Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

كيف يدمر الأغنياء العالم ...الأدب العلمي العدد الخامس عشر


بقلم هيرفيه كمبف *
ترجمة محمد ياسر منصور **

إذا كان تدمير البيئة يرتبط أساساً بالأزمة الاجتماعية في العالم .. ففي الواقع ، إن من يمتلكون المفاتيح الأساسية والمالية هم أيضاً المحرك الأساسي لنظام أو نمط الاستهلاك المفرط، وهم أيضاً المخربون الذين يدمرون الكرة الأرضية .. لكن هناك أيضاً في الطبقات المتوسطة من يحذو حذوهم ويسير على خطاهم . وإذا كان الجالسون في القمة يراهنون على تراجع النمو ..فإن المحافظة على الأرض تحتاج إلى المزيد من المساواة بين البشر .
الأجيال الثلاثة أو الأربعة القادمة والواقعة عند منعطف الألف الثالث هي الأولى في التاريخ ، تاريخ البشرية، منذ أن ظهر المخلوق الذي يسير على قدمين، التي تصطدم بحدود المحيط الحيوي. وهذا التلاقي أو التصادم لا يتم بشكل متناسق ، بل بشكل أزمة بيئية كبرى. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى بعض أشكال التصادم. فأولها هو القلق الذي يساور حديثاً المختصين في علم المناخ: فهم يبرهنون منذ بضع سنوات على فرضية عدم إمكان عكس التغييرات المناخية. وحتى الآن، يعتقد أن التسخين التدريجي قد يحدث ، لكن عندما تشعر البشرية بخطورة الوضع ،فمن الممكن حفظ خط الرجعة والعودة إلى التوازن المناخي . ويقول لنا علماء المناخ إنه من الممكن بلوغ عتبة كالتي ينزلق فيها النظام المناخي نحو فوضى لا يمكن عكسها أو الرجوع عنها أو ترميمها. وثمة سلاسل كثيرة من الملاحظات والترصدات تغذي هذا القلق: ذلك أن جليديات غروئنلاند تذوب على نحو أسرع مما كان يتوقعه العلماء ؛ والمحيطات قد تستهلك كميات أقل من غاز الفحم ؛ والتسخين قائم على قدم وساق ، وهو يسرّع ذوبان الطبقات الجليدية الواسعة الواقعة على أراضي سيبيريا وكندا، الأمر الذي قد يؤدي إلى إطلاقها كميات ضخمة من غاز الفحم والميتان الذي تحتويه. ثمة ملاحظة ثانية ، وهي أن الأزمة البيئية لا تقف عند حدود التغير المناخي. فهذه الظاهرة هي المعروفة أكثر من غيرها لدى العامة، وهي ليست إلا جزءاً من الأزمة الكلية ، فثمة ظاهرة أخرى لها الأهمية نفسها دون شك: وهي تراجع التنوع البيولوجي، والذي لا نعرف مدى خطره إلا من خلال حديث الاختصاصيين الذين يتحدثون عن «أزمة الانقراض السادسة « في إشارة إلى الزوال المتسارع لأنواع تخضع في عصرنا للاختبارات. أما «أزمة الانقراض الخامسة » فقد حدثت منذ 65 مليون سنة، عندما انقرضت الديناصورات. ربما كانت الظاهرة الثالثة هي الأقل بروزاً من سابقتيها أو لم تلق التحليل الكافي الذي لقيته مسألة التغير المناخي وهي: التلوث الكيماوي الذي عم بيئتنا، والذي له مظهران مثيران للقلق خاصة. فمن ناحية أولى ، إن السلاسل الغذائية أصبحت ملوثة ، بجرعات صغيرة جداً من الملوثات الكيماوية. ومن ناحية ثانية، يزداد وضوحاً أكثر فأكثر أن النظام البيئي على سطح الكرة الأرضية في معظمه، ومجموع المحيطات التي يعتقد المرء أن قدرتها على تجديد نفسها قدرة غير محدودة تقريباً، يزدادان ضعفاً أكثر فأكثر، إما جراء التلوث وإما جراء تدهور هذا النظام البيئي الخاص أو ذاك. إن الولوج إلى لبّ المشكلة يحدد التحذير السياسي الواجب إطلاقه في يومنا هذا. غير أن ناقوس الخطر لم يقرع اليوم ولا بالأمس القريب ، بل منذ عدة عقود، حيث تم تحذير مجتمعنا من الخطر الداهم. فمنذ أن انطلقت تحذيرات راشيل كارسون في مؤلَّف «الربيع الصامت » في العام 1962 طرحت المسألة البيئية ، ولا سيما منذ السبعينيات ، وبشكل قوي لدى الجدل العام ولدى المؤتمرات الدولية، ومن خلال المقالات العلمية، والصراعات البيئية عملت منذ ذلك الحين على تجميع كم هائل من المعارف والمعلومات تؤكد دائماً التوجهات العامة. لماذا إذاً لا تتوجه مجتمعاتنا فعلاً نحو السياسات التي قد تتيح لها تجنّب تعميق الأزمة البيئية وتوسيعها ؟ إنها المسألة الجوهرية. وللردّ على هذا السؤال ، يجب تحليل علاقات السلطة في مجتمعاتنا. فكيف ذلك؟ منذ نحو عشرين سنة، اتصفت الرأسمالية بعودة الفقر إلى البلدان الغنية. وتوقّف في البلدان الغربية تراجع معدّل الفقر، الذي استمر منذ نهاية الأربعينيات ، بل انعكس الوضع في بعض الحالات. حتى إن عدد الأشخاص الذين يمرّون بأوضاع عارضة ، أي يقعون فوق خط الفقر بقليل، قد تزايد أيضاً بشكل منتظم. ومن ناحية ثانية ، وعلى المستوى العالمي ، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون فقراً مدقعاً ، أي الذين لا تبلغ دخولهم الدولارين يومياً ، قد ازداد أيضاً بشكل منتظم حتى بلغ 2 مليار إنسان ، في حين أن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تقدّر عدد الأشخاص الذين يعانون فقراً أو سوءاً في التغذية ب 820 مليون إنسان. يشكّل ازدياد التفاوت الطبقي منذ نحو 20 سنة مظهراً آخر من مظاهر الأزمة الاجتماعية. وتشهد على هذه دراسات كثيرة. وقد أجرى إحداها خبيران في الاقتصاد في كل من جامعتي «هارفارد » و «فيدرال رسرف بورد » وهي الدراسة الأكثر بلاغة في التعبير عن الوضع. وقد أجرى كل من «كارولا فريدمان » و «رافن إي. ساكس » مقارنة بين الأجر الذي يكسبه القادة الثلاثة الكبار في أكبر المشاريع الأمريكية والبالغ عددها 500 مشروع ومتوسط أجر عمالهم. وهذا المؤشّر على تفاقم التفاوت بقي مستقراً في الأربعينيات ، حيث بدأ تسجيل الملاحظات وحتى السبعينيات: فأرباب العمل في المشاريع المشار إليها يتقاضون أجوراً تبلغ نحو 35 ضعفاً من الأجر المتوسط الذي يتقاضاه عمالهم. ثم حصلت قفزة منذ الثمانينيات، حيث ارتفعت نسبة الفرق بين الأجرين بشكل منتظم، إلى أن بلغت نحو 130 ضعفاً بعد العام 2000 . تعني تلك الدراسات حدوث انقطاع كبير في مسيرة عمل الرأسمالية منذ 60 سنة ، وطوال فترة ما سمي ب «الثلاثين المجيدة » أتاحت الثروة الجماعية من خلال زيادة الإنتاج باستمرار توزيعاً عادلاً على نحو كاف لتلك الثروة بين العمل ورأس المال، مع أن علاقات التفاوت ظلت ثابتة. وابتداء من الثمانينيات، أدت مجموعة من الظروف، لا مجال لتحليلها الآن، إلى فوارق تزداد وضوحاً أكثر فأكثر بين مالكي رؤوس الأموال وعامة المواطنين. وكدست الأوليغارشية (حكم الأقلية المتنفذة) بين يديها العائدات والثروات بشكل لم يسبق له مثيل منذ قرن. من الجوهري الاهتمام بالطريقة الملموسة التي يستخدم فيها الأغنياء المفرطو الثروات أموالهم . فهذه الأموال لم تعد تخبّأ كما كان يحدث في زمن البورجوازية البروتستانتية الصارمة التي تحدّث عنها ماكس ويبر: فالمال على العكس، يستخدم في تغذية الاستهلاك المفرط لليخوت والطائرات الخاصة، والقصور الباذخة والجواهر والساعات والرحلات الغريبة العجيبة المكلفة وخليطاً برّاقاً من البذخ والإسراف المفرط. ولقد اكتشف الفرنسيون مع الرئيس نيقولا ساركوزي مثالاً محزناً على هذا السلوك الفاضح المؤذي للنظر. لماذا يعدّ ذلك محرّكاً للأزمة البيئية؟. لكي ندرك ذلك ، علينا الالتفات نحو الاقتصادي الكبير «تورستان فيبلن » ، الذي وضع أفكاره ريمون آرون في مصاف أفكار كارل فون كلاوزفيتز أو ألكسي توكفيل . وهذه الأفكار التي طواها النسيان اليوم. لا تزال باقية بإصرار حتى الآن . لنختصر إذا تلك الأفكار في أقصى توجّهاتها . فماذا كان يقول فيبلن؟. إن التوجّه نحو التنافس يتلاءم مع الطبيعة البشرية. وكل واحد منّا لديه ميل إلى مقارنة نفسه بالآخرين، ويسعى إلى تحقيق تفوّق بسيط أو اختلاف رمزي بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون حوله مستخدماً هذه السمة الخارجية أو تلك. ولم يكن فيبلن يدّعي أن الطبيعة البشرية تقتصر على تلك السمة، ولم يكن يحكم على ذلك من وجهة نظر أخلاقية وكان يؤكّده. مستنداً في ذلك إلى العديد من شهادات علوم الأعراق(علم يبحث في خصائص الشعوب) في عصره، وأكّد أيضاً أن هذا الشكل من المنافسة الرمزية يلاحظ في جميع المجتمعات. علاوة على ما سبق ، يرى فيبلن أن كل المجتمعات تفرز بسهولة كافية الثروة اللازمة لتلبية حاجاتها من الغذاء والسكن وتعليم الأطفال واستضافة الضيوف، إلخ... بيد أنها تفرز عموماً كمية من الثروة ، تفوق كثيراً ما يسدّ تلك الاحتياجات. فلماذا؟. لأن ذلك يعني إتاحة المجال لعناصر ليتمايز بعضهم عن الآخر. يؤكد فيبلن بعد ذلك أن هناك غالباً العديد من الطبقات في المجتمع. ويحكم كل طبقة منها مبدأ التنافس التفاخري. وفي كل طبقة من تلك الطبقات، يتخذ الأفراد مثالاً يحتذي به السلوك المتّبع في الطبقة الاجتماعية الأعلى من طبقتهم والتي تظهر كل ما هو حسن وكل ما يحسن صنعه. وهذه الطبقة نفسها تتخذ لنفسها مثالاً يحتذي به الطبقة الأرفع منها في سلّم الثروة والسلّم الاجتماعي. وهذا التقليد يبدأ من الأسفل نحو الأعلى، مع أن الطبقة المتربعة على القمّة تحدّد النموذج الثقافي العام لما هو ساحر وفاتن ، ولما يفرض على الآخرين. ما الذي يحدث في مجتمع يسوده تفاوت شديد في الطبقات وعدم مساواة؟. يسفر هذا التفاوت و اللامساواة عن تبديد ضخم، لأن التبذير المادي لدى الأوليغارشيا  وهي نفسها ضحية التنافس التفاخري  يستخدم مثالاً يحتذى للمجتمع كله. وكل فرد حسب مستواه، وضمن حدود دخله، يسعى إلى امتلاك الثروات والمراتب الأغلى. وتعدّ وسائل الإعلام والدعاية والأفلام والمسلسلات التلفزيونية والمجلات «الشعبية » هي الأدوات المروّجة للنموذج الثقافي المهيمن.
كيف إذاً تعرقل الأوليغارشيا التطورات الضرورية للوقاية من تعميق خطورة الأزمة البيئية ؟. يحدث هذا مباشرة ، بالتأكيد ، عن طريق وسائل النفوذ القوية  السياسية والاقتصادية والإعلامية  التي تمتلكها والتي تستخدمها بهدف المحافظة على امتيازاتها . بل أيضاً يحدث هذا بشكل غير مباشر ، ولهذا أهمية مماثلة ، من خلال هذا النموذج الثقافي المتبع في الاستهلاك ، والذي يؤثر في المجتمع كله ويحدّد له معاييره. سنركّز الآن على علم البيئة. فالوقاية من زيادة تعميق الأزمة البيئية ، وحتى البدء بإصلاح البيئة ، هما مبدئياً بسيطان بشكل كاف: إذ يجب على البشرية تقليل أضرارها وإساءاتها بحق طبقة البيوسفير. والتوصل إلى ذلك سهل مبدئياً : فهذا يعني الحدّ من استخراجنا للمعادن (الركاز) واستهلاكنا للأخشاب والمياه والذهب والنفط , إلخ... والحدّ من انبعاثات الغاز المسبّبة للدفيئة ، وتقليص النفايات الكيماوية ، والمواد المشعّة، وفوارغ الأطعمة والأشياء , إلخ... الأمر الذي يعني تقليص الاستهلاك المادي الكلّي لمجتمعاتنا. ومثل هذا التقليص يشكّل السبب الجوهري لتغيير المعطيات البيئية. فمن الذي سيقلّص استهلاكه المادي ؟
تشير التقديرات إلى أن نسبة 20 إلى 30 % من سكان العالم تستهلك نحو 70 إلى 80 % من الموارد المأخوذة كل سنة من البيوسفير (المحيط الحيوي الذي يحيا فيه الإنسان). إذاً يجب على التغيير أن يحدث على أيدي هؤلاء ، وهذا يعني في الأساس ، سكان أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان. ففي هذه المجتمعات المتطورة يجب أن تطرح مسألة تقليص الاستهلاك المادي، وليس بين مجتمعات الفقراء وذوي الأجور المتواضعة . لكن ليس المطلوب من الأغنياء غنى فاحشاً أن يقدموا وحدهم على تقليص الاستهلاك: لأنه حتى لو أن السيد ساركوزي وفنسان بولوريه، وآلان مينك ، وبرنار أرنولت ، وآرنو غاردير ، وجاك آتالي وشلّتهم من الأوليغارك (أعضاء حكومة الأقلية) استغنوا عن سياراتهم الليموزين وسائقيها ، وعن ساعاتهم البرّاقة ، وعن التسوّق في سياراتهم رباعية الدفّع في سان تروبيز ، فإن أعدادهم غير كافية لإحداث تغيير كاف في التأثير البيئي الجماعي. ذلك أن مجموع طبقات الشعب المتوسطة في الغرب يجب عليها تقليص استهلاكها المادِّي والحدّ منه. نجد هنا أن مسألة اللامساواة أو التفاوت الطبقي الاجتماعي مسألة مركزية: فالطبقات المتوسطة لن تقبل التوجه نحو تقليل الاستهلاك المادِّي إلاّ إذا ألغي التفاوت الطبقي وتمّ تبنّي التغيير اللازم للمساواة. وإعادة توليد الشعور بالتضامن الأساسي لبلوغ ذلك التوجه الجذري لثقافتنا تفرض طبعاً الشروع في رصّ الصفوف لإزالة الفوارق والقضاء على اللامساواة، وهذا يتطلب من ناحية ثانية تغيير الطراز الثقافي القائم. إن اقتراح تخفيض الاستهلاك المادي قد يبدو مشجعاً على الصعيد الإيديولوجي الذي يحيط بنا من كل جانب. لكن اليوم، لم تعد زيادة الاستهلاك المادي الإجمالي تترافق بزيادة الرفاهية الجماعية  فهي تؤدي على العكس، إلى تراجع تلك الرفاهية. والتحضّر الراغب في تقليص الاستهلاك المادي سيجد، من ناحية ثانية ، أن الباب يفتح أمام سياسات أخرى . إن انتقال الثروات وهو الأداة التي تتيح الحدّ من التفاوت الطبقي ، سيتمكن من تشجيع الأنشطة البشرية المفيدة اجتماعياً وذات الأثر البيئي الضعيف. فالصحة والتعليم والنقل والطاقة والزراعة هي أيضاً مجالات، حيث الاحتياجات الاجتماعية كبيرة وإمكانات العمل هامة. وهذا يعني تجديد الاقتصاد من خلال فكرة المنفعة البشرية العامة بدلاً من وسواس الإنتاج المادي، ومن خلال تشجيع الرابط الاجتماعي بدلاً من إشباع الرغبات الفردية. وإزاء الأزمة البيئية ، علينا اتّباع طريق الاستهلاك الأقل للوصول إلى توزيع أفضل . بغية العيش معاً بشكل أفضل بدلاً من أن نستهلك الكثير وحدنا.

مملكة أصحاب المصارف :
بعد ثورة تموز (يوليو) ، وعندما قاد لافيت رجل المصارف الليبرالي شريكه المتواطئ معه دوق دورليان إلى النصر في أوتيل دوفيل ، أطلق هذه الكلمات: «بدأت منذ اليوم مملكة أصحاب المصارف » لقد أفشى لافيت سر الثورة الفرنسية. لم تكن البرجوازية الفرنسية هي المسيطرة في عهد لويس  فيليب ، بل قسم منها وهم: أصحاب المصارف ، ملوك البورصة ، ملوك الخطوط الحديدية ، أصحاب مناجم الفحم الحجري والحديد، مالكو الغابات ، وقسم من مالكي العقارات التابعة لها ، وهم ما يسمّون ب الأرستقراطية الرأسمالية . وهذه الأرستقراطية التي جلست على العرش، كانت تملي قوانينها على الوزارات ، وتوزع المهام العامة والوظائف ، بدءاً من الوزارات وانتهاء بالمكاتب. كانت البرجوازية الصناعية تحديداً تشكل جزءاً من المعارضة الرسمية ، أي أنها لم تكن ممثّلة إلاّ من خلال أقلية في الوزارات. وكانت معارضتها قوية إلى درجة أن تطور هيمنة الأرستقراطية الرأسمالية أصبح أكثر وضوحاً وإلى درجة أنها اعتقدت بعد اضطرابات العام 1832 والعام 1834 والعام 1839 التي أغرقت البلاد في الدماء أن سيطرتها على الطبقة العمالية توطدت أكثر... كانت ديون الدولة ذات فائدة مباشرة لقسم من البرجوازية التي كانت تحكم وتشرع عن طريق الوزارات . وكان إفلاس الدولة هو ، بالضبط ، هدف مضاربات البرجوازية في البورصة وكان أيضاً المصدر الأساسي لثروتها (أي البرجوازية). وفي نهاية كل عام ، كان هناك عجز جديد للدولة . وفي نهاية كل أربع أو خمس سنوات دين جديد. والواقع، أن كل دين جديد كان يقدم للأرستقراطية فرصة جديدة لابتزاز الدولة، التي كانت من أجل التظاهر بأنها باقية على حافة الإفلاس، كانت مرغمة على التعامل مع أصحاب المصارف عبر شروط غير ملائمة لها إطلاقاً . وكان كل قرص جديد فرصة جديدة للسطو على أموال عامة الشعب، الذي يدخر أمواله لدى الدولة لتنميها له من خلال عمليات البورصة ومفتاح تلك البورصة كان في أيدي الحكومة ومعظم أفراد الوزارات بالشراكة... الطبقة الملكية في شهر يوليو لم تكن سوى شركة مساهمة أساسها استغلال الثروة الوطنية الفرنسية، والتي كان يتقاسم حصص أرباح أسهمها كل من الوزراء وأصحاب المصارف و ( 240000) ناخب وحاشيتهم. وكان لوي  فيليب هو مدير تلك الشركة... ولمّا كانت الارستقراطية المالية هي التي تملي القوانين ، وتدير أجهزة الدولة. فقد كانت تمتلك السلطات العامة الرسمية كلها، وتهيمن على الرأي العام في الواقع من خلال الصحافة ، وكان لها وجودها في كل المحافل، ابتداء بالبلاط الملكي وانتهاء بالمقاهي الشعبية جداً المخصّصة للدعارة، إنه العهر نفسه، والخديعة الوقحة نفسها، والتعطش إلى جمع الثروة نفسه، ولم يكن هذا الثراء أبداً من خلال الإنتاج ، بل من خلال نهب ثروات الآخرين، والانطلاق نحو قمة موكانت الأرستقراطية على خلاف دائم مع القوانين البرجوازية نفسها، والتي من طبيعتها أن الثروة المكتسبة تسعى إلى إشباع الرغبات، حيث تصبح المتعة فاجرة، وحيث تختلط النقود بالوحل والدم. والأرستقراطية المالية ، في طريقة كسبها للمال وفي أسلوب تمتّعها به، لم تكن سوى العصيان الذي أعلنته الطبقة العمالية المستغلّة (البروليتاريا الأشد فقراً) في قمّة المجتمع البرجوازي.

المراجع :
- مجلة »maniere de voir« الفرنسية - عدد يونيو - يوليو ( 2008).


*صحفي، له مؤلف : كيف يدمر الأغنياء الكوكب ، مطبوعات سويل ، باريس ، 2004.
**كاتب وباحث سوري . 

0 comments: