Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

السفينة الخضراء حلم أم حقيقة ؟ .....الأدب العلمي العدد السادس والعشرون


د. محمد درويش

استشعر العالم بأجمعه الأخطار البيئية التي يحدثها النقل البحري، وعلى الرغم من الاتفاقيات التي أبرمتها المنظمة البحرية الدولية (IMO) بخصوص حماية البيئة البحرية كالاتفاقية الشهيرة " المعاهدة الدولية لمنع التلوث البحري" و "معاهدة لندن للتخلص من النفايات" في عرض البحر عام 1972 واتفاقية مكافحة التلوث البحري الطارئ، إلا أن الإحصائيات تدل على تزايد معدل تلوث المحيطات والبحار وازدياد كمية الغازات الضارة المنبعثة من السفن .

تلوث البيئة البحرية :
يُعتبر التلوّث البحري الناجم عن السفن من أهم مهددات البيئة البحرية , ويظهر هذا التلوّث في صورٍ مختلفةٍ، منها: الإنبعاث الحراري والغازي من محركات السفن ومشكلة مياه التوازن التي تتم تعبئتها في منطقة معينة ويتم تفريغها في منطقة أخرى حاملة معها كائنات حية وبكتيريا ضارة بالبيئة الجديدة التي انتقلت إليها، بالإضافة إلى خطر تسرب النفط من الناقلات العملاقة مما يسبب كارثة بيئية تتطلّب عشرات السنين للتخلّص من آثارها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعمد معظم السفن، خلافاً للمعايير الدولية، إلى إلقاء المياه المتسخة في عرض البحر!. يبحث العلماء عن حلول مبتكرة للحدِّ من لآثار الضارة الناتجة عن النقل البحري، وذلك نظراً للدور السلبي الذي تؤديه بشكل خفي من خلال تزايد انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة والمناخ بشكل عام، لذلك لا بد من إيجاد صيغة مناسبة لصناعة النقل البحري كي يتم من خلالها التقليل من الغازات الدفيئة الناتجة عنها، والتي تنعكس سلباً على البلدان النامية. تشير الإحصائيات العالمية إلى أن التلوّث الناتج عن النقل البحري يشكّل النسبة الأقل بين وسائل النقل، حيث يطلق انبعاثات ضارة تتراوح كميتها بين ( 15 - 21 ) غراماً لكل طنٍّ في الميل البحري ) 1854 متراً(، ومع ذلك فإننا لا نستطيع إنكار الحقيقة الماثلة أمامنا، وهي أن النقل البحري يُعتبر مصدراً لانبعاث الغازات الضارة. بناءً على ذلك لا بد من تشديد الرقابة على كفاءة محركات السفن من قبل السلطات الوطنية ومكاتب تصنيف السفن، وتعميق مبدأ النقل متعدد الوسائط لما لهذا الأسلوب من أهمية في اختصار الرحلات البحرية وزيادة كفاءة التشغيل، واستخدام الوقود الذي يحتوي على تركيزٍ منخفضٍ للكبريت، خاصة أن المنظمة البحرية الدولية تأخذ بالحسبان توفير سفن جديدة ذات معايير حديثة بغية حماية البيئة البحرية من التلوث وفق اتفاقية "ماربول " لعام 1978 ، علماً أن وسائل النقل تتسبّب في انبعاث 23.04 ٪ من غاز ثاني أوكسيد الكربون، والنقل البحري يشكّل تقريباً 3٪ منه.

حلول مبتكرة :
تتفرّع الدراسات الهادفة إلى التقليل من التلوّث البيئي الناجم عن السفن إلى اتجاهين أساسيين، هما:
- رفع كفاءة المحركات الحرارية المستخدمة على متن السفن؛
- استخدام مصادر الطاقة النظيفة في أنظمة دفع السفن.
تتركّز دراسات الاتجاه الأول على تخفيض استهلاك الوقود من خلال إجراءات تصميمية على المحركات، بالإضافة إلى استخدام تقنيات جديدة لخفض تركيز أكاسيد الكربون والكبريت والآزوت في غازات العادم، وقد توصلت بعض الشركات ومعاهد الأبحاث إلى حلول مقبولة، لكنها تبقى دون الطموح.
يلقى الاتجاه الثاني اهتماماً عالمياً كبيراً، حيث تتعاون شركات بناء السفن مع العلماء في سبيل تطوير أنظمة جديدة لدفع السفن، وتعتمد هذه الأنظمة على استغلال الطاقة الشمسية والريحية وطاقة الأمواج البحرية (بالإضافة إلى الطاقة النووية المستخدمة بشكلٍ واسعٍ في معظم الدول الكبرى، إلا أن البعض يخشى من طريقة التعامل مع النفايات الناتجة عنها(.

الطاقة الهجينة
حاول المهندسون والفنيّون منذ زمنٍ طويلٍ استغلال الطاقة الشمسية في وسائط النقل المختلفة، وقد أُجريت آلاف التجارب حول ذلك، كما تم تصميم العشرات من وسائط النقل المختلفة التي تعمل على الطاقة الشمسية، أو تعمل على نظام دفع هجين يجمع ما بين الطاقة الشمسية )أو أي مصدر آخرٍ للطاقة القابلة للتجدّد( والمحركات التقليدية المعروفة حالياً. نجحت العديد من الشركات العالمية في تصنيع سيارات وحافلات وقوارب تعمل على نظام محركات الدفع الهجينة Hybrid Propulsion ،ثم تواصلت التجارب لابتكار وتصنيع سفن ضخمة تعمل على نفس النظام، وتكلّلت تجاربهم بالنجاح، حيث تم تصميم أول سفينة نقل في أستراليا تعمل على محرك دفع هجين يستمدّ 50 % من الطاقة اللازمة لعمله من الشمس )أو من أي مصدرٍ للطاقة المتجددة( والنسبة المتبقية يستمدّها من النفط ومشتقاته المختلفة، وسوف تربط هذه السفينة مدينة سان فرانسيسكو بجزيرة الكاتراز الأمريكية وستعمل على نقل المياه العذبة والتموين والبضائع لهذه الجزيرة. حصل مصمم السفينة الهجينة على براءة الاختراع من أستراليا، ونُفذّت من قبل شركة Solar Sailor المتخصصة في استغلال مصادر الطاقة المتجددة، وقد لجأ المصممون إلى استغلال تكنولوجيا الأجنحة الشمسية Solar Wings القابلة للطي، حيث يتم استغلال أشعة الشمس وقوة الرياح إلى أقصى حدٍّ ممكن، وعند تعذّر استغلال مصادر الطاقة المتجددة يتم تشغيل محركات الديزل العملاقة لتوفير قوة الدفع اللازمة لتحركها.
إن اختراع وتصميم هذه السفينة دفع الحكومة الأسترالية إلى تبني مشروع يتضمن بناء سفن تجارية كبيرة الحجم تعمل على نظام الدفع الهجين، ومهمة هذه السفن نقل المياه العذبة إلى إقليم «بيرث » الجنوبي والذي يعاني من نقصٍ حادٍّ في إمدادات المياه، ثم سيتم التوسع في هذا المشروع الريادي لتصنيع سفن لنقل الركاب ولرحلات السياحة والاستجمام ولنقل السلع والغاز الطبيعي والنفط بين أماكن مختلفة في العالم.
قامت شركة تويوتا اليابانية بتصميم نظام دفع هجين لسفينة شحن عملاقة، وقد تم الاتفاق مع حوض بناء سفن ياباني وشركة البترول الوطنية على تصنيع السفينة، والتي تبلغ حمولتها 60000 طن، وتستطيع نقل 6400 سيارة، أما الطاقة النظيفة فيتم استجرارها من 328 لوحاً شمسياً على متن السفينة.
توفّر السفينة حوالى 5.6 بالمئة من مصروف الوقود، ويمكنها تغذية السفينة بالطاقة الكهربائية، وبحسب الدراسات سينخفض انبعاث أكاسيد الكربون الضارة بحوالى 1- 2 بالمائة.
طوّرت بعض الشركات أنظمة دفع لسفن الركاب، والمثال الأبرز على ذلك هو هذه السفينة التي تُستخدم لنقل الركاب بين مدينة مانهاتن وجزيرة ليبيرتي الأمريكية. تتحرّك السفينة بواسطة محركات تستمدُّ طاقتها من الريح والشمس، بالإضافة إلى محركات الديزل.
يبلغ طول السفينة 115 قدماً، ويمكنها أن تنقل 600 راكب، وتبلغ سرعتها حوالى 14 عقدة بحرية، وقد قامت شركة سولار سايلر بتصميم هذه السفينة، وهناك سفينة مشابهة لها تعمل في مجال نقل الركاب في خليج سيدني.
تتميّز السفينة بوجود شراع مصنوع من الفايبرغلاس، والذي تبلغ مساحته حوالى 1150 قدماً مربعاً، ويحتوي على خلايا شمسية )بالإضافة إلى كونه شراعاً ريحياً(، وقد روعي في تصميم البدن القدرة على الاتزان في الظروف الجوية القاسية. عاد بعض المصممين إلى التاريخ القديم فوجدوا أنه يمكن استخدام الأشرعة مرة أخرى، لكن هذه المرة أشرعة طائرة، وهذا هو جوهر التصميم الذي خرجت به كل من الشركة الألمانية SkySails والأمريكية KiteShipلكن السلبية الأكبر لهذا التصميم هو احتمال تقلّب الطقس وتغير اتجاه الريح. تبلغ مساحة الشراع الطائر حوالى 80 متراً مربعاً، ويمكنه دفع سفينة حمولتها 800 طن بسرعة مقدارها خمس عقد بحرية.

السفينة الخضراء
تواصلت الأبحاث حول تصميم سفينة لا تضرُّ مطلقاً بالبيئة، إلى أن تكللت جهود العلماء بالنجاح وحصلوا على تصميم نظيف بيئياً. إنها سفينة المستقبل .. فهي تتحرّك بواسطة طاقة الشمس والريح والأمواج، وهي لا تحتوي على محركات تطلق غازات ملوّثة. تستطيع «سفينة المستقبل » شحن 10000 سيارة من بريطانيا إلى أستراليا ونيوزيلندا وبلدان أخرى، وإذا نجح المشروع فسيتم استخدام التصميم لسفن الركاب. يتم الحصول على طاقة الأمواج بواسطة 12 زعنفة مركّبة على بدن السفينة، بينما يتم جمع الطاقة الريحية والشمسية بواسطة ثلاثة أشرعة عملاقة مغطّاة بالخلايا الشمسية. يبلغ طول السفينة حوالى 820 قدماً وتسير بسرعة مقدارها خمس عشرة عقدة، ويتم تأمين اتزان السفينة بواسطة التصميم الخاص للبدن، وعند الحاجة يمكن استجرار القدرة من خلايا الوقود. يحمل التصميم اسم  Orcelle وهي كلمة فرنسية لنوع من أنواع الدلافين المهددة بالانقراض، ولا تحتاج السفينة لتعبئة مياه التوازن بسبب تصميمها المتزن أصلاً، مما يعدم الأخطار البيئية الناتجة عن نقل مياه التوازن من مكان إلى آخر، وبحسب القائمين على المشروع فإن السفينة ستنزل إلى عرض البحر عام 2025 ، أما الكلفة المتوقعة فهي 46 مليون جنيه إسترليني، ولكن هذا لا يُقارن مع الفائدة المرجوة في سبيل الحفاظ على البيئة من التلوث.

خاتمة
يحتفل العالم بأسره بيوم البيئة العالمي في الخامس من حزيران من كل عام، ويحاول المهتمون بشؤون البيئة تقديم اختراعاتهم للتقليل من التدهور الواضح في بيئة كوكب الحياة، ولا يدخر العاملون في النقل البحري أي جهدٍ في سبيل الحدِّ من انبعاث الأكاسيد الضارة بالهواء الجوي وبالبيئة البحرية، إلا أن الأمر يحتاج إلى تبني الأفكار المبدعة في هذا المجال من قبل الشركات والهيئات البحثية العالمية لتتنقل هذه الأفكار إلى الواقع ... فهل ستجد آذاناً صاغية؟! ..آمل ذلك.

0 comments: