Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

معادلة اللاشيء .....الأدب العلمي العدد الثلاثون


توم غودوين  - ترجمة سوسن عزام

ابتلع الفراغ الفوقي السفينة الفضائية في طريق عودتها وبقي وحيداً في فقاعة المراقبة خاصته ، بعيداً حوالي عشرة آلاف سنة ضوئية خلف شمس المجرة البعيدة ، ومن الشباك نظر إلى بحر الخواء الكبير الذي يحيط به وكرر السؤال لنفسه مرة ثانية عن ماهية ذلك الخطر الذي أرعب الرجال من قبله ، لكنه كان متأكداً من شيء واحد وهو أنه سيجد لا شيء ينتظره خارج الفقاعة لكي يقتله ، وصحيح أن الشخص الأول الذي جلس في الفقاعة قد انتحر والثاني فقد صوابه كلياً على متن السفينة الموجودة على الأرض لكن يبدو كأن شيئاً ما داخل الفقاعة قد تسبب بكل تلك الفوضى .
عبَر الغرفة الصغيرة وقد ساعده حذاؤه الممغنط على تخطي الأرضية المعدنية داخل الفقاعة الصامتة ، ثم جلس على الكرسي الوحيد الموجود مرخياً كل ثقله الخفيف في هذه الجاذبية المصطنعة لمراجعة كل الحقائق الموجودة بين يديه ، هذه الفقاعة في الحقيقة جزء من عمل دائرة الرقابة المجريّة التابعة لكوكب الأرض وقد تم وضعها في هذا المكان من أجل جمع البيانات الناتجة عن مركز المراقبة والتي لا يمكن القيام بها من داخل المجرة ، أما بالنسبة إلى الكتلة المعدنية للفقاعة والتي ساهمت في التأثير على الأدوات فائقة الدقة فقد عولجت لتكون خفيفة الوزن والحجم ما أمكن لذلك لا يمكن أن يعيش بداخلها إلا شخص واحد فقط . لقد اختارت الدائرة «هورن » كأول شخص يعيش في الفقاعة وحيداً لمدة ستة أشهر من أجل تنفيذ مهمته ، ولكن عند قيام السفينة بتنظيم عودتها برفقة شخص بديل وُجد «هورن » ميتاً بسبب تناوله جرعة مفرطة من حبوب منوّمة وبجانبه على الطاولة سجل تقريره اليومي وتسجيله الأخير فيه قبل ثلاثة أشهر من الحادثة مكتوب فيها : «لم أعد أهتم بالآلات منذ فترة طويلة لأنه... يكرهنا ولم يعد يريدنا هنا ... وجلّ كرهه منصبّ عليّ لذلك هو دائماً يحاول الوصول إلى داخل الفقاعة وقتلي ...أستطيع سماعه كلما حاولت التوقف واستراق السمع وأعلم أنه لن يطول الأمر به حتى يتمكن من الدخول.... مرعوب تماماً من فكرة نيله مني لكنني أرغب أن أكون نائماً عند قيامه بذلك... لذلك علي القيام بما يتوجب عليّ فعله قريباً جداً لأنه لم يتبق لدي إلا عشرين حبة منوم وإذا...... » لم يُكمل الجملة أبداً وحسب تسجيل مقاييس الحرارة لجسده في الفقاعة فقد أشارت إلى أن الطاقة الحرارية في جسده قد توقفت في تلك الليلة بالذات ، وبعد الحادثة تم العمل على تنظيف الفقاعة وتطهيرها وتفحصها بدقة من الخارج والداخل على السواء لكن تمّ نفي وجود قوة ما أو شيء ما عدائي مثير للشبهة فيها . ثم جاء البديل عن «هورن » واسمه «سيلفرمان » وعندما عادت السفينة وهو على متنها كان يبدو عليه الجنون تماماً ولسان هذيانه يتحدث هو الآخر عن شيء ما ينتظره في خارج الفقاعة ليقتله أما أكثر جواب اقترب فيه من جسر الواقعية كان عندما سئل المئات من المرات عن ماهية الشيء الذي شاهده : «لا شيء ... لأنك لا تستطيع رؤيته حقيقة لكنك تستطيع الإحساس بمراقبته لك حتى أنك تستطيع سماعه عندما يحاول الدخول إليك والنيل منك وقتلك ، وفي إحدى المرات التي حدث واصطدمت فيها بالحائط و- يا إلهي - أبعدوني عنه ... إلى الأرض مجدداً » بعد ذلك حاول الاختباء تحت طاولة الكابتن ليقوم الطبيب على متن السفينة بإبعاده كلياً عن ذلك المكان ، ومرة ثانية تم إعادة فحص الفقاعة بشكل أدق ووظّف قائد السفينة كل آلة كاشفة متوفرة لديه من أجل أن يبحث في الفضاء ذاته لسنوات ضوئية لكن الحظ بإيجاد أي دليل لم يكن ليحالفه هو الآخر، وعندما حان الوقت من أجل نقل البديل الثالث الذي سيرسل تقاريره إلى الكابتن «ماكدويل » الذي قال له : «كل شيء على أتم الاستعداد يا «غرين » أنت هو الشخص التالي » وهنا وجد كل من حاجبيه الأشعثين فرصة للّقاء معاً بتقطيبة واحدة وقال : «كان من الأفضل أن يدعوني أختار لهم المرشحين بدلاً منهم » بعد ذلك احمر وجهه امتعاضاً وأكمل : «لقد وجدت الدائرة أن نسبة ذكائي وحس المبادرة لدي هما في خانة المقبول ، وأنا أعلم أنك لا تحتاج إلى أي من الصفات وهم يحتاجون إلى شخص يشبه أحد العمال العاديين الذي يعملون عندي أي بدرجة جاهل جداً ليبتعد عن دائرة الخوف وغبي جداً ليصل إلى حافة الجنون وبعدها يمكننا الحصول مقدماً على تقرير جنون للستة أشهر القادمة بدلاً من انتظار الهذيان الناتج عن الجنون ذاك » واقترح «غرين » بتصنّع واضح «أقترح يا سيدي الاحتفاظ بالحكم خاصتك حتى يأتي الوقت المناسب لذلك .» وهذا هو كل ما استطاع البديل معرفته عن المخاطر المتوقعة الحقيقي منها والخيالي والتي أودت بعقلي رجلين اثنين وأوصلتهما إلى هاوية الجنون وسيكون لديه ستة أشهر من الوقت للبحث وإيجاد الإجابات التي يحتاجها أو أقل بعدما نظر إلى مقياس الوقت ورأى أول عشرين دقيقة هاربة من أول توقيت له منذ مغادرته السفينة ولكنها لسبب ما بدت وكأنها أطول من ذلك بكثير ... تحرك الآن ليشعل سيجارته وبقدميه حذاءان معدنيان وقد أحدثا ذات القدر من الضجيج الذي أحدثه احتكاكهما بالأرض والذي لاحظه مسبقاً وبعد ذلك غرقت الفقاعة في صمت يشبه تماماً صمت القبور الغارق في السواد. لم يكن المكان أكبر حجماً من أي قبر وكان عبارة عن شكل دائري يصل قطره إلى أربعة عشر قدماً مصنوعاً من ألواح فولاذية رقيقة ومتشابكة مع الهيكل الخارجي بواسطة عوارض مسلّحة تحفظ الجو الداخلي من الانفجار ، أما الأرضية من تحته فترتفع إلى ستة أقدام من أسفل الفقاعة ، وفي المساحة السفلية منها يوجد مولد للهواء ووحدات تحويل النفايات وبطاريات التخزين وكبائن الطعام ، أما الجزء الذي يجلس فيه عبارة عن كرسي وحيد و طاولة وسرير وزوج من الأقراص الدائرية ولوحة تحكم عن بعد من أجل تشغيل الأدوات المنصوبة خارج هيكل الفقاعة بالإضافة إلى جهاز عرض لميكروفيلم وزوج من النوابض الخاصة بالتمرينات الرياضية مثبتة على أحد الجدران، وكانت هذه هي كل الأدوات الموجودة في الفقاعة، أما طرق التواصل فهي غير متوافرة لأن الأجهزة المسؤولة عن التواصل في الفراغ الفوقي في حال تفعيلها ستقوم بالتأثير سلباً على الأجهزة الدقيقة بسبب الإشعاعات الصادرة عنها لذلك يقبع المخرج التواصلي الوحيد في مكتبة مايكرو أفلام مصغرة تتناسب مع جهاز للعرض من أجل مساعدة الشخص في الفقاعة على تمضية الوقت بشكل ملائم ما أمكن وذلك ليس لاستهداف الملل بل بسبب إمكانية تأثر عقله في ظل هذه الظروف مثلما حدث مع «هورن » وجعله ينتحر أو مثل «سيلفرمان » الذي أصبح .... وفجأة تصدّع شيء ما خلفه وقد شقّ ذلك الصوت عباءة السكون فقفز واقفاً ثم التف ليواجه ذلك الصوت، لكن بكرة معدنية مخصصة للبيانات هي التي سقطت من جهاز المحلل الطيفي في درج التخزين ، في هذه الأثناء تسارعت دقات قلبه بشدة حتى محاولته الضحك من عصبيته التي ظهرت فجأة بدت أمراً لا معنى له، لكن هناك شيئاً ما إما داخل الفقاعة أو خارجها تسبب بجنون شخصين، ويبدو الآن أن تواجده و الذي لا رجعة عنه في الفقاعة أمر حتمي، لذلك لن يستطيع منذ الآن وصاعداً اعتبار مخاوف صديقيه من بنات مخيلتهما فقط لأن كليهما من الأشخاص الأذكياء والمتوازنين عقلياً، وهذا هو السبب في اختيارهما لهذه المهمة في المقام الأول من قبل مركز المراقبة والحال ينطبق عليه تماماً . بدأ الآن بتفحص الفقاعة من الداخل، ولا شيء محدداً يبحث عنه فحاول النزول للغرفة السفلى لكنه تردد قليلاً ثم عاد وطرد قلقه بعدما سحب النصل الأكبر من مديته قبل البحث في غرفة الاستراحة لكنه وجد... لا شيء... ولا حتى ذرة غبار واحدة بعدها عاد إلى كرسيه اليتيم في الغرفة مشككاً في دوافعه لفعل ما كان يقوم به وربما فعلاً يوجد في الجوار كيان ما أو قوة غير مرئية خارج الفقاعة لأن زميليه السابقين «سيلفرمان وهورن » تحدثا عن تلك القوة على أنها «ذاك الشيء الذي كان يحاول الدخول للفقاعة وقتلهما » وهذا هو الجزء الذي أكدّ عليه كل منهما بشكل قاطع . أما بالنسبة للفقاعة فقد كانت تحيط بها ست نوافذ من أجل تحقيق رؤية محيطية كاملة للقاطن فيها لمشاهدة كل الآلات المركبّة والأقراص الدائرية، لذلك توجه نحوها، وبدأ ينظر من خلال النوافذ الواحدة تلو الأخرى، وبقي الفراغ المترامي في الخارج هو الصورة الوحيدة التي تكررت مشاهدته من كل النوافذ، أما المجرة خاصته فقد كانت بعيدة جداً كما الغبار المنثور بعيداً في الأفق حيث التحفت المجرات من حوله وتجمعاتها الكوكبية بذات الغطاء المصنوع من الخواء الفارغ لتهرب منها نقاط ضوء صغيرة هنا وهناك في هذا الظلام الكبير، ثم قال في نفسه : « من يعلم ما نوع القوة والخطر هناك ؟» ثم لمع ضوء خافت ليعيد عربة أفكاره التائهة إلى مكانها وليذكّره بالعودة إلى واجباته المفروض منه القيام بها والتي لن تتجاوز مدة الساعة، وعندما أتمّها امتزجت عصبيته بقلّة شهيته لذلك توجه إلى النوابض الخاصة بالتمارين الرياضية والمثبتة على الجدار، وقام بالتدرب عليها لينهشه التعب والتعرق وتأتيه بعد ذلك الشهية قليلاً ، وهكذا مرّ اليوم والذي يليه وعاد لاستكشاف فقاعته من الداخل وبنفس النتائج السابقة، وقد بات متأكداً الآن أنه يوجد معه في الفقاعة لا شيء يشاركه عزلته فيها ، وفي كل يوم بدأ جدوله الروتيني من عمل وتمضية الوقت قليلاً ومن ثم النوم وساعده ذلك البرنامج على تمضية الأسبوع الأول بسلاسة نوعاً ما ، لكن القلق من وجود شيء ما في الخارج ما زال ينخر زوايا أفكاره من كل جانب ، وفي يوم ما لكز بمقدمة حذائه المعدني الجدار وبدا الصوت مشابهاً لضرب صفيحة معدنية تماماً، وبقي الأثر من حذائه واضح الأثر على الجدار عندها انتبه ولأول مرة إلى مدى هشاشة ذلك الجدار وخطورته المميتة ، وحسب الملاحظات التي قرأها وجد بأن السماكة مماثلة لسماكة الورقة الكرتونية أي ليست أكثر من (1/ 16) من الإنش . جلس على الأرض برفقة ورقة وقلم وبدأ يحسب كيف أن سطح الفقاعة يبلغ
( 146,500 ) إنش مربع وضغط الهواء الداخلي كان ( 14 )باونداً للإنش المربع ويعني ذلك أن القشرة المعدنية تحتوي على ضغط كلّي بحدود ( 2,051,000 ) إذاً مليونا باوند، ويعني ذلك أن الفقاعة ما هي إلا قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار من خلال أي شق في هذا الهيكل المعدني، والذي من المفترض أن يكون خليطاً من عدة معادن قوية من أجل عامل السلامة لكن عقله لم يتقبل فكرة وجود أي معدن رقيق لدرجة يمكنه تأمين الحماية المطلوبة، وصحيح بأن المهندسين الذين قاموا بصنعه قد رفعوا معايير السلامة لكن الفرق هو أن حياته هي التي تعتمد على مدى صلابة الجدار وليست حياة هؤلاء المهندسين. أحس في اليوم التالي بأن الخطاف الذي يتعلق به النابض الذي يتمرن عليه قد أصبح رخواً وقد تسبب بشقوق في الجدار ثم تفحص قاعدة الخطاف عن قرب ووجد ما يشبه التصدع الرقيق حوله ، فوضع أذنه في ذلك المكان ليسمع أي صوت تسريب محتمل ولكن بدون جدوى ثم نظر من النافذة إلى ذلك الفراغ اللامتناه أمامه الذي يحاول ابتلاع شفقته على نفسه وعلى عدم اهتمامه بكل تلك الأيام التي قضاها في التمرين وعدم معرفته بالتصدعات التي حصلت من جراء القيام بذلك، وأخبره حدسه بوجود خطب ما ، وظل لفترة يعود مراراً وتكراراً من أجل تفحص المكان ذاته حول الخطّاف ، وفي اليوم التالي اكتشف أمراً آخر لا يقل خطورة عن الأول وهو أن الهيكل المعدني للفقاعة قد تم تلحيمه ذاتياً من الداخل نحو الخارج عند نقاط اتصاله بالعوارض، ومناطق التلحيم تلك قد أوجدت نقاطاً هشة قد تتبلور لاحقاً بسبب الحركة المستمرة بالإضافة إلى الفروقات الحرارية أثناء ساعات العمل والنوم والتي قد تتسبب هي الأخرى بتمدد وانكماش الهيكل المعدني وبالأخص عند استخدام الموقد الحراري المخصص للطعام والذي توقف عن استخدامه تماماً ، ثم بدأ القيام بجولات فحص يومية لكل إنش مربع من جدران الفقاعة واضعاً علامات بيضاء بطبشورته على أماكن التلحيم التي قد صنفها على أنها ضعيفة تماماً، وظل يجد المزيد منها كل يوم حتى تبعثرت الدوائر البيضاء في أرجاء المكان، وكانت في كل نقطة تقع عيناه عليها، وعندما لا يكون يعمل على الجدران كان يحس أن النوافذ تقوم بمراقبته والتحديق به، وتمثلت ردة فعله الطبيعية بالذهاب نحوها والتحديق من خلالها في ذلك الفراغ بالمقابل؛ ذلك الفضاء البارد والغريب والمميت أمامه، وهو تلك الشرارة الوحيدة النابضة بالحياة في محيط عدائي من اللاشيء وحيداً هناك ويد مساعدة ممدودة اتجاهه ولكنها مبتورة وفي الخارج ذلك اللاشيء لا يزال قابعاً بانتظاره ليلاً نهاراً حتى يدخل إليه من أي شق أو تسريب مهما بلغ من الصغر وهو ينتظره هناك لأن الزمن بلا بداية وسينتظره إلى ما لا نهاية . كان يمد أصابعه أحياناً باتجاه الجدار مفكراً ، الموت هناك في الخارج ولا يفصلني عنه إلا جزء واحد من ستة عشر إنشاً فقط، وكانت باكورة مخاوفه قد بدأت تأخذ شكلاً أسود وسيئاً، والفقاعة لن تستطيع مقاومة ذلك التهديد لفترة طويلة، ويكفيها سلّم النجاة الذي استطاعت صعود بعض درجاته حتى الآن، كيف ومليونا باوند من الضغط تنتظر في الخارج، وذلك اللاشيء الذي سيبلع كل شيء ينتظر هو الآخر فرصته للدخول ولا يحول بينهما وبينه إلا قشرة رقيقة وهشة من المعدن و نقاط ملحومة لا تقلّ ضعفاً وهشاشة عنها . لقد عرف بأن ذلك اللاشيء يريد اقتحام الفقاعة، وعلم أن «هورن و سيلفرمان » ليسا مجنونين واللاشيء يريد الدخول وسينجح في فعل ذلك في يوم من الأيام وعندها سيقوم بنثره قطعاً لكنه لن ينتظر دخوله واختراقه الفقاعة وإحكام سيطرته عليها لأن ذلك العمل سيفرحه.... مضى عليه وقتاً طويلاً منذ أن قام بخلع الحذاء المعدني خاصته خوفاً من أن تتسبب الاهتزازات التي يحدثها بإضعاف الفقاعة أكثر مما هي عليه ، وبدأ بملاحظة أماكن جديدة لم تعد منحنية كما يجب، وكأن مطحنة ما قد ضغطت المعدن في أماكن وجعلته ينتفخ كالبالون في أماكن أخرى ، ولم يكن يتذكر متى اهتم بمعداته آخر مرة و بالرغم من أهمية لا شيء بالنسبة إليه إلا أن الخطر الذي يحيط به كان أكثر إيلاماً، وكان يعلم أن ذلك الخطر في تسارع، لأنه كلما وضع أذنيه على الجدران وأصغى واستطاع سماع تلك التكتكة و الاهتزازات الصغيرة تمددت الفقاعة وانكمشت لأن اللاشيء هناك كان يحاول النقر بأصابعه الخاوية متحسساً لأي شق أو صدع يستطيع الدخول من خلاله وبالتالي يجعله ذلك التسريب حراً . لكن الخطر الأكبر ليس مصدره تلك الشقوق التي على وشك أن تحدث وحسب بل تلك النوافذ التي تسمح للاشيء بالتحديق به طوال الوقت فلا مهرب منها أبداً ، كان باستطاعته الإحساس به وهو يحدق به بخبث و بكل شماتة حتى عندما يغطي عينيه بكلتا يديه . وأخيراً جاء الوقت الذي لم يعد يطيق له صبراً لذلك صنع خيمة من شراشف غطاء السرير ومن ثيابه التي لا حاجة له بها وامتدت الخيمة من الطاولة وحتى لوحة التحكم الأولى ، عندما زحف أسفلها وجد أن النصف السفلي من إحدى النوافذ ما زال بإمكانه مراقبته لذلك، وليكمل عمله استعان بالملابس التي كان يرتديها حيث بقي مختبئاً هناك في الظلام حيث اللاشيء لا يستطيع رؤيته أبداً ، لم ينزعج من فكرة عدم ارتدائه لأي ملابس لأن منظِمات الحرارة في الفقاعة لن تدع الجو يصل لحد كبير من البرودة، ومن هنا أضاع حسّه بالوقت ولم يخرج من خيمته إلا لإحضار المزيد من الطعام وكان لا يزال يستطيع سماع اللاشيء وهو ينقر ويحاول بلا توقف امتصاص أي ثغرة هنا أو تسريب هناك، وقام بكل احتياطاته حتى لا يضطر أبداً الخروج من مكانه ولربما اعتقد أنه يستطيع البقاء بداخلها أطول فترة ممكنة حتى يملّ ذلك اللاشيء ويمضي بعيداً عنه . أحياناً كانت صور السفينة تزوره ويتمنى لو أنها تأتي وتأخذه لكن أفكاره التي تشي بمخاوفها عن الخارج وعن محاولات من فيها لقتله هي التي أخذت زمام المبادرة الآن، وعندما بلغ منه الإنهاك ما بلغ تكوّر في جلسته والتف حول نفسه كالجنين وتظاهر بأنه لم يترك الأرض أبداً وهذا ما سهّل له طريقة إكماله للأيام التالية. ومنذ وقت طويل كلما أصدرت الفقاعة همسة أو تكتكة يتجمد عندها في مكانه وهو يفكر بأن الوقت قد أزف ل ..... وفي يوم من الأيام عندما كان ينظر أحد الرجلين تحت خيمته قال أحدهما : «أو لا يا إلهي مرة ثانية ! » واستغرب هو نفسه لماذا قال ذلك الرجل هذا لكنهما كانا شديداً الطيبة معه وساعداه على ارتداء ملابسه ، في السفينة كان كل شيء يبدو ضبابياً بالنسبة له... وتابعوا سؤاله عن ذلك الشيء الذي كان يخيفه . «ما هو الذي كان وما الذي وجدته هناك؟ » حاول جاهداً أن يحصر أفكاره ويجيبهم وقال : « لقد كان .... كان لا شيء » «ما الذي خفتم منه أنت و «هورن وسيلفرمان » بقي الصوت يُلحّ على سؤاله «لقد أخبرتك ... لا شيء » حدّق به الجميع وبدأت الأجواء الضبابية حوله بالتلاشي رويداً رويداً وخاصة عندما وجد أنهم لم يفهموا ما كان يعنيه وقد أراد منهم أن يصدقوه لأنه لم يقل إلا الحقيقة تماماً . وقال: « أراد أن يقتلنا أرجوكم – ألا تستطيعون تصديقي ؟ لقد كان ينتظرنا خارج الفقاعة ليدخل ويقتلنا » لكنهم بقوا يحدقون به وعلم أنهم لم يصدقوه فهم لم يكونوا يريدون فعل ذلك...
وبعدها عاد كل شيء ضبابياً كما كان من قبل وعندها انفجر باكياً وأحسّ بالسعادة عندما أمسكه الطبيب من يده وأخرجه من هناك... تم فحص الفقاعة بدقة من الداخل والخارج ووجدوا اللاشيء وعندما حان الوقت لاستبدال «غرين » تم نقل المهمة إلى «لاركين » الذي سيرسل بتقاريره إلى الكابتن «ماكدويل .» قال «ماكدويل » قاطباً حاجبيه : «كل شيء جاهز يا لاركين » أنت هو الشخص التالي وأتمنى لو أننا علمنا عن ماهية الخطر القابع هناك وما زلت أعتقد بأن أي أحد من العمال العاديين في غرفة المحركات قد يعطينا تقريراً سليماً عن الستة أشهر القادمة بشكل أفضل من الهراء الذي ستتفوه به مستقبلاً » أحس بالاحمرار في وجهه وقال بتصلّب : «أقترح يا سيدي أنه لا يتوجب عليك القفز إلى الاستنتاجات المسبقة حتى يحين الوقت المناسب لها » ومرة ثانية ابتلع الفراغ الفوقي السفينة الفضائية في طريق عودتها وبقي وحيداً في فقاعة المراقبة خاصته ، حيث يبتعد عشرة آلاف سنة ضوئية خلف شمس المجرة البعيدة، من الشباك نظر إلى بحر الخواء الكبير الذي يحيط به وكرر السؤال لنفسه مرة ثانية عن ماهية ذلك الخطر الذي أرعب الرجال من قبله، و لكنه كان متأكداً من شيء واحد وهو أنه سيجد لاشيء ينتظره خارج الفقاعة لكي يقتله.

مجلة الأدب العلمي العدد الثلاثون ملف الإبداع

0 comments: