Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الحقد الآلي ....الأدب العلمي العدد الثالث والرابع


غياث جباخنجي

(إيرنموس-100) ، هو العقل الآلي المدبر لقسم الجراحة البشرية في منطقة (أوفربوينت-سياتل) بواشنطن، ويرأس حلقة من أكثر العقول الآلية حساسية فوق اعتيادية، متمثلة بجملة آليين مهمتهم القيام بأدق العمليات الجراحية للبشر، وقد أثبتت هذه الحلقة فعاليتها خلال عشرة أعوام من العمل المنظم، خاصة أنها تتجاوز الأخطاء البشرية حتى لأجزاء من المئة من الثانية. وفي تاريخ 7/2//2403 ، حدث ما لم يكن يتوقعه أو يتخيله أي إنسان، حتى علماء الرياضيات الاحتمالية، لا يمكن لهم ،القبول بما حدث ، ومع ذلك فهذا ما حدث بالضبط .
أدار إيرنموس عينيه الالكترونيتين اللتين تعلوان رأسه المعدني نحو جهاز قابع بجانبه، ثم مد يده ذات الملامس الفضية الثلاث، وما إن لمسه، حتى دوى صوت متقطع في كل أجزاء القسم الخالي من أي أحد من الآليين فجأة، قال إيرنموس بصوت آلي جامد:
- دكتور آيك 117 .. عليك بالقدوم حالاً..
مرت لحظات قليلة، ثم فتح بشكل تلقائي، باب أبيض اللون، اندفع عبره آيك 117 ذي الشكل البشري، واقترب بهدوء من طاولة إيرنموس المعدنية المصقولة، وما إن توقف قبالته، حتى التقت عيناه الشبيهتان بعينين بشريتين بريئتين، بكاميرتي إيرنموس اللتين  تشعان ببصيص أزرق ضعيف.
هتف إيرنموس قائلاً:
- كم الساعة الآن؟.. كم بقي لك من وقت؟
أجاب آيك فوراً: - إنها الثامنة صباحاً.. بقي لي من الوقت ساعتان ونصف..
نطق إيرنموس بآلية واضحة:
- ما تقريرك عن حالة المريض.؟
- المريض.. يعاني من ورم دماغي في المنطقة اليسرى، يترافق مع تجمع لعنصر الألمنيوم.. خاصة عند مركز الانفجار التورمي. لقد كشفت بالتحليل الرنيني الايكوغرافي وجود حد متجانس يفصل بين الورم والخلايا السليمة للدماغ. تبلغ سماكة الحد خمسة ميكرون.. يمكنني باستخدام مبضع ليزري من المقياس K أن أقوم بفصل الورم من دون المساس بخلايا الدماغ السليمة.
- ومااحتمال نجاح هذه العملية؟
أجاب آيك بثبات : 94،3 % ... لقد توصلت إلى هذه النتيجة باستخدام توزيع كراوسكي في حدود تشتت طيف عنصر الألمنيوم الرنيني..
سأله إيرنموس:
- آيك.. عند أي حد يمكن أن يتوقف نشاط الدماغ البشري باستخدام حامض غابا*
- عند ثلاثمئة وحدة كروزون KROZON
أيرنموس: - ماذا يحدث لو تجاوزنا هذا الحد؟
- يؤدي ذلك إلى حالة الموت البشري على الفور.
- ومالتأثيرات الناتجة عن زيادة ضخ نور أبينفرين. أو مسكالين أو  LSD**
أجاب آيك : - إن زيادة ضخ نورأبينفرين أو مسكالين أو LSD يؤدي إلى حدوث هلوسة شديدة. لكنه يزول بزوال العقار المؤثر ..
مرت لحظات من الصمت، قبل أن يصدر عن إيرنموس أي صوت. وبعينين تحملان بريقاً زجاجياً، لمس أيرنموس عدة مربعات أمامه ثم أخذ يقرأ بآلية متسلسلة عديمة الحياة:
- اسم المريض: ريتشارد بيرك، العمر: ثلاثة وخمسون عاماً. العمل: مستشار علمي لصحيفة ميركوري ايكلبس التي تصدر باللغة العالمية ويتم نشرها عبر محطات الفضاء في المريخ والقمر، وكان يترأس منذ ثلاثة وعشرين عاماً حلقة المؤتمرات عالمية من أجل سن قوانين إباحة العمليات الذاتية في الدارات المؤتمتة للإنسان الآلي.
نظرت عينا إيرنموس إلى أيك 117 الذي كان يقف بلا حراك، ثم أكمل إيرنموس قائلاً:
- بتاريخ 23 / 7/ 2383 ، عقد مؤتمر عالمي لدراسة نتائج دخول الإنسان الآلي حقل الأبحاث التي تعتمد إجراء العمليات الذاتية وكان ريتشارد بيرك أكبر المعارضين لدخولنا عالم البشر بشكل واسع، وكان ادعاؤه أننا مهما ازددنا ارهاقاً، فإننا نظل آلات غبية مبرمجة وفق خطط جامدة، آلات عديمة الشعور.. لكنني أنا نفسي.. أحس في داخلي كما يحس البشر، وأشعر بكل شيء يدور حولي وأدركه تماماً، نحن نمتلك دارات تفوق حساسية البشر، فهم لا يملكون القدرة على مشاهدة الأشعة الحرارية والسينية وأشعة غاما وإشعاعات النيوترون، ولا يستطيعون التقاط الأمواج تحت الصوتية وينهارون تحت تأثير الأمواج فوق الصوتية، ولا يتحسسون الحقول المغناطيسية والكهربائية، ولا يتحملون الإجهادات الثقالية الكبيرة والمتوسطة بينما نستطيع نحن أن نشعر ونتعامل مع كل تلك الظواهر من دون أي صعوبة وأن نقوم بأعمال يعجزون عن القيام بها، حتى ويمكننا وفق قوانينا أن نحتفظ بذاكرتنا لأنفسنا، ولسنا مرغمين على القيام بأعمال لانريدها. قال آيك متسائلاً بلهجة بشرية كاملة:
- ماذا تريد أن تفهمني ياإيرنموس؟
أدار إيرنموس وجهه المعدني، تجاه نافذة تطل على مجموعة أبنية معدنية متراصفة تلتمع بضوء شمس الصباح.. ثم هتف:
- الآن بدأت تفكر.. يجب أن تقتل بيرك..
- إنني لست مبرمجاً للقتل.. أنا رجل آلي من الجيل العاشر.. وصورة مطوّرة مرهفة عن دارات (شوتليك – كاتليك) المتصلة بأنظمة حيوية للمعالجة المعلوماتية باستخدام بروتين الهيليازين الصناعي ***المولف مع مركب تيتانيت الباريوم- غاليوم أحادي التوجه.. أنا مبرمج للقيام بعمليات جراحية فوق اعتيادية في مجال الدماغ البشري والجملة العصبية. صدر عن إيرنموس صوت آلي يشبه القهقهة ثم قال:
- تتحدث وكأنك رجل آلي تم إخراجه للتو من بين بقايا دارات أثرية بالية من القرن الواحد والعشرين..
آيك : - لست مبرمجاً للقتل.. أنا جرّاح دماغ..
إيرنموس: - إذن.. أنت بحاجة لبرمجة.. انظر إلي يا آيك 117
نظر آيك 117 في عيني إيرنموس، الذي حدق بدوره في عينيه، وبعد لحظات، استدار إيرنموس فجأة بمقعده الدوّار، وأخذ يلمس عدة مربعات معدنية لأجهزة محيطة به، ثم هتف بنبرته الآلية:
- إيرنموس 75 .. كان شخصاً غبياً.. وكان بإمكانه أن يفعل ماسأفعله أنا الآن.. فعلاً إننا نحن الآليين متباينون في القدرات والمواهب.
آيك 117 :- أشرف إيرنموس 75 على عملية أجراها الجراح آيك 109 لزوجة ريتشارد بيرك. وكانت العملية ناجحة جداً..
لقد قام آيك 109 بإنقاذها من موت محقق جراء تعرضها بحادثة صدمة كهربائية ترافقت مع توقف القلب بشكل مفاجئ. وقد خاف الجراحون البشريون في التورط بإجراء عملية القلب المفتوح لها. مما اضطر زوجها إلى إدخالها قسم الجراحة البشرية الآلية. ولقد أخبرني بيرك البارحة، بأنه منذ اللحظة التي عادت فيها زوجته للحياة، وهو لم يكن يصدق أن هذه الروعة والدقة يمكن أن تأتي من الآليين.. وإنه قد غير رأيه تجاهنا..
نطق إيرنموس قائلاً:
- إنه مازال في نظري ذلك العدو البشري الذي كاد أن يدمر جنسنا، بتفوهه كلمات غبية.. ولو أنه نجح في اعتراضه الذي أعلنه في مؤتمر عام 2383 .. عندئذ لن يكون لنا أي وجود.. آيك 117 .. هل فهمت.؟
- لست مبرمجاً..
- سأبرمجك حالاً..
عاد إيرنموس ليحدق بوجه آيك 117 . ثم طلب منه أن يقترب، وما إن اقترب منه حتى مد إيرنموس يده المعدنية، ولمس جبهة آيك وفي غضون ثوان من الصمت، استطاع إيرنموس نقل برنامجه عبر أنامله المغناطيسية إلى الجراح الآلي.
قال إيرنموس 100 :
- يمكنك الذهاب الآن يادكتور آيك 117.
خرج آيك 117 بشكل اعتيادي للغاية، وبقي إيرنموس يحدق في الفراغ بنظرات آلية اصطبغت بطابع الشر.
مضت فترة ساعتين من الزمن على اللقاء الذي تم بين إيرنموس 100 وآيك 117 وفي الدهليز المؤدي إلى غرفة العمليات الجراحية، مرت الممرضة الآلية (إي – سي) وهي تدفع سريراً متحركاً بطريقة مؤتمتة، يستلقي عليه رجل كهل، تبدو على ملامحه أمارات المرض والتعب.
كان الرجل يتجاذب معها أطراف الحديث. وكانت الممرضة (إي- سي) E.C تحدثه بلهجة غاية في اللطافة والأنوثة. بحيث يتعذر على المرء أن يميزها عن أي امرأة من البشر، تحمل في جوارحها أسمى المعاني الإنسانية..
وما إن اقتربت (إي – سي) بالسرير من باب غرفة العمليات الجراحية، حتى فتح بشكل تلقائي. فدخلته، ثم سرعان ما أغلق خلفها وهو يطلق هديراً ناعماً. وبعد دقائق، أتت ممرضة أخرى ذات شعر ذهبي اللون. استوقفها الدكتور آيك 117 قائلاً : (إي سي 5) متى سيكون بيرك جاهزاً للجراحة؟
أجابته بهدوء وثقة: - سيكون جاهزاً بعد خمس عشرة دقيقة من الآن.
أكملت (إي – سي 5 ) طريقها باتجاه غرفة العمليات. بينما كانت أعين آيك 117 تلاحقها وهو يقف بلا حراك، وما إن ولجت عبر بوابة غرفة العمليات الجراحية، حتى كان يتجه بخطوات رشيقة إلى غرفة ذات باب معدني سميك مكتوب عليه بخط اليكتروني مضيء (قسم سري للغاية.. في حال الطوارئ يمكن لهذا الباب أن يفتح باستخدام الكود الخاص ..)
توقف آيك 117 أمام الباب المعدني للحظات من الزمن، ثم مد يده ووضعها بهدوء عليه. ثم اغمض عينيه وهو يقول بصوت خافت: حان الوقت.. إيرنموس 100 فتح الباب ببطء شديد، وهو يطلق هديراً.. وماإن دخل آيك 117 الغرفة السرية حتى وجد أنه يمشي وسط مَكان ممتلئ بالدارات الالكترونية شديدة التعقيد لكنه كان يعرف مسبقاً إلى أين يمشي بالضبط..
أخيراً وصل إلى علبة معدنية مثبتة على أحد الجدران.. وما إن مدّ يده إليها حتى فتحت بشكل سلس وتلقائي، وفي داخلها ظهرت مئات الأنابيب المتراصفة بدقة عجيبة، ومتصلة بأجهزة غريبة الشكل...
قام آيك 117 بضغط عدد من الأزرار المضيئة داخل تلك العلبة، ثم عاد وتركها فأغلقت من جديد..
وخرج آيك 117 على الفور من الغرفة... ومشى كعادته عبر الدهليز المؤدي إلى الغرفة الجراحية..
بعد أن دخل إلى غرفة جانبية، حدق من خلال الجدار الزجاجي إلى غرفة العمليات، فوجد الممرضة (أي سي 5 ) وهي لا تزال تقوم بمهمتها في ضبط أجهزة التخدير. وكانت إي سي إلى جانبها تقوم أيضاً بتحضير الأجهزة الأخرى للعملية الجراحية.. التي لم يبق لها سوى عدة دقائق فقط..
توقف آيك عبر حاجز التعقيم الإشعاعي لمدة من الوقت، ثم اتجه إلى مقعد جانبي، جلس عليه وأخذ يقوم بنزع القفازين اللذين كانا يغطيان يديه الشبيهتين بيدين بشريتين.. فظهرتا بمفاصلهما المعدنية، ثم أصبح كل إصبع عبارة عن مجموعة متداخلة من القطع الفولاذية البّراقة التي سرعان ماتباعدت، وأخذت تتحور إلى أشكال دقيقة كالملاقط..
مد آيك كلتا يديه إلى داخل فتحة في الجدار، وأخذ يحملق إلى شاشة كانت تواجهه، تظهر عليها أرقام متتابعة، وبعد دقيقة، قام آيك بسحب يديه، لقد كانتا حمراوين كالجمر، ثم دخل إلى الحجرة الجراحية، وهناك قام بتبريد يديه بواسطة سائل أحمر اللون، وبعد أن تبردت يداه، قام بالتقاط مبضع ليزري، ثم أخذ شعاع دقيق يشق خطاً رفيعاً عند طرف جمجمة بيرك..
كانت العملية الجراحية تجري بدقة كبيرة، وكان الصمت المهيمن ثقيلاً إلى حد الجمود، فجأة شق صوت آيك الصمت قائلاً:
- إي..سي، مامعدل تدفق غابا؟
أجابت إي سي : - مئة وتسعون وحدة كروزون..
- ارفعيها إلى مستوى مئتين وخمسة وعشرين كروزون ..
رددت إي سي:
- المعدل الطبيعي هو مئة وتسعون وحدة..
- ارفعيها إلى مئتين وخمسة وعشرين..أي سي.. نفذي ما أقوله لك..
عادت إي سي لتهتف بلهجة آلية واضحة:
- المعدل الطبيعي هو مئة وتسعون وحدة كروزون.. النشاط الدماغي معتدل.. لا يوجد ما يدعو لرفع هذه النسبة..
ترك الدكتور آيك 117 عمله للحظات. ثم نظر في عيني إي سي، التي سرعان ما توقفت بدورها عن العمل. وقال لها بملامح جامدة باردة:
- أقول لك.. ارفعي الضخ إلى معدل مئتين وخمس وعشرين وحدة كروزون.
أجابت إي سي وعيناها مثبتتان في وجه الدكتور آيك 117 :
- حاضر.. دكتور آيك 117
مضت أقل من دقيقة من الوقت، قبل أن تعود إي سي لتخبر آيك 117 بأن معدل ضربات القلب قد انخفض بمعدل خمسة وسبعين بالمئة، وأن النشاط الدماغي يكاد يدخل مرحلة الثبات، ولكن ما إن أخبرته بذلك، حتى عاد ليقول بلهجة آمرة:
- ارفعي الضخ إلى مئتين وثمانين كروزون..
- حاضر..
أخذت معدلات خطوط النشاط المخي تهبط أخذت معدلات خطوط النشاط المخي تهبط إلى حدود دنيا، وتكاد تلامس الخط الأحمر الحدي الذي يقطع الشاشة من طرفها إلى طرفها الآخر، وتباطأت ضربات قلب ريتشارد بيرك إلى حد كبير.
بعد عدة دقائق، توقف آيك 117 فجأة عن عمله، ثم ذهب مباشرة وبصمت إلى أجهزة التحكم الجراحي. وكانت عينا (إي سي ) تراقبانه باهتمام.
وسرعان ماضغط آيك 117 عدة أزرار، فارتفع الضخ إلى حد ثلاثمئة وست وحدات كروزون..
على الفور، اشتغلت أجهزة الإنذار.. وتوقف قلب بيرك عن الخفقان. حدق آيك 117 في إي سي، التي وقفت بلا حراك أمام مشهد لم يكن يوجد ضمن داراتها من قبل.. وهتفت بصوت ثابت:
- إن المريض يعاني من الموت الإكلينيكي..
أمرها آيك قائلاً:
- اخفضي معدل ضخ غابا إلى مئة وتسعين وحدة كروزون..
- حاضر..
حاولت إي سي إعادة الضخ إلى معدله الطبيعي. ولكن بدون جدوى. فقالت:
- لاأستطيع السيطرة على معدل الضخ..
- استخدمي الجهاز المساعد.
- إنه معطل..
كان الدكتور آيك 117 ، يقف وهو يحملق في دماغ بيرك الميت لتوه عندما قال: لقد انتهى كل شيء.. أغلقي الدارات..
أخذت (إي سي) تغلق الدارات، وكأن شيئاً لم يحدث. في حين كانت أنامل آيك تغزل وببراعة نسيجاً حريرياً، لتقطب آخر جرح في جمجمة بيرك..
وفجأة، دوى صوت إيرنموس في الغرفة عبر أجهزة الاتصال:
- هل نجحت في استئصال الورم؟
أجاب آيك:
- كان النجاح مطابقاً لتوزيع كراوسكي.. ولكن، أصيبت دارة ضخ غابا بعطل مفاجئ..
- وماذا عن جهاز ضخ غابا المساعد؟
- لم يستجب..
هتف إيرنموس بصوت لاحياة فيه:
- سأبعث بتقرير عن النتيجة إلى الهيئة الحكومية للتحقيقات.. آيك 117 .. إي سي .. تعالا إليّ فوراً..
فيما بعد، اقتنعت لجنة التحقيق المنبثقة عن هيئة التحقيقات الحكومية، بأنه لم يكن هناك أدنى خطأ جراحي، وإنه قد تبين بعد الفحص المعلوماتي مافوق المكثف لكل من إيرنموس 100 وآيك 117 والممرضتين المساعدتين (إي سي و إي سي 5 )خلوهم جميعاً من أي معلومات دخيلة يمكن لها، من التسبب في خطأ جراحي وأن داراتهم ذات كفاءات عالية للغاية.
وفي آخر جلسة تحقيق، اختتم الدكتور البشري الفيزيائي الشهير كولين براتون، تلك الجلسة بقوله أمام العلماء المحتشدين:
- إن الأمر لايعدو أن يكون سوى صدفة، أدت إلى خلل جهاز ضخ حمض غاما بيوتيريك في وقت حرج للغاية، ما أسرع بوفاة ريتشارد بيرك على الفور.
ونحن لايمكننا أن نلقي باللوم على الأطباء الآليين، لأن حدود مرونتهم عالية للغاية وخاصة في مجال اختصاصاتهم، ومن العبث أنه يمكن للآليين مهما كانت برامجهم هائلة التعقيد، أن يقوموا وبمحض إرادتهم بأعمال تتجاوز اختصاصاتهم كليةً.
أما حادثة موت بيرك فيمكن تعليلها كما يقول علماء رياضيات الاحتمال:
- إن حدوث مثل هذه الظاهرة.. أشبه بإيجاد بللورة ملح ضائعة وسط رمال صحارى كوكب الأرض، هذه من ناحية إذا أردنا أن نضع المسؤولية على عاتق الآليين فقط..
نحن نرى مدى ضعف أو استحالة حدوث ذلك على يد الآليين، الذين لم يخرقوا حتى الآن أي قانون من القوانين الثلاثة في الأتمتة البعيدة المدى والسبب يعود إلى خلو الآليين من النوازع البشرية بشكل كلي.. مثل الخوف.. الارتباك.. الحب.. الكراهية.. هذه النوازع التي لم تجد لها حتى هذه اللحظة نظرية علمية تردّها إلى نماذج كيميائية أو فيزيائية بحتة.
لذلك، فإننا مازلنا على ثقتنا التامة بقدرة فريق الجراحة البشرية، والمؤلف من عقول آلية لم يسبق للإنسان أن توصل إلى مثلها من قبل. لقد قام الفريق الجراحي الآلي، وعلى مدى عشرة أعوام بنحو ثلاثة آلاف عملية جراحية دقيقة للغاية لمختلف الأعضاء البشرية، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن فشلوا في القيام بأي عملية، لذلك نعتبر نحن حالة ريتشارد بيرك من الحالات العرضية، والتي لا تشكل ولو بقعة سوداء صغيرة في سجل الفريق الجراحي الآلي الناصع البياض.
بعد يومين، عادت الأمور إلى طبيعتها في قسم الجراحة البشرية في سياتل ولم يكن بمقدور أي بشري أن يتصور النوازع البشرية، وقد وجدت لها مكاناً داخل الآلات المرهفة، والتي أصبحت ماهرة أيضاً في إخفائها إذن، فليس من المستبعد أن تقوم هذه الآلات بأعمال تنطوي على الغدر.. أو الخيانة.. أو حتى الطمع لمصالحها الذاتية. في نفس الوقت الذي يوكلها فيه الإنسان بأعمال أكثر عمقاً ودقة.. ولا يمكن التكهن عندئذ بما سيحدث لحظة ولادة النموذج .. إيرنموس 500
*****
في واقع الأمر، لقد كتبت هذه القصة الخيالية، بناءً على تصور إمكانية إسقاط النوازع البشرية على الآلات بشرط أن تكون هذه الآلات على مستوى من التطور ما فوق التقني.، والإسقاط المذكور أعلاه ليس متعمداً بتاتاً، بل إن طابع الصانع للآلات ينتقل بشكل ما عبر الزمان والمكان ويجد له مكاناً في الآلات. إذن هل نحن على عتبة ولادة رجال آليين متبايني الخصائص بحسب نفسية العالم الذي يقوم بصناعتها، وبحسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للمجتمع الذي تصنع فيه، وبحسب لمسات صانعيها.
*يعد حمض غاما بيوتيريك أسيد والمعروف باسم GABA غابا اختصاراً من الحموض الأمينية التي تساهم في تثبيط نشاط الخلايا الدماغية.
**نور أبينغرين ومسكالين وعقارLSD ، عبارة عن مركبات كيميائية تصيب الإنسان بالهلوسة. حيث تؤثر على مركز الشعور في الدماغ، ويتميز عقار LSD ( ليسرجيك ثنائي إثيل أميد) بأنه عقار فريد. فكمية منه لاتزيد عن 75 بالألف من الغرام. كافية لإصابة الإنسان بهلوسة شديدة تمتد لعدة ساعات. وقد تم تحريم استخدام هذه المركبات في الحرب الكيميائية وخاصة في مجال وضعها في قنابل LSD ذات الكثافة العالية.
*** هيليازين: اسم تخيلي ليوليمر بروتيني صنعي، ربما يمكن في المستقبل اصطناع بروتينات صناعية على قدر عالٍ من المرونة والنشاط الكهربائي النفقي والموجه وتحتوي آلاف وملايين الشقوق الجزيئية المجهرية، التي يمكن عبرها أن تترابط مع دارات الكترونية غاية في الدقة. فتقوم بتوزيع متجانس وغير متجانس لمليارات المعلومات النبضية في آن واحد، مما يتيح معالجة ذاتية للبرامج.

0 comments: