Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الإبداع وعصر الإلكترون ...الأدب العلمي العدد السابع


لينا كيلاني

الإبداع البشري موجود مذ وجد الإنسان، ومنذ أن اخترع الإنسان القديم الأبجدية، وأصبحت لديه الكلمة المكتوبة أخذ يستغني عن الرموز ويستعيض عنها بالمفاهيم والدلالات التي تحملها الكلمات، فعندما يضع حروفاً لكلمة شجرة لا يعني بالطبع شجرة بعينها وإنما صورة عامة تنطبق على أي شجرة بحكم مواصفات رئيسية من جذع، وأوراق، وأغصان، وانغراس في التربة، وجذور، ولون، الخ.... وبظهور الأبجدية قفز العقل البشري قفزة هائلة في النمو والتطور، وبالتالي في تمثل هذا العقل للحياة التي أصبحت تحمل معاني جديدة تشرب من الماضي، وترسخ الحاضر، وتختزن للمستقبل. وهكذا كانت لغة العقل مجسدة بالكلمة المكتوبة، لكنها وكما هو معلوم كانت تقتصر على فئات محدودة جداً من الناس هم الطبقة الحاكمة والكهنة، وأصحاب السلطتين الدينية والدنيوية، فظلت الرواية في هذه الفترة ذات سيادة ولو أنها تستمد سيادتها من الكلمة المكتوبة بحيث أصبحت ذات سطوة وقوة على البشر، لأن الراوية لا يأتي بها من الذاكرة وإنما يقرؤها في كتاب، وأخذت الكتب بالتالي تكتسب الى جانب ذلك صفة القداسة.
هذه النظرة الشاملة والسريعة لتطور إبداع الفكر الإنساني بظهور الكتابة مهد لدخول عصر التدوين مروراً بمراحل المشافهة الى الرواية وصولاً الى انتشار الكتاب لدى ظهور الطباعة في العصر الحديث، وقبلاً كان الرواة قد أفرغوا كل ما لديهم كتابة باليد طبعاً، فكأنما بدأوا بالتدوين عصر التوثيق أيضاً.
ومع تمازج الحضارات، وانتشار التعليم، وازدهار الطباعة تطور الإنسان المعاصر ليدخل في عصر العلم، ومن بعده عصر التقدم العلمي والتكنولوجي بقفزات سريعة تزداد تسارعاً بتراكم العلم والمعرفة حتى برز السؤال: أين هي الأمية الآن؟.. هل هي أمية استخدام الحاسوب والتحكم به أم أمية الأبجدية؟.. وإذا كان لابد من محو الأمية فهي الأمية الحضارية وليست الأبجدية، لأن الأبجدية مرحلة أو سلم كان لابد منه للوصول الى عصر الكتاب الالكتروني اليوم. وكما كان الارتباط بالكتاب نوعاً من الارتباط الوالدي كذلك يمكن القول إن الاتصال بمصادر المعلومات من أجل الكتاب الالكتروني هو خلق عائلة بمفهوم جديد لا يكرس فقط للذين يتعاونون أو يتبادلون الكتاب الالكتروني بل مع الذين هم منتشرون في كل أنحاء العالم، ووسيلة الاتصال بهم، ممكنة خاصة إذا التقت الاهتمامات أو الأفكار أو المشاعر. وهنا يبرز سؤال بإلحاح: أين المبدع في عصر الكتاب الكتروني؟.. هل اختفى أم لم تعد هناك حاجة إليه؟.. وهل العقول الالكترونية تغني عن الإبداع البشري  علماً بأنها من ابتكاره  ذلك الإبداع الذي اخترع الأبجدية، ومن بعدها الكتابة وصولاً الى ما نحن عليه الآن؟ الحقيقة أن المبدع موجود.. بل هو ضرورة، لكن نوع الإبداع قد اختلف وتعدد، فالاختلاف وارد في كل خطوة من خطوات الاختراع، أما التعدد فأعني به واضع الكلمة (وأنا أعتبره الأول في اللائحة) مبدعاً، والرسام مبدعاً، والموسيقي مبدعاً، وكذلك مهندس الديكور، والفني، الى آخر السلسلة.
والمشكلة تكمن من حيث إن البشرية بحاجة باستمرار الى مجموعة متكاملة من المبدعين وليس الى عدد محدود منهم. وإذا كان السبق الحضاري قد أخذ هذا المنحى التطوري فهو بفضل العقل الجماعي، وتعاون الأفراد بشكل جماعي، لأن النبوغ الفردي في هذا العصر لا قيمة له إلا ضمن إطاره الجماعي. ويبدو سؤال آخر أيضاً: هل ستتحكم بنا هذه الأنظمة الالكترونية أم أننا سنظل قادرين على التحكم بها؟.. وإذا كانت تتخاطب فيما بينها بإشارات ورموز فهل يمكن أن يعيش الإنسان وقد خفيت عليه هذه الإشارات والرموز؟
وكما أن الرقص هو لغة الجسد، والإشارة هي لغة الحواس، والكلمة هي لغة العقل، والإلكترون هو لغة العصر، فإن الإبداع الإنساني يظل لغة كل العصور كما هو لغة كل الأشياء.

مجلة الأدب العلمي  العدد السابع  وجهة نظر 

0 comments: