Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

من الكون إلى محرك البكتيريا النانوي الفلاجيليوم ونهاية نظرية التطور....الأدب العلمي العدد العاشر


د.م. محمد علي السيد علي

يعرض هذا المقال بعض تفاصيل الأبعاد الكونية الهائلة ، ومن ثم ينتقل إلى الأبعاد الغاية في الصغر ، وذلك بالمقارنة مع بعد الإنسان المكاني . فبالنسبة للأبعاد الكونية تعطينا الحجوم المختلفة للكواكب والمقارنة فيما بينها ، بالإضافة لأبعاد المسافات الفاصلة فيما بينها ، تصوراً مناسباً عن الأبعاد الهائلة للمحيط الذي نعيشه .
و فيما يخص الأبعاد الغاية في الصغر، فإن المثال الذي سنتابعه ھو من الجانب الحي للكون، ألا و ھو الأحياء الدقيقة، و تحديداً الأحياء ذات المحرك النانوي الطبيعي، إذ إن محرك هذه الكائنات يمثل منظومة غير قابلة للاختزال، و هذا يشكل تناقضاُ يضاف إلى التناقضات العديدة (الشيفرة الوراثية، الثوابت الكونية، الأنظمة الذكية،..) التي تنافي الداروينية الجديدة.

نشأة وأبعاد الكون
كان لھابل تلسكوب ضخم أثبت أن للكون تاريخ ميلاد محدداً، يعتبر العالم الفلكي أدوين ھابل أول من أثبت أن للكون تاريخ ميلاد محدد ،كان لهابل تلسكوب ضخم، وفي يوم من أيام عام 1929 كان كعادته يراقب الفضاء بجھازه الكبير، توصل إلى أن النجوم متحركة، وهذه النجوم لم تكن • تتحرك بانتظام، وانما تبتعد عنا باستمرار وكذلك تبتعد عن بعضھا البعض هذا يعني أن كل شيء يبتعد عن بعضه البعض،فالكون إذن في حالة اتساع، الشكل رقم 1


لم يكن الإنسان يعرف هذه الحقيقة قبل مئة عام، أما اليوم فجميع العلماء يقولون بأن النجوم تبتعد عن بعضھا البعض وعن الأرض كذلك وحركة النجوم هذه تمثل دليلاً مھماً جداً بشأن خلق الكون لأن ابتعاد النجوم عن بعضھا البعض باستمرار يبين أنھا كانت جميعاً في نقطة واحدة في البداية . يرى العلماء أن جميع مواد الكون كانت قبل 15 مليار سنة عبارة عن نقطة مضغوطة في حجم رأس الإبرة. ·وانفجار هذه النقطة و انتشارها في الفضاء نتج عنه هذا الكون الذي نراه اليوم..
لنكتب ما شرحناه حتى الآن بشكل متتالٍ ومرتب:
أولاً، النجوم متحركة باستمرار.
ثانياً، جميع النجوم تبتعد عنا باستمرار.
ثالثاً، لو رجع الزمن إلى الوراء فإن النجوم تقترب من جديد من بعضها البعض، هذا  الرجوع يستمر حتى يصبح الكون كله متجمعاً في نقطة واحدة.
وإذا رجعنا أكثر للخلف تصبح هذه لنقطة عدماً بمعنى أن الكون ظهر  بعد أن لم يكن شيئاً. يتصف الكون بضخامته المعروفة و تنوع مكوناته (نجوم، كواكب، سدم، نيازك،
شهب،..) الشكل رقم 2

بالتعقيد الهائل مع التنظيم الدقيق جداً، و هو  بذلك يعتبر ضخماً جداً بالمقارنة مع الأبعاد التي اعتدنا التعامل معها كالطول الوسطي للإنسان أو بعد الأرض عن الشمس أو قطر الأرض أو قطر المجرة أو... لذلك تم الاتفاق على التعبير عن الأبعاد الكبيرة بالزمن اللازم للضوء لكي يقطع هذه المسافة(الثانية الضوئية و السنة الضوئية)
(من المعلوم أن المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة تساوي 299,792,458 m/s بذلك تكون الثانية الضوئية مساوية ل 299,792,458 متر).
كما هو موضح في الشكل رقم 1 ، فإن أغلب مكونات الكون تتواجد في مسافة ضمن ال 6000 مليون سنة ضوئية بعيداً عنا، و ينتشر ما كشف من الكون بعد تلك المسافة إلى بعد ال 9000 سنة ضوئية.
بالإضافة للأبعاد الضخمة للكون، نجد أن مكوناته المختلفة من كواكب و أقمار و.. أيضاً ذات أبعاد كبيرة بالنسبة لما ھو معھود لنا، فعلى سبيل المثال:
الشكل رقم  4

صورة بمقياس رسم حقيقي توضح حجم كوكب المشتري العملاق مع كوكب الأرض والذي يفوقھا ب 1300 مرة !!. كما يبين الشكل رقم 5

حجم الأرض النسبي بالنسبة للشمس، إذ يبلغ حجم الشمس 1300000 مرة حجم الأرض.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالسلسلة تزداد حجماً كما يبين الشكل رقم 6،

حيث يتضح لنا مدى ضآلة شمسنا بالمقارنة مع بعض الكواكب الأكبر.
و نجد من النجوم ما ھو أكبر من ذلك،
الشكل رقم 7

حيث تبدو شمسنا بالنسبة له صغيرة جد اً.
و تصل أبعاد أكبر نجم تم اكتشافه حتى الآن إلى 9 بلايين مرة حجم الشمس . كل ھذه النجوم العملاقة تتوزع في الكون و تفصل بينھا مسافات ھائلة العظم بالنسبة لأبعادھا، و تقاس ھذه المسافات بالسنين الضوئية كما تم ذكره سابقاً.

صورة مصغرة
إذا اعتبرنا أن الأرض عبارة عن ذرة من الغبار، تكون الشمس عندئذ كحبة الجوز و تبعد عن الأرض بمسافة 3 أمتار، سيكون نجم ألفا سنتوري (أقرب نجم ساطع في مجرة درب التبانة إلى الشمس) في ھذه الحالة على بعد 640 كم عن الشمس، و مجرة درب التبانة تحتوي 250 بليون نجم ساطع تفصل بينھا ھذه المسافات الشاسعة جداً !! و الكون يحتوي على مجرات أخرى يقدر عددھا ب 200 بليون مجرة !! أما المسافات الفاصلة بين  ھذه المجرات فأكبر من المسافة بين الشمس و الفاسنتوري بملايين المرات !!
ھل أصبحت صورة أبعاد الكون واضحة الأن ؟ ننتقل الآن إلى الأبعاد الأقل من بعد الإنسان:

النانومتر
النانومتر ھو وحدة قياس مترية:
1 nm = 10-9m
ويبلغ طوله واحد من بليون من المتر أي ما يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذري المعروفة بالأنغستروم، و حجم النانو أصغر بحوالي 80.000 مرة من قطر الشعرة( . إذ تعني كلمة النانو باللغة الأغريقية الرجل القزم (أو الصغير). تستخدم أيضاً كلمة النانو كسابقة للعديد من واحدات القياس كالأمبير (نانوأمبير) و الفاراد (نانوفاراد)، و في كل  الحالات تعني ما مقداره 9- 10 من وحدة القياس الأساسية - للمقدار المقاس.يبين لنا الشكل رقم 9 

مقارنة بين حجم الإنسان و رأس الدبوس و كرية الدم الحمراء و ال DNA وصولاً إلى المحرك النانوي والذي أبعاده من رتبة عشرة نانومتر.
المحرك النانوي الطبيعي ال Flagellum ھو محرك طبيعي تستخدمه الكثير من البكتريا و الكائنات الدقيقة (الحيوانات المنوية) ( Flagellum ) لتتحرك بواسطته عبر تدوير ذيلھا، ھذه الحركة ھي التي تدفعھا للأمام و تحافظ على حياتھا. بنية ھذا المحرك الشكل رقم 11

، تشابه تماماً بنية المحركات المستخدمة لتدوير المحاور، من حيث تشكلھا من مسننات و حلقات التثبيت و الجزء الثابت و المتحرك، بالإضافة لمحور نقل الحركة بالطول المناسب. المواصفات الأساسية لللمحرك النانوي الطبيعي ھي:
1- يدور ھذا المحرك من 1700 rpm إلى  rpm(100000 rpm تعني دورة بالدقيقة(.
2- تحتوي مساحة تعادل مقطع الشعرة على 8 ملايين كائن بكتريا بمحركه النانوي. عرض المحرك كاملاً تتراوح من 10 nm إلى 40 nm .
  3- يتكون المحرك النانوي الطبيعي من 20000 إلى 30000 وحدة أساسية مشكلة من تركيبة من 40 بروتين متنوع.
4- يعتبر المحرك الوحيد في العالم الذي يحول الطاقة بلا فقد.
5- لا يمكن للمحرك النانوي أن يقوم بدوره إذا فقد أي وحدة من وحدات بنائه الأساسية، وبالتالي يموت الكائن الذي يعتمد في حياته على ھذا المحرك للحركة.

الأنظمة الغير قابلة للاختزال Irreducible Complexity
نوضح فيمايلي وبشكل مختصر نظرية الأنظمة الغير قابلة للاختزال ( Irreducible
Complexity ) أو الأنظمة الذكية (Intelligent Devices – ID) تعرف ھذه  الأنظمة بأنھا الأنظمة التي لا يمكن أن يحذف منھا أي وحدة ، بناء تدخل في تشكيلھا مع الإبقاء عليھا قادرة على العمل. مثال مبسط عنھا ھو مصيدة الفئران الشكل رقم 12

المتشكلة من خمس وحدات بناء أساسية (النابض و القاعدة وقضيب التثبيت و حامل الطعم و المطرقة)، فبغياب أي وحدة من ھذه الوحدات يتوقف النظام بكامله عن العمل. ھذا يعني أن تشكل ھذا النوع من الأنظمة يتم دفعة واحدة ولا يمكنه أن يتطور من أشكال أقل تعقيداً بإضافة تحسينات أو أجزاء متممة.

التناقض مع نظرية التطور
يقول داروين في نظريته: «إذا أمكن أن نبرھن: على وجود أي كائن حي معقد، لم يتشكل بعدد ھائل و متتالي من التغيرات البسيطة، فإن نظريتي تصبح غير صحيحة .» لكن الملاحظ و بما أنه في زمن داروين لم تكن الأدوات و التجھيزات المستخدمة في تحليل و مراقبة بنية و حركة الأجسام الحية من التقدم كما ھو حالياً، فإن فھم داروين و إدراكه لحجم التعقيد و التنظيم في الخلايا التي اعتبرھا ھو بسيطة لم يكن بالشكل الكافي والمناسب لتفسير آلية نشأتھا، الأمر الذي دفع بأتباعه لاحقاً لتطوير ما يسمى بالداروينية الجديدة لتتلافى تناقضات الداروينية التقليدية مع الواقع، ومع ذلك فإن الاكتشافات المتتالية لمدى التعقيد المنظم للكائنات الحية (على الخصوص) لم يجد تفسيره الشافي لدى الداروينية الجديدة.
مثال على ذلك ھو المحرك النانوي الطبيعي، إذ إنه نظام غاية في التعقيد المتكامل المنظم وغاية في الصغر، ويعتبر أنموذجاً من الأنظمة، ھذه الأنظمة التي إما أن توجد على ما ھي عليه أو لا يمكننا الحياة بفقد أي،
Irreducible Complexity المتكاملة من أجزائھا.
إذ لا يمكن للبكتريا التي لديھا المحرك النانوي أن تستمر في الحياة، أو أن توجد أصلاً إذا فقد أي جزء من ھذا المحرك الذي يمكنھا من الحركة و الحياة، و ھذا لا يتوافق مع فكرة التطور التدريجي.
فالنتيجة إذاً ھي أن المحرك النانوي نشأ دفعة واحدة على وضعه الحالي كمنظومة غير قابلة للإختزال.
و بذلك لابد من أنه وضع وفق تصميم دقيق متقن (نظراً لكونه كذلك) لأنه منظومة مصممة و منفذة، غاية في الإبداع و التعقيد و التنظيم و الصغر !!

المراجع :
- ھارون يحيى. سلسلة المعجزات. اسطنبول : .ARAfiTIRMA YAYINCILIK 2003
- Stefan Diez, Jonne H. Helenius, and Jonathon Howard. Environments, Biomolecular Motors Operating in
Engineered. s.l. : WILEYVCH Verlag GmbH & Co. K aA, Weinheim, 2004.
- G.Behe, Michael. Michael Behe on Falsifying Intelligent Desige. www.youtube.com.
- Darwin, Charls. The origin of species. s.l. : Harvard University press, 1864.

مجلة الأدب العلمي العدد العاشر   ظواهر وخفايا

0 comments: