنمية مدارك الأطفال ونموهم العقلي والاجتماعي والانفعالي (4). فالمدرسة هي أكثر المؤسسات تأثيراً في نمو الطفل وتوجيهه وصقل شخصيته، فيدخل الطفل المدرسة في سن مبكرة بعد أن يكون قد اكتشف الشيء الكثير من ثقافة بيته وأسرته ومجتمعه وعلى المدرسة أن تعمل على تقويم ما اكتسبه الطفل من عادات واتجاهات غسر سليمة مع تدعيم وتعزيز ما اكتسبه من عادات واتجاهات سليمة. ففي المدرسة يبدأ الطفل بتلقي الثقافة بصورة منظمة من خلال الدروس عن طريق الأساتذة، وأول كتاب يتعلم الطفل بواسطته القراءة هو الكتاب المدرسي المقرر. وأهمية الكتاب المدرسي تكمن في كونه الكتاب الأساسي الذي يبدأ الطفل من خلاله التعرُّف على العالم الجديد المليء بالإثارة والمعرفة وقد يكون بالنسبة لكثير من الأطفال الكتاب الوحيد بن أيديهم لأسباب مادية أو ثقافية. إن الفلسفات التربوية الحديثة تنادي بأن يكون للطفل فاعليته ودوره الإيجابي في التعليم فهو الذي يحصل على العلم بنفسه مع الاكتفاء بأن يكون المدرس مُرشداً أو موجهاً لا غير(5). إن رجال الغد هم أولئك الأطفال الموجودون في المدارس اليوم وفي هذه المؤسسات التعليمية يكتسب الأطفال الأساس العلمي، حيث تنطلق مواهبهم الفكرية، ويتكون وعيهم وتتبلور طاقاتهم الخلاّقة المبدعة، ولا يتحقق ذلك إلا إذا ركزت المدارس على جعل الدارسين يتفاعلون مع المواقف الحياتية المتغيرة وفهم مشكلاتها وتدريبهم على التفكير بصورة واعية ناقدة والابتعاد عن التلقين والاتجاه إلى الحوار والمناقشة.

3-البيئة الاجتماعية :
تُعدّ بيئة الطفل إحدى المؤثرات الهامة في ثقافته؛ وذلك لاحتكاك الطفل المتواصل مع جيرانه وأقربائه وأصدقاء أسرته وغيرهم من أفراد المجتمع ممن يحيطون به وعلى اتصال وتعامل معهم ؛ لذلك فإن ثقافة الطفل تُعدّ نتاجاً اجتماعياً، وتعتبر مرآة عاكسة للسمات البارزة في المجتمع الذي ينتمي إليه، ومن عادة الطفل الميل للارتباط بالقيم السائدة في مجتمعه، ومن هنا يستطيع المجتمع المحيط بالطفل أن يُقوي عنده جانب حب المعرفة والابتكار والاكتشاف أو يهدمها. وبالرغم من أن الثقافة عملية مستمرة ولا تتوقف عند مرحلة معينة من عمر الإنسان إلا أن اللبنة الأولى في تكوين الإنسان ثقافياً تبدأ منذ الطفولة. فالمجتمع يُسهم إسهاماً أساسياً في بناء شخصية الطفل في شتى النواحي الاجتماعية والنفسية والعقلية والثقافية . (6)

4-وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة :
تعتبر الإذاعتان المسموعة والمرئية والصحف والمجلات من المكونات الرئيسة في بناء وتكوين ثقافة الأطفال، فتعمل على صقل شخصياتهم والارتقاء بفكرهم ووجدانهم، فضلاً عن دورها الوسيط في نقل المعلومات والقيم التي يُرغب في توصيلها إلى الطفل. ويعتبر ذلك عملاً ايجابياً لمهمة الوسائل الإعلامية، بينما يرى البعض أن تلك الوسائل الإعلامية وخاصة الإذاعة المرئية أو التلفاز خطر يهدد ثقافة الأطفال لتجاهلها رأي خبراء ومستشاري رعاية الطفل في الموضوعات التي توجه الطفل مما يجعله يقضي معظم وقته منشغلاً بمادة لا تلبي له الحاجات النوعية ولا النمو الفكري والثقافي. ولتلافي الجوانب السلبية (7) تشترط الكاتبة: «ريتا عوض » مجموعة من الشروط ومنها:
الحرص على جودة ما يقدم من برامج إعلامية للأطفال.
ترشيد أوقات البث التلفزيوني الموجه للأطفال ومراقبتها.
دعم الصحافة العربية لتيسير رواجها، وتنمية وعي الأطفال بضرورتها.
التأكيد على استخدام اللغة العربية السليمة والمبسطة في كل البرامج المقدمة من خلال وسائل الإعلام وخاصة ما هو موجه إلى الطفل.
يمكن أن تسهم الإذاعة المسموعة في إعداد مادة خاصة بقراءات الأطفال كأن تقوم بعرض بعض الكتب أو القصص والتحدّث عنها وإبداء الرأي حولها والإعلان عن بعض الكتب الأخرى.(8)
يمكن للإذاعة المرئية أن تساهم من خلال البرامج المتنوعة التي تساهم في إعداد الأطفال لمواجهة مصاعب الحياة وإشباع رغباتهم مما يتم اختياره من برامج تربوية وثقافية تتميز باحتوائها على مواد مشوقة ومناسبة لمراحل النمو المختلفة، كذلك يمكن استغلال بعض المناشط التي يقوم بها الأطفال بتسجيلها وإعادة عرضها أو لقطات منها (8).

5-المكتبة بوصفها وسيلة من وسائل نشر الثقافة :
من المُسلّم به أن المكتبات تُعدُّ من أهم الوسائل التي تعين على نشر الثقافة بين كافة أفراد الشعب. عن طريق ما تحويه الكتب من المعلومات المتنوعة التي تعين على كسب المعرفة، ومساعدة الأفراد الاتصال دوماً بمصادر الفكر والثقافة وإحاطتهم بمعارف مختلفة لها صلة بالماضي بما حواه من أحداث وما تركه السلف من تراث، وذات صلة بالحاضر بما يجري في العالم الذي يعيشون فيه إلى غير ذلك من نواحي المعرفة التي تساعد على تنمية الحياة العقلية وخصبها. ونظراً لما لمرحلة الطفولة من أهمية نابعة من إدراك أهمية هذه المرحلة العمرية ودورها الرئيسي في تنشئة الطفل وبناء شخصيته فقد أقدمت كثيرٌ من الدول على إنشاء مكتبات أطفال عامة وسخرت لها الإمكانات المختلفة من أبنية وتجهيزات وعاملين بقصد تحقيق أغراضها التنموية من خلال أطفالها. وتعد كلٌ من المكتبة المدرسية والعامة أكثر المكتبات تأثيراً في حياة الطفل باعتبارهما أولى محطات رحلته العلمية والثقافية والتي تبدأ بإتقانه القراءة والكتابة، ونظراً لأن القراءة هي أهم ثمرات الحضارة على الإطلاق لذلك كانت مكتبات الأطفال هي المصدر الأساس في البناء الثقافي الحضاري الذي يُسهم بشكل فاعل في فتح آفاق المستقبل للأطفال بغرسها حب القراءة فيهم والارتقاء بحسهم الإنساني الذي يجعل منهم في النهاية مواطنين صالحين(9). إن مكتبات الأطفال مؤسسات ثقافية تربوية تُسهم في تثقيف وتربية وبناء جيل الأطفال بناءً سليماً متكاملاً من خلال نقل المعرفة، وإيصال المعلومات وتطوير المهارات وتوفير القراءات الهادفة، وتنوّع مصادرها، وإتاحتها للأطفال بأيسر الطرق الفنية، والخدمات المناسبة. وتعتبر مكتبات الأطفال المنفصلة أو الملحقة بالمكتبات العامة والمكتبات المدرسية من أولى الوسائل الفعالة في تثقيف الطفل وتنمية قدراته الفكرية وحصيلته العلمية، ومما يزيد من أهمية مكتبات الأطفال العامة ارتيادها من قبل الكبار من ذوي الأطفال ما يجعل عملية الذهاب إلى المكتبة والقراءة عملية تبدأ بالمحاكاة إلى تكوين وغرس عادات تستمر معه في مراحل عمره المختلفة. ومن خدمات مكتبات الأطفال؛ مساندة المكتبات المدرسية في تحقيق أهدافها، كما تُساهم في سدِّ النقص في تلك المكتبات خصوصاً في حالة عدم كفاءتها أو في حالة عدم وجودها أصلاً في بعض المدارس كما أنها تفتح أبوابها لاستقبال الطفل عندما تكون المدرسة مغلقة. كذلك فإن مجموعاتها تخدم احتياجات متنوعة وليست فقط موجهة للتعليم الرسمي، هذا فضلاً عن أن المكتبة العامة تقدم خدماتها لأطفال ما قبل سن المدرسة، وتتيح للآباء والأسرة مساهمة ومشاركة الطفل في الكثير من المناشط داخل المكتبة، وذلك خدمة له وتشجيعاً لمزيد الارتياد وجي فوائدها في المستقبل. « وقد اتجهت كثير من الدول المتقدمة إلى الاهتمام بالطفولة المبكرة من عمر( 2- 5) سنوات أي من بداية استمتاع الطفل بكتاب الصور أو القصة أو الأنشودة.» (10).

أهداف مكتبات الأطفال :
تتعدد أهدافها لشمولها معظم جوانب تنشئة الطفل ومن هذه الأهداف:
توفر الظروف المناسبة للأطفال لأجل المطالعة والتسلية والترفيه من خلال توفير الكتب والمواد المكتبية المتنوعة التي تتناسب مع أعمارهم ورغباتهم خال مراحل نموهم المختلفة مع توجيه الاهتمام إلى مواد المعلومات التي تعالج مشاكل الحياة الاجتماعية.
تيسر اطلاع الأطفال واستخدامهم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكتب.
إرشاد الأطفال وتوجيههم لاختيار المواد المكتبية المناسبة لهم وتدريبهم على التعليم الذاتي المستمر والاعتماد على النفس ومحاولة اكتساب المعارف بجهدهم الخاص.
تشجيع الأطفال على القراءة وغرس متعة القراءة لديهم والتعرُّف على المشكلات القرائية عند الأطفال والعمل على حلّها .
تنمية الذوق السليم من خلال اطلاعهم على مستويات أدبية منتقاة وتعريفهم بأنواع أدب الأطفال وترقية الإحساس بالتذوق الأدبي والفني .
مساعدة الأطفال على تنمية قدراتهم الشخصية وصقل مواهبهم واستغلال المكتبة بطريقة تعينهم على تنمية كيانهم الشخصي والاجتماعي.
تدريب الأطفال على كيفية استخدام المكتبة والمحافظة على مقتنياتها والاستفادة منها وإكسابهم بعض العادات الجيدة مثل التعاون واحترام آراء الغير.
التعاون والتنسيق مع المؤسسات الأخرى المعنية برعاية الأطفال لتأصيل دور المكتبة كقوة اجتماعية فاعلة ومؤثرة (11).

إسهامات المكتبة في ثقافة الطفل :
تساهم كل من المكتبات العامة والمدرسية مساهمة مباشرة في ثقافة الطفل من خلال جملة المناشط التي يتم إعدادها لهذا الغرض، إلا أن مكتبات الأطفال التي قد تكون ملحقة بالمكتبات العامة أو منفصلة عنها أكثر إسهاماً وتأثيراً على ثقافة الأطفال من خلال تحقيقها للأهداف السابقة بواسطة مجموعة من البرامج والأنشطة. ويمكن تحديد إسهامات المكتبة في مجموعة من النقاط، ومنها:
1-من خلال تعدُّد المواد وتنوعها تستطيع المكتبة إتاحة مصادر قرائية متنوعة للأطفال في مراحل مختلفة من أعمارهم خاصة المرحلة الأولى التي تعتبر من أهم المراحل المؤدية إلى غرس عادة القراءة في نفوسهم مما يساعد على إيجاد المواطن الواعي المستنير، حيث يتم توطيد الصلة بين الطفل ومواد القراءة وفي مقدمتها الكتاب.
2- تنمية الثقافة الذاتية: يساعد التردُّد المتكرر على المكتبة وتأصُّل عادة القراءة على ترسيخ التعلّم الذاتي ويهيئ الأطفال إلى اكتساب الثقافة الذاتية المستقلة والوصول إلى مفاتيح المعرفة بأنفسهم.
3- إن استخدام الطفل للمكتبة في سن مبكرة يجعله أكثر شغفاً وتردداً عليها في المستقبل فتزداد ثقافته وتنمو حصيلته العلمية ويصبح أكثر قدرة على الفهم والتحصيل، كما يساعد ذلك على استخدامه للأنواع الأخرى من المكتبات - مثل المكتبات الجامعية- في شبابه وفي جميع أطوار حياته المقبلة. وقد أشار أحد المكتبيين إلى الجوانب الايجابية للاستخدام المبكر للمكتبة العامة من قبل الأطفال بقوله: «إن القراءات العامة في المكتبة العامة من جانب الناشئ والمراهق تجعل التعليم الجامعي أكثر فائدة وأكثر نضجاً، كما أن اعتياده التردد على المكتبة العامة يجعل الأثر النهائي للقراءات أبعد وأكثر استمراراً بعد تخرجه وخاصة إذا ظلت المكتبة في متناوله، واستمرت البيئة تُيسِّر له حصوله على الكتب التي يريدها (12).

المراجع :
1 محمد مصباح، «المكتبة وقضية القراءة » مجلة كلية الآداب(جامعة الفاتح) - 2003 ص 250.2
2 حمزة أبو النصر. » ثقافة الطفل: الواقع والتجارب والهدف » ثقافة الطفل شهادات محلية
وعربية - الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 1994 ص 98 - 111.3
-3 عبد اللطيف صوفي. المكتبة الشاملة وتقنيات التعليم - سلطنة عمان: ، 1991 ص 3- 4 0
-4 فيصل عبدا لله ألحجي- الدليل الببليوغرافي لكتاب الطفل العربي - دبي: المطبعة الاقتصادية. 1990 ، ص 5، 17 .
-5 ماري فاشة - مكتبات الأطفال ودورها في التنشئة الثقافية - ندوة دور المكتبات في التنمية
الثقافية والمجتمعية، 1996
-6 عبد الله الشريف: «المجلة العربية للمعلومات » مج 4، ع 1 1993 ، ص 105.7
-7 ماري وين: «الأطفال والإدمان التلفزيوني » ترجمة عبد الفتاح ألصبحي - عالم المعرفة، الكويت: مطابع الوطن، 1999 ص 18.8 .
-8 ريتا عوض: « الطفل في نشاطات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم » ثقافة الطفل: شهادات محلية وعربية . الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 1994 ص 43.9
-9 سهير محفوظ: الخدمات المكتبية العامة للأطفال . القاهرة: مكتبة زهراء الشرق، 1997 م
ص 63 - 10 .
10-  سهير محفوظ: الخدمات المكتبية وأدب الأطفال: دراسات وبحوث - القاهرة: المكتبة الأكاديمية، 1997 م . ص 101.11 - جمعت المادة من مجموعة مصادر.
11  أحمد أنور عمر: المعنى الاجتماعي للمكتبة. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية 1978 ص. .13 -6
12  هبة اسماعيل: » الأطفال والانترنت »: مقترح تعلم مبادئ الانترنت في مكتبات الأطفال . مكتبات نت مج 1، ع 4، )ابريل 2000 ( ص : 18 - 14 .
13  لانا بدر الدين: «ثقافة الطفل الصحية: خطة تنمية لا رفاهية » ثقافة الطفل - شهادات محلية وعربية - الشارقة: دار الثقافة والإعام، 1994 ص 213 . المعرفة هي القوة ..!!

مجلة دوائر الإبداع العدد الخامس متابعات

0 comments: