Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

مدن الغد الذكية...الأدب العلمي العدد العاشر


د.م. علاء عبد الرحمن 

أصبحت المدن تشكل المحور الأساسي للاقتصاد العالمي .يعود ذلك إلى أن المدن تحتوي على نسبة كبيرة من أكثر الناس مهارة وكفاءة وريادة للأعمال وهذه النسبة تتزايد باستمرار مما يعني أن المدن باتت تشكل أيضاً حاضنات لمراكز معرفية متعددة تستنهض تطوراً اقتصادياً جديداً ومن المتوقع بحلول عام 2025 أن تصبح أكبر 600 مدينة في العالم مسؤولة عن إنتاج حوالي 60% من مجموع قيمة الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في العالم .
هذا النمو المتزايد يقود إلى عملية تحضّر (Urbanization)سريعة عالمياً ففي كل أسبوع هناك أعداد كبيرة من البشر تهجر الأرياف إلى المدن التي تشكل نقاط جذب لهم بما توفره من فرص عديدة ولا سيما الفرص الاقتصادية. في الوقت الراهن هناك أربعة مليارات نسمة من سكان العالم البالغ تعداده سبعة مليارات يعيشون في المناطق الحضريّة وهذا الرقم من المتوقع أن يزداد إلى ستة مليارات في عام 2050 سيعيش معظمهم في البلدان النامية. هذا الميل للتحضّر والزيادة السكانية إضافة إلى بروز انقسام اجتماعي متزايد في المناطق الحضرية أصبح يضغط بشكل متزايد على المدن لذلك أضحى التركيز على الحلول الذكية و المستدامة للمدن أمراً ملحّاً في ظل استمرار المدن بالنمو الذي لا يبدو أنه سيقف عند حد.
في الواقع إنّ الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والبيئية المتزايدة لمدن العالم ساهمت في نشوء تحديات وساعدت في خلق فرص في نفس الوقت فمن جهة يمكن أن تصبح المدن التي تنمو بسرعة أماكن تسودها الفوضى العمرانية والاقتصادية وعدم التنظيم وهذا بدوره يؤدي إلى نشوء أنواع جديدة من المشاكل مثل الخلل في التوزع السكاني وعدم التكافؤ الاجتماعي وصعوبة إدارة الموارد والنفايات وتلوث الهواء ومصاعب أخرى متعلقة بالصحة والاختناقات المرورية والبنية التحتية الهرمة والمتهالكة وغير الفعالة. لكن من جهة أخرى ربما يكون لسكن و معيشة العديد من الناس جنباً إلى جنب في المدينة جوانب إيجابية. على سبيل المثال يمكن أن يكون لكثافة المدينة تأثير إيجابي على المناخ والاقتصاد بوجود آليات تحث على استخدام أمثل للطاقة وتنظم معيشة السكان في أماكن محددة يسهل تخديمها.
من هذا المنظور يمكن القول إن المدن تقدم فرصة ممتازة لإنتاج حلول قائمة على تكامل الأنظمة المختلفة التي تحتويها مثل وسائل النقل و الأعمال والتعليم و الاتصالات و البنية التحتية لتوفير معيشة ذات جودة أعلى و أكثر استدامة و من هنا تصبح الحلول الذكية و الخلّقة مطلوبة للوصول إلى ذلك الهدف.
ما هي المدينة الذكية ؟
يتصور البعض أن المدينة الذكية ما هي إلا بنية تحتية عالية التقنية تدعمها تكنولوجيا رقمية متطورة. آخرون يرون في المدينة الذكية بنية عمرانية مكونة من أبنية ذكية ترتبط فيما بينها بشبكة نقل متطورة و تعززها حكومة إلكترونية و اقتصاد رقمي. في الحقيقة يمكن أن يبدو مفهوم المدينة الذكية محيّراً و مبهماً و هذا راجع بالدرجة الأولى لحقيقة أن هناك العديد من الطرق لكي تكون تلك المدن ذكية لكن ما زاد الأمر تعقيداً هو استخدام هذا المصطلح كأداة للدعاية والترويج أكثر من استخدامه كاستراتيجية تهدف إلى الوصول إلى مدن ذكية بالفعل.
بحسب المركز الإقليمي للعلوم (Regional Science Centre of) التابع لجامعة فيينا للتكنولوجيا لا تعتبر المدينة ذكية عندما يكون هناك الكثير من كل شيء فيها فالزيادة في استعمال السيارات و استهلاك الطعام و الماء والطاقة هو دلالة عن عدم استدامة المدن. في المدينة الذكية يجب اعتبار الفضلات الصناعية و الفوائض الأخرى كمدخلات ذات قيمة في عمليات إدارة و تشغيل المدينة وذلك عن طريق تحويل تلك الفضلات واستعمالها بطرق مستدامة.
كذلك لا تعتبر المدينة ذكية إذا كانت الشبكات المتعددة التي تحتويها غير قادرة على التواصل والعمل مع بعضها في نظام موحد متكامل فالحلول المنفصلة لمشاكل مشتركة تؤدي إلى تكرار العمل و إلى هدر في الوقت و الأموال لذلك يجب على الحلول التي تقدمها المدينة الذكية أن تكون متكاملة و متعددة الوظائف. في نفس السياق تعد المدينة ذكية إذا تميزت بمستوى عالٍ من قابلية الحركة التي تسمح للناس و المعلومات و رؤوس الأموال والطاقة بالانسياب مع بعضها بسهولة ويسر وهي تعد ذكية كذلك عندما تبنى على الاشتراك بالمعرفة و التعاون بين كل مستويات المجتمع. يحصل ذلك بإشراك كل الأطراف المنتفعة و المؤثرة و المتأثرة من نشاطات المدن المختلفة في عمليات التخطيط و اتخاذ القرار لأن هذه الأطراف المتمثّلة بالسلطات العامة و مؤسساتها والشركات الخاصة و المؤسسات المعرفية وسكان المدينة لديها معرفة قيّمة ومعلومات عن مدينتهم يتوجب الاستفادة منها و إلا أضحت تلك المعطيات الكبيرة و المهمة محصورة في «صوامع معرفية » معزولة عن بعضها ولا تتعلم من بعضها و لا تلهم بعضها.
يقوم مفهوم المدينة الذكية على ثلاثة أركان رئيسية هي التكنولوجيا و الموارد البشرية و المؤسسات. يشهد القرن الواحد والعشرون تطوراً يفوق التصور في مجال التكنولوجيا المتطورة التي وفرت بدورها مصدراً هائلاً للمعطيات و البيانات في جميع المجالات وخصوصاً تلك المتعلقة ببيئتنا المبنية والناس الذين يعيشون فيها. في ضوء هذا التطور بدأت الكثير من المدن في تطبيق تكنولوجي  المعلومات و الاتصالات الحديثة والشبكات لتحقيق أعلى درجات التكامل و الاندماج بين أبنيتها و مرافقها وخدماتها وبنيتها التحتية. كذلك أخذت مجالس إدارات المدن تعمل على تبنّي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتطوير طرق مبتكرة و فعالة لتحسين عمليات إدارة المدن و لزيادة استدامة مجتمعاتها و تحسين معيشة السكان و التحول إلى مدن ذكية.
يشتمل المفهوم الناشئ أيضاً على البنية التحتية الاجتماعية التي تعتمد بشكل أساس على إعداد وتدريب و تطوير رأسمال بشري قادر على التواصل والتفاعل المجتمعي والتعامل مع التكنولوجيا و أدواتها و مدرك لكيفية و أهمية تناقل المعرفة و المعلومات لتسخير أحدث البيانات وتقنيات التواصل من أجل تقديم خدمات جديدة عالية الجودة إلى المواطنين وزيادة كفاءة الخدمات المقدمة لهم أصلاً. في هذا الخصوص يمكن الاعتماد على التعريف الذي وضعه الباحث أندريا كاراغليو وآخرون (Andrea Caragliu) للقول بأن المدينة الذكية هي تلك المدينة التي تستثمر في رأس المال البشري و الاجتماعي و تعزز التطور الاقتصادي و المستوى المرتفع لجودة الحياة فيها عن طريق بنية تحتية تقليدية فعالة من طرق و جسور و كهرباء و ماء و صرف صحي و مواصلات و بنية تحتية حديثة تعتمد تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات المتطورة و استخدام رشيد للموارد الطبيعية من خلال إدارة قائمة على المشاركة المجتمعية.
صفات المدينة الذكية
يجمع العديد من المهتمين بمفهوم المدينة الذكية من أكاديميين و مهنيين على أن هناك عدداً من الخصائص و الصفات التي يجب أن تتمتع المدينة بها لتكون مدينة ذكية. في هذا السياق قدم المركز الإقليمي للعلوم ( Centre of Regional Science) في تقرير عن المدن الذكية نموذجاً قائماً على ستة تصنيفات مختلفة تمثل خصائص متمايزة يتم وفقها تقييم المدن أو تطويرها لتكون ذكية. هذه الخصائص الستة هي:
الإدارة الذكية Smart Governance :
تحتاج المدن الذكية إلى تطوير الإمكانيات الإدارية و التنظيمية لدى مؤسساتها لتكون قادرة على استيعاب التغييرات المختلفة وخصوصاُ تلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكي تستطيع بالتالي تهيئة الظروف المناسبة لخلق المبادرات المتنوعة ودعمها ورعايتها. بحسب تجمع كوبنهاغن كلينتك (Copenhagen Cleantech Cluster) ينبغي على المدن الذكية اتباع اسلوب جديد للإدارة مغاير للأساليب التقليدية المعتمدة على صياغة البرامج والسياسات هرمياً من القمة إلى القاعدة والتركيز بدلاً عن ذلك على حلول إدارية أفقية تحث على التعاون و التواصل بين مختلف الفاعلين في المجتمع. بما أن المدن الذكية تعتمد بشكل أساسي على بنية تحتية متعددة عمادها التكنولوجيا المتطورة للمعلومات والاتصالات التي بدورها تلعب دوراً مهماً في الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالمدينة لذلك يجب على النظام الإداري في المدن أن يكون مهيأ لاستقبال سيل المعلومات الواردة ومعالجتها في إطار تلك التكنولوجيا الجديدة و آلياتها و أدواتها وتأمين تدفق المعلومات إلى قطاعاته المختلفة لضمان تقديم الخدمات المختلفة بفعالية وكفاءة وبشكل يجعل من استخدامها ومشاركتها أمراً سهلاً للمواطنين. من المهم أيضاً أن يكون النظام الإداري شفافاً يمكن من إجراء حوارات بناءة بين المواطنين ومسؤولي المدينة و يسمح لهم بالمشاركة في اتخاذ القرار بشأن إدارة مدنهم.
الاقتصاد الذكي Smart Economy :
تشكل المدن إلى جانب كونها مراكز للاقتصاد العالمي نقاطاً محورية للعديد من الأفراد والشركات وغيرها من المؤسسات والمنظمات المختلفة. ينتج عن ذلك وجود أناس مهنيين على درجة عالية من التعليم وعمال وموظفين مبدعين يعيشون معاً في منطقة ذات كثافة سكانية عالية ويتفاعلون بشكل مباشر مما يؤدي إلى توليد الأفكار وتحويلها إلى منتجات وخدمات أسرع مما يفعله الموهوبون الموجودون في أماكن أخرى أقل اكتظاظاً. هذه الميزة تساعد المدن في الانتقال إلى اقتصاد ذكي ومستدام يستند على الابتكار والإنتاجية عالية الكفاءة والتنافس وقادر على تأمين حياة ذات جودة عالية للسكان.
على هذا الأساس تشكل زيادة نفقات البحث العلمي و التطوير في المؤسسات الحكومية و الخاصة و القدرة على الاستجابة و بسرعة للظروف المتغيرة والتركيز على إعطاء قيمة مضافة للسكان عن طريق تنمية المهارات وتطوير وسائل جديدة للعمل والانفتاح على التميز والإبداع في جميع قطاعات الاقتصاد وخلق فرص عمل عالية الجودة ذات مردود مالي جيد عاملاً مهماً في زيادة المزايا التنافسية لاقتصاد المدينة الذكية مما يعزز القدرة على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية ودعم دور المدينة الاقتصادي على الصعيد المحلي و الدولي.
المعيشة الذكية Smart Living  :
تظهر الدراسات العلمية الحديثة أن معدل التغير في مناحي الحياة يتزايد في المجتمعات الحديثة ويحصل ذلك تحديداً في المدن لأنها تنمو بشكل أسرع من غيرها. يشير ريك روبنسون ( Rick Robison ) المتخصص في المدن الذكية إلى أنه في ظل هذه الظروف يجب الاهتمام بالحياة الحضرية قبل الاهتمام بالعمران لذلك على المدن الذكية أن تهتم بشكل كبير بطريقة حياة قاطنيها ودعمها وإغنائها سواء في السكن أو العمل أو الدراسة أو التنقل و العمل على تقديم جودة حياة عالية للسكان. بعض المدن تعمل أيضاً على تطوير نماذج جديدة للمعيشة تشمل صياغة ثقافة حضرية جديدة جوهرها المشاركة في الحياة الاجتماعية و الوصول لمستويات عالية من التماسك الاجتماعي. من ناحية ثانية يظهر ذكاء المدن في توفير بيئة عمرانية نابضة بالحياة تدعمها مرافق متنوعة ثقافية و اجتماعية إلى جانب توفير ظروف معيشية آمنة ووجود نمط حياة صحي ونظام رعاية صحية جيدة ونوعية جيدة للسكن والإقامة مما يؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود في تحسين نوعية الحياة للمواطنين.
الناس الأذكياء Smart People :
يبدي معظم الناس في المدن اهتماماً متزايداً بالمعيشة وكيفية الحصول على ما يحتاجونه بل إن قسماً منهم يجهد في إيجاد طريقة تمكنه من البقاء على قيد الحياة في المدن الكبيرة التي قد يتسم بعضها بالعدائية والوحشة وهذا ما قد يتسبب لهم بصعوبة الحياة و عناء الاندماج في المدن الذكية التي تعتبر تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات ( ICT ) ركيزة أساسية من ركائز قيامها وازدهارها. يذكر غراي غراهام Gary Graham المحاضر في جامعة ليدز البريطانية بأن الإنسان يشكل أساس و جوهر المدن الذكية وليست التكنولوجيا وحسب وبأن المعضلة تكمن في دخول لشركات كبيرة مثل آي بي إم سامسونج وسيسكو وإنتل التي توفر الربط اللازم لجعل إشارات المرور تتحدث مع بعضها البعض وتصنع الأجهزة و الآلات التي تجعل خدماتنا المستقبلية تسير بدقة وما ينتج عن ذلك من فجوة معرفية بين مزودي الخدمات و مستخدميها. لذلك من المهم في هذا الشأن تنمية قدرة السكان على اكتساب المهارات للتكيّف والتعامل بفعّالية وكفاءة مع ما تتطلّبه المعيشة في المدن الذكية. لذلك يعنى هذا الجانب بتقديم مستوى ذي جودة عالية مكون من سلسلة مترابطة من التعليم و التعليم المستمر إلى المواطنين و خلق بيئة مناسبة لتفاعلات اجتماعية نوعية بين السكان لتبادل المعرفة و الخبرات و بالإضافة إلى زيادة الوعي و تشجيع الانفتاح على الثقافة والعلم ورفع مستوى مشاركة الناس في صنع المكان الذي يعيشون فيه من خلال تفاعلهم مع الحياة العامة.
التنقل الذكي Smart Mobility :
يشكل التنقل أمراً حيوياً سواء بالنسبة للمجتمع أو الاقتصاد. تشير التوقعات بأن المسافات المقطوعة من قبل السكان أو السلع في ازدياد مضطرد وخصوصاً عند الحديث عن النمو المستمر للمدن وما يرافقه من اكتظاظ سكاني ومروري مما يؤدي إلى نشوء مشاكل إضافية تؤثر على المجتمع والحالة الاقتصادية والبيئة كالتأخير والارتياب الناجمين عن زيادة الازدحام والمخاطر الصحية الناشئة عن الانبعاثات والضوضاء وانخفاض مستويات السلامة لكافة مستخدمي الطريق . تواجه المدن الذكية هذا التحدي بتنقل ذكي ( Smart Mobility) عن طريق تمكين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تطوير أنظمة نقل أكثر كفاءة تؤدي إلى تحسين استخدام البنية التحتية المتاحة بما يمكن المستخدمين من انتقاء أفضل الخيارات الممكنة للتنقل بناء على معلومات ترد لهم بشكل آني قبل القيام برحلاتهم مباشرة أو في أثنائها معتمدين في ذلك نظام نقل مؤتمت مما سيسهم في توفير الوقت والتكاليف وتحسين كفاءة التنقل وخفض انبعاثات CO2.
البيئة الذكية Smart Environment :
لا يمكن إغفال حقيقة أن النمو الاقتصادي يرافقه تغيير متسارع في الاحتياجات و آليات الإنتاج و التكنولوجيا و هو مرتبط تاريخياً بزيادة الإنتاج في العديد من القطاعات لذلك كان هذا النمو على الدوام متزامناً مع ازدياد انبعاث غاز ثنائي أكسيد الكربون وبالنتيجة أصبحت المدن مساهماً رئيسياً في مشكلة المناخ التي يواجهها العالم حالياً. بحسب الإحصائيات تعتبر المدن مسؤولة عن إصدار ما يقارب 70 % من غاز CO2 في العالم و هي أيضاً تسهّل لقاطنيها استهلاك كميات غير مسبوقة من الطاقة في نشاطاتهم المختلفة وهذا يعني أن المدن تستهلك ما يقارب 80 % من إنتاج الطاقة العالمي الكلي. من هذا المنطلق تعمل المدن الذكية على استغلال أمثل للموارد المتاحة و المحدودة و ترشيدها والسعي لاستخدام الموارد المتجددة بشكل يلبي حاجة سكانها ويحافظ على حقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد و يعلي من شأن الصالح العام. بالإضافة إلى ذلك تجهد تلك المدن في تأمين إدارة أمينة ومسؤولة للموارد الطبيعية وتخطيط عمراني مستدام يقوم على الحد من استهلاك الموارد الطبيعية والطاقة واستخدام الابتكارات التكنولوجية الجديدة التي تؤدي إلى خفض التلوث والانبعاثات و كذلك دعم الجهود الرامية إلى حماية البيئة بما يمكن من تعزيز الجمال الطبيعي للمدينة. إن ما يقترحه المهتمون بالمدن الذكية من أمثال أليكس ستيفنAlex Ateffen وغيره هو تحول في البيئة الحضرية بحيث يبدأ هذا التحول عن طريق رؤية يمكن تبنيها من قبل كل من له مصلحة في ذلك التحول من قطاعات عامة و خاصة ويعمل على تحقيقها بالصبر و المثابرة و الابتكار. يرى دان هيل Dan Hill الاختصاصي بالتنظيم العمراني في هذا السياق أن التركيز في هذا التحول يجب أن يكون موجهاً نحو المواطنين من جهة والطريقة التي يجب أن تتبع لخلق ثقافة حضرية تدعمها التكنولوجيا من جهة أخرى.
يشدد هيل أيضاً على أهمية المشاركة الشعبية و الأهلية في دعم هذا التوجه بالإضافة إلى الجهات الحكومية والخاصة التي تتمتع بتأثير كبير في دعم المبادرات نحو مدن ذكية. في هذا الإطار يعتقد تيم رينور ( Tim Raynor ) أن العالم يدخل عصر التنوير الاجتماعي Social Enlightenment الذي تستهدف برامج التغيير من خلاله العقول و القلوب وبالتالي إحداث التغيير المنشود بالاستناد إلى عوامل مهمة مثل العاطفة و الهوية الجمعية وشبكة العلاقات. يزداد الاهتمام بموضوع المدن الذكية باضطراد في البلدان المتقدمة ويكتسب زخماً أيضاً في البلدان النامية وذلك بعد أن أضحى عديد متزايد من الناس و الحكومات على دراية بالفوائد المختلفة وأنماط الحياة الجذابة التي تقدمها المدن الذكية مما ينعكس إيجابياً على الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و البيئي لتلك المدن. لا شك في أن إيضاح رؤية المدن الذكية في جعل البيئات الحضرية ناجحة من وجهة نظر الناس والشركات والمجتمعات الذين يستخدمونها و البحث عن سبل و ممارسات لتحقيقها يتطلب جهداً مشتركاً ومتكاملاً للمخططين الإقليميين ومخططي المدن والمهندسين المعماريين وصناع السياسات لتطوير تلك الممارسات لتأخذ في الاعتبار الإمكانيات الجديدة المتاحة للمدن من خلال التكنولوجيا.


المراجع :
-Caragliu, A., Del Bo, C. and Nijkamp, P. “A map of human capital in European cities” Serie Research Memoranda, 2011
-Centre of Regional Science “Smart cities: Ranking of European medium-sized cities”, October, 2007
-Copenhagen Cleantech Cluster “Danish smart Cities: Sustainable Living in an Urban World”, 2012
-DeAngelis, S. F. “Smart Cities, Smart People, Smart Future”, March 6, 2014
-Graham, G. “Too-smart cities? Why these visions of utopia need an urgent reality check” March 13, 2014
-Hill, H. “On the smart city; or, a ‘manifesto’ for smart citizens instead”, February 01, 2013
-Rayner, T. “Smart data: towards a social change enlightenment”, October 31, 2012
-Robinson, R. “How to build a Smarter City: 23 design principles for digital urbanism”, June 17, 2013


مجلة الأدب العلمي العدد العاشر  محطات  

0 comments: