Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الكولسترول وتصلب الشرايين هل هو نتاج طبائع الشعوب في التغذية ؟ ....الأدب العلمي العدد الواحد والثلاثون


ليلى عبد الرحمن سلطان

تعود قصة اكتشاف الكولسترول إلى عام 1823 ، فبينما كان الكيميائي الفرنسي (ميشيل كيفرول) يجري تجاربه على السائل المتراكم في الحويصلة المرارية، اكتشف وجود مادة لم يلاحظها من قبل، كانت هذه المادة شبه دهنية ترسبت على هيئة صفائح غير ملونة لكنها براقة، وعندما حاول هذا الكيميائي إذابة هذه المادة في الماء لم يفلح، وتحير وهو يسأل نفسه: ترى ما تركيب هذه المادة ؟ وما نفعها للجسم ؟  ولأنّه كان يجهل عنها كلّ شيء اختار لها الاسم الذي تُعرَف به الآن وهو) كولسترول( وهي كلمة مشتقة من اللغة اليونانيّة القديمة تعني ) الصفراء المتجمّدة ( ولعلّه اختار لها هذا الاسم لأنّه وجدها في حويصلة مراريّة بالرغم من أنّنا الآن نعرف أنّ مادّة الكولسترول توجد في جميع خلايا الجسم، بل نعرف ما هو أكثر وهو أنّ جميع خلايا الجسم قادرة على صنعها.
ثمّ مضت سنوات طويلة على هذا الاكتشاف الذي لم يعرْهُ أحد أهميّة كبيرة حتّى كان عام 1916 ، عندما لاحظ طبيب هولنديّ يدعى( دي لانجين ( أنّ مستوى الكولسترول يرتفع لدى سكّان بعض المدن عن مثيله من سكّان لدى سكّان بعض المدن عن مثيله من سكّان مدن أخرى، لكنّه لاحظ ما هو أكثر أهميّة من ذلك، فقد لاحظ أنّ هذا الارتفاع في الكولسترول يرتبط بكثرة الإصابة بمرض الذبحة القلبيّة بين هؤلاء السكّان، لقد كانت ملاحظات هذا الطبيب على درجة كبيرة من الأهميّة، ولكنّ هذه الملاحظات مضت هي الأخرى من دون أن تحظى بالاهتمام اللازم.
و في سنة 1940 لاحظ طبيب أمريكي هو )إيزادور سنابر ( الملاحظة ذاتها بين الصينيين، فقد لاحظ أنّ مرض تصلّب الشرايين نادراً ما يصيب الصينيين، وذلك يرجع إلى اعتمادهم على الحبوب كالأرز والقمح في الغذاء.
وبحلول عام 1948 تأكّدت العلاقة بين ارتفاع الكولسترول في الدم والإصابة بمرض تصلّب الشرايين، وهكذا أصبحت هذه الحقيقة مقبولة لدى كلّ المُشتغلين بالطبّ، وقد تأكدّت هذه الحقيقة بأبحاث كثيرة وملاحظات عديدة، وقد شملت هذه الأبحاث طبائع الشعوب المختلفة في التغذية، ولوحظ بصفة عامّة أنّ الدول الغربيّة والتي تملك الثروات هي الأكثر في عدد الإصابات بتصلّب الشرايين وأمراض القلب من دول أفريقيا وآسيا التي تعتمد على أغذية فقيرة بالدهن الحيوانيّ.
ومما يُذكر أنّ خطورة الكولسترول وعلاقتها بأمراض القلب قد اكتُشفت في أثناء الحرب العالميّة الثانية، ذلك نتيجة المآسي الاقتصاديّة التي تمثلت في شحّ اللحوم والبيض مما نتج عنه نتائج جيّدة غير متوقعة، ففي النرويج مثلاً: ذُكر أنّ نسبة أمراض القلب انخفضت إلى 50 % وفي هولندا كانت نسبة الوفيات بالقلب ست حالات فقط، وفي روسيا كانت نسبة الإصابة بأمراض القلب قليلة جدّاً، أمّا بعد الحرب وبعد أن عمّ الرخاء في أوروبا فقد ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض القلب إلى%7 في النرويج، كما ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض القلب في روسيا.
ما الكولسترول ؟
يعدّ الكولسترول من المُركبات الهامّة الداخلة في تركيب الجسم، إذ يوجد في أماكن متعددة منه لكنّ الموضع الهامّ لوجوده هو )بلازما الدم (، وهو مادّة طبيعيّة يكوّنها الجسم من الأغذية الدهنيّة التي يحتويها الدم إضافة إلى الكريّات ومصل الدم، ويستخدم جسم الإنسان مادّة الكولسترول في تركيب غشاء الخليّة وفي تكوين هرمونات الذكورة والأنوثة، وفيتامين Dإضافة إلى الغشاء الذي يغلّف الأعصاب لحمايتها، وكذلك غشاء الكبد. والكولسترول لا يذوب في الماء لكنّه يذوب في الكحول، ولكي يؤدّي وظيفته في الجسم يجب أن يتحد مع البروتينات ليكوّن ما يُعرَف باسم الدهنيّات البروتينيّة( ليبو بروتين lipoprotein ( وهذا الاتحاد بين الكولسترول والبروتين يحدث في الأمعاء والكبد، والبروتين يمكن أن يتحد مع مادّة دهنيّة تشبه الكولسترول هي ) الجليسريدات الثلاثيّة( ونتيجة لاتحاد الكولسترول والجليسريدات الثلاثيّة من جهة، والبروتين من جهة أخرى، تنتج أربعة أنواع مختلفة من الدهنيّات البروتينيّة، منها اثنان فقط يمكن أن يسبّبا الإصابة بتصلّب الشرايين.
إذاً، فالكولسترول مادّة طبيعيّة وهامّة للجسم لأنّه يدخل في تركيب الأحماض الصفراويّة الضروريّة لهضم الدهنيّات، كذلك هو ضروري لصنع بعض الهرمونات مثل هرمونات الجنس. والمعدّل الطبيعيّ لنسبة الكولسترول في الدم يجب ألا تزيد عن 240 ميللغرام في كلّ 100 ملليمتر من الدم، وهي - أي النسبة - يمكن أن تزيد لتبلغ 250 أو 260 ملليغرام%، وما يمكن قوله في هذه الحالة أنّ ارتفاع نسبة الكولسترول إلى هذه الدرجة يضاعف من خطر الإصابة بالأزمات القلبيّة أربعمائة مرّة عن النسبة الطبيعيّة التي لا تتجاوز فيها النسبة 240 ملليغرام% .
أمّا إذا ارتفع هذا المنسوب إلى 300 ملليغرام% فإنّ الشخص يُعتبر هنا مريضاً، وهو يحتاج بالفعل إلى علاج غذائيّ ودوائيّ معاً، أمّا الجليسريدات الثلاثيّة فلها الأهميّة نفسها التي يحظى بها الكولسترول لأنّها قادرة على إصابة الشخص بالأزمات القلبيّة والجلطة وخاصّة في شرايين الساق، وبالرغم من أنّ الجليسريدات الثلاثيّة لم تأخذ حظّها من الشهرة مثل الكولسترول إلا أنّ لها أهميّة الكولسترول، وارتفاع منسوبها في الدم يؤدي إلى الإصابة بالأمراض نفسها التي يسببها الكولسترول إذا ارتفع منسوبه في الدم.
والجليسريدات الثلاثيّة تزيد في الدم بعد تناول طعام دهنيّ أو تناول سكريّات بسيطة، لذلك كان من الضروريّ الصيام لمدّة 14ساعة قبل أن تُقاس نسبتها في الدم، ومتوسّط نسبتها في الدمى) 100 - 150 ملليغرام% (..
وقد توصّل الدارسون إلى أنّه كلّما ازدادت نسبة الكولسترول في الدم، ارتفعت خطورته وتأثيراته السلبيّة على صحّة الإنسان، وأنّ خطورته تكمن في تراكمه على الجوانب الداخليّة للأوعية الدمويّة التي تغذي القلب وهذا يؤدّي إلى تضييقها، وتسمّى هذه الحالة ب ) تضيّق الشرايين ( وهذا يؤدّي بعد ذلك إلى تصلّب الشرايين التاجيّة فيؤدّي ذلك إلى تقليل جريان الدم إلى عضلة القلب وبالتالي انقطاع الأوكسجين، وهذه الحالة هي(الجلطة القلبيّة (.

أنواع الكولسترول
هناك نوعان أساسيان من الكولسترول هما: ( النوع الحميد : HDL ، والنوع الخبيث LDL ويحتوي الكولسترول الخبيث على نسبة 45 %من المركّب الدهنيّ البروتينيّ، ونسبة قليلة من البروتين. أمّا النوع الحميد: فإنّه يحتوي على نسبة قليلة من الكولسترول ونسبة كبيرة من البروتين، وتتخلّص فائدة الكولسترول الحميد في أنّه ينقل الكولسترول الخبيث من جميع أنحاء الجسم إلى الكبد لتتمّ عمليّة التخلّص منه وكذلك إنقاذ الشرايين التاجيّة منه، لذا فإنّ زيادة النوع الحميد في جسم الإنسان تساعد في المناعة من أمراض الشرايين التاجيّة.

خفض الكولسترول في الدم
ترتفع نسبة الكولسترول في الدم إمّا نتيجة لعيوب خلقيّة وراثيّة تسبب إنتاجه داخل الجسم، أو نتيجة للإفراط في تناول أغذيةّ غنيةّ بالدهون المشُبعة والكولسترول. ولتجنّب ارتفاع نسبة الكولسترول بالدم يجب الإقلال من تناول الأغذية الحيوانيّة ذات الدهون المُشبعة : ) السمن الحيوانيّ، الزبدة، القشدة، منتجات الألبان عالية الدسم، صفار البيض، زيت جوز الهند، شحوم الدواجن، زيت النخيل، والأطعمة الدسمة بوجهٍ عامّ (. وعلى العكس تساعد الزيوت و الدهون غير المُشبعة على خفض معدّل الكولسترول في الدم ) زيادة نسبة HDL ( وتوجد الزيوت غير المُشبعة الكثيرة في الزيوت النباتيّة مثل: )زيت الذرة، زيت دوّار الشمس، زيت الصويا، زيت السمسم، وزيوت المأكولات البحريّة(. وتعدّ الرياضة الحافز الأكثر تأثيراً في خفض مستويات الكولسترول الضارّة والخطيرة وترفع من معدّل الليبوبروتين العالي الكثافة HDLالكولسترول الجيّد، وقد وجد أنّ نسبة الليبوبروتين العالي الكثافةHDL مرتفعة لدى الأشخاص النشيطين الذين يمارسون الرياضة بشكل روتيني مثل )الجري، الركض، السباحة، لعب الكرة، المشي... وغيرها(. وهناك بعض الأدوية التي تساعد على خفض مستويات الكولسترول في الدم، يجب أن يكون استخدامها تحت إشراف الطبيب في الحالات التي تكون فيها مستويات الكولسترول في الدم عالية جدّاً وتتطلّب تدخلاً طبيّاً.

المراجع :
-1 د. سامي محمود )خطر الكولسترول وعلاجه( المركز العربيّ للنشر والتوزيع القاهرة - مصر.
-2 مجلّة ) القافلة ( العدد 9 المجلّد 49 رمضان 1421 ه، تشرين الثاني/ كانون الأوّل 2000 م.
-3 مجلة ) الفيصل ( العدد 280 شوّال 1420 ه ، كانون الثاني/ شباط 2000 م.
-4 مجلّة ) الأمن ( العدد 47 شعبان 1419 ه، الزاوية الطبيّة / إعداد : د. هاني أحمد جمعة.
-5 مجلّة ) الفيصل ( العدد 104 ، تشرين الثاني 1985 م.

0 comments: