Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

90 بالمئة من لغات العالم مهددة بالانقراض ....الأدب العلمي العدد السابع


محمد مروان مراد

ثمة في عالم اليوم العديد من جماعات الضغط ذات النفوذ تعمل من أجل انقاذ الحيوانات والحيتان وغيرها من الكائنات والنباتات المهددة بالانقراض ولكن من يقف ويدافع عن لغات العالم المهددة بالاندثار ؟
لقد بات مع حلول القرن الجديد حوالي 90 إلى 95 بالمئة من اللغات الموجودة في أيامنا و التي تبلغ حوالي 6000 لغة منقرضة أو على وشك الانقراض إذا استمرت الاتجاهات الحالية . و العجيب أنه لا يوجد هنالك أي وعي يذكر بين عامة الناس لهذا التدهور ، في حين أن ضياع هذه اللغات هو بالنسبة لبعض علماء اللغة بمثابة مأساة على غرار ضياع فصيلة من النباتات أو صنف من الحيوانات .

اللغة أداة صهر المجتمع 

يتفق الباحثون على أن ذكاء الإنسان و تميزه بصورته المثلى في فقه اللغة أي في تلك القابلية الإنسانية على تطوير المقاطع الصوتية التي ينتجها و قدرته على تحويلها إلى كلمات و الكلمات إلى جمل و الجمل إلى خطاب . و يمكن لهذه اللغة أن تحمل الإنسان على تطوير نماذج فذة من أشكال الذكاء الإنساني و تقديم أفضل أساليب الوعي بالمحيط و أدوات التفكير المنطقي و التربية و التعاطف .و تمثل هذه العملية نقل الإنسان من الحياة الفردية أو حياة المجتمعات المنعزلة إلى مختلف أنواع التجمعات الإنسانية كالقبائل و الشعوب والحضارات الكبرى التي تشترك فيها الشعوب كافة . و تعتبر اللغة الأداة الأولى التي يمكن معها نقل الأشياء من حالتها البسيطة مثل بساطة الإلكترون و المقطع الصوتي إلى أعلى درجات التعقيد مثل حالات الخطاب اللغوي و الدماغ الإنساني . و اللغة الإنسانية هي الأداة التي يتم بموجبها صهر التجمعات الإنسانية في تجمعات أخرى أكثر تعقيداً و كسر الفردانية الإنسانية لمصلحة البعد الكوني للوجود الإنساني 

بدايات اللغة 

و لكن كيف تعلم الإنسان الكلام ؟ و لماذا انفرد عن سائر المخلوقات بهذه المهارة ؟ نحن نستعمل في حياتنا اليومية حوالي 10 آلاف كلمة و 400 فعل في المتوسط بمساعدة تراكيب النحو ، و بذلك يمكن للإنسان البالغ أن يكون 4,6 مليارات جملة كل واحدة مكونة من خمس كلمات ، و يوضح عالم اللغويات الأمريكي ( ستيفن بنكر)  أن الإنسان يحتاج إلى خمس ثوان لا غير لتكوين جملة ، و هذه العملية البسيطة احتاجت إلى مليون سنة من التطور و ذلك لأن عملية نقل المعلومات بحاجة إلى وسيط اللغة ، و هي عملية غير محددة حيث يمكن للإنسان أن يخرج الموجات الصوتية المنظمة من تجويف في أسفل المخ و يستخدم منذ ولادته حتى نضوجه 50 مليون كلمة تقول (أنجيلا ريكي) أستاذ بحوث اللغة بجامعة ليبزج الألمانية : إن اللغة هي أداة الوعي لدى الإنسان كما أنها أداة مهمة للذكاء فهي التي جعلت الإنسان إنساناً و بدون الكلام لا يستطيع أحد أن يفهم الأفكار الصامتة في المخ حول العالم . و لا يحاول العلماء تتبع الخرافات عند البحث عن أصل اللغة بداية من الرموز البدائية إلى طلاقة مجتمع باريس عام 1866 م و قد قطع العلماء أشواطاً في هذا المجال و من أهم النتائج التي توصلوا إليها :
-1 عثر علماء الانتربولوجيا على عظام  الإنسان القديم لبحث ثورة جهاز الصوت و تطوره لدى الإنسان .
-2 يسعى علماء أبحاث المخ لتصوير المخ الإنساني و معرفة الخلايا العصبية المسؤولة عن اللغة في المخ ، أما علماء الحساب الآلي فقد قاموا بتطوير جهاز جديد يستطيع أن يتكلم و يحاور ، كذلك نجح علماء البيولوجيا في الوصول إلى الأصل الجيني للكلام عند الإنسان و حددوا بداية لنشأة اللغة منذ 200 ألف سنة . و يتساءل العلماء لماذا يستطيع الإنسان وحده أن يمتلك مهارة الكلام من دون سائر الحيوانات كالقردة مثلاً ؟ يجيب عالم اللغويات ( دريك بيكرتون ) يعود السبب إلى أسباب تشريحية إذ إن تغيرات جذرية في بناء جسم الإنسان جعلته أكثر ليناً و رخاوة ، و يرى باحث الأعصاب (روبرت برتين ) أن الإنسان يستطيع أن يمشي على رجلين و هذا الوضع المنتصب يساعد في استنشاق الهواء الكافي للكلام ، و لاحظ أن الحيوان الذي يدبُّ على أربعة يتنفس في كل خطوة أثناء المشي ، أما الإنسان فيمكنه أن يسير عدة خطوات ثم يستنشق نفساً ، و هذا هو مفتاح تطور اللغة عند الإنسان و أطلق عليها نظرية : المشي والكلام ، كذلك يلاحظ أن هيكل رأس الإنسان مختلف عن رأس القرد إذ يوجد في حلق الإنسان تجويف يساعد على صدى الصوت ، و هذه الاختلافات لدى الإنسان استغرقت تطوراً على مدى 1,8 مليون سنة بداية من الإنسان القديم الذي امتلك قدرات عقلية ، فكان أول من استخدم قبضة اليد و أول من فهم الأمور المعنوية ، و بالتالي كانت هذه المرحلة بداية لنشأة اللغة و منذ حوالي 150 ألف سنة ظهر الإنسان الحالي بجهاز حديث للكلام فانتشر في إفريقيا منذ 50 ألف سنة و صنع أدوات من العظام والخشب و رسم على جدران الكهوف ، و تعبّر الرسوم عن أفكار لدى الإنسان يحاول التعبير عنها مما يعني أنه كان هناك تبادل للكلام بين أفراد جنس ذلك العصر .

اللغات إنجاز انساني هائل 

تعتبر اللغات موزعة بصفة غير متوازية في أنحاء العالم إذ إن هناك 900 لغة في الأمريكيتين و 275 في أوروبا و الشرق الأوسط و 1900 في إفريقيا و 3000 لغة في كل أنحاء آسيا و منطقة المحيط الهادئ و العديد من هذه اللغات يتكلمها عدة آلاف فقط من الناس إذ هناك 8 ملايين شخص يتكلمون 1400 لغة في جزر المحيط الهادئ و غينيا الجديدة . و تختلف بعض هذه اللغات الواحدة عن الأخرى كاختلاف الفرنسية عن اليابانية ، و لكن تمثل أي لغة مهما قل عدد الناس الذين يتكلمونها إنجازاً إنسانياً هائلاً إذ تمثل تطوراً ثقافياً و حضارياً طويلاً و تحتوي على ما يمكن أن يكون طرقاً فريدة في النظر إلى الفضاء و الوقت و تعريفهما و على التجربة الإنسانية المشتركة للعيش على الأرض .

لغات بالمئات إلى الاندثار 

كانت اللغات تظهر و تختفي مع فرص تطور الإنسانية ، غير أنه كانت توجد دائماً لغات ذات تنوع و تمايز غني ، أما الآن فتختفي هذه التنوعات بمعدل متهور جداً ، رغم افتقار علماء التاريخ البشري لبيانات جديدة حول معدل هذا الضياع فمن المحتمل أن توجد بين 20 و 50 في المئة من لغات العصر الحالي لا يجري تعليمها للأطفال ، و يتضمن هذا العدد 149 من أصل 187 من اللغات الأصلية متداولة في أمريكا الشمالية ، و يمكن اعتبار 5 إلى 10 في المئة من اللغات الموجودة ( 6000 لغة ) " في أمان " و تعتبر هذه اللغات الوطنية أو تلك التي تتكلمها مجموعة كبيرة من الناس . و يرجع العلماء ضياع اللغات إلى بعض نفس التأثيرات التي نتج عنها ضياع الأصناف ألا وهي تدمير البيئة والتلوث و التقدم العام للحضارة الصناعية ، إذ تستطيع هذه الأشياء نشر الفوضى في المجتمعات الإنسانية الصغيرة و تمزيقها بالضبط كما تفعل للنباتات و الحيوانات ، كما تساهم التجارة و الاتصالات الدولية في ازدياد هيمنة بعض اللغات على حساب الأخرى .

محاولات لإحياء اللغات 

يقول " مايكل كلاوس " مدير مركز لغة ألاسكا الأصلية في جامعة ( فيربا نكس ) : كلما  سمحنا لإحدى اللغات بالاندثار فقدنا عناصر التنوع الثقافي و الحضاري ولا نملك أي حق في اتخاذ مثل هذا القرار صوناً لأجيالنا القادمة . و تفيد الدكتورة ( لياني هنتون ) زميلة كلاوس من جامعة كاليفورنيا ، أنه من الصعب جداً إحياء لغة محتضرة إذ من السهل على الجيل الشاب أن يتبنى اللغة المهيمنة و ترك لغة تراثهم تزول و تندثر ، غير أن بعض هؤلاء الشباب بدأوا يصحون على ما هم على وشك فقدانه . و تشرف الدكتورة ( هنتون) على برنامج يضع فيه الشباب أنفسهم كتلامذة لأقربائهم الأكبر سناً و لا يزالون يتحدثون لغة أجدادهم، و ملازمتهم بهذه الطريقة تنتقل اللغة التي تتحدث بها فئة قليلة من الناس إلى الجيل الجديد من الشباب و المأمول أن يساعد هذا البرنامج على وضع الأسس لإحياء اللغة و إنعاشها . و تعترف الدكتورة هنتون أن هذا البرنامج ما هو إلا هجوم محدود على تحد هائل ، و ما يلزم بالفعل هو جهود دولية لوقف الضياع السريع للغات المتنوعة ، و أول خطوة في ذلك الاتجاه على حد قول كلاوس هو : تضافر جهود اللغويين و ضمها إلى جهود مجموع العلماء المهتمين بإنقاذ ما تبقى من تنوع النبات و الأحياء على الكرة الأرضية . و أرى مناسباً قبيل اختتام البحث أن أعرض مجموعة من الحقائق الطريفة عن لغات العالم:

اللغات البشرية الأولى 

- في عام 1799 م اكتشف جنود الحملة الفرنسية على مصر حجر رشيد و عليه رموز الهيروغليفية لغة قدماء المصريين العائدة إلى آلاف عدة قبل الميلاد ، و تمكن العالم الفرنسي «جان شمبليون » من فك تلك الرموز .
- في شهر كانون الأول 1966 م عثر في " تارتاريا "على نهر موروس برومانيا على لفائف من حضارة الدانوب في العصر النيوليتيكي (الألف الرابع أو الخامس قبل الميلاد ) ... هذه اللفافات تحمل رموزاً لأقواس و سهام و أمشاط ..
- و في 1970 أعلن عن اكتشاف لفائف تحمل أشكالاً لما يمكن أن يسمى لغة " الايلاميت " ترجع إلى 3500 سنة قبل الميلاد في جنوبي إيران .

أطول اللغات عمراً 

اللغة التي استخدمت أطول مدة متصلة في التاريخ هي اللغة الصينية ، إذ إنها عاشت من 1400 ق.م . و ما زال أكثر من 2000 رسم أو شكل في هذه اللغة يستخدم أو يمكن قراءته حتى الآن .

أكثر اللغات شيوعاً 

اللغة التي يتكلم بها أكثر عدد من الناس هي اللغة المستخدمة في شمال الصين و المسماة «ماندارين »... إذ يتكلم بها حوالي 68 في المئة من سكان الصين أي أكثر من نصف مليار نسمة، ومع ذلك فيطلق لفظ اللغة القومية على لغة أخرى هي لغة «جويو » و هي لغة مستحدثة التي يسود الحديث بها في بكين العاصمة ، و قد وضعت لهذه اللغة حروف أبجدية تتألف من 39 حرفاً عام 1918 .
- و في عام 1958 طرح مشروع كتابة اللغة الصينية بحروف أبجدية لاتينية غير أنه لم ينفذ . و ثاني لغة من ناحية الانتشار و عدد المتكلمين بها هي اللغة الإنكليزية وقدّر عدد من يتحدث بها عام 1972 ب 340 مليون نسمة و يتكلم ويتكلم بها 10 في المئة أو أكثر في 29 دولة من دول العالم، ويبلغ عدد اللغات واللهجات التي يتحدث بها الناس اليوم حوالي 6000 منها 845 في الهند وحدها .

مجلة الأدب العلمي  العدد السابع محطات

0 comments: