Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

تأثير الإعلام في ثقافة الشخصية ....دوائر الإبداع العدد السادس


عبد العزيز الخضراء

يؤدي الإعلام دوراً مؤئراً في حياة الشعوب فهو يساهم بتنمية الثقافة الشخصية ومن ناحية أخرى يؤدي دوراً محرضاً لتجاوز الأزمات والآفات الاجتماعية الخطيرة وصولاً إلى بدائل جديدة تتناسب وآفاق التطور والنمو.
و لم يقتصر الإعلام في القرن الماضي على التأثر في حياة الملاين فحسب، بل تعدّى تأثره ليعيد تشكيل مفاهيمهم عن العالم والعلاقات الإنسانية ومواقفهم الحياتية. ويعود ذلك إلى تعدّد وتنوّع وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي.(فالإعلام الجماهيري( يُشكّل أقوى أنواع الاتصال الذي شهدته البشرية، من خلال التلفزة والإذاعة والمطبوعات والإنترنت، ويستحق منّا التوقف لدراسة آثاره في بناء شخصية الأجيال القادمة. وهو وسيلة للتواصل ونقل الأخبار والمعلومات والثقافة والفنون بن الناس.
ومع تطوّرِ وسائل الإعلام من صحف ومطبوعات ومذياع وتلفاز وإنترنت وحتى هاتف نقال. يكون المُستخدم في أغلب الأوقات، متلقياً للكم الهائل من المعلومات الحسية والبصرية والسمعية والتخيلية التي تدخل إلى ذهنه دون وعيه. فأصبح الإعلام بمثابة ذلك الشخص الوهمي الذي يخاطبنا )بل ويأمرنا( في شتى المواضيع )العامة والخاصة( بينما ننصت إليه باهتمام شديد. حيث باتت وسائل الإعلام قادرة على اختراق خصوصية الأفراد والوصول إليهم حيثما كانوا ومهما تباينت أعمارهم وثقافاتهم.
ولعل أبرز ما يميز الفترة الحالية، ذلك التطور الهائل في أنظمة الاتصال الجماهيرية-السلكية واللاسلكية- حتى غدا العالم كأنه قريةٌ واحدةٌ، انعدم فيها عاملُ الزمن، ، فعبرَ برهةٍ من الزمن تُنقلُ المعلومة والصورة حيَّتين من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وتُخزن المعلومات الكثيرةُ وتُستدعى في لحظات.
وقد أفرز هذا الوضعُ التقنيُ الحديثُ حاجة عند جماهير الناس تدفعهم نحو الاستمتاع بهذه الأنظمة، والاستفادة من خدماتها، في الوقت الذي استغلت فيه شركات الإعلام، والقوى الرأسمالية العالمية هذه الوسائل التقنية المتنوعة بكفاءة عالية، لتبث من خلالها ما يحققُ أهدافها الاستعمارية، وغاياتها التسلطية على شعوب العالم المستضعفة، من خلال الكلمة المكتوبة، والفكرة المسموعة، والصورة المنقولة. ورغم ما تحملُهُ هذه الوسائلُ الإعلاميةُ المعاصرة - ولاسيما المرئية منها من إيجابيات ثقافية، فإنها إلى جانب ذلك تحمل معها كمّاً هائلاً من مظاهر الانحرافات ، التي تُعدُّ جزءاً أصيلاً من مكونات الرسالة الإعلامية المعاصرة، مما يهدد الأمة في أصولها الكبرى، ومُثلها العُليا، ومبادئها التي تعتز بها.
وبظهور الفضائيات وشبكات الإنترنت، وتوافرها بسهولة ورخص ثمنها للمستهلكين زاد خطرُ الهجمةِ الإعلامية من حيث صعوبة الانتقاء الإيجابي من جهة، واستحالة الانعزالِ السَّلبي من جهة أخرى، فأصبح تأثرُ هذه الوسائل يصل إلى كلِّ متلقٍ أيّاً كان موقعُهُ من العالم، وأيّاً كانت ثقافته ومعرفته، يطَّلعُ الناسُ جميعاً كباراً وصغاراً، وذكوراً وإناثاً، ومتعلمين وأميين - دون استثناء على كل ما يُذاع ويُشاهد فلم تعد الحدود الدوليةُ، والحجُب الاجتماعية، والعاداتُ المرعيَّةُ تحولُ دون بلوغ الرسالة الإعلامية مداها الإنساني، لتصب مضامينها الثقافية والفكريةَ في المستقبلين، وتُسهمَ بالأسلوبين -المباشر وغير المباشر- في تكوين الشخصية الإنسانية العالمية، التي يجتمع في فكرها وسلوكها ما تشتت بن الثقافات، وينصهرُ في ذاتِها ما تفرَّقَ بن الشعوب والجماعات. يُصنف "الدكتور إبراهيم أبو عرقوب " في كتابه "دور الإعلام في التنشئة الأسرية " أنواع الاتصال الإنساني بشكل عام إلى نوعين هما:
الاتصال اللفظي وهو المنطوق والمكتوب؛ والاتصال غر اللفظي، ويشمل لغة الإشارة ولغة أعضاء الجسم. ويؤدي الإعلام-  بما يحويه من زخم معلوماتي وتقنية متقدمة في التواصل اللفظي وغير اللفظي- دوراً هاماً في التأثير على النفسية والمفاهيم الشخصية . ونحن )وحتى أطفالنا( في هذا اليوم، نقوم بالعديد من التصرُفات، ونتفوه بكثير من الكلمات مما تعرضه وسائل الإعلام المختلفة. كما أن أذواقنا واختياراتنا الشخصية وقراراتنا الشرائية والمصيرية أصبحت متأثرة إلى حد كبير بما تمليه علينا الإعلانات، والبرامج والمسلسلات والأفلام.. الخ.
وإن وافقنا على أن الإعلام الجماهيري هو نافذتنا على العالم. فهو يعرفنا على الثقافات الأخرى ويزيد من درايتنا بما يدور حولنا في أنحاء العالم، فهذا هو الدور الإيجابي للإعلام، ولكننا لن نستطيع أن ننكر أن وسائل الإعلام نفسها تقدم السلبي أيضاً لنا ولأولادنا فقد حازَ الشَّباب على النصيب الأكبر من التأثير السَّلبي للإعلام المعاصر، سواء كان عن طريق الإعلام العالمي المُسيطر،أو الإعام المحلي المُقلِّد.

تأثير الإعلام في بناء شخصية الجيل الجديد :
ومن الأهمية بمكان التركيز على تأثير الإعلام في بناء شخصية الجيل الجديد (من أطفال ومراهقين وشباب(، فالرسائل الواضحة والمقنعة التي تبثها مختلف وسائل الإعلام، تخاطب كل شخص بما يحبه ويجذبه، وتستميل قلبه وعقله وحواسه وميوله نحو ما يرى ويسمع.
كما أنها توفر النموذج والتوجيه  Guidanceفي صياغة مفاهيم ومعتقدات وطرق تفكير الأطفال والمراهقين والشباب نحو ثقافة عالمية لا تنتمي في الأصل إلى أي بقعة في العالم، وإنما هي من ابتكار الإنسان .
وتقول الصحفية "أمان السائح " من جريدة الدستور الأردنية : "الإعلام طوفان قد يجلب السيئ والجيد، لكن الخطورة تكمن في التعاطي مع الثقافات الدينية والسياسية والاجتماعية المختلفة التي أصبحت غريبة كل الغرابة عنّا، حيث باتت الكثير من الفضائيات ومواقع الإنترنت التي قد تكون مرتعاً للانحراف غر المقبول والإدمان غير المقصود، تُركّز على قلب المفاهيم الوطنية وتشويه الدين الإسلامي والثقافة المجتمعية القائمة على التكاتف الأسري والعادات المبنية على الوئام والتماسك وحب الأسرة والانتماء. كما نلمس سيطرة تلك الوسائل الإعلامية في بث مشاهد العنف والأفكار الغريبة مما نشهده ونراه من مخلوقات غريبة، ومصاصي دماء وأشباح ونفسيات مختلة )كالسفاحين والقتلة المتسلسلين(، أو استخدام بعض الحركات البهلوانية الخطرة أو الشتائم أو حتى الحركات اللاأخلاقية التي تمس الدين والعادات والثقافات العربية التي علينا التمسك بها لمواجهة ذلك الكم من التداخل الإعلامي القوي الذي بات جزءاً من حياتنا شئنا أم أبينا. لكن الأهم هو اجتثاث هذه المفاهيم من عقول أبنائنا والجيل الجديد الذي أصبح يواجه بحملة إعلامية تسرق منه الطفولة والهدوء والعزة والرجولة والأنوثة، لتدفع بأبنائنا إلى حالات تخالف فطرتهم وطبيعتهم ومجتمعهم."
ساهمت التكنولوجيا في جعل الإعلام متوفراً في أي وقت وحسب الرغبة، ما أدى إلى الابتعاد المتزايد للشباب والمراهقين عن القراءة وتغيّر اللغة المتداولة بينهم، وضعف مهارات التواصل لديهم، والميل إلى العزلة بعيداً عن التفاعل مع الأسرة والمجتمع. كما أن سهولة وجاذبية وسائل الإعلام الموجودة تعود الفرد على الكسل، وقلة الرغبة في القراءة سواء باللغة العربية أو بأية لغة أخرى. وبما أن نتيجة استخدام الإعلام ذي التقنية المتطورة هي الشعور بالراحة والاسترخاء، فإن الفرد حتماً سيكرر ممارسة متابعة التلفاز أو الاستماع للمذياع أو استخدام الإنترنت، ما قد يؤدي إلى حالة من الإدمان.

ما يجب على الأهل التنبه له :
فيما يلي أهم الأمور التي يجب على الأهل التنبُه إليها فلا يحرمون أولادهم من وسائل الإعلام ولا يهملوهم كذلك ويتركونهم بلا مراقبة، لما لذلك من تأثير مباشر على بناء شخصية وهوية أولادنا، وتحديد مسارهم وإنجازاتهم في المستقبل:
1 -الإعلام العنيف: أثبتت الدراسات العالمية أن مشاهدة العنف )الكلامي والعقلي والمعنوي والجسدي( يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة مظاهر العنف بين الأطفال والمراهقين والشباب، كالسب والشتائم والتفكير السلبي غير المتوازن والضرب والتخريب وإيذاء النفس والغير. فيتعلم الأطفال والشباب الخوف من العالم، وقلة التحمُل، والغضب الفوري السريع، وقلة المبالاة أو التأثر بمشاهدة العنف في الواقع. وهنا يجب على الأهل وقف تعريض أبنائهم لمشاهد العنف، وتعليمهم الفرق الواضح بين الطبيعي وغير الطبيعي وغرس عادات التعاطي السليم مع وسائل الإعلام، وتعليمهم التعبير عن النفس والتحكّم بالأعصاب.
 -2 الاستغلال الإعلامي للجنس: تسعى الإعلانات والأفلام والبرامج والفيديو كليب إلى استغلال جسد المرأة والرجل لترويج التحرر والجنس المبكر وتطبيع إقامة علاقات جنسية عابرة، مما يُربك الأطفال والمراهقين ويُشعرهم بسهولة القيام بذلك. كما يواجه الأطفال يومياً )في البيت أو على طريقهم من وإلى المدرسة( العديد من الرسالات الخفية التي تدعوهم لشراء بعض السلع )كالدمى والملابس والألعاب والدخان(. فمعظم الشركات العالمية تُعيّن خبراء مختصين لذلك. وهذا ما يسبب شعوراً دائماً لدى الأطفال بعدم الرضا والتطلّب إلى حد غير قابل للإشباع. على الأهل مراقبة ما يراه أبناؤهم، وملاحظة التغييرات في سلوكياتهم، ومحاولة إظهار مواطن القوة والضعف والخداع في الإعلانات التجارية والبرامج المتنوعة.
-3 انطباع المرء عن ذاته( Self- Image)إن الأثر العميق للإعلام في إرباك المفاهيم والمعتقدات الثقافية للمراهقين (المتركزة حول السلبية، والنشاط الجنسي، والعنف، والانعزالية، وقلة الثقة بالنفس وبالغير( يتسبب في تغيرات سلبية في تصرفاتهم وسلوكياتهم، مثل اضطرابات الأكل(كالأنوركسيا والبوليميا( والاكتئاب والتعذيب الجسدي الذاتي. يجب على الأهل معرفة الآثار النفسية التي تتركها البرامج على نفسيات أطفالهم، ومشاركتهم في مشاهدة البرامج وتعليمهم النقد البنّاء لما يرونه من خلال الحوار الشفاف الإيجابي بين الوالدين و الطفل .
-4 الوقاحة والفظاظة: من نتائج مشاهدة مظاهر العنف والفظاظة، هي العدوانية المتزايدة وضعف القدرة على مراعاة الآخرين، والتلفّظ بالبذاءات علناً، إذ يعتقد أن الإعلام الجماهيري )كالتلفاز والألعاب الإلكترونية والإنترنت( ساهم في تشكيل هذه السلوكيات عند الشباب لأنها تظهرها على أنها طبيعية. وعلى الأهل السعي المثابر وراء تعديل سلوكيات أطفالهم، إذا ما لاحظوا تغيّراً فيها. وقد يتطلب ذلك أن توقفهم من مشاهدة ذلك البرنامج الذي يسبب لهم الأذى وشرح مضاره لهم، وتوفير البدائل الجيدة.
5-ضعف الأداء المدرسي: أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين ينشؤون على متابعة التلفاز لمدة تتعدى الساعتين يومياً )بعد عمر السنتين( يُظهرون ضعفاً أكاديمياً حادّاً ويكون تحصيلهم الدراسي سيئاً مقارنة مع الأطفال الذين يمرنون تفكيرهم ومواهبهم في ذلك الوقت. على الأهل أن يحددوا الوقت المسموح لمشاهدة التلفاز أو استخدام الإنترنت أو غيرها، كما يجب أن يتمَّ اختيار النوعية المناسبة لعمر الطفل وإدراكه.
6 -الكسل والاستسلام: يسبب الإكثار في متابعة التلفاز أو استخدام الإنترنت أضراراً جسدية ونفسية عند الأطفال، حيث يقلل من قدرتهم على الإبداع، والتخيّل، ويُضعف من قدرتهم على الإبداع، والتخيّل، ويُضعف نشاطهم الحركي، ويتسبّب في العديد من حالات السمنة المبكرة عند الأطفال. كما ينعكس سلبياً على نفسية الطفل، فتتدنى درجاته في المدرسة، ويفقد مهارات حلِّ المشاكل وتحمّل الضغط النفسي، ويميل أكثر إلى العدوانية والانعزالية. يجب على الأهل تحديد مدة المشاهدة لأبنائهم ونوع البرامج التي يتابعونها، وتعليمهم كيفية الموازنة بين مشاهدة التلفاز وغيرها من النشاطات الرياضية وممارسة الهوايات.

مجلة دوائر الإبداع العدد السادس  دراسات

0 comments: