Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الإجرام البشري الآلي ....الأدب العلمي العدد الثاني والعشرون


بقلم ميريام كومينر*
ترجمة وإعداد محمد ياسر منصور

يطرح الانترنت والشبكات الرقمية تحديات جديدة على الأشخاص الذين يجب التعامل معها لتحقيق تقدمهم وتطورهم اقتصادياً، مع حماية أنفسهم والصراع ضد بعض انحرافات استخدامات تلك الوسائط بشكل إجرامي والذي أصبح يسمى الإجرام البشري الآلي، والذي يستخدم فيه الإنسان الانترنت لأعمال النصب والاحتيال والخداع ...  
فالشبكات الرقمية أصبحت مصدر أشكال جديدة من التطاول على حقوق المجتمع والأفراد والتي تفرض علينا، في النتيجة إقدام الدول على التكيف المستمر قانونياً للتصدي لتلك التجاوزات وإيجاد التقنيات والوسائل البوليسية والقانونية اللازمة لتكون في مستوى الأضرار البشرية والاقتصادية الحاصلة. وتبدو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي الوسيلة المثالية لتسهيل عمل المجرمين وارتكاب العديد من مخالفاتهم. تشكل أنظمة المعلومات تقدماً هاماً لمجتمعاتنا، لكنها تشكل أيضاً أخطاراً وهشاشات من الضروري أخذها في الحسبان. وهكذا نجد أنه منذ ظهور «الإنترنت »، لا يمر أسبوع دون أن تتحدث وسائل الإعلام عن قضية مرتبطة من قريب أو بعيد باستخدام احتيالي للشبكات . والزيادة غير الطبيعية للتقنيات الجديدة على صعيد الاتصالات ، ومنها «الإنترنت » قد أتاحت تحويل الأنشطة التقليدية من العالم «الواقعي » إلى ال «سيبرسبيس » وهي عبارة إنكليزية أوجدها وليام جبسون وأوردها في كتابه المعنون «نيرومانسر » للدلالة أحياناً على العالم «الافتراضي .» سكان العالم الذين يستخدمون الإنترنت بلغ عددهم في العام 2011 نحو 1.5 مليار إنسان ، أي بزيادة نسبية 36 % عن عددهم في العام 2006 ، حيث قُدِّر عددهم بنحو 1.1 مليار. وهذا يعني أن هناك رهانات للحيلولة دون إلحاق الضرر بالناس وأموالهم وتتطلب معالجة سياسية وتشريعية في آن معاً بغية وقاية المجتمعات.

الإجرام البشري الآلي وماهي حقائقه ؟
للإجرام البشري الآلي ، عدة أشكال ووجوه يمكن تصنيفها في نوعين ، فمن ناحية أولى هناك المخالفات التي تتعرض فيها أنظمة المعلوماتية لأعمال تستحق العقاب، وكمثال على ذلك الدخول غير المسموح إلى المعطيات أو إلى الأنظمة لأغراض إجرامية؛ ومن ناحية ثانية، هناك المخالفات كالتزوير، واختلاس الأموال والنصب والاحتيال وسرقة ما يخص الآخرين وإخفائه بشكل غير شرعي ، وفضح الآخرين على الإنترنت، إلخ... فالإجرام البشري الآلي يشمل الأنشطة الإجرامية التي تنفَّذ عن طريق التكنولوجيا والإنترنت وعبر السيبرسبيس. من المناسب حماية الشبكات ضد الهجمات على الأنفورماتيك (المعلوماتية) والتي تأخذ أشكالاً مختلفة : الهاكينغ(1) والكراكينغ (2) أو الفريكينغ (3). ليس الإنترنت وحده من يشكل الظروف الاستثنائية المناسبة للمشاريع الجديدة والأنشطة اللامشروعة، بل إنه يسمح كذلك بتنفيذ عمليات الغش والاحتيال أو ارتكاب الجرائم المعتادة عن طريق أدوات المعلوماتية. وهكذا نجد أن الإنترنت يشجع السعي نحو تحقيق عائدات ويطرح إمكانات جديدة أمام عالم الإجرام. وثمة استغلال فعال للتقانات الجديدة يتيح تنفيذ جرائم اقتصادية «تقليدية » ترفع نسبة المكاسب إلى أعلى الحدود، بينما يظل مستوى المخاطرة منخفضاً. والتقانات الجديدة تعد هدفاً ووسيلة للتعبير عن أشكال جديدة من الإجرام. وإزاء جرائم المعلوماتية، يمكن أن يكون الحاسوب هو غاية عمل إجرامي ما، وكمثال على ذلك، سرقة المعطيات أو تخريبها، بل يمكن أيضاً استخدامه كوسيط لارتكاب أنشطة إجرامية. إن فهم التصرفات الجرمية عن طريق الشبكات الرقمية يصطدم بثلاث عقبات كأداء: جهل الفاعل ، فعدم معرفة الفاعل تغري المجرم على ارتكاب جريمته ؛ تبخر المعلومات الرقمية واختفاؤها يشكل عقبة كبيرة على صعيد البحث عن الأدلة والبراهين، والتي يمكن أن تختفي على الفور ؛ والصفة التي تتميز بها صفات المجرمين وهي تجاوز الحدود الوطنية للدول ، أي أن هذه الجرائم لا تعترف بالحدود بين الدول. والرهانات متعددة على صعيد الإجرام المرتكب في السيبرسبيس. ومن المناسب الإشارة إلى الوجوه الاستراتيجية للإجرام البشري الآلي والتي تتكيف تبعاً لتطور الأشكال والأوضاع التي تتخذها تلك الانحرافات في الأزمنة الحديثة والتي تفرض ردوداً وطنية ، بل دولية أيضاً للتصدي لتلك الانحرافات.

الرهانات الاستراتيجية للإجرام البشري الآلي :
يجب ألا ننسى أبداً أن أصل كلمة «سيبر » ((CYBERتعني في الإغريقية : حكم (4)، تحكم. ولهذا التحكم بطبيعته العديد من الغايات ذات الطبيعية السياسية والعلمية والثقافية والاقتصادية في آن معاً. وبعبارات أخرى، وكما أشار برنار كارايون مندوب تارن في تقريره حول الفكر الاقتصادي في يوليو « :2003 الإنترنت وسيلة كاملة لنقل الهيمنة السياسية والاستراتيجية للدول التي تتحكم فيها 5( » ( . فهناك مجال للتأكد من أن شبكات المعلوماتية الشاملة لا تستخدم كداعم أو كحامل للقيام بإعداد أو ارتكاب أو تمويه المخالفات التي بوسعها النيل من المصالح الأساسية للدول والمشاريع. لا يمكن استبعاد الأعمال التي تستهدف الدول، كقطع الطريق على الخدمات (أو الإدارات) الحيوية أو التخريب المدبر للمعلومات الاستراتيجية والسرية. فعلى سبيل المثال ذهبت الحكومة الأستونية ضحية هجوم في أبريل ومايو 2007 : وهو هجوم معلوماتي مكثف ضد مواقعها الرئيسة على الأنترنت ، بما في ذلك مواقع العديد من المؤسسات الحكومية والمالية .  أصبح أمن البنى التحتية للمعلومات الشغل الشاغل للفعاليات العامة والخاصة التي لديها بعض العروض التكنولوجية على الإنترنت وتتخذ إجراءات للصراع ضد المحاولات غير المشروعة أو الضارة على الإنترنت، وحماية حقوق الملكية الفكرية والمعطيات ذات الصفة الشخصية ، وتعزيز أمن المعاملات (الصفقات) الإلكترونية. بيد أن عدد الفيروسات تزايد في أثناء السنوات الأخيرة وأصبحت فيروسات تزداد تعقيداً. والأدوات اللازمة للقراصنة في متناول اليد وهناك تبادل دائم للمعلومات ومهارة بين الإجرام البشري الآلي لجعل الهجمات أكثر فاعلية باطراد. وإجراءات الصراع ضد التهديدات يجب أن تتكيف باستمرار مع التصرفات الإجرامية الجديدة. والعالم الافتراضي يقدم لأعضاء التنظيمات الإجرامية أداة فعالة وسريعة وغير معروفة وقليلة الكلفة. نذكر إذاً أن تقانات الإعلام أصبحت أسلحة استراتيجية أساسية. ويمكن التأكيد اليوم أن ذلك جاء بعد عمليات إرهابية ألجأت الدول إلى إدخال العديد من الإصلاحات إلى تشريعاتها بغية إفشال أفخاخ المجرمين الذين يستخدمون الشبكات الرقمية لارتكاب أعمالهم. وهكذا نجد أنه منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، تشدد أكثر البلدان في تشريعاتها الجزائية ولا سيما بعد لجوء أعضاء المجموعات الإرهابية إلى التقانات الجديدة. وعمدت تلك البلدان إلى تعزيز خاص لوسائل تقصيها الموضوعة تحت تصرف دوائر التحقيق.

الورشة الدولية على صعيد الإجرام البشري الآلي :
الإنترنت شبكة اتصالات مفتوحة تتيح نشر جميع أنواع المعلومات ولا تعترف بأية قيود جغرافية. وحسب النظام المطبق في البلد المرسل إليه المعلومات ، فإنها قد تعد مشروعة أو لا مشروعة حسب مفهوم البلد تجاه حرية التعبير وحماية حياة الأفراد الخاصة. وثمة أدوات قانونية دولية، ومنها اتفاق المجلس الأوروبي مع بروتوكوله الإضافي الذي نجح في إدخال تعريفات مشتركة للمخالفات واقترح أدوات للتقصي منادياً بتطوير التعاون الدولي اللازم لتفعيل الصراع ضد هذه الظاهرة المتعددة الأشكال.

اتفاق المجلس الأوروبي :
اتفاق المجلس الأوروبي حول الإجرام البشري الآلي الذي بدأ التوقيع عليه في العام 2001 دخل حيِّز التطبيق في العام 2004 وأصبح ساري المفعول. وهو الأداة الدولية الوحيدة الإجبارية على هذا الصعيد، وهو يحدد الخطوط الرئيسة لكل بلد يُعِدّ تشريعاً شاملاً وافياً على صعيد الإجرام البشري الآلي، ويستخدم إطاراً للتعاون الدولي، لأنه صمم لتكون له أبعاد عالمية. وهكذا أسهمت في إعداده كل من كندا واليابان وجنوب إفريقية والولايات المتحدة ، ووقعت عليه قبل توثيقه في العام 2006 . وأكمل الاتفاق ببروتوكول إضافي يتعلق بتجريم أفعال ذات طبيعة عنصرية وتدعو إلى كره الأجانب والتي ترتكب عن طريق شبكات المعلوماتية (وهذا ما لم توقع عليه الولايات المتحدة). ويصف الاتفاق بعض التصرفات بالمخالفات الجزائية وليس التكنولوجيا بحد ذاتها. وقد عرف الاتفاق كيف يحافظ على معاصرته وديمومته أمام ظواهر مثل ال PHISHING (الفيشينغ) وأشكال الاختلاس والانتحال للهويات ، وحجب الخدمة والإرهاب البشري الآلي. والاتفاق مفتوح أمام أي بلد يرغب في الانضمام إليه. وفي فبراير 2008 ، صادق عليه 22 بلدا ووقع عليه 21 بلداً آخر. تجري حالياً بعض الأعمال الأخرى ، ضمن إطار ما يطرحه المجلس الأوروبي بصدد الإجرام البشري الآلي، بغية إعداد الخطوط العريضة لمساعدة المسؤولين عن الدخول إلى هذه التكنولوجيا والدوائر المسؤولة عن فرض العقوبات لإقامة التعاون بينهم مع تجنيبهم مَغبّة انتهاك حرمة الحياة الخاصة. ويؤكد المجلس الأوروبي متابعته ودعمه لتفعيل تطبيق الاتفاق وينظم لقاءات دولية لذلك. وفي الخلاصة ، يبدو أن لدى فرنسا ورشة قانونية تتيح الصراع الفعال ضد الإجرام البشري الآلي ، ولديها كذلك دوائر مختصة بالدفاع الوطني وأمن الأراضي الوطنية. وضمن إطار الرئاسة الفرنسية المقبلة لمجلس الاتحاد الأوروبي، تجري دراسة اتفاقات دولية تتيح التفتيش المعلوماتي الدقيق عن بعد دون طلب ترخيص سابق بذلك من البلد المضيف للمخدِّم. ويجدر من الآن فصاعداً إنشاء «شبكة حقيقية » تربط بين دوائر التحقيق والمؤسسة القضائية ، وتعزز التعاون الدولي بين مجموع البلدان المعنية بغية تجنيبها أن تصبح جنة للإجرام البشري الآلي.
*ميريام كومينر : قاضية ونائب عام في محكمة الاستئناف في فيرساي . وقد ألفت بالاشتراك مع جويل فري « الإجرام البشري الآلي : تحدي عالمي وردود » ( منشورات ايكونوميكا – 2008 ) المصدر : Defens Nationale – عدد مايو ( 2008 ).








0 comments: