Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

الألعاب النارية متعة النظر بتكلفة عالية ....الأدب العلمي العدد الثلاثون


إعداد نبيل تللو
باحث سوري

يلفت نظري عند انتهاء العد التنازلي لتوديع كل عام ميلادي وبدء عام جديد ، هو انًّ معظم سماوات مدن العالم الكبرى ، مثل سيدني ودبي وباريس ولندن و روما وموسكو ونيويورك وكيب تاون وريو دي جانيرو ، تدوي بأصوات كالرعد ، وتضاء بعروض الألعاب النارية الوداعية والاستقبالية ، التي عادة ما ترافقها مقطوعات موسيقية عالمية ، والتي تشكل لوحات فنية مبهرة وأخّاذة ،وتتنافس خلالها هذه المدن على إبهار  ملايين الناس الذين يحتشدون في ساحاتها الكبرى لمشاهدتها مباشرة ...
أو يتجمَّعون حول شاشات التلفزة لرؤيتها عبر البث الفضائي المباشر، وهم يستعدُّون لاستقبال عامٍ قادم يأمل الجميع أن يكون أفضل من سابقه على الصعد كافة، من الازدهار والرخاء إلى الأمن والأمان، ومن رغد العيش الكريم والتمتُّع بالصحة المثالية، إلى كنف الألفة والتآلف بين بني البشر جميعاً. ولقد بلغ هذا التنافس حدَّ سعي هذه المدن للدخول إلى «موسوعة غينيس للأرقام القياسية » من خلال تقديم العرض الأضخم للألعاب النارية في التاريخ، وكانت مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة قد سجَّلت هذا الدخول بتاريخ 1/ 1/ 2014 ، دون إغفال أنَّ هناك أرقامٌاً سابقة لمناطق أخرى في العالم بحجمٍ أقل، حيث وصل حجم الألعاب النارية في دبي أزيد من أربع مئة ألف مقذوف، أضاءت سماء دبي لأكثر من عشرين دقيقة، وتميَّزت العروض بطابعٍ فني مميَّز ولمساتٍ إبداعية استثنائية وباقات ملوَّنة رافقتها أنغام الموسيقى الشجيَّة، وانطلقت من برج خليفة الأعلى في العالم ومناطق الفنادق الفخمة، ولك  عزيزي القارئ  أن تتخيَّل حجم الإنفاق الهائل والتكلفة الباهظة المدفوعة لهذه الألعاب.
هذا الحدث السنوي دفعني للبحث في تاريخ الألعاب النارية، ومركَّباتها الكيميائية وكيفية تصنيعها، وإجراءات السلامة، ورأيت تقديمها للقراء الأكارم، على أمل أن يجدوا فيها المتعة والفائدة، علماً أنَّ مصدر المعلومات هو وسائل الإعلام كافة، والموسوعات العربية العالمية والبريطانية والأمريكية، والعدد الثاني لعام ( 1992 ) من الترجمة العربية لمجلة العلوم الأمريكية.

تاريخياً
كان الصينيون أول الناس الذين توصَّلوا إلى معرفة الخواص التفجيرية للملح الصخري والكبريت (البارود ) وطوَّروه منذ أكثر من ألفي عام، وذلك لاستخدامه في القذائف البسيطة والمفرقعات النارية البدائية، ثم انتقلت هذه المعرفة غرباً عن طريق الاحتكاك بالعرب، الذين توصَّلوا  في ذروة الحضارة العربية الإسلامية  إلى صنع بارود المدافع الذي مكَّنهم من صنع المتفجِّرات والمفرقعات للاستفادة منها في الأغراض الحربية، وكان مسلمو الأندلس أول من صنع المدافع لتصل إلى أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي على يد الجنود الإسبان، ولكنَّهم لم يخترعوا الألعاب النارية في حدود علم الكاتب. وفي القرون الوسطى أدرك الغرب أهمية البارود الأسود، إذ أفشى الراهب الإنكليزي «بيكون » في عام ( 1242 ) سرَّ صيغة الخليط المتفجِّر لدرء اتهامه بممارسة السحر، ولقد عدَّ هذه المادة خطرة جداً ممَّا جعله يكتب عنها بالشيفرة، وعندما انتشرت هذه الصيغة وصارت متيسَّرة للجميع، أحدث البارود ثورة وتغييراً جذرياً في قطاع البناء. وفي القرن الرابع عشر اُستخدِمَ البارود دفوعاً في العديد من الأسلحة مثل بنادق المشاة القديمة والمدافع، كما عُدَّ مادة مثالية لصنع الألعاب النارية، ولم يتم اكتشاف المركَّبات التي تصدر الألوان الزاهية حتى القرن التاسع عشر. وبسبب خطورتها فقد بقيت تحت الإدارة العسكرية حتى القرن الثامن عشر، عندما انتقلت تدريجياً إلى أيدي الخبراء. ولقد سيطرت على صناعة الألعاب النارية في العالم الغربي بعض العائلات فقط، وبقيت في طي الكتمان التفصيلات المتعلِّقة بهذه الصناعة وتفاعلاتها الكيميائية وأساليب الخلط فيها، وعُدَّتْ من الأسرار المقتصرة على الأجيال المتعاقبة لهذه العائلات، وعلى سبيل المثال، فقد ارتبطت صناعة الألعاب النارية في الولايات المتحدة الأمريكية بأسماء عائلات معيَّنة مثل عائلة «غروسيس » بولاية نيويورك، وعائلة «زمبيليس » بولاية بنسلفانيا، وعائلة «روزيس » بولاية أوهايو، وعائلة «سوزاس » بولاية كاليفورنيا، ولقد أدَّى تكتُّم هذه العائلات بعدم الإفصاح عن مكوِّناتها الكيميائية وطرائق تصنيعها، وسرِّية تداول المواد، إلى ندرة البحوث العلمية الأساسية لهذه الصناعة، وبعضها لم تُنشر حتى في مجلاتٍ علمية، وإلى درجة أنَّ تدريس مواد الناريات وعلومها في أمريكا يقتصر فقط على كلية واشنطن بولاية ماريلاند، وبأسلوب الحلقات الدراسية الأسبوعية مراتٍ عِدَّة سنوياً، غير أنَّه يوجد بعض المنظَّمات مثل: «الجمعية الدولية للأسهم النارية » و «جمعية هواة الأسهم النارية » اللتان تعملان على تشجيع النظر إلى علم الناريات على أنَّه علمٌ قائمٌ بحدِّ ذاته ونشر البحوث المتعلِّقة به في الدوريات العلمية مثل مجلة «بيروتكنيكا » التي تنشر مقالاتٍ عن الانجازات الحديثة في علم الناريات. ومع أنَّ حفلات الموسيقى الصاخبة وعروض التلفزة المغرية وأشرطة الصور المرئية المثيرة تستقطب الجماهير على نطاقٍ واسع، إ لا أنَّ حفلات الألعاب النارية التي ساعدت التقنية الحديثة على جعلها ذات ألوانٍ متباينة وزاهية بمرافقة الموسيقى، صارت أكثر جذباً للمشاهدين في أنحاء العالم كافة، وفي الواقع لم يقتصر إطلاقها في المناسبات الوطنية والسنوية، بل امتدَّت لتشكِّل مشهداً في المناسبات الدينية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية واحتفالات الهالوين، والأعراس الملكية والخاصة وقدوم المواليد الجدد، وفي بدء فصل الربيع في ألمانيا، وإضاءة قوالب الحلويات الفخمة عند تقطيعها في الأحداث المهمَّة العامَّة والخاصَّة. تُعَدُّ الصين حالياً أكبر منتجٍ ومصدرٍ للألعاب النارية في العالم.

تقانة الألعاب النارية:
يُعَدُّ تصميم وتركيب الألعاب النارية حرفةً بارعة أكثر منه علماً أكاديمياً، فهي تجمع بين المهارة الفنية والحذاقة الهندسية، وهي متفجِّراتٌ ضعيفة نسبياً تُصنع من مواد كيميائية شديدة الاشتعال وينجم عن اشتعالها ضجيجاً ودخاناً، والعديد من الألوان التي يتم التحكُّم بها، وقد تمكَّن الباحثون في العقود الحديثة من التعرُّف وكشف غموض وأسرار العمليات الطبيعية التي تنجم عنها شرارات متعدِّدة الألوان لافتة ومثيرة، وتصاحبها تأثيرات تشمل دوياً مرتفعاً ووميضاً لامعاً عندما تنفجر، وتمخَّض عن هذه البحوث فرع جديد للمعرفة العلمية يُطلق عليه أيضاً «علم النار »، أو «الأسهم النارية »، أو «الصواريخ النارية » أو «الناريات »، أمَّا الألعاب النارية التي تُحدث دوياً مرتفعاً فقط فيطلق عليها «المفرقعات النارية ». يُستخدم البارود الأسود كدفوع وكشحنة متفجِّرة في الألعاب النارية الحديثة، وهو مادة متفجِّرة تشتعل سريعاً محدثةً غازاً عالي الضغط، ويمكن أن يؤدِّي تمدُّد هذا الغاز داخل ماسورة المدفع أو أنبوب مجوَّف إلى زيادة سرعة الطلقة بدرجةٍ كبيرة، وهي أساساً مزيجٌ من «نترات البوتاسيوم » المعروف باسم «ملح البارود ،» و «فحم الخشب » و «الكبريت »، وهذه المواد تُمزج بنسبٍ محدَّدة وتُطحن وتُخلط وتُضغط لتكوِّن قطعة غليظة صلبة تُسمَّى «الكتلة ،» ثم تُقَطَّع وتُجفَّف، وفي الواقع يُعَدُّ البارود الأسود المنتج الكيميائي الوحيد الذي يصنع في وقتنا الحالي باستخدام المكوِّنات والنسب وعمليات التصنيع ذاتها التي كانت تُستخدم في القرون المنصرمة، وهذا ما يعكس حقيقة كونه مادة مثالية لتصنيع الألعاب النارية، فهي تحتوي على مواد كيميائية متوافرة ورخيصة الثمن وغير ضارة بالبيئة، كما يتميَّز بثباته الكيميائي عندما يكون جافاً، ممَّا يتيح تخزينه لعقود عدَّة دون تعرُّضه للتلف، إ لا أنَّه سريع الاشتعال عندما يتعرَّض لصدمة معتدلة من الطاقة أو لشرارة أو لفتيلٍ صغير مشتعل. لا تختلف تقنية الألعاب النارية من حيث المبدأ عن عملية الاحتراق العادية، فكلتاهما تحتاجان إلى الأوكسجين كعاملٍ مؤكسد، والوقود كعاملٍ مختزل، وهذان العاملان يتَّخِذان شكل مواد كيميائية صلبة منفصل بعضها عن بعض، وعندما تتعرَّض هذه المواد الكيميائية للحرارة، فإنَّ انتقالاً إلكترونياً يحدث، أو ما يُطلق عليه «تفاعل الاختزال والأكسدة »، وهنا تخسر ذرات الوقود الالكترونات لتكسبها ذرات العامل المؤكسد، وترتبط خلال العملية ذرات الوقود بذرات الأوكسجين المنطلقة من العامل المؤكسد لتكوِّن منتجات للتفاعل ثابتة ومستقرِّة، وتكون الروابط الكيميائية الجديدة المتشكِّلة أكثر ثباتاً ما يؤدِّي إلى تحرُّر طاقة على شكل حرارة مثلما يحدث في عمليات الاحتراق الاعتيادية، غير أنَّ الأوكسجين الموجود في هذه العمليات مصدره الهواء الجوي، أما في خليط الألعاب النارية فمصدره هو المواد المتفاعلة نفسها، وتتجمَّع الحرارة في مكانٍ محدَّد بإحكام. وما دام خليط الأسهم النارية بارداً وجافاً، فإنَّه يبقى ثابتاً فترةً طويلة، إ لا أنَّه يتعرَّض لتفاعلٍ سطحي بطئ تتحكَّم فيه عملية «الانتشار ». وعندما تُشعل مكوِّنات الخليط، فإنَّها تأخذ بالتحوُّل إلى الحالة السائلة، وبالتالي إلى الحالة الغازية في اللهب، ما ينجم عن ذلك تمازج شديد بين الوقود والعامل المؤكسد، وبالتالي إلى تمازج شديد بين الوقود والعامل المؤكسد، ومن ثم زيادة سرعة التفاعلات الكيميائية وتحرُّر متلاحق للطاقة. تستخدم في الألعاب النارية أنواعٌ مختلفة من الوقود يدخل في تكوينها مواد عضوية تحتوي على الكربون، وعناصر لا فلزية مثل الكبريت، والسيليسيوم والبور اللذين يتميزان بتحريرهما كمية كبيرة من الطاقة عند تأكسدهما وعدم إطلاقهما غازاً في أثناء عملية الاحتراق، ولهذا يجري استخدامهما في «الفتائل التأخُّرية » لإشعال المكوِّنات الأخرى في الوقت المحدَّد. أمَّا الوقود المحتوي على فلزات كيميائية نشطة مثل الألمنيوم والمغنيسيوم والتيتانيوم في درجات حرارة عالية، فإنَّه عند احتراقه يُصدر ضوءاً لامعاً. ولقد استخدمت هذه الأنواع من الوقود في القرن التاسع عشر، ما أدَّى إلى تطورٍ لافت في زيادة بريق انفجارات الألعاب النارية وتوهجها. تشكِّل الخيوط الضوئية المنبعثة من الألعاب النارية أكثر العناصر شهرةً، ويعتمد لون الضوء على طوله الموجي، يتألف «الضوء المرئي » من إشعاع كهرومغنطيسي طوله الموجي يتراوح بين ( 380  780 ) نانومتر الذي هو جزء من المليار من المتر، وفي حين تكون أطول الأشعة المرئية باللون الأحمر، فإنَّ أقصرها هي اللون البنفسجي. يكتسب الجسم المتوهِّج اللون الأبيض إذا شُعِّعَ من خلال مجال الطيف المرئي، وإذا انبعث الضوء في شريطٍ ضيِّق من الطيف، فإنَّه يكتسب لون ذلك الشريط. تُصدر تركيبات الألعاب النارية الضوء وفق ثلاث عمليات أساسية وهي: التوهُّج الحراري، الإصدار الضوئي، الإصدار الجزيئي. يحدث التوهُّج الحراري عندما تسخن الجسيمات الصلبة أو السائلة الموجودة في لهيب الألعاب النارية إلى درجات حرارة عالية، إذ يصدر عن هذه الجسيمات الساخنة عندما تحاول أن تتخلَّص من طاقتها الزائدة طيفٌ عريض من الإشعاع، وكلَّما كانت درجة الحرارة مرتفعة أكثر قصُرَ الطول الموجي الذي يصدر عنه معظم الإشعاع، وتتناسب شدة الإشعاع طردياً مع الأس الرابع لدرجة حرارة اللهب، وبالتالي فإنَّ أي ارتفاع طفيف في درجة الحرارة يؤدِّي إلى نصاعة لافتة في اللهب. تحتوي أنوار الضوء الأبيض المتوهِّجة على فلزَّات فعَّالة مثل المغنيسيوم كوقود، وعندما يتأكسد الوقود تتكوَّن جسيمات أكسيد الفلز الصلب التي تسخن لأكثر من ( 3000 ) درجة سيليزية، وعند هذه الدرجة يصبح التوهُّج شديد الاتقاد. إنَّ خليطاً من «فوق كلورات البوتاسيوم » ومسحوق دقيق من الألمنيوم والمغنيسيوم يولِّد انفجاراً شديداً مصحوباً بانبثاق ضوءٍ أبيض، كما أنَّ لتركيبات الوميض الضوئي، أو الوميض والصوت استخدامات عديدة مثل المفرقعات النارية والعروض المصاحبة للحفلات الموسيقية الصاخبة وإضاءات التصوير الليلي، وتولِّد هذه التركيبات وميضاً باهراً يوقف انفجار الألعاب النارية. تتميَّز جسيمات المعادن الكبيرة باحتفاظها بحرارتها لمدةٍ أطول مقارنةً بالمساحيق وباستمراريتها بالاحتراق معتمدةً في ذلك على الأوكسجين الجوي، وينجم عن هذا الاحتراق توليد شرارات بيضاء بدلاً من وميضٍ آني. كما تؤدِّي الزيادة في حجم الجسيمات إلى بقاء الشرارات مدة أطول. إنَّ ما نشاهده من ألوانٍ برَّاقة في أثناء الألعاب النارية الحديثة إنَّما ينجم عن وجود ذرات بالحالة البخارية في لهب الناريات، وفي هذه الحالة تستثير حرارة اللهب إلكتروناً من ذرَّةٍ ما لتزيحه من حالته الأرضية في مداره العادي إلى حالة ذات طاقةٍ أعلى، وبالتالي يعود الإلكترون وبسرعة إلى حالته الأرضية، مُصدراً بذلك طاقته الفائضة على شكل كم ضوئي فوتون (دقيقة واحدة من الإشعاع أو وحدة إشعاع ) ذي طولٍ موجي محدَّد. يُعَدُّ فلز الصوديوم من أكثر العناصر فعالية لإصدار الضوء الذري، وعندما تسخن ذرات الصوديوم إلى درجة حرارة أزيد من (1800) درجة مئوية، فإنَّها تطلق ضوءاً أصفر برتقالياً طوله الموجي ( 589 ) نانومتر، وتُعَدُّ هذه العملية ذات كفاءةٍ مبهرة لا يجاريها مصدرٌ آخر للضوء الذري أو الجزيئي في لهب الناريات، وحتى لو كانت هناك شوائب قليلة من الصوديوم، فإنَّها كفيلة بإحباط إظهار أي لونٍ آخر للهب، وهذا الضوء يُستخدم أيضاً لإضاءة العمليات العسكرية في أثناء الليل، أو لإنارة مناطق هبوط الطائرات وحبال النجاة للسفن الغارقة، أو لإطلاق العلامات التحذيرية أو طلب النجدة والمساعدة باستخدام المسدس المعروف باسم « مسدس فيري »، الذي يُطلق إشارة ضوئية في الهواء يمكن رؤيتها من بعيد. هناك أيضاً أشكالٌ أخرى للألعاب النارية، منها «الشموع الرومانية »، وهي عبارة عن شحنات من البارود الأسود تفصلها مادة غير نشطة، لذا فإنَّها تطلق مجموعات منفصلة من الوميض المتألِّق والأضواء الملوَّنة وسلسلة من الأصوات المدوِّية. أما في «دواليب كاثرين » فإنَّ البارود الأسود يعبَّأ في أنبوب طويل يُلحق بالجانب الخارجي لأسطوانة من الورق المقوَّى ذات ثقبٍ في وسطها، وتوضع عصا في هذا الثقب، وعندما تشتعل العبوة وتحترق، فإنَّ الأسطوانة تدور حول العصا باعثةً وميضاً متألِّقاً وشرراً، والشكل الأخير هو «الرماح النارية » التي هي أنابيب ورقية مليئة بمواد الألعاب النارية التي تنتج ألواحاً متعدِّدة مرتَّبة في قالبٍ على إطارٍ من الخشب، بحيث تعطي منظراً أو صورة أو راية عند اشتعالها.

تقانة الألوان في الألعاب النارية :
إنَّ غياب فهم الأسس النظرية لعملية تشكُّل الألوان في الألعاب النارية قد قاد إلى الاعتماد على فرضية الخطأ والصواب في تشخيص أسس إصدار الألوان البرَّاقة، وتبيَّن  بموجب البحوث على قلَّتها  أنَّ إضافة مركَّبات عنصر «سترونتيوم » تصدر الألوان الحمراء، في حين تصدر المركَّبات الحاوية على عنصر «الباريوم » الألوان الخضراء، وكلوريد النحاس اللون الأزرق، واللونان الأرجواني والبنفسجي يتشكَّلان من اتحاد كلوريد السترونتيوم مع كلوريد النحاس، ومركَّبات الصوديوم لإنتاج اللون الأصفر، ويمكن إضافة الفحم النباتي ليعطي الصاروخ ذيلاً ملتهباً برَّاقاً. إذ أنَّ جزيئات هذه المركَّبات هشة إلى درجة أنَّها غير ثابتة في درجة حرارة الغرفة، ولهذا يصعب حشوها بصورةٍ مباشرة في الألعاب النارية، وللتغلُّب على هذه المعضلة فإنَّها تُصنَّع بواسطة تفاعلات سريعة في اللهب بإضافة مطاط مكلور أو كلوريد متعدِّد الفينيل أو فوق كلورات أو مؤكسدات الكلورات، وفي درجة حرارة مرتفعة تتفكَّك هذه المركَّبات وتحرِّر الكلور الحر، الذي تتَّحد ذراته مع الباريوم أو السترونتيوم خلال مدة قصيرة لتكوين الجزيئات الباعثة للألوان، وفي كلِّ الأحوال فإنَّ المركَّبات متعدِّدة الألوان تتَّحد مع الوقود المناسب والعوامل المؤكسدة لإعطاء التأثيرات المطلوبة. تُخلط هذه المكوِّنات مع الوقود والمواد اللاصقة والمؤكسدة لتشكِّل رَوْبة سميكة، ومن ثم تُغْمس أسلاك فيها وتُترك حتى تقسو وتصبح قادرة على تكوين الشرارات، في حين أنَّ نترات السترونتيوم تُمزج مع فوق كلورات البوتاسيوم ومع أنواع مختلفة من الوقود لتحضير إشارات توهُّج حمراء مميَّزة تُستخدم كإشارات تنبيه في الطرقات ليلاً.

تقانة إطلاق الألعاب النارية :
تعمل صواريخ الألعاب النارية وفق قاعدة شبيهة بتلك المستخدمة في الصواريخ العسكرية الكبيرة، وهناك نوعان من أغلفة الألعاب النارية، الأول هو «النموذج الأمريكي الأوروبي » ذو الشكل الأسطواني بقطرٍ يتراوح بين ( 7 - 30 ) سم، ويُطلق من أنابيب مدفعية معدنية أو كرتونية أو اللدائن، ويجري دفع الأنبوب نحو الجو بواسطة إشعال جزء من البارود الأسود المخزَّن في قاع الأسطوانة، الذي يُعرف أيضاً باسم «المصهر»، وهذا ممَّا يدفع الصاروخ عالياً في الهواء بفعل الغازات المنطلقة من مؤخِّرة الأنبوب، ويبدأ بعد الإطلاق احتراق الفتيل التأخرُّي، وعندما يصبح بعيداً عن الأرض في أقصى نقطة لتحليقه في غضون ثوانٍ، فإنَّ شحنة البارود الأسود تُفجِّر الغلاف أو الكبسولة، فينفتح مشعلاً حبيبات الألوان المختلفة التي عُبِّئتْ بشكلٍ غير منتظم في القطاع الأمامي للصاروخ أو مقدِّمته، فتنطلق الكريَّات في الجو مصدرةً أنماطاً عشوائية من الأضواء والألوان والصوت المدوِّي. قد تحتوي بعض الأغلفة في هذا النموذج على حجيراتٍ عِدَّة لكلٍّ منها شحنته التفجيرية، وعندما تنفجر إحدى الحجيرات، فإنَّ فتيلاً تأخُّرياً يشتعل في الحجيرة المجاورة، وبهذه الطريقة يمكن لغلاف واحد أن ينتج تفجيرات مضاعفة. أما النموذج الثاني فهو «الغلاف الياباني » ذو الشكل الأقحواني بقطر يساوي قطر النموذج الأول، ويجري إطلاقه بالأسلوب نفسه، وعند الاشتعال والانتشار تأخذ شكلاً دائرياً منسَّقاً، وحسبما يكون الحجم والتركيب الكيميائي للحبيبات، فإنَّ الانفجار يتفاوت بين ومضةٍ سريعة إلى ذيلٍ ممتد، وقد تتغيَّر الألوان في الذيل إذا ما احتوت الحبيبات على أكثر من مركَّبٍ منتج للألوان.

مخاطر الألعاب النارية :
ترد في الأخبار بين فينةٍ وأخرى أنَّ انفجاراً مدوِّياً قد حصل في هذا المعمل للألعاب النارية أو ذاك، في هذا المستودع للمواد النارية أو ذاك، في هذا البلد أو ذاك، ممَّا يؤدِّي إلى وقوع قتلى وإصابات ودمارٍ مأساوي هائل، حتى كاد ذلك أن يصبح صفة مميَّزة ووسماً مرافقاً للألعاب النارية. ولذا فإنَّ عامل السلامة يُعَدُّ مهمٌ جداً لمستخدميها الذين يجب أن يكونوا من الخبراء والمتدرَّبين جيداً على استخدامها، لا سيما في المناسبات الكبرى التي تغصُّ بالمحتفلين صغاراً وكباراً، ولا شكَّ بأنَّ تحسين مستوى الأمان يتطلَّب فهم ظاهرة الاشتعال بشكلٍ أكثر تفصيلاً. تبدأ عملية الاشتعال عندما تؤدِّي طاقةٌ متحرِّرة من مصدرٍ ما مثل اللهب أو الاحتكاك أو الارتطام أو الشرارة أو ارتفاع درجة الحرارة إلى تحطيم الروابط الكيميائية في خليط الناريات، ولذلك تتكوَّن روابط أكثر استقراراً وثباتاً، وتتحرَّر كمية من الطاقة، وإذا كانت الطاقة المتحرِّرة كافية لتنشيط الطبقة التالية من الخليط فإنَّ التفاعل يستمر ممَّا يؤدِّي إلى الانفجار العبثي. أما إذا جرى امتصاصها من المواد المحيطة بها، أو إذا كانت غير كافية لتنشيط الطبقة التالية، فإنَّ التفاعل يتوَّقف.
ولتحقيق المزيد من الأمان، فقد أجرى الباحثون تحاليل على تراكيب سلسلة من الناريات لتحديد مدى حساسية كل محتوى للاشتعال عند استخدام مصادر مختلفة من الطاقة، وتبيَّن أنَّ العوامل الحرجة المتحكِّمة في حساسيات هذه المحتويات هي كمية الحرارة المتولِّدة من التفاعل ودرجة الحرارة الدنيا الضرورية للاشتعال لبدء تفاعل ذاتي وسريع، كما وُجِد أنَّ حساسية الاشتعال تتأثَّر أيضاً بحجم جسيمات المكوِّنات الكيميائية وبالحجم الحبيبي لخليط المحتويات، إذ أنَّ الحبيبات الناعمة تشتعل بسرعة أكبر من الحبيبات الكبيرة، وأنَّ سهولة الاشتعال الناجمة عن الاحتكاك تعتمد على وجود مواد ساحجة (محتكَّة) في الخليط، وبإضافة مادة مزلِّقة كالشمع فإنَّ هذا ممَّا يساعد على تقليل حدوث مثل هذا الاشتعال. ولذلك فقد سنَّت دول العالم المستهلكة للألعاب النارية معايير صارمة، ووضعت أنظمة موحَّدة جزءاً من التشريعات الوطنية تتعلَّق باستيرادها وتداولها، وتشدِّد من اجراءات بيعها واستخدامها، وتضع شروطاً عديدة في التعامل معها، أهمها توافر القياسات العالمية، وسلامة العاملين بها، واحتياطات السلامة والصحة المهنية، وتحديد معايير لنقلها، ومواصفات المخازن التي تودع بها وكيفية تخزينها، أهمها البُعد عن التجمعَّات السكنية ومخازن المواد الاستهلاكية، دون إغفال حماية الجماهير المشاهدة والمتَتَبِّعة لها في المناسبات كافة، وهم الرافد الأهم لصناعة الناريات المدنية، ممَّا كان له الأثر الأكبر في التقليل إلى درجة انعدام الحوادث المؤسفة المرافقة لإطلاقها.

مجلة الأدب العلمي العدد الثلاثون محطات

0 comments: