Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الاستشعار عن بعد علم وتطبيق وتكنولوجيا ....الأدب العلمي العدد الثلاثون


د. يعرب نبهان

مكنت صور الاستشعار عن بعد من تصحيح كثير من المعلومات ، وأعيد النظر في معظم الخرائط الجيولوجية ، ذلك لأن هذه الصور تعطي نظرة شمولية ودقيقة لوحدات وتراكيب جيولوجية ، ذات امتداد كبير ، وتعطي المؤشرات الأولية للإمكانات المعدنية والنفطية والغازية .

حصر مصادر النفط والغاز
أصبحت شركات النفط العالمية تعتمد بشكل، شبه رئيسي، على استقراء الصور لتحديد مواقع التنقيب عن النفط والغاز، بعد أن كانت تعتمد على التصوير الجوي التقليدي، الذي يستنفد كثيراً من الوقت والتكاليف، فبينما تستطيع هذه الشركات اليوم استخدام صورة فضائية تغطي على الأرض مساحة 34 ألف كم مربع، فإنها تحتاج إلى ألف وستمئة صورة جوية لتغطية المساحة نفسها، وبتكاليف باهظة، وبدقة متواضعة، رغم المقياس الكبير لهذه الصور . وتشير الصور الفضائية إلى مناطق المعادن والنفط والغاز في الأحواض الرسوبية والفوالق وغيرها، مما يسهل توجيه أعمال التنقيب التفصيلي، والوصول إلى النتائج بفترات قياسية، وقد نجح تطبيق هذه التقنية في بورما، والفلبين، وكينيا، ومصر .

حصر مصادر المياه الجوفية
ويمكن بواسطة تحليل الصور الفضائية والمؤشرات التي تظهرها تحديد مواقع المياه الجوفية، ودراسة مصادر المياه السطحية، وتوجيه استغلالها بجدوى كبيرة، وكذلك دراسة تراكمات الثلوج ومدى تأثيرها على تغذية المياه الجوفية. وقد اكتشفت بهذه الوسائل وديان غنية بالمياه في البحر وغرب النيل وفي السودان، ووضعت على أساس ذلك خرائط مهمة لاستخدامات الأراضي .

أعمال المساحة
أدت التكنولوجيات الحديثة للاستشعار عن بعد، والمعالجة الإلكترونية للبيانات إلى تغيير ثوري في أعمال المساحة، التي جعلت الخرائط الجديدة أكثر قدرة على فهم العالم. وربما أكثر قدرة على إدارته، فالخرائط تسعى إلى تبسيط العالم إلى مقاييس تسمح للإنسان بفهمه . وجدير بالذكر أن الصور الفضائية يتم الحصول عليها من ارتفاعات أكثر مئات المرات من تلك الارتفاعات التي تطير عليها طائرات المساحة، ومن الواضح أنها فتحت آفاقاً جديدة وخاصة للمساحة ذات المقياس الصغير .
وما كان يمثل مشكلة في التصوير الجوي لرسم الخرائط، كغطاء السحب في حالة الطقس السيئ، تم إخضاعه لأنظمة وأجهزة استشعارية حديثة، لا تتأثر بالسحب بتاتاً. ففي البرازيل، مثلاً، كانت نتيجة عمل ست سنوات متواصلة من جمع الصور الجوية لرسم الخرائط لمنطقة شاسعة، إنتاج تغطية مقبولة لنصف المساحة المرغوبة والمطلوبة فقط، بينما أنتجت التحليقات الحديثة التي استخدمت الرادار ذا الرؤية الجانبية، تغطية كل المنطقة المطلوبة، وبشكل بالغ السرعة .

تأثير الغلاف الجوي في التصوير من الفضاء
مع بداية عصر الفضاء، كان التفكير في الواقع المرتقب على رسم الخرائط محدوداً، حيث افترض العديد من الخبراء أن الغلاف الجوي للأرض سيشوه ويحول دون التصوير الجيد من الفضاء، ولكن رواد الفضاء الأوائل أثبتوا خطأ هذا الافتراض. وعلق رائد الفضاء «جون جلين » ، عندما اقترب من نهاية طيرانه المداري، في مركبة الفضاء «ميركيوري » عام 1962 م، قائلاً : «إنني أستطيع رؤية ولاية فلوريدا كاملة ممتدة تماماً، مثلما هي على الخريطة .» وبهذا تمكن رائد الفضاء جلين، من رؤية متكاملة لِما اضطرت أجيال من راسمي الخرائط لتجميعه على سطح الأرض، أو من خلال الطيران المنخفض. ولعل ما هو أكثر إثارة وكشفاً بالنسبة لراسمي الخرائط، تجربة «جوردون كوبر » ، أثناء رحلة «ميركيوري » الأخيرة عام 1963 م، فقد أبلغ رائد الفضاء وهو على ارتفاع 165 كيلومتراً فوق سطح التبت، قائلاً : « أستطيع أن أميّز المنازل والشوارع كلا بمفرده».

تطور رسم الخرائط باستخدام الصور الفضائية
وبمقارنة الخرائط الموجودة، التي تجاوزتها الأحداث بسنين عديدة، بالصور التي التقطها رواد الفضاء، تمكن علماء الخرائط بسهولة من تمييز الجبال، التي لم تكن محددة بالخرائط السابقة في التبت، وكذلك البحيرات المرسومة في أماكن خطأ على الخريطة، والخطوط المحددة لقيعان البحيرات القديمة. ومن هذه الصور أمكن وضع خريطة حديثة للتبت . وفي علم الخرائط، يراد للخارطة الموضوعية أن تخدم غرضاً محدداً، على النقيض من الخارطة العامة، التي تظهر عليها مجموعة متسعة من الظواهر في آن واحد. والموضوع المحدد قد يكون التربة، أو توزيع الغطاء الخضري، أو الغطاء الثلجي، أو الصدوع الجيولوجية، أو أنماط استخدام الأرض. وكل هذه تمثل أدوات صناعة رسم الخرائط بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد .
وفي السبعينيات، أجرت البرازيل، بمعونة الأمريكيين، مسحاً لحوض نهر الأمازون، الذي كان مسحه في السابق ضعيفاً، والذي يشكل نصف مساحة البرازيل، وذلك باستخدام الرادار المحمول جواً. ولقد تم اكتشاف نهر، كان غير مخطط في السابق، يتجاوز طوله عدة مئات من الكيلومترات، كما أن منطقة كانت تعد غابة قومية، تبين أنها منطقة سافانا . وفي عام 1982 م استكمل المسح الجيولوجي أول قاعدة للمعلومات الخرائطية الرقمية، وهي مجموعة أشرطة مغناطيسية قياسية للحاسب، تحتوي على الخطوط والحدود والطرق والسكك الحديدية والأنهار والجداول، وغيرها من الملامح الخرائطية للولايات المتحدة كلها.

تطور وسائل المساحة المحمولة جواً
تطورت وسائل المساحات الجيومغناطيسية Geomagnetic Surveys المحمولة جواً في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، واستخدمت في الكشف عن الغواصات أثناء الحرب العالمية الثانية. وأثبتت هذه الطريقة قيمتها في المساحة التعدينية في عدة دول . والمساحة الراديوميترية النوع الثاني من المساحة الجيولوجية الطبيعية لكي تصبح محمولة جواً، والمساحة الكهرومغناطيسية Electromagnetic Surveys كانت الثالثة .

اكتشاف الآثار
التنقيب عن المناطق الأثرية أحد تطبيقات الاستشعار عن بعد المهمة، حيث يمكن استعمال الصور الجوية والفضائية للكشف عن المواقع الأثرية، عن طريق رؤية المظاهر السطحية وما تحتها، وذلك من خلال تفسير هذه الصور . وقد بدأ استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في الكشف عن الآثار في توسيع رقعة الظاهر منها، والذي لم يظهر بعد، وذلك عن طريق متابعة الانحرافات اللونية في الغطاء النباتي في مكان ما، واختلاف درجة الرطوبة في التربة، ومدى نمو النباتات فوق الموقع المدروس، وعن طريق متابعة الأشكال والأنماط الهندسية التي تأخذها مثلاً ظواهر الصقيع في منطقة ما .

المظاهر السطحية الأثرية
أما المظاهر السطحية الأثرية المهمة، فتشمل الآثار المرئية، والتلال، والكتل الصخرية، والآثار السطحية الأخرى، ومثال ذلك الآثار التي كانت تشكل الأبنية والقلاع الأثرية في أوروبا عموماً . ومن أمثلة التلال الأثرية التي اكتشفت بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد التلال التي تشبه الطيور في شكلها، والتلال التي تشبه الأفاعي، الواقعة وسط غربي الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك كثير من الآثار السطحية في روسيا أيضاً .

المظاهر الأثرية تحت السطحية
وأما المظاهر الأثرية تحت السطحية، فتشمل الآثار المطمورة، كالأبنية القديمة، والقنوات، والخنادق القديمة، والطرق الأثرية القديمة أيضاً. وعندما تكون هذه المظاهر مغطاة بالحقول الزراعية، أو النباتات الطبيعية، فإنه يمكن أن تظهر بوضوح من خلال الصور الجوية، عن طريق متابعة التغيرات اللونية الناتجة عن الاختلافات في رطوبة التربة ومدى نمو النباتات وقوتها . وفي بعض الأحيان تظهر مثل هذه المظاهر بوضوح من خلال الاختلافات الموجودة بشكل مؤقت، والسريعة الزوال، وذلك بمتابعة الأشكال والأنماط الهندسية، التي تأخذها مظاهر الصقيع الحاصل بالمنطقة المدروسة . ويعد هذا الاستخدام من النتائج المثيرة وغير المتوقعة للاستشعار عن بعد، خاصة أنه يتعلق باكتشافات لم يكن من الممكن كشف النقاب عنها بأية تقنية معروفة أخرى. فخلال قرون عديدة ماضية، ظلت صحراء عمان، مثلاً، معبراً للقوافل، وإذا كانت مسارات القوافل هذه غير ظاهرة للعيان على الأرض، فإنها قد بدت واضحة في الصور، التي التقطتها الأقمار الصناعية من الفضاء. وعند التقاء هذه المسارات هناك احتمال كبير جداً في اكتشاف أطلال قديمة .

التطبيقات الزراعية
يجد الزراعيون تطبيقات عديدة للاستشعار عن بعد، فالكشف المبكر لإصابات المزروعات ولغارات الحشرات على المناطق الزراعية، من خلال استعمال أنظمة متعددة للاستشعار، سيخفض من الخسائر الناتجة عن ذلك، بواسطة إتاحة الفرصة للفعل العلاجي كي يطبق بشكل أسرع وبفاعلية أكبر . والقاعدة المتبعة عادة لمنع إصابة النباتات، أو لخفض تخريب المحاصيل التي تنتقيها الحشرات الضارة، هي رش المحاصيل دورياً، عدة مرات خلال الموسم. وبواسطة الاستشعار عن بعد يمكن أن يتم تجنب الرش، غير الضروري، في المناطق ذات الزراعات الكثيفة، وذلك بتحديد الحقول، غير المصابة، بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد، القادرة على كشف وتمييز الحقول المصابة عن الحقول السليمة .

استخدام التصوير الجوي من الطائرات في التطبيقات الزراعية
 على الرغم من أن بعض التفصيلات قد لا تكون ممكنة في لقطات وصور الأقمار الصناعية هذه بسبب المقياس الصغير، فإن التصوير الجوي من الطائرات، على ارتفاعات مختلفة، يمكن أن يستخدم ليعين بدقة البقاع المتعذرة الرؤية، حالما يؤشر من الفضاء عن وجود الإصابة. وكذلك، فإن التنبؤ المسبق عن حالة الغلال والمحاصيل، من خلال مراقبة نشاط النبات هو هدف آخر من أهداف الاستشعار عن بعد. وتساعد صور الحقول الزراعية على إرشاد الفلاحين إلى الأمكنة التي تزدهر فيها المحاصيل، وتلك التي لا تتواءم معها. فمثل تلك الصور يمكنها مساعدة الفلاحين على تصور أنماط التربة في حقول معينة، ومن ثم تحسين استراتيجياتهم حول أمكنة الري والتسميد وتوقيتهما ومقاديرهما المناسبة .

دراسة البحار والمحيطات
من أهم تطبيقات الاستشعار عن بعد دراسة المياه في البحار والمحيطات، بوصفها عنصراً مكملاً مع اليابسة من عناصر منظومة كوكب الأرض. ويبلغ مجموع المساحات المائية على الأرض حوالي 139.294 مليون ميل مربع، بينما تقدر مساحة اليابسة بحوالي 57.656 مليون ميل مربع .
وتتمثل هذه المساحة المائية بالمحيطات والبحار والبحيرات والأنهار. ولكن مياه المحيطات والبحار تكون حوالي 98 % من مجموع ما على الأرض من ماء، وهي مياه مالحة، تصل نسبة الملوحة فيها إلى 3.5 %، وتتكون غالبا من أملاح كلوريدات وكبريتات الصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم وغيرها . وحركة المياه في البحار والمحيطات تؤثر تأثيراً بالغاً في مناخ كوكب الأرض، بل إن مناخ الكوكب هو نتاج مباشر لتفاعل هذه الكتلة الهائلة من المياه مع اليابسة، وتنقل الحركة الكبيرة للمياه الحارة من المناطق الاستوائية إلى المناطق القطبية، وتؤثر بذلك في المناخ وفي معدلات ذوبان الثلوج .

الأقمار الأولى لدراسة البحار والمحيطات
بدأ علم دراسة المحيطات باستخدام الأقمار الصناعية بداية حقيقية في عام 1978 م، مع إطلاق الأقمار «تيروس TIROS » و «نمبوس » Nimbus و «سي سات Seasat » . وهذه الأقمار الثلاثة مزودة بأجهزة لرصد المحيطات. وعندما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية القمر NIMBUS-7 للحصول على معلومات تتعلق بالمحيطات والبحار والجو، فإنها حددت مجالات معلوماته بما يلي :
- ألوان المحيطات، والمواد العالقة بالمياه المالحة .
- توزيع الثلوج بالبحار والمحيطات، وتكوين الغلاف الجوي .
- ميزان الطاقة الخاص بسطح الأرض . وهناك مشروع أمريكي فرنسي لإطلاق أقمار لدراسة المحيطات تحت اسم « توبيكس بوسيدون Topex-Posidon » ، ومشروع إطلاق قمر كندي يسمى «رادارسات .» ومن روسيا هناك مجموعة أقمار «أوكيان » OKEAN والمخصص لمراقبة الغطاء الجليدي ورصد التغيرات فيه بدقة 30 كيلومتراً، وينتظر أن تطلق أقمار أخرى بدقة أعلى في المجموعة نفسها . وتستخدم الأقمار الصناعية المخططة لرصد البحار والمحيطات، بصفة عامة، الإشعاع الكهرومغناطيسي في مناطق مختلفة من الطيف. وللموجات في مناطق الطيف المختلفة خصائص مختلفة يمكن استخدامها للقياس والرصد. فالأشعة تحت الحمراء تنتج عن تغيرات حرارية، والأشعة الضوئية تستخدم في التصوير النهاري العادي، بينما تتمتع الأشعة متناهية القصر ميكرويف Microwaves بخصائص اختراق عالية، ولذلك لا تتأثر بالغلاف الجوي .

البحث عن مصادر الثروة في البحار والمحيطات
اتضح أن أجزاء كثيرة من المحيطات والبحار لا تزال مجهولة، حيث لم يكن ممكناً الوصول إليها لدراستها بالطرق التقليدية، حتى يمكن الكشف عما قد تحويه من مصادر للثروات الطبيعية . ومع التطور العلمي والتقدم التكنولوجي الذي واكب غزو الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية والسفن الفضائية، أمكن ابتكار أجهزة حديثة للاستشعار عن بعد، يمكن الاستفادة منها في الحصول على الكثير من المعلومات والبيانات المهمة والدقيقة، وبصفة دورية ومنتظمة عن الخصائص الطبيعية لهذه المساحات المائية الشاسعة من البحار والمحيطات، وخاصة النائية منها . ويمكن استخدام هذه المعلومات في دراسة إمكانات البحار والمحيطات من مختلف الموارد الطبيعية، التي تحتاجها البشرية في الوقت الحالي، مع التزايد المطرد في عدد السكان، وما يقابله من تناقص في الثروات الطبيعية على الأرض اليابسة .

الاستشعار عن بعد والدراسات المائية
ويمكن استخدام وسائل الاستشعار عن بعد في العديد من الدراسات المائية، خاصة في المناطق النائية من البحار والمحيطات، مثل قياس مساحة المسطحات المائية، وتحديد أعماقها، حيث تسمح بذلك درجة صفاء المياه، وكذلك تسجيل درجة التعكر، ودراسة انتشار الرواسب والفضلات الصلبة وبقع الزيوت الملقاة من السفن، والتيارات الدافئة، وطبقات المياه المتباينة في ملوحتها أو حرارتها، وكذلك دراسة التغيرات التي تحدث في الشواطئ والجزر والحواجز الرملية . والسفن الكبيرة، مثل ناقلات البترول، إما أن تستخدم التيارات المائية في حركتها أو تجنبها في تخطيطها للمسار الأمثل، توفيراً للوقود والوقت، وبذلك فإن دراسة حركة تيارات المحيط تُعد ضرورة لمثل هذا التخطيط . ورغم أن هذا النوع من الرصد والدراسة كان موجوداً من قبل عن طريق القياسات التي تجرى باستخدام البالونات، أو نتائج ثانوية لقياسات الأقمار الصناعية الأولى، فإنه أخذ دفعة كبيرة بإطلاق أقمار صناعية متخصصة لدراسة المحيط .

دراسة قاع البحار والمحيطات
ويمكن للأقمار الصناعية رسم قيعان المحيطات بشكل مباشر، وذلك بعمل قياسات دقيقة لسطح المحيط بواسطة موجات الرادار، التي بواسطتها يستدل الجيوفيزيقيون على طبوغرافيا قاع المحيط، لأن هذه الموجات تستطيع اكتشاف الارتفاعات البسيطة في المياه عن طريق جاذبية الثقل للتضاريس الموجودة في قاع المحيط. فالكتل الكبيرة لجبل من قاع المحيط تجذب المزيد من المياه بالقرب منها، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب سطح البحر فوقها بدرجة كافية لأن يكتشفها الرادار . وقد قامت سفن المسح والاستطلاع بعمل خرائط مساحية، ورسمت خرائط لنحو 7% فقط من مساحة قيعان البحار والمحيطات بواسطة أجهزة ارتجاع الصدى «السونار » Sonar . وحتى المناطق التي رسمت لها خرائط جيدة، كان وجود مساحات كبيرة خالية أساسياً فيها، لسير السفن في اتجاهات واحدة محددة، فاضطر راسمو الخرائط إلى الاعتماد على التخمين والخيال لملء الثغرات في الخرائط التي غالباً ما كانت تمتد لمئات الأميال . ويذكر أن عمل مسح لقيعان البحار والمحيطات بواسطة أجهزة «السونار » من الأمور المملة، لأن السفينة التي تحمل الأجهزة تغطي مساحة صغيرة، نتيجة لحركتها في مسار واحد للأمام والخلف لمدة تقترب من الشهر .

لون المحيط يشير إلى ما يحتويه
ومنذ عام 1978 م طور علماء المحيطات تقنيات تسمح بمعالجة متغيرات ذات أهمية كبرى، ومنها استنتاج الظروف السائدة تحت سطح البحر، حسب تأثيرها في الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من سطح البحر، أو المنعكسة منه. ويستتبع هذا معرفة جيدة بالعمليات الطبيعية الجارية في الطبقات العليا من المحيط . ومثال ذلك، أن لون البحر، كما يسجله القمر الصناعي، لا يفيد بذاته، ولكن ثمة عوامل مؤثرة في اللون لها بعض الأهمية. فترابط الكلوروفيل مع النباتات المغمورة أو المعلقة في الماء تؤثر في النسبة بين اللونين الأخضر والأزرق . وهكذا، فبالجمع بين الرؤية النظرية، والتجارب المتقنة، أمكن استخدام عمليات تتيح الربط بين لون المحيط وبين مقدار الكلوروفيل على عمق بضعة أمتار. وبالمثل، ولكن بدرجة أقل من الثقة، يمكن أن يشير اللون إلى ما يحتويه البحر من رواسب، كما يمكن، في المياه الضحلة، أن يدل اللون على عمق البحر .

القمر "جيوسات"
وفي عام 1985 م أصبح من الممكن النظر بشكل مختلف إلى عالم أحواض المحيط، وذلك عندما أطلقت البحرية الأمريكية ومعمل «جون هوبكنز » للفيزياء التطبيقية قمراً صناعياً سمي «جيوسات Geosat » يحمل راداراً وجهازاً لقياس الارتفاعات، وذلك لعمل قياسات سطح البحر طبوغرافياً، حيث أظهرت انعكاسات الرادار الأرض الوعرة، والتضاريس الكبيرة في قاع المحيط . وقد سمح بنشر المعلومات التي تم الحصول عليها بواسطة هذا القمر، وذلك استجابة للالتماس الذي قدمه العلماء، غير العسكريين، ولكن أغلب المعلومات ظلت سرية لأهميتها للبحرية الأمريكية. ثم سمحت البحرية الأمريكية بعد ذلك بنشر كل المعلومات، وذلك بعد شهور قليلة من قيام القمر الصناعي ERS-1 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالتوصل إلى مسح مشابه للبحر، مما سمح للمرة الأولى، بعدم بقاء المعلومات سرية، وإعطاء صورة مفصلة عن كل أحواض المحيط . وقد زودت المعلومات التي وفرتها هذه الأقمار الصناعية العلماء بتحليل غير عادي لمجال جاذبية الأرض عبر المحيطات. وأتاح تدفق المعلومات الجديدة مواجهة مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول طبوغرافيا قاع البحار والمحيطات .

مسح أعماق المحيط بأجهزة السونار
ومن المعروف أنه في الخمسينيات، أجري أول استطلاع سريع ودقيق لمسح أعماق المحيط بأجهزة «السونار». وكانت النتائج مفاجئة بالنسبة لعلماء المحيطات، فأرضية المحيط، التي تخيلوها أراض مسطحة، بلا معالم أو سمات، اكتشفوا أن بها تضاريس أكثر وعورة من الموجودة فوق سطح الأرض. فهي تحتوي على جبال أكثر ارتفاعاً وامتداداً من جبال الأرض، كما يوجد تحت سطح البحر سلسلة من البراكين التي تحيط بالأرض .

طبوغرافية قاع المحيط
وقد أدرك الجيولوجيون الاختلافات في طبوغرافيا سلسلة جبال وسط المحيط منذ بداية السبعينيات، ولكنهم لم يكونوا قادرين على إيجاد تفسير مناسب لها. فالانتقال من نمط من أنماط التضاريس إلى النمط الآخر، كان يحدث بشكل تدريجي، ويظهر عندما تزداد معدلات الامتداد . وقد ظلت طبيعة هذا الانتقال غامضة، إلى حد بعيد، وذلك لأن أغلب سلسلة الجبال وسط المحيط، التي امتدت بمعدلات متوسطة، استقرت بعيداً في جنوب المحيط حول القارة الجنوبية، فظلت غير مكتشفة بشكل فعلي. ولكن سلاسل جبال وسط المحيط من المحيطين الأطلنطي والباسيفيكي ظلت تلقى الاهتمام الأكثر، حيث يظهر فيها مراكز امتداد الطبقات السريعة والبطيئة . والآن، يحصل العلماء على تغطية منتظمة لقاع المحيط بالقمر الصناعي، حيث يمكن مشاهدة شبكة الجبال بشكل متكامل، وإجراء مقارنة مباشرة بين الجبال التي امتدت ببطء أو بمعدل متوسط، وبين التي امتدت بشكل سريع. وما تم اكتشافه كان متعارضاً مع ما كان يعتقد من قبل . فطبوغرافيا سلسلة الجبال لا تتغير دائماً بشكل تدريجي، حينما تزيد معدلات الامتداد. وبينما حركة تباعد الطبقات تزداد في معدل سرعتها، أصبحت الوديان الوسطى العميقة في سلسلة الجبال بطيئة الامتداد ومنبسطة تدريجياً. كما أن أرضية البحر التي نتجت من جراء هذه الأحداث أصبحت، هي الأخرى كذلك . وفي إحدى مناطق المحيط الهندي الواسعة، والتي أهملت أثناء عمليات البحث بالسفن، قام قمر صناعي بعمل خريطة كشفت عن ثلاث سلاسل جبال مثيرة. فسلسلة جبال وسط المحيط في الجنوب من جزيرة مدغشقر كانت عميقة جداً .

التخطيط العمراني
في مجال التخطيط العمراني، تستخدم صور الاستشعار عن بعد لاختيار أفضل المواقع لإقامة المنشآت العمرانية والصناعية والهندسية، كالسدود، والطرقات، والسكك الحديدية، والأنفاق، ومحطات الطاقة النووية والتقليدية، والمرافئ . واستعمال أجهزة الاستشعار عن بعد يعطى أساساً جيداً لإجراءات التخطيط التي يمكنها أن تتنبأ بالتأثير الذي يمكن أن ينتج عن إنشاء طريق حديث على مناحي مناطق المدن المجاورة مثلاً . كما وجد تجريبياً أن بعض اللقطات الخاصة بالصور الفضائية تصور تباين نوعيات المناطق المجاورة، وأن التغطية المتتالية والمتكررة لمناطق المدن بواسطة الصور الفضائية تعطي مؤشرات عامة عن تأثير توسع المدن .

دراسة العزل الحراري
وكذلك يمكن استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لدراسة كمية فقدان الطاقة وسلامة العزل الحراري للأبنية الموجودة في كثير من مدن العالم، حيث يمكن متابعة الاختلافات الحرارية والفروق الموجودة في درجات الحرارة الخاصة بأسطح المنازل وجدرانها وأبوابها ونوافذها، والعزل الحراري الموجود في الأبنية المجاورة لأبنية المنازل، كالأسواق العامة، وأماكن العمل وغير ذلك . أما أفضل الأوقات التي يمكن فيها متابعة العزل الحراري وحفظ الطاقة فهي من خلال ليالي الشتاء الباردة، وبعد مرور ست إلى ثماني ساعات من غروب الشمس، وذلك للتقليل من التأثيرات الحرارية للشمس على الأبنية والمناطق المراد دراستها . وكذلك يمكن القيام بمسح حراري للمناطق المطلوب دراستها خلال أيام الشتاء الغائمة والباردة أيضاً، إلا أن أسقف الأبنية التي يتم مسحها حرارياً بواسطة أجهزة الأشعة تحت الحمراء يجب ألا تكون مغطاة بالثلوج، وألا تكون رطبة أيضاً، وكذلك يمكن متابعة العزل الحراري لجدران الأبنية وأساساتها وأبوابها ونوافذها بالطريقة نفسها .

الحفاظ على البيئة
يمكن الاستفادة من تقنيات الاستشعار عن بعد في الحفاظ على البيئة، حيث تسهل دراسة تلوث المياه والجو وسطح الأرض من خلال صور الأقمار الصناعية، وذلك باستخدام الصور الفضائية بعد معالجتها بالحاسب. فهناك برامج علمية دقيقة لدراسات التلوث كماً ونوعاً، نفذت سابقاً وتنفذها حالياً دول عديدة مختلفة في العالم باستخدام معطيات الصور الفضائية، وتحليلها وتفسيرها . فتحليل الصور الفضائية أظهر إمكانية جيدة لمراقبة ورسم خرائط تلوث المياه والهواء والتربة، بناء على خبرات دول كثيرة طبقت هذه التقنيات، وما زالت تطبقها حتى الآن في كثير من مشاكل التلوث. ومثال ذلك: دراسة اتساع حوادث تلوث معينة ذات امتداد مساحي واسع، كمراقبة البقع النفطية والزيتية المختلفة، التي تُعد مهمة لكثير من بلدان العالم، بالإضافة إلى دراسة تلوث مصادر المياه المختلفة وتلوث التربة . والاستشعار عن بعد يقوم بتحديد مصادر التلوث حيث يساعد في مراقبة الامتداد الموضعي المكاني لهذا التلوث، وبخاصة عند حدوث تلوث طارئ معين، بالإضافة إلى القيام بدراسة تركيز هذا التلوث، وسرعة تدفقه وجريانه، ومقدار تشتته أيضاً. فالصورة الفضائية تتمتع بفوائد ومحاسن الرؤية الشاملة، التي تساعد في دراسة مشكلة التلوث عندما تكون مغطية لمنطقة كبيرة المساحة، ولفحصها بدقة بعد ذلك . وتعتبر هذه الميزة هامة في كثير من الأمثلة. ومثال ذلك القيام بتحليل التلوث الناتج عن مخلفات محطات الطاقة، التي تقوم بإلقاء فضلاتها ومخلفاتها ذات درجة الحرارة المرتفعة في مياه الأنهار . حيث إن الصور المأخوذة في مجال أطوال موجات الأشعة الحرارية، تحت الحمراء، بواسطة جهاز مسح طيفي تفيد عن إمكانية وصول مواد التلوث إلى الضفة المقابلة للنهر، أو إذا كانت مواد التلوث هذه تشكل عائقاً مانعاً لمرور الأسماك في مثل هذه الأنهار أو في المصادر المائية الأخرى، إضافة إلى إمكانية رسم خريطة لتوزيع درجة حرارة سطح ماء النهر الملوث . وتسرب النفط يشكل مشكلة متزايدة الصعوبات، وعادة ما تكون إجراءات جمع المعلومات التقليدية فاشلة في تحديد مدى اتساع تسرب البقع الزيتية أو تتبع آثارها، إلا أن أنواعاً من تقنيات الاستشعار عن بعد قد برهنت قدرتها على أداء هذه المهام، فاللون المضيء الفاتح للتسربات النفطية قابل للكشف بواسطة أجهزة الاستشعار عن بعد، التي تستفيد من قياس الأشعة فوق البنفسجية في المنطقة المدروسة . وتستطيع أجهزة المسح التي تقيس الأشعة الحرارية تحت الحمراء، وأجهزة قياس الإشعاع متناهي القصر الدقيق Fine Microwaves الكشف عن تسرب النفط والبقع الزيتية أيضاً . وبالإمكان توظيف أجهزة قياس الإشعاع الموجودة على متن الأقمار الصناعية لمراقبة تطبيق قوانين التلوث المحلية، فبعض أجهزة الاستشعار عن بعد فعالة ليلاً بشكل خاص، وكذلك في الأوقات الغائمة وأوقات الضباب، وهي الأوقات المفضلة والمستغلة من قبل أصحاب السفن لتصريف نفاياتهم إلى البحر. وتستطيع الصورة الفضائية أن ترصد التلوث ومسبباته في الهواء والماء والتربة، وتسهل بذلك متابعة هذه التأثيرات على مرافق الحياة ومواردها، ومن ثم اتخاذ الإجراءات المضادة، إذ يميز التحليل الطيفي للصورة مثلا بين الماء العذب والماء الملوث بالأملاح وغيرها، ويرصد غازات الاحتراق، وسحب الدخان المتصاعدة من المنشآت الصناعية، ومتابعة تأثيرها على الجو والغطاء النباتي .

تحديد نقاط الاشتعال في الغابات ومدى انتشار النار
 وكذلك فإن لأجهزة المسح الطيفي الحراري، الواقع في مجال الأشعة تحت الحمراء، القدرة على تعيين الحرائق الصغيرة ونقاط الاشتعال في الغابات، وهي تستخدم، بشكل فعلي، تطبيقي لمكافحة حرائق الغابات، حيث إن قابلية اختراق الدخان والضباب بواسطة هذه الأشعة تمكنها من التوصل لتعيين النقاط الساخنة، وبالتالي التوصل لتصوير محيط النار الفعلي . وهناك مئات الحرائق التي تضرم عمداً كل عام لتحويل الأرض إلى حقول زراعية، وهي ممارسة تضاعفت أربع مرات خلال القرن الماضي. وبعض المستشعرات تستطيع تعقب هذا اللهب وقياس شدته، في حين تقيس مستشعرات أخرى مدى اتساع آثار الحريق وترصد كيفية تحرك الغازات وجسيمات الدخان عبر الغلاف الجوي بدرجة دقة عالية.

رصد الكوارث الطبيعية
وبصدد الكوارث الطبيعية، تستطيع صور الاستشعار عن بعد إعطاء المعلومات الدقيقة والسريعة عن مثل هذه الكوارث قبل حدوثها أو خلالها، أو بعد حدوثها بوقت قصير، كالفيضانات والأعاصير، وحرائق الغابات، والاندفاعات البركانية. أما بصدد الزلازل فقد استطاعت صور فضائية كشف مناطق النشاط المسبب للهزات الأرضية، بحيث يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية المضادة بالسرعة الممكنة . ولنظام التصوير الفضائي مزايا فريدة للمنظمات والمؤسسات الحكومية المدنية التي ترغب في إجراء تحليل الكوارث أو الأخطار الكبرى، مثل أضرار الأعاصير والفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى. وقد طور الاتحاد الاقتصادي الغربي «اتفاق الكوارث الكبرى الأوروبي »، ويقدم من خلاله معلومات لإحدى وعشرين دولة أعضاء فيه، بالإضافة لليابان، عضواً مراقباً .

استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في استكشاف الأجرام الفضائية
تنتظر البشرية تطورات مذهلة في مجال استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في مجال استكشاف الأجرام الفضائية بعد أن قدم العلم منجزات عديدة على مدى القرن العشرين، كان من بينها نزول رائد الفضاء الأمريكي «نيل آرمسترونج » على سطح القمر. ففي القرن الحالي، من المحتمل جداً، أن نكتشف أننا لسنا وحدنا في هذا الكون، كما أنه من الممكن أن يطأ البشر بأقدامهم على سطح كوكب آخر، وهناك خطط لاستكمال أول محطة فضائية دولية، وهناك تصورات مطروحة عن رحلات إلى كوكب «بلوتو ، » الذي اكتشف عام 1930 م، بل إلى الشمس، ويتنبأ البعض بالقيام برحلات إلى المشتري والزهرة باستخدام «أشرعة فضائية » تدار بالطاقة الشمسية. وعلى المستوى الأقرب من الأرض، اكتشفت مخزونات هائلة من الثلج على القمر، مما يفتح المجال أمام إمكانات بناء مستوطنات بشرية هناك، فوجود مورد للمياه في القمر يسهل العمليات اللازمة لاستيطان الفضاء، كما أنه يمكن تفكيك الماء إلى مكونيه «الأوكسجين والهيدروجين » ليصلح وقوداً للصواريخ، وتشمل الخطط المستقبلية بالنسبة إلى أقرب جار لنا من المجموعة الشمسية، وهو القمر، إنشاء مركز لإطلاق الصواريخ ومراكز بحثية دائمة .

البحث عن حياة على الكواكب الأخرى
تكثف الأنشطة الفضائية أيضاً البحث عن الحياة على الكواكب الأخرى، وهناك سببان رئيسيان لذلك، أولهما اكتشاف ما يمكن أن يكون حفريات من المريخ عثر عليها في «أنتاركتيكا » ، والآخر اكتشاف كائنات صغيرة على كوكبنا لديها القدرة على التكيف مع الحرارة المرتفعة للغاية والبرودة القارسة، والعيش في أعمق المناطق في محيطات العالم، بل وفي داخل صخرة على عمق كيلومتر واحد من سطح الأرض . ولكن ما يعد أكثر الجهات طموحاً هو «معهد علم الأحياء الفضائي » الذي أنشئ داخل مركز أبحاث تابع لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا NASA » . ويسعى هذا البرنامج إلى تجميع العلماء من مختلف التخصصات للبحث المكثف عن الحياة خارج كوكب الأرض. وتركز عدة مبادرات على ما يوجد أسفل الثلوج الغامضة فوق جبال «أوروبا » على سطح كوكب المشتري، فيما يبدو أنه عالم من المياه المحصورة تحت عمق عدة أميال من الثلوج، ومن المحتمل أن يكون حضانة تحمي في حرص شكلاً من أشكال الحياة . وربما يكون من أهم ملامح أنشطة الفضاء في القرن الحادي والعشرين الميلادي مشروع البحث عن مخلوقات عاقلة في الكون الذي أطلق عليه اسم «سيتي .SETI » ويهدف هذا المشروع إلى البحث عن الحضارات المتقدمة في الكون، حيث يمكنه التقاط أية إشارات لاسلكية مرسلة من أية حضارة مماثلة لنا في درجة الذكاء، وتدور حول أحد الشموس الموجودة بين أقرب ألف شمس للكرة الأرضية. ويتكون المشروع من نظامين يعملان من موقعين: الأول في جامعة «هارفارد » بالولايات المتحدة، والآخر قرب مدينة « بوينس أيرس » بالأرجنتين .

حماية الأرض من اصطدام الأجسام الفضائية
ومن الأنشطة الفضائية للقرن الحادي والعشرين تلك التي تهتم بحماية الأرض من اصطدام الأجسام الفضائية بها، والدراسات الجارية في هذا المجال تؤكد أن هناك حوالي 2000 جسم فضائي، طول كل منها أكبر من كيلومتر واحد، يدور في مدار قريب من الأرض، وأن حوالي 7% فقط من هذه الأجسام تم رصدها . وهناك حوادث مؤكدة لاصطدام أجسام فضائية بالأرض، مثلما حدث في منطقة «تونجوسكا » بصحراء سيبيريا عام 1908 م، عندما ضرب مذنب طوله 60 متراً تلك المنطقة، ودمر فيها حوالي 2000 كيلومتر مربع من الغابات . وأكثر من مشروع في هذا المجال يركز في الأساس على رصد تلك النوعية من الأجسام وتسجيلها مثل مشروع «مسح الكويكبات العابرة لمدار الأرض » في مرصد «بالومار » بولاية كاليفورنيا الأمريكية، بالاشتراك مع مراصد أخرى على مستوى العالم، وكذلك مشروع «حارس الفضاء Space Guard» الذي تشرف عليه وكالة «ناسا » ، لتسجيل كل جسم فضائي قريب من الأرض يتعدى طوله كيلومتر واحد .

استكشاف الأجرام الفضائية
في العقود التي تلت إطلاق القمر الصناعي الأول تحقق تقدمٌ هائلٌ في رصد كثير من أنواع الإشعاعات من الشمس وفهم تأثيراتها على الأرض، وطبيعة القمر والكواكب وتاريخ تطورها، وكان هناك كثير من الاكتشافات ذات الأهمية الأساسية في علم الفلك النجمي Stellar Astronomy ، وأصبحت كل الأجرام في المجموعة الشمسية، وفي الوسط الموجود ما بين الكواكب في متناول تقنيات الاستشعار عن بعد . وقد أرسلت مجسات إلى كواكب عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، وسوف يرسل بعضها أيضاً بيانات عن كوكبي «أورانوس » و «نبتون » ، ثم أرسلت المركبة «بيونير- »10 Pioneer-10 إلى الفضاء، وهي تبتعد عن الشمس بأكثر مما يبعد كوكب « بلوتو».
وتابع العلماء أنباء اصطدام المذنب «شوميكر- ليفي » بكوكب المشتري، واكتشاف صخرة نيزكية في القطب الجنوبي أصلها من المريخ، وبها آثار لحياة باكتيرية بدائية، وهبوط المركبة «باثفايندر Pathfinder » على المريخ وإنزالها على سطحه العربة الآلية «سوجورنر » ، وما صاحب ذلك من نقل صور دقيقة لتضاريس المريخ مباشرة إلى المشاهدين على سطح الأرض في الرابع من يوليو 1997 م، والإعلان عن كشف كوكب يحتمل أن يمر قريباً جداً من الأرض، أو يصطدم بها في عام 2028 م .
أنشطة القرن الحادي والعشرين الميلادي لاستكشاف الأجرام الفضائية وستركز الأنشطة الفضائية في القرن الحالي على استكشاف المجموعة الشمسية ودراسة الظواهر الكونية والبحث عن إجابات لأسئلة مبدئية عن نشأة الكون ومصيره، وعن الحياة وتطورها، واحتمالات وجودها في أماكن أخرى من الكون، وهذا النوع من النشاط يحيط به دائما جدل واسع بسبب تكلفته الباهظة عندما يخرج عن إطاره الفكري إلى مجال التطبيق العملي . وسوف يركز البرنامج الفضائي الدولي خلال القرن الحالي على إقامة مستوطنة بشرية على سطح القمر، فقد عاد الاهتمام مرة أخرى بالقمر بعد أن توقف استكشافه بنهاية مشروع «أبوللو » الذي حقق هبوط الإنسان على سطحه أكثر من مرة . فأرسل الأمريكيون المركبة «مستكشف القمر Luner Prospector » التي تدور حول القمر، لتحدد بصورة دقيقة، عن طريق أجهزتها، وجود الماء من عدمه في المنطقة القطبية منه، والمركبات الفضائية تحاول أن تجمع كل شيء عن بيئة القمر: درجة الحرارة، التربة، الرياح الشمسية، الأشعة الكونية . وسيستمر نشاط استكشاف كوكب المريخ، استكمالا لما تم عندما أرسلت وكالة «ناسا » في أواخر السبعينيات سلسلة رحلات «فايكنج »، لتهبط على سطحه وتختبر التربة للبحث عن أثر للحياة، وكانت النتائج سلبية. وهناك اعتقاد بأن الماء قد وجد على سطحه لفترة ما من تاريخه، وكذلك توافرت الطاقة الشمسية والعناصر اللازمة لتكوين مواد عضوية، مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين والهيدروجين، بالإضافة إلى وجود طقس، وبيئة مستقرة، لاحتضان الحياة والمحافظة عليها.

المصادر  والمراجع :
- د فتحي عبد العزيز، الجغرافيا العلمية ومبادئ الخرائط، دار المعرفة الجامعية، عام 1991 .
- د محمود محمد عاشور، أسس علم الخرائط، الامارات، دبي، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الاولى، 1998
- علي محمد رجب، الأقمار الصناعية تكشف أسرار المحيطات، مجلة البحرية اليوم، سلطنة عمان، العدد 31 مايو 2001 م .
- على حلمي علواني، رسم الخرائط ومعالجتها في عصر الفضاء، مجلة القوات الجوية، دولة الإمارات العربية المتحدة، عدد يوليه 1999 م .

مجلة الأدب العلمي العدد الثلاثون دراسات وأبحاث


0 comments: