Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

قصبة نفخ الخيال العلمي (1).....الأدب العلمي العدد الثاني والثلاثون


إسحاق أزيموف
ترجمة سوسن عزام

أظهرت التجارب في الخيال العلمي أن القصص الطويلة لها ميزات تفوق مثيلاتها القصيرة، لأن الأشياء كلها تبدو متماثلة في الحجم، ويمكن تذكرها بشكل أفضل والسبب في ذلك يعود إلى قدرة المؤلف في القصة الطويلة على شرح نفسه أكثر ، وإن كانت طويلة كفاية عندها يمكنه أيضاً إدخال نفسه في الحبكة الأساسية والثانوية مع كل الروابط المعقدة والممكنة ..
كما أنه قادر على وصف ما يريد بكل هدوء ورويّة، والتخطيط بدقة لرسم الشخصيات، وإدخالها قوالب العظات المدروسة والنقاشات الفلسفية المطلوبة، وبإمكان الكاتب أن يقوم بممارسة خدعه على القارئ من إخفاء للمعلومات المهمة وتضليله وتوجيهه باتجاه آخر وبعدها يقوم بإعادة المواضيع والشخصيات المنسية في ذروة اللحظة ليبسط تأثيرها المطلوب عليه.
قد يوجد في القصص الطويلة والقيّمة فكرة ما قد لا يقوم الكاتب بوضعها هناك ولكن يجب أن تكون وقد لا يقوم القارئ بالبحث عنها بشكل واعٍ، لكنه سوف يفقدها إن لم توجد هناك في مكانها ، فإن كانت تلك الفكرة منفرجة ومثلّمة الزوايا، أو بسيطة ،أو لا وجود لها، حتى عندها ستكون القصة الطويلة تلك تعاني من خطبٍ ما ،وسيكون رد فعل القارئ الطبيعي :"إذا ، ماذا؟" .
تكون الفكرة عادة في القصص الطويلة المعقدة مخبأة تحت دثار من المواد المادية فوقها والأشخاص الأكاديميين من الذين همّهم البحث عن تلك الفكرة ،حيث يُلهبون ظهور تلاميذهم بسياط البحث المستمر لاصطياد تلك الفكرة، بالإضافة إلى وجود الأعمال الأدبية الدسمة التي تعمل على استخراج الأطروحات العلمية بدون الأرقام التي ستتعامل مع تحديد وتوضيع الأفكار الأساسية والثانوية على حدٍ سواء . لكن لو انتقلنا الآن للمقلب الآخر حيث القصة تكون فيه أقصر وأقصر، حيث سيختفي من حاشيتها كل ذلك التطريز الجميل الذي تتمتع به القصص الطويلة حيث في القصة القصيرة لا تجد حبكات ثانوية مثلاً ولا وقت للاستعراضات الفلسفية لأن التخطيط المرتبط بالوصف والشخصيات يجب إتمامه بإيجاز.
أما ما يخص الفكرة في القصص القصيرة فلا بد لها من أن تبقى لأنها لا يمكن أن تخضع لأنابيب الاختصار لكن الفكرة تلوح بوزنها الذي يأخذ الحجم الأكبر في القصة القصيرة .
وأخيراً في القصص القصيرة جداً يتم إقصاء كل شيء إلا الفكرة حيث تختزل القصة نفسها لتصل إلى مدار الفكرة ذاتها ومن أجلها وتقوم بإبرازها كالإبرة الملتهبة التي يُطلقها قصب النفخ ، نعم إبرة قادرة على أن تخز أو تلسع وتستطيع أن تترك لنفسها أثراً بداخلك لفترة طويلة جداً .
لذلك سيتم تقديم العديد من تلك الأفكار في هذا العمل باستخدام تقنيات الخيال العلمي المعروفة ، وستكون أعداد تلك الافكار بالمئات، بحيث تخرج كل واحدة منها من قصب نفخ ما، ينتمي إلى شخص محترف ما في هذا المجال، وبكل تواضع سيكون هناك العديد من أعمالي أنا شخصياً ، بالإضافة إلى مقدمة مقتضبة لكل منها لا تتجاوز السطر قمت أنا بكتابتها كذلك الأمر، أما الآن حيث سيبدو من غير المعقول أن تكون هذه المقدمة أطول من القصص التي قمنا بالتقديم لها وأنا قمت بإيضاح فكرتي لذلك سأكتفي بهذا القدر وأتوقف عن الكتابة .

القصة الأولى مسألة قانونية *
إسحاق أزيموف

لا شك أن "مونتي ستاين" قد قام من خلال خطة خداعٍ ذكية بسرقة ما يفوق مئات الآلاف من الدولارات ، كما لا يدعو للشك أنه تم اعتقاله بعد يوم واحد من انتهاء القانون المسمى ب "قانون التقادم"، فقد استطاع أن يتفادى الاعتقال خلال الفترة الفاصلة مما أوصل هذه المحاكمة إلى سدّة عصر قضايا جديد فيما يخص ولاية نيويورك ضد "مونتغمري هارلوستاين" بكل نتائجها وتبعاتها حيث ستصل بالقانون إلى بُعده الرابع .
وكما ترون كونه اقترف جريمة "الاحتيال" واحتفظ بالنقود لنفسه قام "ستاين" بكل هدوء بدخول آلة الزمن التي كانت بحوزته بشكل غير قانوني وقام بضبط الوقت في المستقبل على مقياس سبع سنوات ويوم واحد ،و تحدث محامي "ستاين " بكل وضوح موضحاً أنّ الاختباء في الزمن لا يختلف أساساً عن الاختباء في الفضاء ، ولو لم تقم القوة المسؤولة عن تطبيق القانون باكتشافه داخل آلة الزمن لكان ذلك من عداد حظهم السيئ فعلاً ، فقد أوضح المدعي العام أن مفهوم قانون التقادم لم يكن ليعني أن يكون أرجوحة بين القانون والمجرم ، وما هو إلا إجراء رحمة مصمم لحماية المجرم من الإحساس بالخوف من الاعتقال لفترة طويلة.
لقد أصرّ المدّعي العام أن المتّهم لم يتم اعتقاله أبداً، وهنا بقي محامي "ستاين" صامتاً بدون حراك، فالقانون لم يقل شيئاً بخصوص قياس مدى خوف المجرم وعذابه ، بل هو ببساطة حدد الوقت اللازم لها ، واعتبر بعدها المدعي العام أنّ المتهم لم يمر بالفترة المسموح بها ، بينما قال الدفاع إن "ستاين" الآن هو أكبر عمراً بسبع سنوات من العمر الذي تمّت فيه الجريمة ... ولذلك ينطبق عليه شرط المدة ، لكن المدّعي العام تحدّى هذا الكلام ليضطر المحامي إلى إبراز شهادة ميلاد "ستاين" حيث يبدو فيها أنه مولود في عام ( 2973 ) أما وقت الجريمة فقد وقع في عام ( 3004 ) وعمره آنذاك واحد وثلاثون عاماً ونحن الآن في عام ( 3011 ) وهو يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً ... وهنا صرّح المدعي العام أن "ستاين" لم يبلغ العمر النفسي الذي يتناسب مع عمر الثامنة والثلاثين بل ولا يتناسب مع الواحد والثلاثين، وهنا أوضح الدفاع ببرودة تامة أنّ القانون سيتم تطبيقه عندما يكون الفرد قد أعطي الأهلية العقلية من خلال عمره الزمني فقط والذي يمكن معرفته من خلال القيام بطرح يوم الولادة من اليوم الذي نحن فيه الآن ، وهنا استشاط المدّعي وأقسم أنه لو تم فعلاً إطلاق سراح "ستاين" فإن نصف كتب القانون لن يكون لها أيّة قيمة بعد ذلك ، ثم يطلب الدفاع تغيير القوانين، وإن تمّ أخذ السفر بالزمن ووضعه بالحسبان لذلك يجب تنفيذ القانون كما هو منصوص عليه تماماً حتى يتمّ تغييره . لقد استغرق القاضي " نيفيل بريستون" أسبوعاً كاملاً لدراسة القضية وعندها قام بتسليم الحكم ، لقد كانت فعلاً لحظة حاسمة في تاريخ القانون ، ومن المؤسف أن بعض الأشخاص اتهموا القاضي "بريستون" بأن منحنى تفكيره قد انحرف عن مساره الصحيح بسبب اندفاع لم يستطع مقاومته لكي يقوم بصياغة الحكم الذي أصدره الآن والذي كان على الشكل التالي :
"الفجوة الزمنية أنقذت ستاين".
*مسألة قانونية : وردت في المصدر مع قلب أول حرف من كل كلمة من أجل إيصال الفكرة المطلوبة

0 comments: