Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الضوء المتحجر الأقدم ....الأدب العلمي العدد التاسع والعشرون


د. مخلص الريّس

كثرت النظريات التي تتحدث عن نشأة الكون منها نظرية عالم الفلك البلجيكي (جورج لوميتر) George Le Maitre  سنة 1927 عن أن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة سماها البيضة الكونية. ثم حصل في هذه الكتلة ، بتأثير الضغط الهائل المنبثق من شدة حرارتها ، انفجار عظيم فتتها لشظايا قذفها في كل اتجاه فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرات ، سماها بنظرية الانفجار العظيم (Big Bang ) وبحسب علماء الفيزياء الفلكية اليوم فإن الكون يعد جزء من المليارات المليارات من الثانية ، ومنذ حوالي خمس عشر مليار سنة تقريباً كان كتلة هائلة شديدة الحرارة بحجم كرة لا يبلغ قطرها جزء من الألف من السنتيمتر .

جورج لوميتر
(1894-1966)-كارليروي:
عالم الفضاء والفلك، البلجيكي الذي صاغ نظرية الانفجار الكبير والتي تتحدث عن بدء نشوء الكون من انفجار كارثي كبير. كان لوميتر مهندساً مدنياً ، ثم درس في جامعة كامبردج (1924-1923) في مختبر الفيزياء الشمسية ثم في قسم التكنولوجيا (1925 - 1927). وفي عام 1927 حين أصبح بروفسوراً في الفيزياء الفلكية في جامعة لوفاين ، افترض لوميتر في نظريته الشهيرة (الانفجار الكبير) موضوع انحسار المجرات ضمن نطاق نظرية النسبية العامة لأينشتاين ، وبالرغم من نظرية توسع الكون التي اعتبرت مبكراً على يد العالم الهولندي سيتتر إلا أن نظرية لوميتر التي قام بتعديلها وتوضيحها جورج غامو أصبحت النظرية السائدة في علم الفلك، كما قام لوميتر بأبحاث حول الإشعاعات الكونية ومن أعماله (شروحات حول تطور الكون 1933)و(فرضيات حول الذرة البدائية 1946).
في عام 1840 أيد عالم فلكي أمريكي (من أصل روسي) وهو جورج غاموف (George Gamove) نظرية الانفجار العظيم " Big Bang "  مما مهد الطريق لكل من العالمين «بانزياس Penziaz » وزميله «ويلسون » Wilson سنة 1964 من التقاط موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الخصائص الفيزيائية في أي مكان سُجلت فيه وفي أي زمان ، أي هي لا تتغير مع الزمن أو الاتجاه ، سميت ( بالنور المتحجّر) أي النور الآتي من الأزمنة السحيقة وهو من بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون و هو ضوء صدر لحظة نشوء الكون وصَاحب تطوره والذي ما زال إلى الآن يتردد صداه عبر الكون جيئة وذهاباً.  كلمة كون هي كلمة من ثلاثة حروف اختصرت في طياتها الوجود بأكمله، هي حقيقة علمية حيّرت العلماء والإنسان طويلاً ولا يزال الكون مشكلة حقيقة يحتاج الكثير من طياتها إلى تفسير وتعليل .. بدأت مشكلة البحث عن أصل لوجود الكون منذ القدم ، ففي بلاد اليونان وضع الفلاسفة الإغريق العديد من الأساطير حول نشأة الكون ، من ناحية أخرى ساهموا بوضع الأساس العلمي لبدأ التفكير المنطقي السليم على يد الفيلسوف ديمقرطيس الذي تحدث عن دقائق مادية لا يمكن للمادة بعدها أن تنقسم وسماها الذرات استمرت عملية البحث عن أصل للكون مصبوغةً بصبغة إما دينية أو خرافية، حتى أوائل القرن العشرين عندما قام العالم الألماني آينشتاين بنشر مقالة عام (1917) حملت عنوان (تأملات كونية في نظرية النسبية العامة)تحدث فيها لأول مرة عن الشكل المفترض للكون وفقاً لأسس علمية سليمة ، إلا أنه أخطأ بمعادلاته الرياضية عندما أدخل ما يُعرف باسم الثابتة الكونية كي يفسر سكون الكون ، تلك الثابتة (تمثل واقعياً قوة تعمل ضد الجاذبية الثقالية) كي يجعل الكون ساكناً .
ظهر قسيس بلجيكي يدعى جورج لوميتر (1965-1894) وأعلن في عام (1927) عن نظريته في الكون المتوسع، واقترح أن الكون قد وُلد نتيجة انفجار بدئي ، وأن الكون الأول كان هو حالة من المادة المضغوطة ضغطاً عالياً أسماها الذرة البدائية وهي نترون فائق عملاق تفكك بفضل نشاط إشعاعي ما ، وقد لا يكون هذا صحيحاً إلا أن جورج لوميتر يبقى أباً لنظرية الانفجار العظيم. بعد ظهور أفكار لوميتر إلى العلن ، تحمس لها أحد تلاميذ العالم الكسندر فريدمان وهو العالم الروسي جورج غاموف (George Gamove) حيث تحقق غاموف وفريقه أنه إذا كان الكون الأول كرة نارية كثيفة ستلتصق البروتونات بالنترونات لتشكل النوى الذرية ، لكن تبين فيما بعد (حسابياً وبشكل نظري) أن خط الإنتاج النووي للكون الأول لربما توقف عند الهليوم ولم يتعداه ، أي أن الكون توقف بعد أن صنع الهليوم .
في عام 1948 نشر العالم غاموف وزملاؤه أبحاثهم حول ما أصبح يُعرف باسم نظرية الانفجار العظيم الغريبة (Big Bang Theorem) إلا أن فريق علمي آخر في انكلترا يتكون من العالم فريد هويل (Fred Hoyle) وهيرمان بوندي (Herman Bondi) وتوماس غولد (Thomas Gold)  رفضوا فكرة الانفجار البدئي ولو أنهم كانوا مع فكرة الكون المتوسع باستمرار ، وكان رأيهم بالتحديد أن الكون في حالة مستقرة دون بداية أو نهاية ... وهكذا تولد صراع بين نظريتين علميتين استمر فترة قبل أن يحسم بالصدفة لصالح نظرية الـ(Big Bang)  والتي صاحبها انتشار حرارة عالية وأمواج بشكل إشعاعات لا مرئية، هذا الانفجار البدئي لا بد أن تكون آثاره موجودة حتى الآن بشكل حرارة، هذه الحرارة لابد أن تكون قد بردت وأصبحت تقارب درجة حرارة الصفر المطلق (بفعل توسع وتمدد الكون) وقال غاموف أنه ينبغي كشف هذا الإشعاع الكوني الخفي. ربما يضم فيه الكثير من الألغاز والأسرار حول نشأة الكون، وظل تنبؤ غاموف منسياً قرابة خمس عشرة سنة كاملة ، وفي عام 1964 قام فريق عمل بقيادة روبرت ديك من جامعة برنستون ببناء مقراب راديوي للبحث عن آثار الانفجار العظيم... إلا أنهم لم يوفقوا، إلا أن أعمال الفلكي الروسي الكسندر فريدمان (Alexander Friedmann) أعطت حلولاً مختلفة لمعادلة آينشتاين، وبينت هذه الحلول أن الكون يجب أن يكون في حالة توسع مستمر، أي أن الكون في حركة مستمرة وليس ثابتاً ، الأمر الذي يناقض قناعات إنشتاين .

الانفجار العظيم... الشرارة الأولى العالِم جورج غاموف (1904-1968):
فيزيائي أمريكي من أصل روسي، ولد في أوديسا بأوكرانيا وأكمل دراساته الجامعية بمدينة لينينغراد. قام بأعماله الأولى في الفيزياء النووية وأكملها في جامعتي كوبنهاغن أستاذاً في الفيزياء النظرية بجامعة جورج واشنطن بين عامي 1934 و 1956 وأستاذاً بجامعة كولورادو من 1950 إلى 1968 . قدّم غاموف إسهامات هامة في عدة مجالات منها الإشعاع الذرّي ، علم الكونيات والفيزياء الفلكية والفيزياء الذرية، وهو من أهم القائلين بنظرية توسع الكون، ألّف عدة كتب منها : ولادة وموت الشمس (عام 1940)، واحد - اثنان - ثلاثة في نهاية( 1947)، الإشعاع الكوني الخفي... وعالمي اتصالات. كان عالم الكونيات الشهير فريد هويل هو أول من أطلق مصطلح (البيج بانج) أو الانفجار العظيم لكي يعبر عن تكون الكون بسبب انفجار عظيم لنجم هائل، وفي نفس الوقت كان يقول هويل بافتراض أن الكون خالد ولم يتغير أبداً على نحو يوحي بالتناقض، ويوضح سيمون سينج عبر المنهجية الواقعية في هذا الكتاب أن نظرية الانفجار العظيم قد كُتب لها الانتصار. بدأت القصة عام 1929، حينما كان الفلكي الشهير ادوين هابل يراقب المجرات البعيدة، فلاحظ أن لونها يميل إلى اللون الأحمر، وهذا معناه أن تلك المجرات تبتعد عنا، كان هوبل يرصد السماء لغاية في نفسه ليثبت نظريته في ثبات الكون، ولكي يكون واثقاً من صحة نظريته قام بهذه الأرصاد، وكان قد تناهى لسمعه اكتشاف ظاهرة عجيبة على يد عالم يدعى العالم جوان كريستيان دوبلر(Johan Christian Doppler) (1803-1855) صالحة في مجال الصوت، وهو فيزيائي ورياضي نمساوي ، ولد في سالزبورغ(Salzbourg) بالنمسا ودرس فيها وفي فيينا أيضاً ، وأصبح مديراً لمعهد الفيزياء بجامعة فيينا سنة 1850 ، كانت دراسته حول تغيرات لون الضوء الصادر عام 1842 ، وصف دوبلر(Doppler) الظاهرة الفيزيائية التي اكتشفت مستقلة فيما بعد من طرف العالم «فيزو Fizeau» ( وعُرِفت منذ ذلك الوقت بـ«ظاهرة دوبلر (Doppler Effect) ». تلك الظاهرة الطريفة اكتُشفت نتيجة حركة السيارات، فالصوت المسموع الصادر عن سيارة مسرعة مقتربة يتغير لحن صوتها من صوت ناعم حاد إلى صوت خشن أجش وهي مبتعدة عن السامع، مثل صوت زمور سيارة حاد متحركة قادمة بسرعة إلى صوت أجش وهي مبتعدة،أي من صوت تواتره عالٍ لصوت تواتره منخفض هذه الظاهرة تصح أيضاً في حالة الضوء ، أما والمنبع ساكن فصوته وكذلك ضوؤه لا انحراف صوتياً ولونياً له، فالضوء المقترب يميل لونه نحو اللون الأزرق، بينما الضوء المبتعد يميل لونه نحو اللون الأحمر، هنا تساءل هوبل ألا تصح هذه الظاهرة على أضواء النجوم والمجرات طالما أنها أجسام متحركة، عندها وجه منظاره عالياً نحو السماء ورصد مجراتها ونجومها و يا للهول اكتشف أن لون تلك الأجرام يميل كله إلى اللون الأحمر فاستنتج أن الكون كله يتوسع واكتشفت ظاهرة توسع الكون وتمدده منذ الأزل باستمرار ، وبإجراء عملية استقراء، يعني هذا أن الكون كان صغيراً جداً ربما هو نقطة أو أجزاء من السنتيمتر الواحد ثم توسع حجمه الصغير وما زال ، هو نقطة عدمية خلق منها كل شيء . وراع العالم هذا الاكتشاف اللا متوقع  والذي أتى على غير توقع منه وقضى على حلمه، إذ كان هويل وزملاؤه يقولون أنه في أعماق النجوم يمكن أن تتشكل سلسلة من الأنوية الأخرى غير الهيليوم، بعكس فرضية الانفجار العظيم، إلا أن التحليلات المفصلة لضوء النجوم بينت أن ( 75 %) من الكون يتكون من غاز الهيدروجين و ( 2% )منه غاز هيليوم ، وكان هذا الاكتشاف انتصاراً أولياً لأصحاب نظرية الانفجار العظيم .

إدوين بويل هابل (Edwin Powell Hubble) (1889-1953)
فلكي أمريكي أثبت وجود مجرات أخرى عدا المجرة اللبنية. ولد «هابل » في مارشفيلد بولاية ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية، اشتغل ما بين عامي 1914 - 1917 في مرصد يوركس بجامعة شيكاغو ثم بمرصد جبل ويلسون سنة 1919 وأخيراً بمرصد جبل بالومَرْ Mart-Paloner)) سنة 1948 وفيه قام بتوجيه الأبحاث الجارية بواسطة التلسكوب. لكن شهرة «هابل » أتت من تفسيره للانزياح نحو اللون الأحمر لطيف المجرات على أنه ظاهرة دوبلر - فيزو (Doppler-Fizeau effect) وبذلك أثبت أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة متناسبة مع ابتعادها ، وسميت هذه العلاقة بقانون هابل سنة 1929 ، هذا القانون ساهم كثيراً في اعتماد نظرية الانفجار العظيم. كما تم إطلاق اسم «هابل » على التلسكوب الفضائي الذي وضعته في مداره وكالة ناسا "NASA" ووكالة الفضاء الأوروبية سنة 1990.
كان إدوين هابل يتحدث عن ثبات الكون لكن العالم البريطاني الشهير فريد هويل يقول : تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يشتت المادة ويبعثرها دون نظام ،و لكن هذا الانفجار الكبير عمل العكس بشكل محفوف بالأسرار، إذ عمل على جمع المادة معاً لتشكيل المجرات .
في عام 1963 ، كلفت مختبرات "Bell" في نيو جرسي مهندسَي الاتصالات أرنو بنزياس وزميله روبرت ويلسون (  Arno Penzias و Robert Wilson ) بإنشاء خط اتصال لاسلكي بين أوروبا وأمريكا عبر المحيط الأطلسي ، وبينما كان المهندسان آرنو بنزياس العاملان في مختبرات بيل منشغلان ببناء هوائي مصمم لاستقبال إشارات القمر الاصطناعي تيلستار ( Telstar ) وهو أول قمر صناعي للتلفزيون والاتصالات عبر المحيط الأطلسي لنقل الرسائل اللاسلكية، سمعا وشيشاً رادوياً يرافق الاتصالات اللاسلكية مع القمر الاصطناعي تليستار، ووجد المهندسان «بنزياس » و «ويلسون » أنه كيفما كان اتجاه محطة البث فإنه يلتقط دائماً موجات ذات طاقة مشوشة خفيفة ذاتها ، حتى ولو كانت السماء صافية ، أسهل حل كان إعادة النظر في تصميم اللاقطات لتصفية الموجات من التشويش ، ولكنهما بقيا يتتبعان أثر هذه الموجات المشوشة على شكل هسيس خافت لا ينقطع آتٍ من كل الاتجاهات، وكان تواتره في قسم الموجات الميكروية من الطيف الكهرطيسي ، وطول موجاته أقصر من موجات الراديو وأطول من الأشعة تحت الحمراء ، ولدى البحث وُجد أنه إشعاع يتوافق مع درجة حرارة أعلى ببضع درجات من درجة الصفر المطلق ، حوالي ( 3) درجات كلفن، وكان هذا الإشعاع ثابت الشدة والتواتر مهما كانت جهة توجيه الهوائي، وظنّا أنه صادر عن حمامة عششت منذ فترة في بوق الهوائي فأزالاه ، لكن بقي هذا الصوت موجوداً لم يتمكنا من إزالته، وبعد عدة إجراءات تأكد العالمان أن مصدر الإشعاع هو الفضاء الخارجي . سمع بنزياس وويلسون بمشروع ديك، فاتصلا به فوراً وأطلعاه على نتائج بحثهما ليجنباه التشويش الكوني فكان اكتشافهما المهم للموجات الفضائية التي أثبتت نظرية الانفجار العظيم . ولم يكن لهما أي علم بتنبؤ غاموف أو نظرية الانفجار العظيم والإشعاع الخفي عند تجربة هذا الهوائي الضخم ، ولم يعلما أنهما توصلا لأعظم اكتشاف في القرن العشرين ونالا عليه جائزة نوبل بعد بضع سنوات عام 1978 .

أرنو ألن بنزياس Arno Allan Penzias
مهندس إلكتروني أمريكي ولد سنة 1933م في مدينة ميونخ بألمانيا، ذهب بنزياس الى أمريكا وحصل على الدكتوراه ليصبح أخيراً مدير مختبرات أبحاث الفلك الراديوي في ميونخ بألمانيا . أما زميله روبرت ودرو ويلسون 1936 تيكساس، الولايات المتحدة الأميركية، فهو عالم فلك أميركي، شارك آرنو بنزياس في جائزة نوبل للفيزياء عام 1978 للاكتشاف الذي دعم صورة تكون الانفجار الكبير. عمل ويلسون في مختبر الهواتف في هولمدل ( 1976-1963) وبالتعاون مع بنزياس بدأ ويلسون بالتعرف على إشعاعات منبثقة من حلقة الغاز المحيطة بمجرتنا ، مجرة درب التبانة ، ثم بدأ العالمان يكتشفان خلفية غير معتادة للإشعاعات التي تنفذ خلال الكون بانتظام ، هذه الإشعاعات يظهر أنها بقية من الانفجار الأساسي الكبير الحاصل منذ بلايين السنين والذي منه تكون الكون . ولقد ساهم ويلسون في نشر مقالاته في كثير من المجلات العلمية ، والتي كانت تدور حول حساب خلفية درجات الحرارة وحساب الموجات المليمترية للجزيئات الواقعة بين النجوم ، وفي عام 1979 أصبح ويلسون عضواً في الأكاديمية الوطنية للعلوم. واكتشافهما في سنة 1965 م أشعة الخلفية الكونية ذات الموجات الصغرية أثناء رصد مصادر البث التي تشوش على أجهزة الراديو الأرضية في مختبرات بل الامريكية ، فُسرت هذه الأشعة الصغرية فيما بعد أنها صدى الانفجار العظيم الأول وهذا ما عزز نظرية الانفجار العظيم التي بدورها فسرت أصل الكون ونشوئه وتطوره . والآن نبدأ من هذه النقط أو بمعنى آخر لنبدأ من لحظة بداية توسع تلك النقطة والتي سميت بالضربة الكبرى ال "Big Bang" ففي تلك اللحظة انبثق من العدم والذي هو طاقة عدمية موجية أشياء عجيبة ربما لا يصدقها عقل .... انبثق منه نتف وترية موجية متناظرة ثنائية مهتزة بعنف بأشكال مختلفة منها الحلقي والمستدير تدعى (سي إم بي) هي أقدم ضوء في الكون وهي موجودة حولنا في كل مكان وهذا الضوء الأقدم المتحجر القادم من زمن يلي الانفجار الكبير (بيج بانج ) ب 380 ألف سنة ، ويقول العلماء إن خصائص خلفية الموجة الصغرى الكونية والمستقيم والحلزوني سميت بالأوتار الكونية، وانتثرت تلك الفتافيت في كل الفضاء بسرعة الضوء وفي كل الاتجاهات، كما انبثق مع تلك النتف أمواج موجية عدمية غير متقطعة بقيت على حالها وصفاتها العدمية وانتشرت بسرعات أكثر من سرعة الضوء بعدة مرات وملأت الفراغ كله وشكلت منه الفضاء الكوني ، عانت النتف الموجية تراكبات مشكلة الكواركات بشكل سحب كثيفة مادية البنية تبلور منها سحب من البروتونات والنترونات والإلكترونات، لم تلبث تلك الجسيمات أن شكلت ذرات غاز الهيدروجين ثم الأجرام السماوية لاحقاً وهكذا.. أما الأمواج الموجية العدمية غير المتقطعة فقد شكلت أمواجاً كهرطيسية كانت بمثابة خلفية مظلمة للكون مما جعل لون الفضاء الكوني أسود، فكانت النجوم والمجرات فيه تتألق على خلفية مظلمة . وفي سنة 1989 أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية "NASA" قمرها الاصطناعي "Cobe explorer" والذي قام بعد ثلاث سنوات بإرسال معلومات دقيقة إلى الأرض تؤكد نظرية الانفجار العظيم ، وسمّي هذا الاكتشاف باكتشاف القرن العشرين، وقام العالمان الأمريكيان جون سي ماثر وجورج إف سموت بدراسة نتائج القمر الصناعي كوب واكتشفا شكل الجسم الاسود - وهو سطح يمتص كامل الطاقة المشعة التي تسقط عليه - واكتشفا الخواص المتباينة لإشعاع الموجة الصغرى الكونية ( المايكرويف : وهي موجة كهرطيسية قصيرة جداً-). وخلفية هذه الموجة الصغرى الكونية والتي لها ملامح نشوء الكون . وعمل هذان العالمان في مشروع القمر الصناعي ( كوب ) التابع لناسا والذي أطلق عام 1989. وبذلك تم إثبات نظرية الانفجار العظيم وصحة نتائج المهندسين بنزياس وويلسون . وقد حصل العالمان على جائزة نوبل للفيزياء لاكتشافهما. ساهم كوب في الحصول على أول قياسات دقيقة لخلفية الموجة الصغرى الكونية، وأطلق على خلفية الموجة الكونية الصغرى اسم (صدى الانفجار العظيم) - وهي نظرية تقول بأن الكون نشأ عن انفجار هائل قبل حوالي ( 14 مليار عام ). وخلفية الموجة الكونية الصغرى هي الإشعاع الذي تكون عندما برد الكون لدرجة أمكن معها تواجد ذرات الهيدروجين ، وقال العالمان إنه قبل هذا الوقت كان الكون شديد السخونة لدرجة أنه لو حدث تزاوج بين المادة والإشعاع آنذاك لكان الكون معتماً وغير شفاف، وكان القمر الصناعي كوب (وهي اختصار لعبارة مكتشف الخلفية الكونية) قد رصد تذبذبات في الخلفية الإشعاعية للموجة الكونية الصغرى عزيت إلى التكوينات الأولى التي تشكل منها الكون - وهي ما أطلق عليه العلماء بذور المجرات والتي بدأت بشكل سحب هائلة من الغاز الساخن وهو الشيء الوحيد الذي كان يتشكل منه الكون في ذلك الوقت ، كما قام القمر كوب بقياس درجات حرارة هذه الخلفية الإشعاعية وكانت ( 2.725 ) درجة فوق الصفر المطلق ، لذا فهي تلمع بالدرجة الأولى في جزء الموجة الصغيرة من الطيف الكهرطيسي.
يعتقد علماء الفلك أن خلفية الموجة الصغيرة الكونية تحتوي على قدر هائل من المعلومات عن منشأ الكون ومصيره، تعيدنا قصة اكتشاف هذا الإشعاع الكهرطيسي القادم من الخلفية المظلمة للكون على يد العالمين ماثر وسموت وطريقة تغير أطواله الموجية مع تمدد الكون إلى التفكير ثانية بطبيعة الأمواج التي وجدها المهندسان بنزياس وويلسون، وجد ماثر وسموت للأمواج بأنواعها المختلفة معادلة بسيطة تعتمد على عناصر بُعدية أربعة هي الطول والعرض والارتفاع والزمن، فكان لها خواص فيزيائية مدهشة فهي (حبيبية متقطعة) مثل الطابات، تعاني الانتشار المستقيم والانعكاس والانكسار الضوئي هي نفس المعادلة التي أوجدها العالمان يونغ وهويغنز وشرودنغر فهي تتوالد ذاتياً،فكل نقطة من صدر موجة هو منبع جديد للموجة بما فيها الضوء، فالضوء يولد الضوء ويلتف وينعرج عبر الشقوق الضيقة ويتراكب ويتداخل ويستقطب، كما أن لتلك الأمواج القدرة على اختراق الحواجز والعتبات، ولها القدرة على الاختفاء في كون والظهور في كون آخر، كأن تلك الحواجز المُخترقة ليست سوى أوساط شفافة لها ، فمثلاً تغير في تواتر موجة كهرطيسية لا مرئية، قد يحوّلها لأخرى مرئية أو من لون لآخر أو يحول موجة حرارية لأخرى لا حرارية.. وقد تختفي الموجة في كون وتظهر في آخر .. وهكذا، التغير في خاصة فيزيائية لموجة ما قد يكسبها ميزات لم تكن موجودة فيها أصلاً ، أو يجعلها تخسر ميزات كانت لها، هذا ما جعل الظاهرة الموجية هي الظاهرة الأولى في الكون، وحتى ما قبل الكون، وكلهم أمواج في أمواج ، وتركيب موجتين يعطيهما صفات جديدة لم تكن لأي منهما قبلاً، من هنا كان سر اهتمام العلماء بأمواج الخلفية المظلمة للكون ففيها كل أسرار الكون ، لهذا استحق هذان العالمان هذه الجائزة المرموقة لاكتشافهما منبع أسرار الكون ، وقال البروفسور لارس برجستروم ، عضو لجنة نوبل للفيزياء إن اكتشاف ماثر وسموت يمثل انجازاً مهماً باتجاه فهم أعمق للكون .

المراجع :
- Fred Hoyle, The Intelligent Universe, London, 1984, pp. 184-185.
- Willford, J.N. March 12, 1991. Sizing up the Cosmos: An Atronomers Quest. New York Times, p. B9.
- Paul Davies, Superforce: The Search for a Grand Unified Theory of Nature, 1984, p. 184.
- Bilim ve Teknik, say. 201, p. 16.
- Stephen Hawking, A Brief History Of Time, Bantam Press, London: 1988, pp. 121-125.
- Guth A. H. «Inflationary Universe: a possible solution to the horizon and flatness problems», in Physical Review D, 23. (1981), p. 348.
- Paul Davies. God and the New Physics. New York: Simon & Schuster, 1983, p. 189.




0 comments: