Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

قصبة نفخ الخيال العلمي (2)....الأدب العلمي العدد الثاني والثلاثون


ترجمة سوسن عزام
القصة الثانية اللعبة
لاري نيفين

كان الأطفال ما زالوا يلعبون " لعبة السّيّد" ذات النقاط الست ويقفزون من نقطة لأخرى فوق الشكل السداسي المرسوم فوق الرمال عندما شقّ صوت مسبار قادم الأجواء من فوقهم ، ربما أحسوا به في تلك اللحظة بسبب سخونته الزائدة التي أحدثها عند دخوله الطبقات الجوية بسرعة لكن لم ينظر أحد منهم للأعلى ، بعد ثوانٍ انطلق الصاروخ الخلفي للمسبار ليهطل بعدها رذاذ خفيف من الأشعة تحت الحمراء لغسل مشهد رمال الليمونيت الشاسعة، وامتدت عبر المئات من الأميال المربعة من صحراء المريخ البرتقالية مجموعات كبيرة من العشب الأسود منسدل الأوراق من أجل جمع ما أمكنه من المخزون الحراري الضروري له ، ومن تحته فتحت الإبر المسمارية مروحياتها الصغيرة المُثبّتة فيها لاستقطاب كل ما يمر من فوقها . لم يلحظ الاطفال شيئاً بعد لكن آذانهم تتحرك يمنة ويسرة ولأنها تستطيع الإحساس بالحرارة أكثر من الصوت ، حيث تبقى آذانهم مطوية كزهور فضية على رؤوسهم في حال لم تكن تستمع إلى أية مصادر حرارية ، لكنها الآن بدأت بالارتعاش والاستدارة و تفتّحت كما الأزهار لتظهر بؤرها السوداء في الداخل تبحث هنا وهناك ، لكنّ واحداً من الاطفال استدار وشاهد الشيء الذي كان أمامه ، وقد كان عبارة عن نقطة بيضاء عالية من جهة الشرق تسقط ببطء ، بعد ذلك بدأ الاطفال يتحدثون بنبضات حرارية مُرمّزة فاتحين أفواههم ومغلقين إياها لإظهار القدر الحراري بداخلها والتعبير من خلال ذلك في إظهار ذلك النوع الحراري من اللغة و على طريقتهم الخاصة ، وقال :
- هاي!
- ما كان ذلك؟
- لنذهب ونرى!
شرع الأطفال يتقافزون عبر رمال الليمونيت تاركين لعبة "السّيّد" وراءهم طمعاً في رؤية الجسم الهابط هناك ، وعندما وصلوا كان الجسم قد أتمّ هبوطه والحرارة لا تزال تنبعث منه ، لقد كان مسباراً ضخماً مثل منزل كبير بشكله الأسطواني وسقف دائريّ يحتلّ الجزء الأعلى فيه وكتلة نارية ملتهبة تحتل الجزء السفلي منه ، وقد أضفت عليها المربعات البيضاء والسوداء مظهراً وكأنها لعبة كبيرة عملاقة مستندة على السطح بقوائمها الثلاث المعدنية المضحكة المفلطحة مع أقدام دائرية الشكل .
بدأ الأطفال يفركون أجسامهم بالمركبة المعدنية ، ونبضات السعادة تضيء خارجها وذلك كلما امتصوا المزيد من الحرارة ... بعدها اهتزّ المسبار بسبب وجود حركة بداخله فأثار ذلك خوف الأطفال وسبّب تراجعهم للوراء بسرعة وهم ينظرون لبعضهم البعض وجميعهم في وضعية الهروب لكن مع وقف التنفيذ ،لأنّ لا أحد منهم يرغب أن يكون البادئ في ذلك لكن الوقت قد فات... فقد انفتح الباب المنحني خارج المسبار للخارج وارتطم بالرمال من تحته ، فظهر أحد الأطفال فجأة من هناك زاحفاً وهو يفرك رأسه ،وومضات نارية تخرج من فمه لأنّ الكلمات لم يتعلم قولها بعد وبعد ذلك سرعان ما تبخّر الجرح الذي في رأسه بسرعة، بدأ منذ الصغر بكتابة القصص عن الوحوش وكان يقوم ببيعها بسعر بخس لأطفال الجيران ، والتأمت حواف الجرح مع بعضها البعض بسرعة أكبر .
أرخت السّماء فوق الجميع ظلالها السّوداء بعد نزول الشّمس من درجاتها السماوية لتهبط تلك الظلال على الفتحة الظاهرة في المسبار وتقاطعت معها ظلالٌ أخرى ، فتوجس الأطفال من هذا المنظر، وأحسوا بالرهبة أمامهم حتى خرج الرجل الآلي "أبيل" مستخدماً لوحة التوجيه الحاجبة كممر منحنٍ له يستخدمه للنزول من المسبار ، لقد كان "أبيل" مزيجاً مصنوعاً من القطع المعدنية والبلاستيكية المنصوبة على منصة منخفضة متدلية بين إطارات بالونية ستة ... و عندما وصل إلى الرمال تردد في النزول لكنّه تقدّم باتجاه كوكب المريخ متلمّساً طريقه عليه وهو يقفز من بقعة إلى أخرى، فجأة وقف أحد الأطفال البالغين وقال :
-ما الذي تفعلونه هنا؟
- لا شيء ، أجابه أحدهم.
- نحن فقط نلعب .
- حاذروا هناك .
لقد بدا شكل البالغ وكأنه توأم سادس للأطفال الستة الموجودين هناك و يبدو سقف فمه على أنه الأكثر دفئا من البقية ولكن النبرة السُلطوية في صوته كانت أكثر من مجرد صوت عالٍ وحسب :
- يبدو أنّ أحداً ما قد تكبّد عناءً كبيراً في بناء هذا الشيء .
- نعم سيدي.
بعدها تحلّق الأطفال بهدوء حول المخبر البيولوجي الآلي وراقبوا باباً صغيراً وهو ينفتح بجانب الدُرج الذي يشبه الطبل والذي يؤلف نصف جسد "أبيل" ، وخرجت نار شديدة التركيز من داخل ذلك الباب الصغير من داخل ما يشبه المسدس باتجاه السماء وقال أحد الأطفال :
- كاد ذلك الشيء أن يرتطم بي.
- استحق ما حصل له.
انزلق الضوء مغلّفاً بالرمل والغبار والتفّ للخلف ليعود إلى المنطقة التي خرج منها، وعندها أسرع إليه أحد الأطفال، وقام بلعقه فوجده مغطى بشيء لزج لكن لا طعم له ، وبعدها تسلّق طفلان المنصة ببطء وصولاً إلى الشكل الأسطواني وهناك وقفا وقاما بالتلويح بأيديهما ، وهما بالكاد يستطيعان تثبيت نفسيهما عليه بأقدامهما المثلثة ، وفي هذه الأثناء تمايل الآلي «أبيل » باتجاه الأعشاب السوداء لينزلق الطفلان على الرمال ومع ذلك نهض أحدهما بسرعة وعاود التسلّق ثانية ، وفي هذه الأثناء بقي البالغ في المجموعة يراقب كلّ ما يحصل حوله بريبة وشك حتى ظهر بجانبه بالغ آخر وقال له :
- لقد تأخرت لدينا موعد في "كزاتبنورنين "للرُقاقات ، هل نسيت؟
- نعم ، لقد وجد الأطفال شيئاً .
- إذاً ما الذي يفعله ذلك الشيء؟
- كان يقوم بأخذ عينات من التربة وربما يحاول أن يقوم بجمع بعض البويغات أيضاً ، فقد أظهر لتوّه اهتماماً بالعشب ، وأنا أتساءل حول مدى دقة الأدوات التي بحوزته
- لو كان حساساً كفاية لكان أظهر اهتماماً بالأطفال
- ربما
توقف "أبيل " ليظهر في مقدمته ما يشبه الصندوق محمولاً على قدم تلسكوبية بدأت بإجراء مسحٍ أمامي بواسطة عدسات على سطحه، وقد امتد المسح من الخط المنخفض للأراضي في منطقة " نهر أساديلاين " وحتى اتجاه الأفق الشّمال الشّرقي ، ثم تأرجحت العدسات عكسياً من جهة الصّحراء البرتقالية الخالية ل «تراكوس ألبوس » لتُصبح وجهاً لوجه مع الطفل المسافر تطفلياً ، ليقوم الطفل ببسط أذنيه، و القيام بحركات حمقاء بوجهه ، والصراخ بكلمات غير مفهومة ، وتحريك العدسات بلسانه الطويل ليقول بعد ذلك :
- يجب أن يعطيهم هذا شيئاً يفكرون به .
- من تعتقد أنه قام بإرساله.
- الأرض كما أعتقد ، لعلّك لاحظت القرص المصنوع من السيليكات الموجود في الكاميرا وهو شفاف بالنسبة للموجات الضوئية التي تتخلل الغلاف الجوي لذلك الكوكب.
- معك حق.
أطلق المسدس ثانية النار نحو العشب الأسود ليقوم بالارتداد أيضاً فنظر المسافر المتطفل إليه ، وصرخ أحد البالغين :
- عودوا للوراء يا أدمغة الكوكب الصغار .
قام الطفل بنشر أذنيه باتجاهه ، وأرسل" أبيل " في نفس اللحظة شعاعاً ليزرياً مضغوطاً ياقوتي اللون ، وقد مرّ من جانب أذنيه وظهر مباشرة شعاع طولاني ساطع لا متناهٍ اخترق زرقة السماء المحيطة بهم ، عندها أحس الطفل بالتشويش وركض خائفاً ليبتعد ما أمكن عن ذلك الآلي وقال أحد البالغين بعد أن لاحظ اتجاه الضوء :
- ليست الأرض في ذلك الاتجاه.
- ومع ذلك فإن الشعاع ذاك ليس إلا رسالة ما ، لا بد أن يكون هناك شيء ما في المدار؟
نظر البالغ باتجاه السماء بعد أن ركّز عينيه وعدّلهما في ذلك الاتجاه :
- إنه في داخل القمر، هل تستطيع رؤيته؟
- نعم . حجمه كبير إلى حدٍ ما ... لكن ما هي تلك الأشياء الصغيرة المتحركة حوله؟ ذلك ليس مسباراً أوتوماتيكياً لكنها مركبة لذلك أعتقد أننا سنتوقع قدوم زوار جدد قريباً.
-كان علينا أن نخبرهم عن وجودنا منذ وقتٍ طويل ، وقد تكون موجات كبيرة ليزرية لا سلكية قد قامت بفعل المطلوب.
- لماذا يتوجب علينا ان نتحمل نحن عبء العمل كله بينما هم يمتلكون المعادن والشمس وجميع المصادر؟
بعد أن أنهى الآلي "أبيل" عمله مع الأعشاب السوداء عاد إلى وضعية التشغيل خاصته ،وذهب باتجاه النقطة المظلمة من الجدار الدائري المتآكل ليعاود الأطفال التجمع من خلفه ،ومن ثمّ قام بإطلاق أشعة ليزرية لزجة أخرى سلكت طريقاً لها، فكان طريقها بعيداً، ومن ثمّ عاودت الرجوع إليه وعندها التقطها بعض الأطفال وقام بسحبها، وأصبح المخبر في حرب تشبه شدّ الحبل مع الطفل المريخي والتي انتهت بانقطاع الخيط الليزري ذاك ،
بينما قام طفل آخر بحشر إصبعه الطويل الرقيق إلى داخل الفجوة ليخرج وهو مغطى بمادة رطبة ، وقبل أن يتبخر وضع أصبعه في فمه ، وأطلق صرخة تُظهر مدى سعادته بما تذوقه ،وعندها عاد وحشر لسانه في الفجوة المخصصة للسائل الذي كانت تنمو فيه المتعضيات المجهرية .
- توقف عن هذا ، ليس ذلك من ممتلكاتك! لكن تم تجاهل صوت البالغ وأبقى الطفل لسانه الطويل في السائل وهو لا يزال يركض حول المخبر أما بقية الأطفال فقد اكتشفوا أنهم لو وقفوا أمام "إبيل" فستقوم بتغيير مسارها والتقدم ببطء حول الشيء الذي يقوم بإعاقتها وفي هذه الأجواء أكمل البالغ قوله :
- ربما ستكون الكائنات الفضائية سعيدة بعودتها لموطنها مع ما في جعبتها مما جمعته في المسبار.
- هراء لقد رأت الكاميرا الأطفال وهم يعرفون الآن بوجودنا.
- هل سيقومون بالمخاطرة بحياتهم والهبوط فقط بمجرد أنهم شاهدوا "الديثتا"؟
- الديثتا ليسوا إلا أطفالاً بسيطين حتى بالنسبة إلى قدرة عينييّ المتطورة وربما كانوا ينحدرون مني من يعلم ؟.
- انظر إلى ما يفعلونه الآن.
لقد بدأ الأطفال بتوجيه "أبيل " نحو الجرف كونهم أمام الآلي ليسوا إلا مجرد عوائق، حتى أنّ واحداً منهم قد طار فوق المخبر المتحرك للآلي، وهو يتظاهر بأنه يقوم بتوجيهه من خلال ركله للأجنحة المعدنية المنصوبة عليه :
- علينا إيقافهم ، سوف يقومون بكسره
- نعم...هل تتوقع فعلاً أنّ الكائنات الفضائية سوف تقوم بإرسال مركبة مأهولة .
- من الواضح أنها الخطوة القادمة.
- نرجو ألاّ يقوم الأطفال بالإمساك بها هي أيضاً.


0 comments: