Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

قصبة نفخ الخيال العلمي (3) ....الأدب العلمي العدد الثاني والثلاثون


القصة الثالثة أتمنى أن تتحقق أمنيتي

بيل برونزيني
ترجمة سوسن قاسم عزام

جلس على عرشه الصغير المصنوع من الأخشاب الطافية بجانب الأحجار الرمادية الضخمة قرب البحر، كانت عيناه تراقبان أمواج الزبد الغاضبة التي ترشق نفسها المرة تلو الأخرى فوق محفة البياض العاري للشاطئ، وأذناه تستمعان إلى صرخات النوارس اللانهائية فوق رأسه الممزوجة بالمرثاة الطنّانة لرياح تشرين الباردة ، كانت الرّمال الفضية من تحته مكاناً رحباً يرسم فوقها أشكالاً لا معنى لها بإصبع قدمه المتدلي من صندله ليقوم باطن قدمه بإزالتها وهكذا دواليك .
كان فتى أشقر في الرابعة عشرة من العمر، شاحب الوجه بشعره المقصوص جيداً وعينيه اللتين أخذتا لون وردة الذرة بزرقتها الباهتة، أما لباسه فقد كان عبارة عن سروال قصير خفيف وسترة رمادية مصنوعة من الجوخ بأقدام عارية منزلقة في صندل ، لتؤلف هذه العناصر بكليتها صبياً اسمه "دافيد لانيين".
توجهت عيناه نحو السماء الرصاصية التي ظللت عينيه والبرد من حوله يقضم حرارة يديه، ويتركها وحيدة لزرقتها وخدرها، أدار رأسه ببطء ساحباً بعينيه الوجه المتآكل للجرف المنحدر مع عشب البرك الذي يبدو كالبقع فوق الكسارة الصخرية من خلفه ،أطلق تنهيدة طويلة وعاد ليُدير رأسه ثانية من أجل النظر إلى الأمواج التي كانت تقوم بتمشيط الشاطئ بأمواجها جيئة وذهاباً حتى قرر أن يقف ويمشي ببطء على طول الشاطئ ويداه مازالتا غائرتين عميقاً في جيوبه داخل سترة الجوخ خاصته ، والرياح تلف نفسها في دوامات وترشّ على جسده حبّات الرمل الصغيرة مع زخات مالحة باردة ورطبة تلتهم كل جزء من جسده .
اتخذت جولته شكلاً منحنياً على الشّاطئ ،واستطاع أن يرى آثار الشّمس على الجزء العُلوي من اللّحاء المكشوف لقطعة خشبية كبيرة مدفونة حتى نصفها في الرمال بعيدة بحوالي عشرين ياردة عن حافة البحر ، لمح شيئاً ما بجانبها ملقى على الرمال الرطبة لونه أخضر ولامع لم يلحظه من قبل بالرغم من مروره بنفس المكان ،فقد كانت عبارة عن قارورة عرفها مباشرة وكانت مستلقية على جنبها ، و نصف عنقها مدفون في الرمل ، وتبدو آثارها حديثة، و لابد من أن المدّ قد حملها إلى هذا المكان ، لها شكل غريب و أملس ومصنوعة من الزّجاج الأخضر الظّليل المائل للزرقة كلون البحر تماماً ، لم تكن عليها أية علامة أو ملصق من أيّ نوع و يمكن الاستنتاج بسهولة من شكلها مدى هشاشتها وقدم طرازها.
انحنى "دافيد" بجانبها وحملها بكلتا يديه وبدأ بتنظيفها من الأجزاء العالقة على عنقها الأسطواني ، وقد لاحظ وجود ختم شمعي قرمزيّ موضوع بسخاء على السّدادة التّي تحرس الزجاجة جيداً و ممهور بشعار مُطلسم قديم جداً ، واستطاع "دافيد" بمهارة إزالة الشمع ليكشف اللّون الدّاكن للسّدادة، بعد أنْ حلّ وثاقها قليلاً بدأت القارورة بالاهتزاز قليلاً ثم صدر عنها صوت قوي مثل الذي تحدثه صوت زجاجة الشمبانيا عندما تنطلق سدادتها في الاحتفالات ليلمع بعد ذلك بأقل من ثانية أمامه وميضاً فوسفورياً غريباً قرمزي اللون، صرخ "دافيد" وهو يسقط على الرمل من هول صدمته ، فقد فرّت القارورة من بين يديه ، وانتفضت عيناه بسرعة وسمع دويّاً عالياً لصوت ضحكة ممتزجة مع الريح والأمواج المتكسّرة على الشاطئ التي كانت تحمل صدى الصوت على أكتافها هنا وهناك لكنه لم يستطع رؤية أيّ شيء ، ابتعدت القارورة عنه عدة أقدام لكنه لم ير إلا الأخشاب والشاطئ و البحر ولا شيء سوى أصداء ضحكة جوفاء لم تتوقف وما زال يسمعها في كل الأرجاء، اندفع "دافيد" وجلاً وهو يحاول تحديد مكامن الخوف بداخله مع كل ذلك الرعب الذي يختلجه فقد أراد الركض وحاول أن يجعل جسمه يقوم بذلك .... لكنه توقف صوت الضحك فجأة وسمع صوتاً أكثر حدة يهاجم أذنيه... صوتاً من اللامكان... أشبه بالضحكة لكن من غير الممكن تمييز من يتحدث به رجل ام امرأة لقد كان صوتاً ثابتاً محايداً وقد قال له :
- "ما أريده يحصل وما أرغب به يتحقق!"
- "ماذا؟" سأله ديفيد بعينين تبحثان عن مصدر الصوت لكن بدون جدوى.
- "أين أنت؟"
- "أنا هنا" قال له الصوت "أنا هنا حيث الرياح تحملني".
- "أين؟ ولماذا لا أستطيع رؤيتك؟".
- "لا أحد باستطاعته رؤيتي فأنا ملك الجن وحاكمهم، وقد أرسلني الساحر الأرضي "عمروج" لأقضي حياتي الأبدية بداخل تلك القارورة " وأكمل وهو يضحك وتابع قائلاً:" لقد أمضيت ألف عام لوحدي تماماً، ألفية كاملة وأنا مرمي في القاع البارد والمظلم للمحيط محبوساً بداخله هناك ... لكنني الآن أنا حرّ لأنك من أطلق سراحي وكنت على دراية بأنك سوف تقوم بذلك لأني أعرف كل تلك الأمور لذلك ستتم مكافأتك وسيتم منحك ثلاث أمنيات حسبما جرت عليه العادة ....لأنه سيتم تحقيق أحلامك....
هذه هي الكلمات التي ستكون مفتاح أحلامك الأكثر ولعاً بالنسبة لك ... تستطيع قولها والبوح بها في أي مكان وفي أي زمان وأنا سوف أسمعها وأحققها لك "
- "أية ثلاث رغبات ؟" وهنا حاول دايفيد ترطيب فمه الجاف حتى تستطيع كلماته التحرك بسهولة.
- "أية ثلاث؟" أجابه الصوت " بدون أي شروط أو حدود ،لأنني ملك الجان وحاكمهم، وسيد كل القوى لأن ما أريده يحصل وما أرغب به يتحقق ، شبيك لبيك! هل تعرف هذه الكلمات ؟"
- "نعم ، نعم أعرفها".
- وبدأت الضحكات تقول: "أيها الساحر المعتوه ، لقد انتقمت ! اذهب الآن ، اذهب!"
وبعدها امتلاً الفراغ بالصوت والزمجرة ،و قد آلم كل ذلك الضغط أذنيْ "دافيد" لدرجة جعلته يصيح من شدة الألم ، لكن بعد ذلك اختفى الصوت و لم يعد يسمع شيئاً إلا صوت الموج والريح والطيور التي كانت تطير قريباً جداً من صفحة الماء من تحتها... استطاع أن يلملم شتات نفسه بعد أن توقف لبرهة قد تكون أتمت دقيقتها الأولى ليبدأ ركضه الماراتوني بعدها ، كان يركض بسرعة شديدة بعيداً عن القطعة الخشبية المدفونة جزئياً في الرمال، وبعيداً عن القارورة الملساء الخضراء الفارغة بسرعة كبيرة لدرجة أن كلاً من صندليه قد ظهرا وكأنهما يطيران في الهواء فوق الرمال لا يتركان فوقه إلا آثارهما اليتيمة دون أي شيء آخر.
لقد كان خط هروبه يجبره على محاذاة خط الشاطئ حتى استطاع الوصول إلى بيته أبيض اللون ... ذهبي الدفء فاندفع من جهة نوافذه الأمامية بعد أن تركت قدماه حدود الرمال ، وبدأت بالإحساس بالأرض الصلبة من تحتها، حيث تعطيه المزيد من مساحتها حتى يتقدم ويصل إلى مقصده ... تماماً نحو ذلك البيت ، على الصخور أمامه . حيث لاح أخيراً الدرج الخشبي المرتفع نحو الأعلى، وما إن اقترب نحوه حتى ظهرت له امرأة تركض هي الأخرى نحوه بمجرد أنها شاهدته ، وطوّقته بكلتا ذراعيها ،وحضنته بشدة نحو صدرها... و قالت له :
- "دايفيد أين كنت ؟ لقد ارتعبت وقلقت عليك كثيراً !".
-"عند الشاطئ ، عند الصخور الكبيرة " أجابها بعد أن امتلأت رئتاه المتعبتان بالهواء المالح بداخلهما .
-"أنت تعلم أنه من غير المسموح لك بالذهاب إلى هناك، "وتابعت وهي تحتضنه" انظر إلى طريقة ملبسك ،يجب عليك ألاّ تقوم بذلك ثانية أبداً ".
-"لقد وجدت قارورة " قال لها دايفيد " وكان يوجد جني بداخلها ، وكان يضحك ويضحك، وبعدها أعطاني ثلاث أمنيات وقال لي إنه كل ما يتوجب عليّ فعله هو أن أتمنى، وهو سيقوم بتحقيق أمنياتي الثلاث... ليعاود الضحك ثانية، وقال لي شيئاً آخر لم أفهمه وبعد ذلك غادر المكان وبدأت أذناي تؤلمانني"
"يا لها من قصة دايفيد ! من أين أحضرتها؟" .
- قال لها :" لدي ثلاث أمنيات ، أستطيع أن أتمنى أي شيء وسوف يتحقق فوراً ، هكذا قال لي الجني".
-"دايفيد ،دايفيد، دايفيد!".
-"سوف أتمنى مليون - تريليون قرناً من الآيس كريم ، وسأتمنى أن يصبح المحيط دافئاً دوماً مثل المياه التي أستحم بها حتى أستطيع الخوض فيه متى أردت ذلك، وسأتمنى أن يصبح جميع الأولاد والبنات في العالم مثلي تماماً حتى لا أبقى وحدي ولا أجد أحداً ألعب معه".
وعندها قامت الأم بكل حنان وأمان بأخذ يد طفلها المتخلّف عقلياً وهي تقول له:
" تعال معي يا حبيبي، تعال معي " وقال لها:
"أتمنى أن تتحقق أمنياتي فما أريده يحصل وما أريده يتحقق ".

0 comments: