الشجرة المتكلمة ...الأدب العلمي العدد السابع والعشرون
هورس براون فايف
ترجمة سوسن عزام
بالرغم من كل شيء بدءاً من النجم
الغامض والأذى المفاجئ الذي لحق بمحركات التوجيه النجمية ومجابهة شاشات المراقبة
الدقيقة للجو الضبابي للكوكب فإن الهبوط كان معقولاً نوعاً ما ، وبالرغم من
الإحساس المرير اتجاه الخدمة الفضائية الخاصة بكوكب "هورتوز" إلا أنه
توجب على أحد أفراد الطاقم وهو "بيتر كولن" الاعتراف بأن حجم الخسائر
أكبر مما هو متوقع .
استلم القائد"سليتشو" قيادة مجموعته الصغيرة لأن أقل من ثلثي مراقبي الحصص الغذائية يُعتقد بأنهم محتجزون في العنبر السفلي أي حوالي (200) متر من الغطاء البخاري لما يسمى ب بمركبة «دولة السلام . » اصطفت مجموعة القائد وكأنها في استعراض ما أما «كولن »
فقد حرص على إخفاء نفسه عن الباقين ، وقال القائد : "بما أن الطاقم سيبقى في ورديات طارئة لإصلاح الأعطال الموجودة على السفينة » ثم أعلن بلهجة عدائية جملته التالية: "أريد من قسمي التطوع للقيام بعمليات الاستكشاف الأولية كما سيكون من المفيد أيضاً اكتشاف موارد غذائية مؤقتة في هذه المنطقة الغنية بالمصادر الغذائية الطبيعية ".
واعترضت أفكار كولن وقال في نفسه:"ماذا؟ قسمه سيتطوع! "
يكفي كولن سوءاً تطوعه في هذا الأسطول
الفضائي الغبي وقد زاد على ذلك وجود ديكتاتور قيادي مثل "سليتشو " والذي يشبه كثيراً القائد الأعلى لكوكب "هورتوز " مع ذلك اخفى كولن بتعقّله كل امتعاضه والذي
لم يرغب بإظهاره للعلن أبدا،ً وذلك بفضل
التدريبات التي تلّقاها لهذا الغرض، والتي بفضلها استطاع إخفاء كل ما بداخله، لقد تم
تنظيم كوكبه "هورتوز " منذ خمس عشرة سنة
ضوئية من بقايا كوكب الأرض، لكن بقيت
بعض ممارسات ذلك الكوكب الأم العنيفة
مدرجة في نظام هذا الكوكب الجديد، لذلك
فإن أية حالات من شأنها إظهار قلّة الولاء للكوكب قد تؤدي إلى جعل من يظهرها في
حالة يُمنع فيها التواصل معه، ويخضع لما يسمى عملية "إعادة تشكيل الشخصية " وحتى كولن نفسه قد سمع بحالات مشابهة حيث إن مجرد إظهار مواقف خالية من الحماس يعني إخفاء وجود نوايا عدوانية
يمكن لها أن تكون لاحقاً مخزناً للأفكار
العدائية والمخضّبة بالخيانة .
قال القائد "سليتشو ": ستقومون بالاستكشاف في خمس مجموعات من ثلاثة أشخاص في كل منها وعلى رأس كل ساعة تقوم كل مجموعة بإرسال شخص واحد ليقدم
التقرير الخاص بمجموعته ليتم استبداله بواحد من الأشخاص الخمسة الموجودين هنا
من أجل صرف الحصص الغذائية المخصصة .
وهنا سمح كولن لنفسه أن يتساءل حول
وقت الاستراحة إن وجدت لكن نظراته كانت
لا تزال ترتدي وشاح تعابيرها الراضية بكل
ما يتم سماعه لأن أية ردة فعل قد تثير الشبهات لتفضح وجود سلوك غير مرغوب فيه في الأجواء، لذلك فإن الحفاظ على وجهة نظر مناسبة كانت بمثابة الضرورة في هذه الدولة الكوكبية من أجل تفادي وجود أية
مؤامرات خطيرة صادرة عن كوكب الارض أو أي من مستعمراته الدنيا السابقة وهذا هو بيت القصيد.
وجد "كولن " نفسه مع مجموعة "جاك أميت " الطبّاخ من الدرجة الثالثة ومع "إيفاأورتوك " المسؤولة عن المستودعات حيث يتم
حفظ الطعام المطحون ، وبما ان الطاقم سيتناول الحصص المعلّبة خلال عملية التصليح القائمة لذلك يمكن الاستفادة من
"أورتوك " وإعطائها مهمة الإشراف على إحدى المجموعات الاستكشافية.
تم تزويد كل مجموعة بمسدس صاروخي
وأنبوب ماء بلاستيكي وقد أكّد القائد "سليتشو " على أن المسؤولين عن الحصص الغذائية لا يستطيعون تفضيل أنفسهم البتة
حتى في حالات الطوارئ بل وسيخرجون بدونها وهنا بقي كولن محافظاً على مظهره الاعتيادي عندما وقعت عليه عينا القائد
المحدقتان به.
قادت الطريق "أورتوك " بوجهها الأسمر النحيل حاملة معها الراديو الصغير المسموح
باقتنائه في الرحلة من أجل الرسائل العاجلة وتبعها «أميت » وبقي كولن يحتل المؤخرة،
وللوصول إلى قطاعهم المحدد كان لا بد لهم من تسلّق المرتفعات الصخرية الوعرة في نطاق يمتد لخمسمئة متر تقريباً، وعلى جانبي الطريق نمت النباتات المتسلّقة الخفيفة بأوراقها الخضراء الممشوقة اللامعة والمائلة إلى الصفرة لتلقي بظلالها على
الأسطح الحجرية من حولها، وما إن تجاوزت المجموعة سلسلة المرتفعات حتى شقّت السماء أمامهم الطريق لتفصح عن وجود غابة كثيفة ممتدة في الأفق تحتها، بعد ذلك اتخذوا طريقهم نزولاً إلى الوادي بكل نشاط، وكانت تشدّ خيوط انتباههم الغيوم التي
تحيطهم والضباب الذي يحتويهم لتجعل من
كل الأجسام البعيدة التي تقع عيونهم عليها صعبة التمييز تكسوها القتامة وتحتضنها الرمادية. إن العزلة التامة التي وجدت هذه المجموعة نفسها غارقة فيها هي كل ما يستطيع كولن الإخبار عنها بتقريره فقد كانت معالم
المرتفعات الصخرية هي التي تحدد الجغرافيا من خلفهم ومن أمامهم امتدت الأجمات
والأشجار شبه دائرية الخضلة مئات الأمتار ، واعتقد كولن بأن الهضاب الضبابية القابعة في الأمام هي الأخرى ما هي إلا جزء متصل
من المنحدر الممتد لكنه لم يكن متأكداً تماماً من ذلك.
حاولت "أورتوك " أن تشق طريقها على
طول مستوى الطريق البرية ما أمكن لكن
أصبحت النباتات الزاحفة أكثر كثافة وبعثرة
وتشابكاً مع الأجمات بجانبها الوعرة تارة والشوكية تارة أخرى ، وأحياناً كانت تومض
أشياء طيّارة بشكل متقطع بين أوراق الأشجار هنا وهناك، وعلى حين غرّة نفثت إحدى الشجيرات المنتفخة كالبالون غيمة ضخمة من أبواغ صغيرة جداً .
قال " أميت ": لتكن المهمة إيجاد أي شيء يؤكل » و وافقه كولن على ذلك ،وبعد أن تسلّقوا إلى مسافة فاقت كل التوقعات وصلوا إلى حافة الغابة المضللة والبعيدة حيث توقفت "أورتوك " لتفحص بعض التوت الوردي والمتألق بخطورة عند الشجيرات في أسفل الطريق لكن كولن رمقها بنظرات يملؤها الشك والريبة وقال " تبدو صعوبة الوصول إليها مثل صعوبة الوصول للغابات الاستوائية " وقالت السيدة : "أعتقد ان هذا
يطلق أشياء لتعود إلى التراب وتنمو من جديد وربما نستطيع إيجاد طريقنا من خلاله » وبعد ذلك بدقيقتين أو ثلاث وصلوا إلى حدود حافة الأشجار التي كانت تظهر عليهم بأطوالها المتساوية فيما عدا واحدة ضخمة
الجذع بينها وكانت تمتد أعناق الأشجار من حولها لتقدير الارتفاع الكبير لذلك الجذع
الضخم لكن قمته كانت تتهرب و تتوارى وراء الأغصان الكثيفة المنتشرة من تحته.
قررت "أورتوك " أنه من الافضل استكشاف
الطريق على طول الحافة وقالت لأميت: " أعتقد أنه الوقت المناسب لك من أجل أن تعود لتخبر القائد بشأن الطريق الذي سنسلكه "
نظر كول من وراء كتفيه وكان "أميت " يجلس
بعيداً عنه بحوالي (15) متراً إلى جانب
الشجيرات الحاملة لذلك التوت المعلّق وتعلو
أساريره ملامح الراحة التامة. وتساءل كولن : " لعله تذوق البعض منها
سأذهب للاطمئنان عليه" ، ثم ركض باتجاهه وهزّه من كتفه لكن كان رأس «أميت »
متدلياً بخفة على جهة واحدة حيث بدأت ملامحه
الثقيلة بفقدان خطوطها على وجهه لتضفي
عليه مظهراً مخدّراً وبعدها قفل كولن راجعاً إلى "أورتوك " التي عانى من صعوبة في
استرعاء انتباهها حتى منذ بداية الرحلة
ولأسباب لا يعرفها ولاحظ بأنها كانت جاثية
على ركبتيها وقفز نحوها متذمراً ولسان حاله يقول : " أتمنى أن لا تكون قد تناولت بعض الأشياء الغبية هي الأخرى " وما إن وصل إليها
حتى ظهر أن ما كانت تقوم بتفحصه قد عاد للحياة ثانية لينطلق بسرعة نحو الشجيرات
الصغيرة مع ومضات من مادة قشرية مائلة إلى الخضرة وكل ما استطاع رؤيته كان لشيء
له أرجل كثيرة ، بعدها سحب كولن أورتوك التي انحنت نحوه بوهن وبعينين مخدرتين مثل ما حدث مع أميت وعندها تركها والرعب
يتآكله لتنثني على الأرض بكل هدوء وإحدى يديها كانت لا تزال منتفضة وكأنها تحاول
إبعاد شيء ما عنها ولم يتراجع كولن للوراء إلا
عندما رآها تبتسم على نحو غريب و حالم . بدأ يحس كولن بأن زوايا فمه قد أخذت بالتيبس وبدأ فمه يتراجع للوراء وأسنانه
الثابتة تظهر للأمام فنظر حوله بنظرة سريعة لكن لم يكن أي خطر يلوح له من قريب
أو من بعيد، قال لنفسه : " أعتقد أنه قد
حان الوقت لإنهاء هذه المهمة الاستكشافية
الخطيرة ويبدو أنني سأتعرض للأذى لذلك
كل ما أحتاجه هو شجرة تساعدني على تسلقها " لذلك بدأ يتفحص الشجرة العملاقة القابعة أمامه والتي ترتفع لثلاثين أو أربعين متراً لتشق عباب الضباب الكثيف وتتطاول
على كل ما هو حولها وهنا اعتقد كولن أنه
أصاب القرار السليم بمقتل . في البداية لم يستطع كولن معرفة الطريقة
المناسبة للتسلق عندها أوحت له شبكة من
النباتات المعرّشة المتشابكة حول الجذع الصلب بأنها البداية المحتملة الصحيحة فرفع
نفسه بحذر وبدأ بالتسلق وقال لنفسه : "كان لا بد من أن أحضر معي الراديو الذي تحمله أورتوك ، حسناً سوف آخذه معي عندما أعاود النزول هذا إن لم تخرج من حالتها حتى ذلك
الوقت أنه لشيء مضحك ... أعتقد أن تلك الأشياء الخضراء قد عضّتها . "
كانت مواطئ القدم بين النباتات المتسلقة
المتشابكة عديدة ومع ذلك تقدم ببطء ولم يشعر بالاطمئنان إلا عند وصوله إلى أول الأطراف الغليظة المرتفعة عنه قليلاً وبعد
ذلك وبعدما اعتقد أنه وصل إلى العلامة التي تدل على منتصف الطريق كما كان يأمل لفّ إحدى ركبتيه فوق الجذع وتوقف ليمسح العرق المتصبّب من فوق عينيه ثم نظر للأسفل إلى الأرض التي غيّبتها أوراق النباتات المنتشرة وفكّر قائلاً : " كان عليّ منذ
أن كنت في الأسفل تفحص مدى انفراج القمة وأتساءل كيف يبدو المنظر من الأعلى يا ترى؟ " فجاوبه ما يشبه الأزيز متنهداً: " يعتمد ذلك على ما كنت تبحث عنه أيها الشاب . " عندها انزلق كولن بسرعة محاولاً الإمساك بالجذع بيأس وأصابعه تحاول التشبث بالأغصان والأوراق والتي لم تخفف من حركته المفاجئة لكنه استطاع الثبات بيده الأخرى بعد أن خذلته الأولى ، وارتجف الجذع بامتعاض من تحت جسده " انتبه ، لقد تطلب مني الصيف كله لينمو " أزّ الصوت الغريب وأحس كولن بالقشعريرة تسري في جسمه وقال لاهثاً: " من أنت؟ " وجاءه الجواب مع تنهيدة ضاحكة أعادت الرعشة إليه بالرغم من دماثته : " اسمي جوني أشلو
واعتقدت صديقتي "كندة " بأنك ستبادر
بالسؤال وهو "ماذا أنت " والأكيد أنه لم
يسبق لك ورأيت رجلاً ينمو ليصبح شجرة
من قبل " تابع كولن النظر حوله لكن بقيت
كل من الأوراق والضباب تلّفان المكان وقال
لنفسه بلهجة متعقلة : "يجب عليّ النزول
للأسفل لأنه يكفيني سوءاً إغماء صديقي سلفاً " لكن قال له الصوت: " لم العجلة ؟ باستطاعتي التحدث معك بسهولة حتى وأنت
تحاول النزول كما تعلم بسبب فتحات التهوية في جذعي فأنا لست مثل الشجر على كوكب
الأرض ." عندها تفحص كولن اللحاء فوق الغصن
المتشعب من تحته ويبدو فعلاً وجود فتحات
متجانسة على سطحه الخشن ، فقال له
كولن معترفاً : "لم يسبق لي وشاهدت شجرة أرضية من قبل فقد جئنا من كوكب يسمى"هورتوز ". أين يقع ذلك الكوكب ، لا يهم... لعله كوكب
صغير آخر، فأنا لا أزعج نفسي ابداً بمثل
تلك التفاصيل... وذلك منذ مجيئي إلى هنا ومعرفتي أنه باستطاعتي أن أصبح الشكل
الذي أريده ". سأله كولن وهو يختبر مدى ثبات النبات المعترش : " ماذا تعني أن تصبح بالشكل الذي تريده ؟ " تابع الصوت حديثه ويبدو أنه أقرب إلى أذنه الآن كون خد كولن قد لاصق القشرة
المحززة على الجذع وقال : " قلت ما قصدته تماماً ، وإن كان ولا بد فيتوجب عليّ تذكيرك وأعتقد أنه سيكون من اللطيف منك لو قلت السيد أشلو وذلك نظراً لسنّي "
"لسنك ، كم تبلغ من العمر إذاً ؟ "
لم أعد أحسب السنوات الأرضية ...فقد فقدت الطريق منذ ذلك الوقت ولطالما
اعتقدت أنه كوني شجرة سوف أعيش حياة
هانئة، وعندما أتذكر العمر الذي قد تصله بعض تلك الأشجار يحسم ذلك تفكيري تماماً، أيها الشاب هذا العالم ليس كما يبدو عليه "
"أجل أنه كذلك سيد أشلو " أجابه كولن وهو يحاول التمطط ليرى ما الذي يخبئه له الغصن في الأعلى .
" لا، لأن الاشياء كلها تدار من قبل الحياة
أي من قبل ذلك الشيء الأول الذي كبر لدرجة
بدأ يقوم فيها بالقليل من التفكير و تثبيت كل
الجذور في كل مكان حتى استطاع السيطرة
على كل شيء "
"حتى على الأشجار الأخرى ؟ في تلك
الأدغال؟ "
" إنها أكبر من كونها أدغالاً أيها الشاب،
فعندما هبطت إلى هنا مع آخرين من
"أركتوران سبارك " والذي بدا كوكباً بالنسبة إلي وأعتقد أنه كذلك بالنسبة إليّ ... انتبه أيها الولد... لو لم أثن ذلك الغصن لكنت قد
سقطت الآن "
"شك... شكراً " قال كولن وهو متشبث بالغصن بكل ما أوتي من قوة . "نباتات متسلقة مزعجة " قال الصوت
الهامس : " إنه ليس من مجموعتي فقد هبط
بعدي بسنوات من سفينة تعود إلى نجم يقع
في منتصف المجرة وكان عليك أن ترى نظراته
قبل أن تتصل الحياة بعقله وتنشئ حقلاً
فكرياً ساعده على تغيير شكله وبدا أنه أفضل
بكثير من المعترشة التي أصبح عليها الآن
بمرتين "
أجاب كولن بلباقة وهو يجد لقدمه موطئاً:
"إنه مفيد "
"حسناً في الحقيقة حتى أنا لا أستطيع التواصل معه كثيراً حتى بوجود الحقل الفكري خاصته وأعتقد أنه في بداياته كانت له طرق تفكيرية مختلفة وكان قريباً مني لدرجة أنه ما إن فكرت في احتمال أن أصبح شجرة حتى استغل ذلك بسرعة ".
ثبّت كولن نفسه لإراحة عضلاته المنهكة وقال : " لا بد لي من البقاء قليلاً فأنا لا أعرف أصلاً أين أنا "
قال له الصوت : "أنت على ارتفاع (50) قدماً وعليك أن تجعلني أخبرك كيف ستقوم الحياة بمساعدتك على تغيير شكلك كما أنه ليس عليك البتة أن تصبح شجرة مثلي "
"لا ؟ "
"نعم ، بعض الأولاد الذين هبطوا معي أرادوا
استكشاف المكان ورؤية الأشياء وبعضهم أصبح حيواناً أو طيراً حتى أن أحدهم فضّل
البقاء - كإنسان - من الخارج على الأقل ، و كان على معظمهم التجول أثناء اهتراء أجسامهم لكني لم أفعل ذلك وحتى أن البعض اقترف العديد من الأخطاء من خلال تحولهم
لأشياء شاهدوها على كواكب أخرى "
"لن أفعل أنا ذلك سيد أشلو "
"هناك شيء واحد فقط وهو أن الحياة لا
تحب اقتناص الفرص هنا وإشاعة الاخبار
عن هذا المكان لأنها تؤمن بالسكينة والهدوء
،كما أنك قد لا تعود إلى سفينتك على أية هيئة يمكنك بوساطتها إخبار الآخرين عما
حدث معك فعلياً " وقال كولن مندفعاً : "اسمع لم أكن شخصاً مستمتعاً بالشكل الذي كنت عليه في السابق لدرجة تجعلني أهتم كثيراً بالعودة ! "
"ألا تحب كوكبك الأم أو مهما كان اسمه؟ "
"هورتوز " ،إنه مكان فاسد ،دولة كواكبية ! عليك التفكير ورؤية الحال التي يتوجب عليك
أن تصبح عليها لتعيش يوماً مثالياً بثلاثين
ساعة سواء أكنت نائماً أم صاحياً ، وقد ترتعب حتى من فكرة النوم خوفاً من أنك قد
تحلم بالخيانة والتي سيكتشفونها هم بطريقة ما "
"أوه لقد سمعت عن أماكن مثل تلك... يبدو أن الحياة هناك قاسية فعلاً "
فجأة وجد كولن نفسه يخبر الشجرة عن
حياته في ذلك الكوكب وعن ما يتهدد توسعها المخطط له ، لقد كانت تعشش في رأسه دوامة القنوط من أن لا يجد مكاناً يختبئ فيه في حال صادفته مشاكل مع السلطات بحيث يكون النظام التعددي في هذه العوالم
مصدر أسى وعذاب ومن الصعب حتى القيام
بتخيّله. بعد ذلك بدت الغرابة في التحدث إلى
شجرة تذوي شيئاً فشيئاً حتى أن أفكاره أطلقت العنان لنفسها بعد أن كانت محتجزة
كما في قارورة مغلقة لسنوات عديدة وكان
كلما تحدث وفورة الغضب والشكوى تظللان حديثه أحس بالراحة أكثر.
قالت له الشجرة أشلو : " أيها الشاب إن كان هناك شخص ما جاهزاً تماماً لميزات كوكبنا هذا فذلك الشخص هو أنت ! انتظر
هنا... بينما أرسل إشارتي إلى الحياة عبر جذوري " لقد أحس كولن بفقدان دفّة الانتباه المباشر
والحفيف الذي يتحدث عنه كان طبيعياً بالنسبة إليه وتسببّت به نسمة خفيفة ما ، لكنه لاحظ أن يديه ترتجفان
"لا أعرف ما الذي دهاني التحدث بهذا
الشكل مع شجرة ، لو عرفت «أورتوك »
بهذا فإن الوقت الأمثل لتغيير شكلي سيكون الآن "
" - ربما أنك جاهز الآن أيها الشاب ، لقد فكرت الحياة في التعلم من العوالم الأخرى فإن استطعت التفكير في شكل آمن
لتصبح عليه عندها قد تعقد اتفاقاً معها ،إذاً كيف تريد شكل البقاء هنا؟ "
-
أجاب كولن : "لا أدري إن العقوبة على
الفرار هي .... "
" - اصمت... من الذي سيجدك هنا قد
تصبح طائراً او شجرة أو حتى غيمة "
ساد الصمت المرصّع بالشك الأجواء وسمح
كولن لنفسه أن يحلم بالحجم الذي سوف
يصبح عليه ، لقد فكّر في ماهيّة الشكل المناسب له بدون الحاجة إلى تجديده ولكن تسلل عامل آخر إلى أحلامه التي استغرق فيها
وهو عدم الإحساس بالراحة بمجرد الأمل بالهروب وخاصة بعدما خرجت مكنونات نفسه من غضب وكره للكوكب "هورتوز"
"يجب أن أحذر وانتبه للأشياء الجيدة بين يدي إن أردت الحصول على ما هو أفضل منها ، ما أتمنى فعله ليس الهروب بحد ذاته بل معرفة الطريقة التي ستساعدنا على
معرفة كيف يجعلوننا نعيش تحت مظلة هذه
المنظومة السيئة، لأنهم يستطيعون ببساطة أن يعقدوا السلام مع المستعمرات الأرضية
لكن هل تعلم لماذا لا يفعلون ذلك؟ لأنهم يخشون أن يكون الحديث خارج سياق الحرب وإرسال البعثات الاستكشافية لمعرفة قدرات الأساطيل الأرضية التي لن تأتي إلينا أبداً عندها مقدمة تكفي الناس وتعطيهم الوقت
الكافي لكي يتساءلوا عن طريقة عيشهم وحياتهم و يأتي بعدها التفكير بالأشخاص
أنفسهم الذين يديرون الأمور في هذه الدولة
الكواكبية وعندها ستصل الأمور إلى حد
الانفجار الكامل وأعني بذلك انفجاراً تاماً "
صمتت الشجرة هنيهة وأحس كولن أن
الأغصان قد غرقت في سيل من التأملات وعندها قدمت الشجرة أشلو اقتراحاً : "أستطيع إخبار الحياة عن دورك في الأمور التي ستجري لاحقاً فما إن تصبح إلى جانبنا عندها يمكن لك القيام دائماً باتصالاتك
الفكرية مهما كانت بعيدة ولعلّك بذلك تقوم
بصفقة عادلة تقتل فيها عصفوريين بحجر
واحد كما يقولون على كوكب الأرض... " في المقلب الآخر كان الرئيس يتحرك جيئة وذهاباً بجانب صناديق المواد الغذائية والتي
جعل منها منضدته الميدانية وتتسابق إلى جعل منها منضدته الميدانية وتتسابق إلى
وجهه تعابير التجهم بسبب ترقبه لمجموعات
القيادة الاستكشافية المنهكة التي كان الإرباك
يقودها أثناء عملية تجميع وتوزيع الحصص
الغذائية الطارئة الصغيرة. كان الصف الذي شكّله الطاقم بعد الانتهاء
من الصيانة مؤقتاً بالنسبة للأشخاص هناك
لكنه غير قابل للتغيير في الطول الذي بلغه وكان سليتشو يتمتم منزعجاً من إهمال بعض الأوامر التي أصدرها وهو ينظر باتجاه
المرتفعات الصخرية المحيطة بمكان الهبوط ، لقد كان مصمماً على القيام بمراسم التحية
والترحاب بالمجموعات الاستكشافية المتأخرة
لدرجة جعلته غافلاً عن الغيمة الخفيفة الآتية من جهة المرتفعات اتجاهه حيث كانت كثافتها خفيفة لدرجة جعلتها سديماً أكثر منها غيمة وعند ملاحظتها عن قرب تراها مؤلفة من
عدد لا يحصى من الأبواغ الصغيرة التي تشبه تلك التي صادفها كولن في الأجمات ، بعد ذلك
بدأ السديم يتلاشى بشكل عشوائي ليتداخل
في الهواء لكن الأجزاء الصغيرة بداخله بدأت تأخذ هيئة شكل جسم بشري متكامل ، وتحركت الأجزاء الصغيرة مع بعضها ليحملها
نسيم خفيف على محفته للوصول إلى الرجال
في الصف بسلاسة ، وهناك حيث كان
أحد الخدم التابعين للقائد يسرق لحظات
استراحته بحجة رميه لصندوق بلاستيكي
خفيف تخلّله النسيم و تجمّد في مكانه وبعد
أن تطايرت بعض نبضات من قلبه المرتعب
رمى ما كان بيده وحدّق في السفينة والرجال وكأنه يشاهدهم لأول مرة ولم يحركه إلا نداء سيده له فقال : "أنا آت أيها الرئيس "
لكنه عاد يمشي خطواته بتؤدة وتمتم قائلاً: "اسمي هو "فريزر " وأنا من أفراد الطاقم من الدرجة الثانية سأفكر وكأنني من الوحدة الأولى " وفي خبايا سديم الأبواغ هذا، هنّأ العقل المعروف سابقاً باسم بيتر كولن نفسه على حسن اختياره لهذا الشكل الذي أصبح عليه الآن وفكر في نفسه بأنه قد اقترب من الشكل الأساسي للحياة ذاتها أكثر مما فعل صديقه أشلو ، وهنا توقف قليلاً للتفكر
في حالة الشجرة المسماة بأشلو والتي كانت
نصف خالدة لكن جذورها ممتدة إلى مكان واحد ، لكنها لا تستطيع الطفو على جناح نسيم ما أو التخلل في الفضاء ذاته على متن الضوء والأكثر من ذلك هي لم تكن قادرة على إدخال أي جزء منها بمركز التحكم لأية أشكال
أخرى للحياة ومرّت سيول هذه الأفكار في الوقت الذي بدأت فيه مجموعة الأبواغ الثانية باستلام زمام الأمور والتحكم بجسم القائد
سليتشو في تلك اللحظة بعينها . وفكّر كولن "أنه لا يوجد ما يكفي من الرجال وقد يتسلل جزءاً مني عبر غرف الضغط ،وما إن أصبح في الفضاء حتى أتمكن من الانتشار عبر الأنظمة الهوائية وصولاً إلى مجموعة
القيادة المستهدفة ". وهكذا كان الوقت بين الإصلاحات على
السفينة "دولة السلام " وبين العودة للكوكب
الأم "هورتوز " قد مرّ وكأنه أسابيع على الطاقم لكنه كان عبارة عن لحظات خاطفة بالنسبة إلى الوحدات الأخرى ، وبعدها شقّت السفينة عباب السماء فوق مقرات القيادة في المدينة وهبطت أخيراً . تردد قائد الوحدة المعروفة باسم الكابتن "ثيودور كيسيل " قليلاً عند النزول من سلم المركبة وتفحص الأرجاء من حوله والمدينة
وفريق الضباط المفتشين الذين كانوا ينتظروه
ثم قال وهو يحاول كتمان ضحكته لصديقه
في الوحدة الأمنية «تارث « : » لا يمكن أن تكون الأمور أفضل من هذا ، أليس كذلك؟ "
"أجل سيدي والجميع مستعد لتحرير كوكب هورتوز "
أغرقته فكرة "الإصلاحات الخاصة بالدولة الكواكبية " في التأمل وقال وهو
يمسك الدرابزين بيده وهو يهبط بلهجة
حالمة: " وستكون المرحلة التالية هي إعادة تشكيل العقل الكواكبي بكليته ! "
مجلة الأدب العلمي العدد السابع والعشرون ملف الإبداع
0 comments: