Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الضجيج أذى جسدي وعقلي ....الأدب العلمي العدد الثامن عشر


رنا رياض الحسن

الضجيج أو (التلوث الصوتي) هو من أشد أنواع التلوث إيذاءً لسلامة الإنسان الجسدية والعقلية. وهو من أبرز مظاهر التلوث التي تحيط بالإنسان اليوم ومسبب رئيسي للعديد من الأمراض الناتجة عن الذبذبات الصوتية، وما تعكسه تلك الذبذبات من أثر سلبي على صحة الإنسان.

الأصوات مظهر للفناء كما هي مظهر للحياة
إذا كانت الأصوات سواء منها الطبيعية مثل أصوات الرعد والبرق، والأمواج وحفيف الأشجار، أو الأصوات الصادرة عن البشر والموسيقا، إذا كانت جميعها مظهراً للحياة ودبيبها في الكون، إلا أنها بالمقابل مظهرٌ للفناء. يتميز الصوت المسموع الذي يمكن تحديده، بدوره واستمرار توتره ضمن قيم المجال المحدد، وبأن الأذن المتلقية تستسيغه خاصة إذا كان موقعاً بشكل موسيقي ناعم. ويقاس الصوت:
-1 بالفون Phon وهو معيار لارتفاع الصوت.
2 بالديسيبل Decibel هو معيار لضغط الصوت.
الصوت إذن هو ذبذبة تزداد علواً وهبوطاً، وله موجة تطول وتقصر، وتسمع الأذن البشرية الأصوات بين 20 - 20000 ذبذبة في الثانية، وعادة ما يكون التخاطب بين الأفراد بين 200 - 6000 ذبذبة/ثانية، وفي الواقع يصعب على الإنسان سماع الأصوات فوق 20000 ذبذبة/ثانية، حيث يصبح ضجيجاً غير مسموع، ونطلق عليها كما ذكرنا أعلاه ضجيجاً فوق صوتي.
وهناك بعض الحيوانات مثل الكلاب وبعض الطيور قادرة على تمييز هذا الصوت(جدول رقم 1)

أما مستويات الضجيج التي يسمعها الإنسان بشكل يومي وعادة ما تكون مركبة من موجات متعددة(جدول رقم 2)

إن مصادر الضوضاء الناتجة عن محركات السيارات والآليات والطائرات هي ضوضاء بشكل خاص أكثر ضرراً وتأثيراً في البيئة والإنسان نعدد منها:
1-المحركات والسيارات والصوت الناتج عن الاحتراق في محركات الاحتراق الداخلي هو صوت فرقعة، وكذلك ضجيج الأجزاء الترددية في المحرك وآلية التبادل الغازي (الصمامات) وصوت انفلات غاز العادم وصوت سحب الهواء في مصافي الهواء وفي دارة التبريد، وصوت الاهتزاز الناتج عن عدم التوازن الكامل والتام للجملة الدورانية وملحقاتها في جملة نقل الحركة، وضجيج المكابح واهتزاز كتلة السيارة وما تحمله من أحمال والتي تئن تحتها جملة التعليق النابضي الصفيحي، أو الحلزوني، عند السير على طرقات ذات المواصفات المختلفة وكذلك ضجيج أنظمة التكييف وملحقاتها على هذه المركبات.
2-محركات الطائرات: نميز نوعين من الضجيج الضوضائي الذي يصدر عن المحرك النفاث:
أ- الأصوات الصادرة عن الضواغط في مقدمة المحرك النفاث «عنفات ضغط هواء الدخول .»
ب- الهدير الصادر عن خليط الهواء والوقود المحترق «الغاز العادم » وهو يرعد خارجاً من مؤخرة المحرك ليعطي دفعاً إلى الأمام وفقاً للقانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة مبدأ الدفع النفاث.
3-ونضيف إلى ذلك فرقعة اجتياز حاجز الصوت عندما تزيد سرعة الطائرة عن ضعف سرعة الصوت «ماخ » وهي الضوضاء التي تعتبر أخطر جلبات الطيران وأهم مساوئ المدينة الحديثة ضريبتها الباهظة على الإنسان.
إن هذا الضجيج الذي تصدره محركات السيارات والآليات والطائرات بأنواعها، هو من أكثر مصادر التلوث السمعي انتشاراً في المدن، وأكثرها تلويثاً للبيئة، حيث لا يقتصر شر الضجيج على الإنسان فقط بل يتجاوزه إلى مجمل السلم الإحيائي من نبات وحيوان وبشر.. ومن هنا اهتمت الدول والمنظمات العالمية الرسمية وغير الرسمية بهذه «المشاكل الخطرة » وصدرت التشريعات الكثيرة التي حددت مستوى الضجيج وكيفية السيطرة عليه، ورغم أنها ليست بالمستوى المطلوب وغير كافية، ولكنها تمثل البداية التي كان لا بد منها.
أما مستويات الضوضاء «الضجيج » المؤثرة على الإنسان «وفق غاديك :»Gadeke
1-المستوى 50.40 ديسيبل، ويؤدي إلى تأثيرات وردود فعل نفسية في صورة قلق وتوتر وخاصة لدى الأطفال وطلبة المدارس.
2-المستوى 80.60 ديسيبل: وله تأثيرات سيئة على الجملة العصبية.
3-المستوى 110.90 ديسيبل: ويؤدي إلى انخفاض شدة السمع.
4-المستوى الأعلى من 120 ديسيبل: ويسبب ألماً للجهاز السمعي وله انعكاسات خطيرة على الجهاز القلبي والوعائي وغيرها من الأجهزة في الجسم البشري.
ومن الجدير ذكره أن شدة الضجيج في المدن الكبرى تصل إلى 100.95 ديسيبل.
الضوضاء "الضجيج" وآثارها علمياً وطبياً :
1-أثر الضوضاء على الجنين :
يطفو الجنين في رحم أمه فوق بحر داخلي، وهو السائل الأمينوسي الذي يحميه، وهو بمثابة وسادة هيدروليكية واقية «رادع ارتجاج مخمد » تقيه من الصدمات البدنية العنيفة، مثل الضوء والارتجاج، ولكن هذا السائل الواقي، مع كل أسف، لا يحمي الجنين من الضوضاء إلا قليلاً، لأنه يوصل الأصوات، وينقلها من الخارج إلى الداخل، فهو ينقل إليه ضربات قلب أمه التي لا تنقطع، وحفيف الهواء داخل رئتيها، فضلاً عن صوت كلامها،
فالواقع أن الطفل الذي لم يولد بعد، لديه سماعة عضوية فوق جسم والدته وأذنه على أحشائها تجعله يسمع كل شيء يصدر عنها.
ويُضيف الخبراء:
«لقد وُجد أن الرحم مكان صاخب جداً فالجنين معرض فيه للكثير من الأصوات التي تتراوح بين ضربات قلب الأم وضوضاء الشارع الخارجية »، ويستجيب جسم الجنين الغض، وبدءاً من الشهر السابع من الحمل، للضوضاء بتغيرات في سرعة ضربات قلبه الصغير، ويستجيب مع صوت الجرس أو مع التصفيق الحاد في حفلة موسيقية، بردود فعل على شكل ركلات وحركات عنيفة داخل بطن أمه، وباختصار نقول: إن الأجنة تستجيب فيزيولوجياً للضوضاء.
2-أثر الضوضاء على الأولاد الصغار وطلبة المدارس واليافعين :
درست ردود الفعل لدى أطفال المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 11 - 12 سنة والذين يتعرضون إلى ضجيج بمعدل 50.47 ديسيبل، فتبين أنه يحدث لهم نقصاً في نشاط المخ ينتج عنه نقص في تنبه الجملة العصبية، وينعكس هذا في انخفاض قدرتهم على الاستيعاب وسوء الرؤية، كما ينتج عن ارتفاع مستوى الضجيج زيادة في نسبة الأدرينالين في الدم، وكذلك انخفاض نسبة السكر في الدم، في نهاية اليوم الدراسي ويفسر العالم Palgov عام 1967 ، ذلك بأن الجسم يأخذ وضعاً دفاعياً ضد تأثير الضوضاء عليه.
3-أثر الضوضاء والضجيج على الكبار:
إن الضوضاء المفاجئة المرتفعة التي تضرب الأذن البشرية عند الكبار، تطلق «من عقاله » جهاز الإنذار أو الفزع الذي نولد به، وهي آلية لا شعورية ضرورية يملكها الكائن البشري للدفاع عن الحياة، وحينما يحدث ذلك نستعد بشكل آلي «أوتوماتيكي » إما للدفاع عن أنفسنا بسلوك هروبي أو بسلوك قتالي، حيث تثير الضجة المفاجئة عندنا إفرازاً عالياً للأدرنالين يؤثر في أعصابنا وعضلاتنا، فنقوم بحركات حادة، وتنكمش أوعية بطننا الدموية لتدفع المزيد من الدم إلى عضلاتنا، وهذا يسبب ذلك الشعور بانقلاب المعدة وتشنجها، وفي لحظة واحدة تفرغ الكبد مخزونها من الغلوكوز لتكفل الوقود لهذه العضلات التي قد تحتاج إلى الجري للهروب أو القتال، وهذا الجيشان الداخلي إذا تكرر مرات كثيرة فإنه ينهك الفرد بدنياً ونفسياً، وفي النهاية يمكن أن يسبب انهياراً عصبياً وعندئذٍ لا تكون إلا خطوة واحدة، بين المرء وبين الإصابة بمرض الإجهاد Stress.
وقد اتضح من دراسات معاصرة أن للضوضاء تأثيرات عضوية خطيرة على البالغين :
1-لوحظت الآثار التالية على طواقم حاملات الطائرات الحربية، التعب المفرط، الغثيان العارض، فقد الشهوة الجنسية.
2-تبين أن الضوضاء الشديدة فوق 60 ديسيبل تحدث تغيرات في موجات المخ وفي الأفعال المنعكسة للأوتار العميقة، وتسبب انفعال الجسم على نحو ما ينفعل بإجهاد الغدة فوق الكلية أي الكظر التي تفرز الأدرنالين.
3-كما تسبب الضوضاء الشديدة نقصاً في النشاط الجنسي وتزايداً في القرحة المعدية.
4-وتبين تأثيرها على شحوم البلازما «دهون الدم الكولسترول والغليسريديات الثلاثية » وأن الضوضاء قد تضاعف هذه الدهون بمقدار مرتين، وتزيد بذلك توتر البدن وتهيئ الأوعية الدموية للانسداد، وإحداث نوبة قلبية أو سكتة دماغية.
5-ترفع الضوضاء ضغط الدم الشرياني.
6- تسقط الضوضاء ركائز حمض الاسكوربيك «فيتامين ث » وتنقص مقداره، كما تنقص مقدار عدد الكريات البيضاء، وبذلك تخفض من مستوى المناعة والدفاع ضد الأمراض وتخفض درجة الشفاء الطبيعي منها.
7 تبين في دراسات Koragodlin عام 1971 أن الأشخاص الذين يعملون في أجواء كان مستوى الضجيج فيها مرتفعاً، يعانون من أمراض الجملة العصبية أكثر بثلاث مرات ممن يعملون في أجواء هادئة، وأمراض ضغط الدم أكثر ب 1.4 مرة، وأمراض جهاز السمع أكثر من 18.3 مرة، وأمراض جهاز السمع أكثر من 18.3 مرة، كما أن 71 % ممن يشكون من الضجيج المرتفع يشكون أيضاً من الصداع والتحسس والتعب السريع وطنين الأذن و 48 % يشكون من النوم غير الهادئ والأحلام المزعجة وفقدان جزئي للشهية للطعام، إضافة إلى الشعور بالانقباض، وهذا كله ينعكس على قدراتهم في العمل والإنتاج.
8- يعاني سكان المدن الذين يتعرضون للضوضاء العالية بنسبة أكبر من سكان الريف والجبال، فهم يعانون من مشكلات نقص السمع وخاصة الذين يتعرضون إلى ضوضاء أكثر من 80 ديسيبل الذي هو المعيار الدولي المسموح للضوضاء، وكلما طالت مدة التعريض للضجيج المستمر زاد احتمال الإصابة بالصمم المهني.
وباختصار نحن نعيش اليوم جميعاً في هدير يقترب من الحد الأعلى العالمي وهو بين 85.80 ديسيبل، وهو الحد الموصى به لسلامة الأذن والسمع، ولعله الحد الأقصى الذي يتحمله الجسم كله بأمان، ولكن للأسف فإن معدل الضوضاء الذي نعيش فيه والذي يلوث بيئتنا أصبح قريباً جداً من هذا المعدل، وكما يقول الخبراء: إن متوسط الضوضاء في عالمنا الراهن يزداد سنوياً بمعدل ( 1ديسيبل)، وهذا في العالم الغربي.. ولكن لا تزال الفرصة متاحة أمامنا لكبح جماح الضوضاء.. فهل نفعل؟ وننقذ عالمنا وحياتنا وكياننا من التدمير!

المراجع:

- الضجيج - د. علي صبيح، م، محمد سعيد الجزائري.
- التلوث بالضجيج: المجلة العربية 198 / 1983 .


0 comments: