Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

البيئة والحياة ...الصحة والمرض ...الأدب العلمي العدد الأول


أ.د. طالب عمران

لا شك أن وجودنا في البيئة التي نعيش فيها محفوف بالمخاطر من كل جانب فعدا عن عدم العناية بدقة متطلبات الجسم من الغذاء ، إذ نتناول أغلب الأحيان وجبات مريحة سريعة ..فإننا أيضاً لا نقوم بالتمارين الرياضية الكافية .
وأحياناً يبالغ البعض بتناول اللحوم والدهون لدرجة الخطر أيضاً، دون حركة كافية لحرق هذه الشحوم المتراكمة، كما أن الوسط الذي نستنشق فيه الهواء وسط غير نقي.. إضافة إلى أننا معرضون لضغوطات يومية في العمل والتعامل مع الناس بحذر على اختلاف طبائعهم، إضافة لضغوطات المنزل والقلق حول المستقبل، سواء بالنسبة للشخص أو لأولاده ولأحفاده.. عدا عن القلق المالي الذي يعيشه صاحب الدخل المحدود، والمعاناة التي يعانيها الإنسان في عالم بدأ يسحقه بالتدريج..
إن كل الضغوطات عندما تتكاثر على المرء قد تؤدي لمجتمع مريض كما يؤكد علماء النفس، ورغم المحاولات للحد من هذه الضغوطات والتخفيف من أخطارها بواسطة رياضات نفسية خاصة، أبرزها التأمل الباطني، فإن الإنسان اليومي يعيش مرحلة عصابية مخيفة في تاريخه البشري..
قد ينجح الواعي بالدخول في التأمل الباطني لحل مشاكله النفسية، ولكن هذا التأمل لا يكون ناجعاً في حالات العزلة الدائمة عن الأحباب والأقرباء، وربما العزلة التي يجد فيها الإنسان نفسه مجبراً على تجنب المجتمع برمته.. عزلة قد تدفعه أحياناً للجنون، فالإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه أن يعيش وحده مهما كانت الظروف..
تزداد القسوة في معاملة الإنسان لأخيه في هذا العصر الذي طغت فيها سيطرة القوة العظمى على كل شيء.. ورغم أن الإنسان قد اتسعت آفاقه ومداركه وتكوره العلمي، وخرج إلى الفضاء الخارجي يستكشف الكواكب والنجوم.. ووصل إلى أعماق المحيطات يتعرّف عليها، فإن الجانب الأخلاقي فيه، أصبح مهدّداً نماماً..
لقد دخل الاستهتار بالقيم الإنسانية إلى داخل ممارسات الإنسان ورغباته فأصبح كائناً يهتم بمتعه على حساب الآخرين مضحياً بأقرب الناس إليه أحياناً في سبيل مكاسب رخيصة..
وهذا ما يظهر تماماً في قادة القوة العظمى الذين ترى فيهم كل الانهيار الأخلاقي وطغيان الذات على حساب الإنسانية بنزعتها الخيرة.. يترفعون بشموخ باهت وضيع، ويسعون نحو تضخيم الذات، وينفذون أحطّ الخطط دناءة، لإلغاء الآخرين وسحقهم..
وفي الدول الأخرى تمتد النماذج المتسلقة المغرورة لتصل إلى كل مكان في عالمنا المعاصر، هذه النماذج التي تتعامل مع غيرها بوحشية وقسوة واحتقار للقيم، وتظلم وتتجبّر دون مبالاة.. هي التي تؤثر على حركة الإنسان في كل مكان وتقمع مطامحه الإنسانية وأهدافه الخيرة..
ويكبر صمت المظلومين، وتزداد أصوات الثكالى والمفجوعين والمفؤودين والدمار في كل مكان، والخنزير السمين يسلط حقده على الأبرياء فيبيدهم بوحشية منقطعة النظير..
هذه النماذج التي تسيطر على عالمنا المعاصر، وتقتل نأمة الحسّ الإنساني فيه هي التي تهدد الإنسانية جميعها بكل تراثها وذخائرها، بالانقراض وهي صورة سوداء عن مستقبل البشرية القادم..
في عام 1997 حاز ( ارستين كورث) على جائزة نوبل عن اكتشافه أن البريونات تسبب الأمراض، والبريونات جزئيات بروتينية تتكاثر وتنتقل في الجسم بسهولة، وحين تصل الدماغ تخربه وتؤدي بصاحبه للموت.. والبريونات هي المسببة لجنون البقر، الذي ينتقل إلى الإنسان فيسبب له المتاعب ثم الموت.. وقد أكدّ (كورث) في بحث أجراه مؤخراً حول أن عقار (كوينكاكرين) الطبي المعالج للملاريا، يمكنه أن يفيد في حالات جنون البقر، ويعالج الأبقار المصابة، وقد ثبت أنه علاج فعال إلى حد ما في بداية المرض.. كما أن هناك عقار آخر هو (كلوريرومايسين) وهو يستخدم في علاج الانفصام وبعض الأمراض النفسية الأخرى يمكنه أن يعالج الإصابة بالبريونات عند البشر..
لأن (كلوريومايسين) له قدرة على اختراق الحاجز الدموي بشكل سهل.. وكلا العقارين (كويناكرين) و (كلوريرومايسين) يمنعان تحول البروتينات الطبيعية إلى شكل من أشكال البريونات القاتلة في الجسم الحي.. بآلية غير واضحة حتى الآن.. ويؤكد (كورث) : أن ماهو واضح لنا هو أننا قد ننقذ أرواح أشخاص من استخدام هذين العقارين في إيقاف تحول البروتينات إلى بريونات.. إلى حد ما.. خاصة وأن الأمراض التي تسببها البريونات تتزايد باستمرار.. بالطبع يحاول العلم باستمرار تطوير شكل مكافحته للمرض، ولكنه العصر نفسه يسبب أمراضاً جديد، لم تكن معروفة من قبل، بسبب فوضى التلوث واستخدام المواد الكيمياوية إلى حد بعيد، وتخريب المناعة عند الإنسان بآلاف الأنواع من الأدوية التي يتناولها الإنسان في هذا العصر، دون حدّ.. تسبب بعض الحشرات الصغيرة الكثير من الأمراض رغم ضآلة حجومها.. وكلما ازداد الكائن الحي ضآلة كلما ازداد فعله التخريبي أحياناً في العضوية الحية.. فالفيروسات وهي أضأل الكائنات الحية تسبب للإنسان الكثير من الأمراض القاتلة أحياناً، ويليها في الضآلة البكتريا أو الجراثيم، التي كثيراً ما تتطفل على الإنسان وتسبب له المرض وأحياناً الموت..
وأنواع الفيروسات والبكتريا والطفيليات في ازدياد مستمر مع تقدم الكشوف العلمية، وتلجأ بعض الدول المتكورة لخدمة مصالحها الخاصة وتفوقها التقني.. إلى تطوير أنواع من فيروسات وجراثيم المخابر من أجل نشرها كسلاح بيولوجي قاتل.. وهذه الكائنات الضئيلة المستخدمة كسلاح بيولوجي يمكن الإكثار منها بتكاليف بسيطة، لذلك تدعى القنابل الجرثومية بقنابل المتسولين، كناية عن تكلفتها الزهيدة.. والبعوض من الكائنات الصغيرة التي تسبب الكثير من الأمراض، وربما وصل عدد المصابين بالملاريا في بلدان العالم إلى نحو مليار نسمة، ورغم أن علاج الملاريا قد خلّص الإنسان من الموت المحتم غالباً فإن مرض الملاريا مازال يحصد الآلاف سنوياً، ويسببه البعوض الخبيث.. وقد أدخل علماء الطفيليات، عن طريق الهندسة الوراثية، تغييراً على مورثات الغذاء في البعوض، بحيث أصبح النوع الناتج أكثر شرهاً للدماء، وأكثر قدرة على مقاومة المبيدات.. والبعوض الجديد سريع التكاثر، يمكنه أن يسبب الكوارث في الأماكن المزدحمة التي يطلق فيها، وينثر فيها بيوضه، التي لا يتطلب تفقيسها سوى القليل من الرطوبة.. وهذا من النواتج السيئة لاستخدام الهندسة الوراثية في أذية البشر وليس بفائدتهم..


مجلة الأدب العلمي العدد الأول بيئةالمستقبل 

0 comments: