Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

بعض ملامح تطور أدب الخيال العلمي ....الأدب العلمي العدد الواحد والثلاثون


سوسن قاسم عزام

استطاع مصطلح الخيال العلمي مقاومة تعريفه بكل بساطة ، لأن معظم الناس يستطيعون تمييز مواضيعه بمجرد التعرف على مفاتيحه مثل الكائنات الفضائية والروبوتات والعوالم البديلة وما شابه ، لكن ما إن تصل محاولات تفسير  هذا المصطلح الحثيثة إلى بر الأمان حتى تبدأ الآراء حوله بالتلاطم مع بعضها البعض.

 التعريف اللغوي للخيال العلمي هو أنه مبنيّ على الاكتشافات العلمية الافتراضية وعلى بعض التغيرات البيئية الكبيرة التي يتم وضعها ضمن إطار مستقبلي ما أو على سطح أحد الكواكب مروراً بمراحل انتقاليّة في الفضاء أو من خلال السفر عبر الزمن . وهذا التعريف لم يجد لنفسه أرضاً صلبة إلاّ في أوائل القرن الماضي ،مع وجود كتّاب الخيال العلمي أمثال جول فيرن وهيربرت جورج ويلز الذين بدؤوا بنشر نتاجهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . ويُعتقد أن أول كتابات الخيال العلمي هي رواية «ماري شيلي » المشهورة «فرانكشتاين » عام ( 1818) و أكّد النقّاد بوجود كتابات أقدم من ذلك مثل «يوتوبيا » توماس مور في عام (1516 )ومغامرات «بارون مونتشوزن » ل «رودولف إيريك راسب» (1785) لكنها كانت تحت مسميات عدة مثل القصص القوطية أو الأسطورية أو الرومانسية العلمية وبقي الحال هكذا حتى عام( 1920 ) حيث أوجد الناشر الاميركي «هوغو جيرنزباغ » لهذه المؤلفات التسمية الرسمية الأدبية والتي أصبحت معروفة بالخيال العلمي . ويؤكّد البعض أنّ محاولة تعريف الخيال العلمي أشبه بمحاولة وصف طاولة على كوكب الأرض إلى كائن فضائي ما حيث نحن كبشر نعرف تماماً ما هي الطاولة و ما هي أشكالها وقياساتها وأنواعها والمواد المصنوعة  منها وعدد الأرجل فيها واستخداماتها ولكن كيف سنقوم بكل ذلك الشرح لكائن فضائي مثلاً؟. أما تعريف الخيال العلمي بالنسبة إلى المخضرمين في هذا المجال مثل أزيموف أن الخيال العلمي يتعامل ببساطة مع ردود أفعال البشر على التغييرات العلمية والتكنولوجية وهو أحد القوى المؤثرة في الخيال العلمي، لذلك كل ما تحدث عنه كان له مفعول الديمومة لوقت طويل بحيث تأرجحت الأفكار بين العلوم الوهمية وعلوم النفس الغيبية ، بينما اعتبره «راي برادبري » على أنه الفن الممكن مقابل الفن اللاممكن ويعني به الفانتازيا كما اعتبر أن الخيال العلمي هو عبارة عن تاريخ للأفكار الناجحة والتي سوف تصبح حقيقية وملموسة لاحقاً على عكس الفانتازيا التي بالنسبة إليها كسر قوانين الفيزياء هو أحد أفضل وظائفها . الخيال العلمي المعروف بأنه إحدى الأذرع الخيالية الأدبية التي تتحدث القصص فيها عن العلوم والتكنولوجيا المستقبلية ومن المهم هنا ملاحظة مدى ارتباط الخيال العلمي بالمبادئ العلمية ، بالمقابل لا يجب أن تكون هذه القصص الخيالية تحوم عالياً جداً فوق الحدود العقلانية القابلة للتصديق حتى لا تصب بالخطأ في مستنقع الفانتازيا على المقلب الأدبي الآخر والتي تتحدث عن الأشياء التي لا يمكن أن تحدث بالرغم من رغبتك بحدوثها على حد تعبير آرثر سي كلارك بينما الخيال العلمي هو عبارة عن شيء من الممكن حدوثه ولكنك لا ترغب بحدوثه. لقد ظهر هذا الأدب في الغرب بعد التغييرات الاجتماعية التي تأثرت بالثورة الصناعية والتي دفعت بالكتّاب والمفكرين استقراء الأثر المستقبلي للتكنولوجيا ، وبدأت المواضيع الخاصة بالخيال العلمي في القرن العشرين بالتمحور حول السفر نحو الفضاء والرجال الآليين والكائنات الفضائية والسفر عبر الزمن وضمّت المواضيع التحذيرات التنبؤية والتطلعات نحو المجتمعات الجديدة والعوالم الجديدة تماماً والكوارث الضخمة والتي تم تقديمها بنكهات فكرية تأملية ونقدية ومحاكاة الساخرة وعرض طيف واسع من الآراء نحو تغيرات المجتمع التكنولوجية بدءاً من التهكمية وانتهاء بتصويرها على انها نعمة كونية كبيرة. لقد حاول الكتّاب إيجاد طرق علمية والبحث عن التطورات التكنولوجية من أجل التكهن بمدى التغيرات الاجتماعية التكنولوجية التي وظيفتها هي إحداث تلك الشرارة أي شرارة الصدمة لدى القارئ مع تطوير الوعي خاصته كذلك الأمر ، وهذا ما انطبق تماماً على عمل H. G.wells الكاتب الكبير في هذا المجال ومؤسسه ، فقد كان من الطلاب المتحمسين للعالِم T.H.Huxly وهو من المدافعين الشرسين عن نظرية التطور الخاصة بداروين ، وقد أعطت اعمال «ويلز » الدلائل الكثيرة للراديكالية الكامنة الخاصة بالخيال العلمي وقربها من النقد الساخر وجداول أعمال السياسيين الجديدة وتنبؤاتها الكبيرة فيما يخص الأثر التدميري القادم للتكنولوجيا . مع قدوم القرن الواحد والعشرين أصبح الخيال العلمي أكثر من مجرد فرع أدبي حيث ازدادت شريحة الناس المتتبعة له والتي استمتعت بكل المواد التي كان يقدمها والتي ظهرت في الكتب والأفلام والألعاب الإلكترونية والمجلات والرسوم والمواقع العنكبوتية وحتى على صعيد ألعاب الأطفال . وهذا ما حصل على الصعيد العربي أدبياً فقد كان توفيق الحكيم أول من تساّق سلالم هذا الأدب المعكوفة وأقصوصته «سنة المليون » عام( 1953 ) هي من الأعمال الرائدة اللاستشرافية في هذا المجال بالرغم من بقاء الغرب هو ذات المنهل الذي استقى منه الحكيم تجليّاته وأفكاره ، وقد جاء تحت ذات المظلة الكاتب المصري « نهاد شريف » حيث اعتبره النقاد رائداً لأدب الخيال العلمي العربي، وقد أصدر عدداً كبيراً من الروايات والقصص التي تندرج تحت هذا النوع من الأدب قبل وفاته أواخر عام 2010 عن ثمانين عاماً من أعماله الهامّة(قاهر الزمن) و(كائنات الفضاء) و(رقم 4 يأمركم) و «نداء لولو السرّي » و (الماسات الزيتونيّة) وغيرها من الأعمال التي أخلص في كتابتها لهذا النوع من الأدب.. ويأتي بعده الكاتب المغربي «عبد السلام البقّالي » الذي نشر في عام (1976 ) أهمّ رواياته «الطوفان الأزرق » و الذي اعتبر أن القضايا التي يعالجها الخيال العلمي من أشرف القضايا وأنبلها وقد دقّ بجرسها ناقوس التلوث بكل أشكاله، وهناك الكاتب المعروف «الهادي ثابت ، » الذي نشر أيضاً أعمالاً مهمّة مثل (عودة هانيبعل ) و( النداء الأزلي ) وغيرها .. ثم رؤوف وصفي بقصصه ورواياته المدهشة التي زادت أعداد كتبها عن 25 إصداراً صدرت عن المكتبة الحديثة في القاهرة إضافة لترجماته المهمّة لروايات وقصص كتّاب عالميين في الخيال العلمي و «صلاح معاطي » في أعماله العديدة « الكوكب الجنة » و (شيفرة أنشتاين) و (الخلايا الغاضبة) وغيرها كثير .. ثمّ عطيات أبو العينين في (همسوري ) و ( سيّدة العقارب ) وغيرها .. وفي سورية د. طالب عمران برواياته ومجموعاته القصصيّة ( الأزمان المظلمة -نداءات الأرض - ملامح من الفوضى القادمة - مزون - أنفاق الأزمنة ...) وغيرها الكثير.. و «لينا كيلاني » بأعمالهما العديدة مثل ( «من أنا .. من أكون » - بذور الشيطان – الأزهار الشريرة - ثلاثية المستقبل ....) وغيرها الكثير .. وفي الأردن د. « سليمان خليل » الذي أصدر عدّة أعمال في هذا المجال من بينها رواية تتحدّث عن «الاستنساخ » بعنوان «السمندل » إضافة لأعمال أخرى .. يعتبر الخيال العلمي على أنه العامل المشترك لفترات تاريخية واسعة من التاريخ والثقافات فقد كان الخيال العلمي ذا بنية متينة وجودية في عملية التطور البشرية، فقد فضّل الإنسان تخيّل عوالم أخرى تختلف عن حقيقة العالم الذي يعيش فيه، وقد بقي أدب الخيال العلمي مثل حصان طروادة قوة كامنة منذ «لوسيان » السوري في القرن الثاني للميلاد، ومنذ أن تحرّك جلجامش في رحلته نحو الأبدية خارج أسوار «أوروك »، وصحيح أن البطل لم يجد السبيل نحو الأبدية إلا أن هذا العمل استطاع أن يوجد القاعدة الاستعارية لتمثيل ما قد يكون المواجهات الأولى مع الوحوش والأشياء الخارقة ، ولعلّ استطاع كل من سيرانو وفولتيير التأثير على الجيل القادم من النقاد الاجتماعيين والساخرين في القرون اللاحقة، حيث نشرت «ماري وولستون كرافت شيللي » بنشر «فرانكشتاين » وقد اُعتبرت بأنها أم الخيال العلمي فقد ابتعدت في عملها عن المسار التقليدي القوطي حيث تكون القصة دوماً عبارة عن قصور معتمة وزنزانات وممرات سرية وهي بكليتها تؤلف بذلك بيئة خصبة لخلق أجواء تعج فيها الأشباح والحوادث الغريبة والماورائية، والهدف دوماً هو إحداث الرعب بينما جعلت شيللي من الشخصية الرئيسة في العمل عالماً بالرغم من أن هذه الكلمة لم تكن مطروقة حتى عام (1834 ) وجعلته مهتماً بالكهرباء الكلفانية galvanic وتشريح الحيوانات الحية، وبذلك تكون قد نثرت على عملها رمال المعقولية العلمية ، وبهذا استطاعت شيللي خلق ذلك الإحساس المثير الذي يمزج الرعب والغرابة، وهذا هو السبب الذي جعل من هذا العمل عالقاً تحت سندان الطباعة منذ تم تأليفه ليبقى فرانكشتاين تجسيداً استعارياً لبداية القرن الواحد والعشرين  turn of وبالأخص عندما استخدم المعارضون للهندسة الوراثية مصطلح »Franken food« أو طعام فرانكن للدلالة عن مدى القلق الناتج عن الآثار المجهولة لتلاعب الإنسان بالمواد الغذائية البشرية، ورأى براين ألديس أن عمل فرانكشتاين على أنه الأسطورة العلمية التي تعبر عن قدرة العالِم على الخلق وعلى إيجاد التناغم مع طبيعة تلك القدرة المستقبلية المرتبطة بتبعات ونتائج ذلك الخلق. وشارك شيللي الريادة في القرن التاسع عشر «إدغار ألان بو» عمله " 1844the balloon hoax of "حيث استطاع بو تقديم الوصف التقني الدقيق جداً لتضليل القارئ الساذج ، ولكن أبرز من تأثر ب «بو » كان جول فيرن وذلك في أول رواية كتبها وهي « باريس في القرن العشرين .» وقد أثر كل من فيرن وويلز على تطور الخيال العلمي في القرن العشرين بشكل كبير وفي عمل فيرن «رحلة إلى مركز الأرض » في عام( 1863 )تخيّل وجود المغارات تحت الأرض و المليئة بأمهات المحيطات والتي تعج بالديناصورات وهذه كلها تُمثّل برمزيتها الحلبة ذاتها اللاواعية التي عبّرت عنها الزنزانات القوطية والكهوف. لكن لم يكن التعريج على الأدب العلمي ليكون ناجعاً بدون ذكر أحد أكبر الأسماء اللامعة والمؤثرة في الخيال العلمي والذي كان له شرف ترأس العبقرية في هذا النوع من الأدب وهو إسحق أزيموف ، ويُعتبر من المُعلمين المتمرسين الذين تبدو كتاباتهم على أنها ثورية الهيئة ومن الأسس المهمة التي أسست لكل الإبداع الذي وصلنا إليه الآن في عالمنا المعاصر هذا. بالرغم من أنه شخص لم يحب الطيران أبداً إلا أنه أجبر قراؤه على المدى الطويل على التحليق في أبعاده الفكرية والمستقبلية الاستشرافية إلى أبعد حد ممكن، في رصيده حوالي (500 ) كتاب وقد كان جزءاً من الثالوث الأدبي العملاق جنباً إلى جنب مع روبرت هينيلين وآرثر كلارك ، ولعلّ عمله "Foundation" من أكثر الأعمال شهرة والتي اختتم بها ما يسمى بمرحلة الإمبراطورية القوطية المجرية واستطاع أزيموف أن يوصل بهذا العمل الفكرة التي مفادها أنه من السهولة بمكان فهم التاريخ تماماً وبالتالي من الممكن التحكم به ، و في عالمه هذا لا شيء غير متوقع من الممكن أن يحدث وحتى الحدث الذي لم يكن متوقعاً قد كان كذلك في نهاية المطاف والفكرة برمتها تتعلق بالتعامل مع كيفية التعاطي مع الأمور الغريبة، وقد تحدث عن الرتابة الجمالية المضبوطة جيداً في هذا النوع من الأعمال «كولين مانلوف » بقوله: إن الشخصيات في هذا النوع من الأعمال تراهم على أنهم نماذج أكثر من كونهم أشخاصاً لهم خصوصية ما ، فنحن لا نعرف كيف يختلف هذا الكوكب عن ذلك الكوكب الآخر كما لا نعلم عن أية تفصيلات خاصة بأي حرب دائرة في هذا المكان أو ذاك ،كما ليس لنا دراية بلباس الحضارات التي يجعلنا أزيموف نغوص عميقاً بها ولا يوجد فيها حتى حيوانات بل رجال فقط ، لكن في هذا العمل أخذت المعالجة الفكرية والحوارات بين الشخصيات على عاتقها لعب دور ملء الفجوات التي قد تحدث في مثل هذا النوع من الأعمال. عموماً نجد أن الإنسان قد فقد إحساسه بالرهبة من جراء التطورات التكنولوجية التي سرعان ما اندمجت في نسيج الحياة اليومية ، والتقنيات المماثلة كالتحصين ضد الأمراض مثلاً وأعمال السمكرة وإعادة التدوير والحبوب المسؤولة عن تحديد النسل والتي لها آثار ثقافية عميقة لكنها لم تُحسب على التقنيات المتطورة أبداً بل و اُعتبرت على أنها نتاج طبيعي للخيال العلمي و السبب في ذلك لا يرتبط بالمبادئ العلمية أو الصعوبات الهندسية المتأصلة بل إلى الحكم الاجتماعي مع القيمة المضافة للماورائيات حيث تُعتبر هذه الأحكام بذاتها هي التي يقوم الخيال العلمي بطرحها في الميادين الخاصة به. اُعتبرت الرحلات الفضائية على أنها واحدة من الميادين التي أظهر الخيال العلمي الولاء لها ولذلك بقيت مواضيع المكوك الفضائي على أنها من المواضيع التقنية المتطورة بالرغم من أقدميتها التي طالت عقوداً ثلاثة، وهي الآن في مراحلها الأخيرة وما إن يصبح ذلك المكوك الفضائي اختراعاً شائعاً مثل طائرات البوينغ مثلاً حتى يفقد بسرعة اللمسة التقنية المتطورة التي امتاز به هذا الميدان. وأخيراً وبالرغم من أن العديد من التقنيات قد تم تخيلها من قبل الخيال العلمي أولاً قد أصبحت أموراً حقيقية لاحقاً بل وأصبحت من السمات العادية التي تميزت بها معظم الأعمال الخيالية إلا أن المعرفة العلمية بالفعل تركت المساحات فارغة من أجل القيام بالمزيد من الافتراضات والتوقعات العلمية حول أثرها المستقبلي على كل من المجتمع والأفراد ومن الصعوبة بمكان تخيل أي مجتمع على أنه منيعاً بشكل أو بآخر ضد بريق التنبؤات الخاصة بالخيال العلمي.

المراجع :
- (مانلوف 1986 ).
- Science fiction -Adam Roberts-2000
- Bruce Sterling - Encyclopedia Britannica-2016
- Joshua Wimmer -study .com
- أدب الخيال العلمي د . محمد الهادي عياد - د. كوثر عياد.

0 comments: