Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

طبقة الأوزون ...الأدب العلمي العدد التاسع


هناء ثابت محمد المداد

لم تعد قضية الأوزون مشكلة محلية أو إقليمية ، بل أصبحت شأناً عالمياً ، يحتاج إلى تضافر الجهود لمواجهة الأخطار التي قد يحملها المستقبل ...وقد يتساءل البعض : لماذا كل هذا الاهتمام العالمي بقضية الأوزون ؟ وتكمن الإجابة في مدى خطورة الآثار الصحية والبيئية ، لا على الإنسان وحده ، بل على الحيوان والنبات والنظم البيئية الأخرى .
فقد ذكر فريق العمل المعني بالتقويم البيئي والتابع لبرنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة في تقرير نشره في نوفمبر عام 1991 ، إنَّ استنزاف طبقة الأوزون والزيادة الناتجة في الأشعة فوق البنفسجية قد يؤديان إلى تسريع معدل تكون الضباب الدخاني الذي يبقى معلقاً في الأجواء لأيام عدة. مثلما حدث في لندن عام 1952 عندما ساد الضباب الدخاني جو هذه المدينة وحول نهارها إلى ليل على مدى بضعة أيام، و أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح وصلت إلى حوالي 4 آلاف حالة وفاة. كما أن تآكل درع الأوزون قد يؤدي إلى زيادة في معدلات سرطان الجلد القتامي بنسبة 26 %.
أما الأشعة فوق البنفسجية من نوع ،UVB فتلعب دورا رئيسيا في تكوين ا لأورام الجلدية القتامية، وهي النوع ا لأشد خطرا، وهذا يعني حدوث ما يقدر بحوالي 300 ألف حالة سرطان جلد سنويا، وستكون حصة الولايات المتحدة فقط ما يقرب من 180 مليون حالة خلال ثمانين سنة، ان لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل فاعل لوقف استنزاف طبقة الأوزون.
من الأخطار الصحية الأخرى لمشكلة تدهور حالة طبقة الأوزون حدوث مرض المياه البيضاء، ( أي إعتام عدسة العين). فطبقا لتقرير الأمم المتحدة (سابق الذكر) فان نفاد ا لأوزون بمعدل %10 قد يتسبب في إصابة حوالي 1.7 مليون شخص سنويا، بهذا المرض نتيجة تعرضهم للأشعة فوق البنفسجية، إضافة إلى إصابة العين بمرض الماء الأزرق، لعدم قدرتها على مقاومة هذه ا لأشعة، كما أن الكميات المتزايدة من الأشعة فوق البنفسجية، والتي تخترق طبقة الأوزون، تضعف فعالية جهاز المناعة عند الإنسان، وهذا ما يجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، الناتجة عن الفيروسات مثل الجرب، وكذلك الناتجة عن البكتيريا كمرض السل، والأمراض الطفيلية الأخرى .
ولا تتوقف الآثار السلبية لتقليص طبقة الأوزون على البشر وحدهم، فيسهم تدمير طبقة الأوزون واتساع الثقب في هذه الطبقة في زيادة درجة حرارة سطح الأرض وبالتالي يؤدي ذلك إلى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري.
ولعل أكثر المناطق تضرراً هي المنطقة المدارية، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، وقوة أشعة الشمس. كما تشير بعض البحوث إلى أن نصف النباتات التي درست حساسة للإشعاعات UVB ينخفض إنتاجها ويصغر حجم أوراقها ما يؤثر في إنتاج المحاصيل الزراعية، مثلما أوضحت بعض التقارير، أن هناك احتمالات لتناقص إنتاج فول الصويا بنسبة 23 % نتيجة تعرضها لهذا النوع من الإشعاع. إضافة إلى أن التراكيب الكيميائية، لبعض أنواع النباتات، قد تتغير بسبب هذا الوضع، مما يضر بمحتواها من المعادن وقيمتها الغذائية، بصورة عامة .ومن ناحية أخرى فهناك مخاوف من إضعاف تجمعات الكائنات الحية الدقيقة، الموجودة في مياه البحار والمحيطات والمعروفة بالعوالق النباتية، نتيجة تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، وتعتبر هذه الكائنات أساسا مهماً لسلسلة الغذاء في الأنظمة البيئية المتواجدة في المياه العذبة والمالحة، وفي مقدمتها الأسماك والربيان وغيرها.
كما أن العوالق النباتية تقوم بدور كبير في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وبذلك تخفف من وطأة الاحتباس الحراري، كما أنها تطلق الأكسجين الضروري لاستمرار الحياة.

مم يتكون الأوزون ؟
يتكون عنصر الأوزون من الأكسجين الجوي والاختلاف بينه وبين الأكسجين الجزيئي هو أن الأول متحد ثلاثيا في حين ان الأكسجين الجزيئي، كما هي حالته الطبيعية التي نستنشقها، مكون من ذرتين من الأكسجين، وتحدث عملية اختزال الأكسجين الجزيئي، الذي يصل إلى طبقات الجو السفلى إلى أوزون فوق المناطق المدارية، وذلك بفعل الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة، ذات الموجات 240 - 300 نانو متر، ومن هناك ينتشر الأوزون في طبقة الغلاف الجوي على ارتفاعات تتراوح بين 20 و 50 كيلومترا فوق سطح الأرض. ويعتبر الأوزون احد المكونات المهمة في الجو، حيث يصل تركيزه إلى ما يقرب من - 1 ميكرو غرام لكل غرام من الهواء، إلاَّ أنَّ تنفس الهواء الغني بالأوزون يؤثر في الجهاز التنفسي والجهاز العصبي وينتج عن ذلك ضيق في التنفس، والصداع والإرهاق وتظهر هذه الأعراض بوضوح بين صغار السن والشباب، ولهذا فان أطفال المدارس في مدينة لوس انجلوس حيث مستويات الأوزون مرتفعة يجبرون على البقاء داخل أبنية المدارس عندما يصل تركيز الأوزون في الهواء إلى 35 جزءاً من المليون. وقد حاول الباحثون في وكالة الفضاء الأميركية منذ ما يزيد على ربع قرن استغلال الأوزون كوقود لإطلاق المركبات الفضائية وقد وصفه بعضهم بأنه عنصر شيطاني ولعل أهم الأسباب التي تهدد طبقة الأوزون في التلوث الصناعي للجو الناجم عن أكاسيد النيتروجين والمركبات المعروفة ب «كلوروفلور وكربونات »، كما أن أول أكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد النيتروجين اللذين ينطلقان من الطائرات سابقة الصوت، التي تحلق بمستوى طبقة الأوزون وتخترقها يؤديان إلى تحفيز تحلل الأوزون بواسطة تفاعلات كيميائية.
وكان أول من قدم توقعات علمية حقيقية، لخطورة مركبات الكلوروفلور وكربونات على طبقة الأوزون هما العالمان دولاند ومولينا المختصان في كيمياء الظواهر الجوية في جامعة كاليفورنيا الأميركية، حيث قاما عام 1974 بتخليق ظروف مختبرية شبيهة بتلك المتواجدة في وسط وخارج الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وهي المواقع التي تتركز فيها طبقة الأوزون الواقية. وقد ظهر لها ان هذه المركبات تدمر جزيئات الأوزون بفاعلية مرعية. وافترض هذان العالمان ان مركبات الكلوروفلور وكربونات يمكنها في نهاية المطاف أن تخرب 20 % إلى %30 من درع الأوزون الواقي كلياً مما يهدد جميع أشكال الحياة على سطح الأرض بعواقب وخيمة. في حين أشار كثير من العلماء الشكوك حول توقعات دولاند ومولينا، واعتقد معظمهم بان النقصان في طبقة الأوزون في وقت ما من القرن القادم لن يزيد عن 2 إلى 4%.

القطب الجنوبي خالٍ من الأوزون
في عام 1992 أفاد تقرير لمنظمة الأرصاد العالمية أن بعض المناطق فوق القطب الجنوبي خالية من الأوزون كليا، وخلص التقرير إلى نتيجة مفادها أن ثقب الأوزون فوق هذه المنطقة، قد اتسع إلى رقم قياسي، يصل إلى حوالي 9 ملايين ميل مربع (ما يعادل ثلاثة أمثال مساحة الولايات المتحدة الأميركية) أي بزيادة قدرها 25 % ما كان متوقعا وبمعدل أسرع مما توقعه دولاند ومولينا.
أما بالنسبة لمنطقة القطب الشمالي من الكرة الأرضية والتي تقع ضمنها دول مكتظة بالسكان في كل من أميركا الشمالية و أوروبا واسيا فإنها تعاني هي الأخرى من التأثير ذاته ولكن بشكل اقل وطأة مما هو عليه في القطب الجنوبي ( 5% إلى 10 % في الفترة من 1969 -1979) ، فقد وجد إن طبقة الأوزون في المنطقة الشمالية قد تلاشت خلال الفترة نفسها بنسبة %1،7 إلى 3% وتنامى هذا التناقص، فيما بعد إلى معدل أعلى هو 4% إلى 5% لكل عقد من الزمن، وهو ضعف ما كان متوقعاً أصلا.
هل نفقد ذات يوم مثل هذه المناظر النضرة ؟
مفاوضات عاجلة :
إزاء الوضع الخطير الذي تشهده طبقة الأوزون فقد التقت هيئة عالمية مكونة من 100 عالم عام 1987 لمناقشة جميع المعلومات المتوفرة ولاتخاذ القرارات لحل هذه القضية. كما دعت الأمم المتحدة في العام نفسه إلى مفاوضات عاجلة لتقليص إنتاج واستعمال مركبات الكلوروفلور وكربونات دولياً وقد وقعت 91 دولة بتاريخ 15 / 9/ 1987 على ما عرف فيما بعد ببروتوكول مونتريال وقد اتفقت هذه الدول على خفض إنتاجها من مركبات الكلوروفلور وكربونات، والبالغ 90 % من الإنتاج العالمي. وعدل هدف البروتوكول في عام 1990 في لندن ليصبح تداول هذه المواد ممنوعاً قطعياً عام 2000 .
الحلول :
هناك إجماع بين المنظمات الحكومية، وغير الحكومية في العالم على ان بدائل الكلوروفلور وكربونات والهالونات المقبولة بيئيا، ستقدم نتائج مشجعة على المدى البعيد. ولكن الصعوبة في حماية طبقة الأوزون تكمن في المعوقات الفنية والتمويلية ومن أكثر البدائل التي تم تطويرها لمواكبة المتطلبات البيئية والاقتصادية والصناعية والاستهلاكية التبريد الكهروحراري والتبريد بالأمواج الصوتية. وفي هذا الإطار قدمت شركة أميركية ثلاجة منزلية صغيرة تعمل بدورة استرلنج التي تعتمد على مبدأ تسخين حجم ثابت من الغاز مثل الهيدروجين أو الهيليوم يؤدي إلى ارتفاع الضغط وادعت الشركة أن كفاءة الثلاجة المطورة أفضل بالمقارنة مع الثلاجة التقليدية.
وفي المكسيك نجح العلماء في تصنيع قوالب الثلج بتسخير الطاقة الشمسية، وفي هذا الصدد ايضا تم تصنيع جهاز تبريد من نوع ستار، يعمل بالأمواج الصوتية (الثرموأكوستيك) وقد جرب بتفوق على متن مركبة الفضاء ديسكفري.

المراجع :
1-Dotto. L. and Schiff. H. the ozone ware. - .Douhledy (1978)
2-Brum. C.; Mckane. L. and karp. C. Biology: - Exploring Life. Second
Edition. John Wiley .and Sons. Inc. New York (1994)
-3 عبد الحميد غزي بن حسن. التلوث البيئي: الهم الكبير لسكان الأرض مجلة القافلة.
المجلد )41( العدد )8(. صفحة: 42 - 47 .
4 - عبد الله النعنيش . طبقة الأوزون: عشرات الملايين يصابون بسرطان الجلد و إعتام
العين إذا استمر تآكل طبقة الأوزون. منبر البيئة. المجلد (6). العدد (2) صفحة 7 (يونيو
1993)
5 - حماية الأوزون: البدائل لمركبات الفلورو كربون. منبر البيئة. ملحق خاص. العدد (2):
صفحة 1 – 8(سبتمبر 1994).

مجلة الأدب العلمي العدد التاسع  بيئة مستقبل

0 comments: