Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

النباتات المتوحشة ....الأدب العلمي العدد الثالث عشر


د. رؤوف وصفي

-1-
وقف الكابتن (عصام الشريف) أمام شاشة الكومبيوتر المجسمة ...فوق منصة قيادة سفينة الفضاء (مينا)...ولاحظ الاقتراب التدريجي من محطة الفضاء (ألفا)...
قال وهو يستدير ليواجه الراكبين الواقفين خلفه:
- ها هو ذا مقر إقامتكما في الشهور الستة القادمة..
ابتسم الدكتور (رياض حقي) وقال:
- شكراً لك يا كابتن.. إنني مع الدكتورة (ثريا حشمت).. نعمل بمثابرة على مواصلة أبحاثنا.. خاصة في مجال الجاذبية الضعيفة..
هزت الدكتورة (ثريا) رأسها مؤمنة وقالت:
- فعلاً.. إن بمحطة الفضاء (ألفا) أفضل أجهزة اختبارات معملية في الفضاء.. وأكفأ فنيين يقومون بهذه الأبحاث..
صمتت لبرهة ثم استطردت قائلة:
- ... ترى كم من الوقت سوف ننتظر قبل هبوطنا هناك؟
ابتسم الكابتن (عصام)... إذ كان واضحاً له مدى شغف العالمين للهبوط من سفينة الفضاء.. وبدء أبحاثهما في مجال الجاذبية الضعيفة..
وكان هو نفسه يريد إنزالهما بأسرع ما يمكن  ..فقد ضاق ذرعاً بهذه المهمة الثقيلة التي كلف بها..
منذ أن غادر كوكب الأرض منذ أسبوعين.. وبمجرد انتهاء هذه المهمة.. فلاشك أنه سوف يبدأ مع طاقمه الفضائي.. في تنفيذ مهمة أخرى. .تكون مناسبة أكثر لمواهبهم وقدراتهم الفذة.. وهي البحث عن المعادن الثمينة في باطن الكويكبات.. التي تتوسط المسافة بين مداري المريخ.. والمشتري.. ولكن حتى ذلك الوقت.. كانت سفينة الفضاء (مينا).. تعمل في نقل الركاب !وأراد الكابتن (عصام) أِن يؤدي وظيفته على أكمل وجه..
فهي مسؤوليته يجب أن يقوم بها ..قال في هدوء رداً على سؤال الدكتورة (ثريا):
- عدة دقائق فقط.. ريثما نقوم بالاتصالات اللازمة..
أدرك رائد الفضاء (فوزي سالم) أنه المقصود بهذا التلميح من الكابتن.. فحرّك بأطراف أصابعه مفتاحاً على لوحة التحكم التي أمامه..
وتحدث في وحدة الاتصال قائلاً:
- محطة الفضاء (ألفا).. هذه هي سفينة الفضاء (مينا)... نحن جاهزون للهبوط.. حوّل..
انتظر الجميع بصبر.. وصول أي رد.. فقد كان المعروف عن العلماء والفنيين المقيمين في محطات الفضاء.. إنهم متراخون في ردهم على أي اتصالات بهم. .إذ كانوا يفضلون استغلال الوقت المتاح لهم.. في الاندماج التام في تجاربهم العلمية.. ولكن بعد مرور بضع دقائق.. دون وصول أي
رد. .قطّب الكابتن (عصام) ما بين حاجبيه.. فلم تكن عادتهم في محطة الفضاء (ألفا).. التباطؤ إلى هذا الحد....تحرَّك قليلاً.. وأخذ وحدة الاتصال من رائد الفضاء (فوزي)... وتحدث بصوت حاول ألا يكون منفعلاً:
- إلى محطة الفضاء (ألفا).. أنا الكابتن (عصام الشريف) من سفينة الفضاء (مينا)... أرجو سرعة الرد على هذه الرسالة.. ولكنه لم يتلق أي رد ..رفع الكابتن (عصام) صوت جهاز الاستقبال. فامتلأت منصة القيادة بصوت التشويش..
سأله رائد الفضاء (فوزي) في اهتمام:
- هل هناك خطأ ما يا كابتن؟
هز الكابتن (عصام) رأسه قائلاً:
- لا أدري.
ثم استدار إلى شاشة الكمبيوتر ..ونظر إلى محطة الفضاء (ألفا)...يحاول أن يكتشف سر هذا الصمت الغريب..
******  
كان كل شيء يبدو عادياً.. محطة الفضاء تدور ببطء كما ينبغي لها.. والأضواء تلمع خارجة من كوات في جوانبها.. وإشارات تتألق من فتحة الهبوط ..لكن الكابتن (عصام)... لم يستطع أن يتغلب على إحساسه اللاشعوري.. بأن شيئاً غير عادي.. لم يكن يحب الشعور غير المبني على أساس من المنطق.. والحقيقة والواقع.. قال بصوت خافت:
- (فوزي)... ثمة طريقة واحدة لنعرف ما الذي يجري هناك. استعد لعمل مناورة الهبوط.. سواء حصلنا على رد أم لا.. فسوف نهبط فوق محطة الفضاء (ألفا)...
-2-
جمع الكابتن (عصام) أفراد طاقم الهبوط.. الذي يتكون من الخبيرة العلمية (شهيرة مجدي)... وضابطي الأمن (شكري وحسين)... بالإضافة إلى الدكتور (رياض) والدكتورة (ثريا)..وبعد بضع دقائق كانوا مجتمعين.. خارج حجرة الضغط الهوائي.. أعطاهم الكابتن (عصام) أسلحة صغيرة إشعاعية.. للدفاع عن أنفسهم ضد أي خطر خارجي..!
اهتزت منصة القيادة.. إثر التصاق السفينة بمحطة الفضاء.. ضغط الكابتن (عصام) على أحد الأزرار الحمراء..
فانزاح باب حجرة الضغط الهوائي إلى الخلف.. وتقدموا واحداً وراء الآخر.. والكابتن (عصام الشريف) في المقدمة.. عبروا حجرة الضغط الهوائي.. ثم ساروا في ممر ضيق طويل.. ثم توقف الكابتن لبرهة.. كان أمامهم باب مماثل للباب الأول.. قال بصوت هامس:
- لا أدري ما الذي نتوقعه خلف هذا الباب.. كونوا على أهبة الاستعداد طوال الوقت.. وإذا شاهدتم أي شيء غير عادي.. فأخبروني به في الحال.. هل أنتم جميعاً جاهزون؟
هز كل أفراد الطاقم رؤوسهم بالإيجاب.. تعامل الكابتن (عصام) بحذر مع الباب الثاني.. الذي ما لبث أن انفتح.. صدمهم جميعاً المنظر الذي شاهدوه.. كان المفروض أن يجدوا حجرة استقبال واسعة.. ولكن بدلاً من ذلك..
وجدوا أنفسهم داخل.. غابة! وبدلاً من الأرضية الخشبية.. والجدران المعدنية.. والأثاث الفاخر.. والكمبيوترات الضوئية.. وأجهزة الاتصالات الليزرية.. التي كان من المفروض أن توجد في حجرة الاستقبال.. شاهدوا جحيماً من السيقان النباتية.. وجدائل خضراء مختلفة الأشكال والأحجام.. من نبات هائل الحجم.. كانت منتشرة في كل مكان.. بحيث تلتف.. وتغطي كل شيء تقريباً.. بدا المنظر المرعب.. أشبه بصوبة نباتات فقدت عقلها! ولم يعد ممكناً السيطرة عليها.. قال الكابتن (عصام) وقد صعقه ما رآه:
- يا إلهي! ما هذا؟!
بدا الدكتور (رياض) مشدوهاً من الموقف المروّع.
بينما حملقت الدكتورة (ثريا) فيما حولها.. في ذهول.
قالت بصوت مفعم بالدهشة:
- إن هذا أحد أشكال النمو الطفري الشاذ.. ذي النشاط الشديد.. تكاثر خلوي غير طبيعي!
غير طبيعي!
سأل الكابتن (عصام):
- هل هو حي؟
أجابه الدكتور (رياض) في صوت ترتعد نبراته:
- بنفس الدرجة التي يحيا بها أي نبات.. وإلا فكيف نما إلى هذا الحجم الهائل؟
هزت الدكتورة (ثريا) كتفيها قائلة:
- ربما كانت تجربة جديدة! ولكن لماذا لا نبحث عن العلماء في هذه المحطة.. ونسألهم؟
حاول الدكتور (رياض).. أن يمد يده ليلمس أحد سيقان النبات.. صرخ الكابتن (عصام):
- انتظر.. ولا تلمس أي شيء حولك!
فقد رأى أنه من الصواب والأسلم.. البحث عن طاقم العمل بالمحطة الفضائية.. والاستفسار منهم.. عن هذا الحدث العجيب! ولكن كان لديه إحساس قوي بأنه لن يجدهم..! فعدم ردهم على اتصالات سفينة الفضاء.. جعلته يخشى وقوع أسوأ الاحتمالات.. وحتى يكتشف السبب في عدم إجابتهم على الاتصالات.. فإنه لا يريد تعريض حياة أفراد طاقمه لأي خطر.. وذلك بالدخول في موقف غامض.. لا يدري عنه شيئاً.. ومع ذلك فإن صيحة التحذير التي أطلقها الكابتن (عصام).. كانت بلا جدوى..
إذ إن الدكتور (رياض).. وقف بلا حراك في مكانه ..وقد ارتسمت على وجهه نظرة رعب.. دفع الكابتن (عصام) فريقه ببطء.. إلى الداخل.. واضعاً في اعتباره.. ضرورة تخطي سيقان وجدائل النبات العملاقة.. ثم انضموا إلى الدكتور (رياض).. ونظروا إلى أسفل.. حيث كان يحملق في فزع..
قالت الدكتورة (ثريا)... وقد تصلبت نبرات صوتها:
- إنه الدكتور (صفوت زكي).. عالم النباتات الشهير..
هزّ الكابتن (عصام) رأسه مؤمناً.. إذ إنه تعرّف الدكتور (صفوت) من البيانات المسجلة على شرائط الفيديو.. التي قدمت له قبل تكليفه بالمهمة.. كان الدكتور (صفوت زكي) نظير الكابتن (عصام الشريف) على متن محطة الفضاء (ألفا).. أي قائداً لها.. ولكن الآن يوجد فرق واحد رئيسي بينهما.. هو أن الدكتور (صفوت زكي)... جثة هامدة!
-3-
ساد الصمت لبرهة.. ثم تساءل الكابتن (عصام).. وهو يتفرس في الجثة: ما الذي تسبب في موته؟
انحنت (شهيرة مجدي) فوق الجثة لفحصها.. كان على خد الدكتور (صفوت)... ندبة حمراء داكنة.. وبقية جسمه مليء بالكدمات.. رفعت (شهيرة) رأسها الأشقر.. ونظرت إلى الكابتن (عصام) قائلة:
- إن الأعضاء الحيوية.. قد تعرضت لضغط شديد!
فكر الكابتن (عصام) في نفسه:
- ضغط شديد!
وأدرك الآن أن شيئاً رهيباً.. قد حدث فوق محطة الفضاء (ألفا)... لم يكن بوسعه أن يسمح بالمزيد من التوغل داخل المحطة.. حتى يتم عمل فحص واستقصاء كاملين.. لما حدث.. قال الكابتن (عصام) بلهجة آمرة:
- سوف نعود إلى سفينة الفضاء.
بدأ طاقم الهبوط على الفور عودته.. تجاه حجرة الضغط الهوائي.. وكان الدكتور (رياض حقي) مازال متأثراً من موت صديقه العالم.. فركل بقدمه أحد سيقان النبات.. سرت رجفة غير محسوسة في جسم النبات كله..
ولم يلاحظ الدكتور (رياض) أن إحدى سيقان النبات.. بدأت تتحرك تجاهه.. صاحت (شهيرة مجدي):
- انتبه يا دكتور (رياض)!
التف الدكتور (رياض) حول نفسه.. وصرخ.. وفجأة.. دبت الحياة في الحجرة بأكملها.. تلوت وتحركت الجدائل الخضراء.. واندفعت في كل اتجاه. حتى تلك الراقدة على الأرضية.. بدأت تهتز.. في حركة تذبذبية.. نعم.. لقد كان النبات ينبض بالحياة! حاول الدكتور (رياض) أن يركض إلى حجرة الضغط الهوائي.. ولكن قبل أن يتحرك خطوة واحدة.. التفت إحدى سيقان النبات العملاق.. حول رسغ قدمه.. وقبضت عليه بقوة بالغة.. صرخ مستغيثاً:
-ساعدوني!
لم يضع الكابتن (عصام) ولا الآخرون أي وقت لنجدته.. وبعد تلقي ضابطي الأمن لتعليمات الكابتن..
قاما بإطلاق أشعة الليزر على سيقان النبات.. في الوقت الذي هرع فيه الكابتن (عصام) و(شهيرة)... نحو الدكتور (رياض) لمساعدته على جذب قدمه.. وتخليصها من النبات العجيب.. كانت هناك قوة هائلة في السيقان الخضراء.. أمسك الكابتن (عصام) أخيراً.. بجزء من جهاز ما بالقرب منه.. وبدأ في ضرب النبات بشكل متواصل.. وبكل قوته.. إلى أن انبثق سائل أخضر قاتم من النبات.. ولكن دون أن يحدث أي تحسن في الموقف.. وحتى أشعة الليزر.. لم يكن لها تأثير يذكر.. وبدا أن الوضع أصبح ميؤوساً منه..
-4-
تلوى الدكتور (رياض)... وزاد صراخه.. عندما بدأ عدد أكبر من السيقان النباتية في الالتفاف حوله..
وأدرك الكابتن (عصام)... أنه ليس بوسعهم عمل أي شيء.. ولاحظ هو والآخرون.. أن الدكتور (رياض) تغطى تدريجياً بالمزيد من السيقان والجدائل النباتية مختلفة الأشكال والأحجام.. حتى اختفى تماماً تحتها.. ولقي نفس مصير الدكتور (صفوت زكي).
****
صرخ الكابتن (عصام) في هلع:
- اركضوا جميعاً.. إلى حجرة الضغط الهوائي.. لكن الأوان كان قد فات.. إذ بعد أن فرغت سيقان وجدائل النبات.. من الدكتور (رياض)... استدارت.. والتفت في الهواء.. وارتفعت حتى سدت الطريق المؤدي إلى خارج الحجرة.. وبدت كسياط هائلة تحمل الموت.. حوصر كل من الكابتن (عصام) والدكتورة
(ثريا) و(شهيرة).. أما ضابطا الأمن.. فكانا فقط في أمان.. داخل حجرة الضغط الهوائي.. ناداهما الكابتن (عصام)... وأمرهما يائساً:
اغلقا حجرة الضغط.. واهربا بسفينة الفضاء لإحضار نجدة لنا.. قبل أن تتحرك هذه السيقان اللعينة إلى السفينة نفسها.. وتحيط بها..
ولأن الرجلين كانا يعرفان.. أن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنهما عمله.. فقد استجابا للأمر.. دون مناقشة..
ولكنهما قررا الانتظار بعض الوقت في السفينة.. إذ ربما يتحسن الموقف.. ويستطيعان إنقاذ الكابتن ومن معه.. وبعد عدة دقائق.. وقف الكابتن (عصام) والدكتورة (ثريا) و(شهيرة).. بمفردهم فوق محطة الفضاء (ألفا).. وهم محاصرون تماماً بنبات.. رهيب.. قاتل.. أصدر الكابتن (عصام) أمره قائلاً:
- تعالا.. من هذه الناحية!
وقبل أن يبدو أي رد فعل من النبات.. ضغط الكابتن (عصام) بقوة على الزر الذي يفتح الباب على الممر الطويل.. ودفع الدكتورة (ثريا) و(شهيرة) داخله.. وبمجرد لحاقه بهما.. تحققت أسوأ مخاوفه.. إذ تمدد المزيد من سيقان النبات على طول أرضية الممر من الخارج.. وبدا واضحاً.. أن النباتات قد سيطرت تماماً على محطة الفضاء (ألفا)...!
-5-
بدأت السيقان والجدائل الخضراء.. ترتفع إلى أعلى.. صاحت الدكتورة (ثريا) في رعب:
- إنها تحس بوجودنا.. لابد أن نجد مكاناً بعيداً عن هذا النبات اللعين..
صرخ الكابتن (عصام):
- من هذا الطريق.. خلال المختبرات.
تعثرت (شهيرة)... ولكنها نهضت بسرعة.. انطلقوا في الممرات التي يعرفها الكابتن (عصام) من كثرة تردده على محطات الفضاء المشابهة... ركض الثلاثة من ممر إلى آخر.. ومن حجرة إلى أخرى.. وهم يتجنبون المزيد من النباتات العملاقة.. وكان عليهم أن يراوغوا.. ويتحركوا في طرق ملتوية.. لتفادي السيقان.. والجدائل.. والفروع المتحركة كالثعابين..
والتي تحاصرهم.. كانت جثث أفراد طاقم محطة الفضاء.. ملقاة في كل مكان.. وبدا أن بعضهم مات في أثناء محاولتهم القضاء على النباتات.. بينما تمدد الآخرون ووجوههم إلى أسفل.. عند مداخل سفن الفضاء الصغيرة..
وكان واضحاً أنهم طرحوا أرضاً في أثناء قيامهم بمحاولات متعجلة بتأثير الرعب - لكسر الأختام الشمعية من عليها.. للهروب من محطة الفضاء.. وسط هذا الجنون المطبق..
تذكر الكابتن (عصام).. ممراً خاصاً للهروب من محطة الفضاء.. كانت النباتات في كل مكان.. بحر أخضر متماوج.. يبدو أن لا نهاية له.. ولكن وقعت حادثتان في الطريق.. جعلتهم يعتقدون أنهم لن يصلوا مطلقاً إلى بر الأمان!
إذ تعثرت (شهيرة) في جذور النباتات..
فسقطت بكامل طولها.. في قلب كتلة من السيقان النباتية العملاقة.. ولكن الكابتن (عصام) قفز إليها ومعه قطعة معدنية حادة.. التقطها من على الأرض. وأخذ يضرب بها السيقان النباتية.. حتى حرر (شهيرة) منها.. بعد إصابتها بعدة كدمات.. وحالة من الرعب المروّع. ومرة ثانية.. قبضت ساق نباتية على قدم الدكتورة (ثريا)... وسحبتها بعنف إلى خارج الممر.. داخل المنطقة الرئيسية للغزو النباتي! إلا أن الكابتن (عصام) هجم على الساق النباتية.. وضربها بوحشية.. حتى انبثق منها السائل الأخضر.. ثم انسحبت بعيداً عنهم.. وأخيراً وصلوا إلى هدفهم..
أشار الكابتن (عصام) إلي باب مرتفع قليلاً وقال في حدة:
- سندخل هنا! هيا بسرعة.
دخل ثلاثتهم.. ثم أغلق الباب بالمفتاح.. ثم بالمزلاج الإلكتروني.. قال الكابتن (عصام) وقد لاح بريق في عينيه:
... هذا هو مختبر الدكتور (صفوت زكي).. وهنا سوف نحصل على بعض المعلومات عما يواجهنا.. فإذا لم يكن لديه شرائط فيديو هنا.. فإننا لن نجدها لدى أي إنسان آخر..
قالت الدكتورة (ثريا) وهي تتفرس فيما حولها:
إذن دعونا نبدأ العمل.. فهذه هي فرصتنا الوحيدة لنا للنجاة !
-6-
وبمجرد أن بدؤوا البحث.. سمعوا صوتاً غريباً يشبه "الخربشة" على الباب المقفل.. من الخارج..
لقد تبعتهم النباتات إلى هنا.. وعرفت أنهم في الداخل.. وبدأت النباتات بالفعل في اقتحام المختبر عليهم.. كان لدى الدكتور (صفوت زكي).. مكتبة كبيرة من شرائط الفيديو.. وبدت المشكلة في تحديد الشرائط التي لها علاقة بتلك الكارثة.. وأخيراً أخرجت الدكتورة (ثريا) من جهاز الفيديو الليزري.. شريطاً كتب عليه (الهندسة الوراثية في النباتات).. وقالت وهي تسبره بعينيها:
- لعله هذا الشريط.. وربما كان الدكتور (صفوت) يسجل عليه المعلومات.. عندما.. مات!
قال لها الكابتن (عصام) في لهفة :
- ضعيه مرة أخرى في الجهاز.. وشغليه بسرعة.. فليس لدينا وقت!
وضعت الشريط في فتحة الجهاز.. وعلى شاشة كبيرة تغطي الجدار بأكمله.. ظهر وجه رجل عجوز.. يرتدي نظارة سميكة.. كان هو الدكتور (صفوت زكي) نفسه! قال بصوت هادئ.. رتيب:
- من المعروف أن مشكلة نقص الغذاء تهدد العالم كله.. ونحن في منتصف القرن الحادي والعشرين.. ولا شك أن أهم العوامل المحددة لزيادة إنتاج النباتات.. هو توفر النيتروجين في الطبيعة.. لذا أجريت تجاربي لاستخدام تقنية (الهندسة الوراثية) التي تهدف إلى إيجاد درجة من السيطرة على الفعاليات الخلوية في النباتات عن طريق إدخال تعليمات وراثية جديدة إلى خلايا خاصة بها لإكسابها مقدرة وظيفية جديدة.. مثل زيادة مقاومتها للأمراض.. أو تخزينها للبروتين أو نموها في الأراضي الصحراوية.. والمالحة.. هذا بالإضافة إلى إنتاج هرمونات النمو النباتية بكثافة أكبر..
صمت الدكتور (صفوت) لبرهة.. وبدا وجهه مرهقاً.. وعيناه زائغتين.. ثم أردف قائلاً:
... ولكن التجارب الأولية التي أجريناها على السلالة النباتية 331 /س كانت كارثة حقيقية.. وأنا أسجل مسؤوليتي الكاملة عن هذه التجارب.. إذ بسبب تشوقي لاستنباط نبات نموذجي ذاتي التكاثر.. استخدمت البكتيريا بكثرة.. لتثبيت النيتروجين فوق العقد الجذرية لهذا النبات.. وما بدأته كنمو ناجح لم يلبث أن حدثت له طفرة رهيبة.. وأصبحت النباتات مفترسة.. حيث قتلت حتى الآن.. اثنين من أفضل معاوني.. وفي الوقت الذي سوف تشاهدون فيه هذا الشريط.. فإنني أعتقد أن الكثيرين سوف يكونون في عداد الموتى!.. وأن النباتات سوف تنتشر على سطح محطة الفضاء (ألفا) بكاملها.. وبعد بضع دقائق سأصدر أوامري بإخلاء المحطة.. وآمل في أن نتمكن نحن الأحياء.. من الوصول إلى سفن الهروب.. للنجاة من هذا الجحيم وحتى إذا وجدتموني ميتاً في إحدى حجرات محطة الفضاء.. فإنني أستطيع أن أترك لكم شيئاً واحداً..
توقف الدكتور (صفوت زكي) ليمسح قطرات من العرق تصببت فوق جبينه ثم استطرد قائلاً:
... إن هناك طريقة للقضاء على هذا النبات اللعين.. إذ تشير تجاربي إلى إمكان تدميره.. بالبرودة.. إذ تجعله يصاب بحالة من التجمد المؤقت فتتوقف كل عملياته الحيوية.. إنني آسف.. لقد فشلت..!
-7-
انتهى شريط الفيديو عند هذا الحد.. قالت الدكتورة (ثريا) بصوت مفعم بالحزن.
- لقد كان مشتت الفكر على غير عادته في أي وقت مضى..
ردت (شهيرة) بصوت مهتز.. وشعرها الأشقر يتألق:
- لو كنت مسؤولة عن وفاة معاونيك.. فهل كنت تتصرفين كعادتك دائماً؟
قال الكابتن (عصام) في حدة:
- الآن ليس الوقت المناسب.. لمناقشة الحالة العقلية للدكتور (صفوت)..
قالت (شهيرة) مقاطعة:
- انظر!
كانت تشير إلى باب المختبر.. فقد ظهر شق في الباب.. ثم تناثرت بعض القطع المعدنية.. من حول الفتحة.. التي دخلت من خلالها إحدى سيقان النبات.. وبعد أن ظهر شق آخر.. اتسعت الفتحة.. وبدأ الباب كله في الالتواء.. والانبعاج.. صاحت (شهيرة) في رعب:
- إن النباتات قادمة إلى هنا.. ماذا نفعل؟
قدح الكابتن (عصام) زناد فكره.. لقد ذكر الدكتور (صفوت).. البرودة للقضاء على النباتات..
أطرق لعدة ثوان.. ثم توصل فجأة لما ينبغي عليه عمله.. صرخ بقمة انفعاله:
- يمكننا العودة إلى سفينة الفضاء (مينا)!
وتحرك بسرعة تجاه طفاية حريق بغاز ثاني أكسيد الكربون.. معلقة على الجدار.. ثم استطرد بسعادة بالغة:
- نعم بهذه.. بغاز ثاني أكسيد الكربون!
جاهد الثلاثة لكي يجدوا طريقهم إلى الممر الخارجي.. وكل منهم يحمل طفاية حريق.. وبهذا السلاح معهم.. بدؤوا في شق طريقهم إلى منطقة هبوط سفن الفضاء.. وسرعان ما تحركت النباتات إليهم.. من كل اتجاه..
صاح الكابتن (عصام):
- أطلقوا طفايات الحريق!
فجأة! امتلأت المنطقة بسحابة من غاز ثاني أكسيد الكربون.. شديد البرودة.. وفي الحال تراجعت بعض النباتات إلى الخلف.. أما الباقي منها.. والذي غمره غاز ثاني أكسيد الكربون.. فقد تلوى وتغطى بملايين البلورات البيضاء الدقيقة.. قبض الكابتن (عصام) على واحدة منها.. وضغطها بين أصابعه بقوة.. فتحطمت... لقد كان الدكتور (صفوت زكي)... على صواب.. ومن واقع خطة في ذهن الكابتن (عصام).. قاد المجموعة.. في طريق عودتهم إلى سفينة الفضاء (مينا)... وسلاحهم طفايات الحريق! وفي الدقائق التي انطلقت فيها السفينة من على محطة الفضاء (ألفا)... كان الكابتن (عصام) جالساً في غرفة القيادة.. يتحدث في وحدة الاتصال التي أمامه:
- كابتن (عصام الشريف) يقدم تقريره.. لم يكن عملياً أن أسلح كل أفراد طاقم السفينة بطفايات الحريق التي تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون شديد البرودة.. ولذلك فقد أصدرت أوامري بتشغيل أجهزة أشعة الليزر في السفينة.. لإيجاد ثقوب في أماكن استراتيجية بجسم محطة الفضاء.. وكان من نتيجة ذلك أننا فتحناها على الفضاء الخارجي قارس البرودة.. لقد تعرضت النباتات المفترسة إلى أكبر نقطة ضعف فيها.. وهي البرودة الشديدة في الفراغ.. صمت الكابتن (عصام) للحظات.. ثم استطرد قائلاً:
- ... وبذلك انتهى تماماً خطر مشروع (الهندسة الوراثية في النباتات).. لحين تطويره.. والتأكد من سلامته.. انتهى التقرير..
حرّك الكابتن (عصام) بإصبعه الإبهام.. زر ايقاف وحدة الاتصال.. وتنهد بارتياح.. واسترخى على مقعده.. وتذكر أنه منذ بضع ساعات مضت.. كان مستعداً لطلب مهمة في الفضاء.. تمتاز بدرجة أعلى من الإثارة.. والمغامرة.. واكتشاف المجهول.. وليس مجرد نقل ركاب إلى محطة فضاء.. أما الآن - وبعد كل ما حدث – فإن كل ما يريده هو اجازة.. فوق وطنه.. كوكب الأرض.. بعيداً.. عن الفضاء.. 

مجلة الأدب العلمي العدد الثالث عشر  ملف الإبداع

0 comments: