Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

حدائق المرجان كنز البيئة البحرية ...الأدب العلمي العدد التاسع


حسني عبد الحافظ

تزخر البحار والمحيطات ، بالكثير من الكنوز والثروات ، وبحسب دراسات وأبحاث علمية حديثة ، فإن الكنوز والثروات ، التي تحتويها اليابسة ، لا تشكل سوى ثلث ما تحتويه الكرة الأرضية ، بينما الثلثين في قيعان البحار والمحيطات ...وقد ورد المرجان في مرتبة متقدمة ، ضمن التصنيف العالمي ، للكنوز والثروات البحرية ، إلى جانب اللؤلؤ، والمناجم القاعية للذهب الأصفر ، ومكامن الذهب الأسود(النفط) ، وغيرها .
إن المرجان هو تكوين فريد من الحجر الجيري، يأخذ أشكال عديدة، فمنه ما يأخذ صورة الأشجار ذات الفروع الكثيرة والكثيفة، ومنه ما يُشبه القباب الكبيرة، ومنه ما يُشبه المخروط ، أو المراوح الكبيرة ،أو حتى قرون الغزلان.. ويتشكّل هذا التكوين على مدى مئات السنين، بتصميم هندسي بديع تتباين فيه الألوان وتنسجم في آن واحد، تقوم به ملايين الحيوانات الدقيقة، التي تظل في عملها الدؤوب جيلاً تلو الآخر، مُكوّنه ما يُعرف بالشعاب، أو بالأحرى الحدائق ، المرجانية التي قد تمتد لمسافات بعيدة، كما هو الحال في الحيّد المرجاني الكبير، الذي يُعد أحد عجائب الطبيعة، أو تنتشر في مساحات واسعة ، مُكوّنة ما يُعرف ب " الجُزر المُرجانية ".
وكغيره ، من أمم ومخلوقات الله في أرضه ، فإن المُرجان ليس مملكة واحدة ، بل ثمة ثلاث ممالك رئيسة منه ، هي :
-مملكة الشعاب المرجانية الهدابية Frin Ging Reefs ، وهي تتشكل " على طول حافة شاطئ ما ، وتكون مُلتصقة بالقاع ، وقد تمتد خارجاً نحو الشاطئ ،مثل صدفة تحت سطح الماء . "
 مملكة الشعاب الحاجزة Reefs   Barrier، وتكون " مفصولة عن الشاطئ ب (هور ) Lagoon (1)، وهى تُشكّل حاجزًا بين الأرض والبحر المفتوح ، وفي بعض الأحيان تتشكّل ضمن سلاسل من الشعاب الصغيرة ، التي تفصل بينها ممرات مائية ضيّقة . "
-الجُزر المُرجانية Atolls ، وهي تتشكّل عندما " تُبنى حلقة من المُرجان على جانبي بركان تحجُري، يكون قد ارتفع فوق سطح  البحر "، وبمرور السنين، ونتيجة لعوامل والتعرية، تتلاشي قمة البركان تحت المياه..
يُصاحب ذلك نمو الشعاب المُرجانية، التي تتسع رُقعتها ، مُكوّنة جُزر حلقيّة ، أو سلسلة جُزر صغيرة. وأنسب البيئات البحرية ، لنمو الشعاب المرجانية ، هي التي تقع ضمن النطاق الاستوائي والمداري ، بامتداد 30 درجة تقريباً ، شمال خط الاستواء وجنوبه ، والتي لا تتعدى درجة حرارة المياه السطحية فيها ال 16 درجة مئوية ، ونسبة ملوحة تتراوح بين 30 : 35 % ، وإن كان ثمة نوعاً فريداً منها ، يُعرف ب " المرجان الأحمر ، " يُمكنه أن يتكاثر في مناطق أقل حرارة ، كما في البحر الأبيض المتوسط، وبحر اليابان..
ولكونها تحتاج إلى ضوء الشمس ، فهي تتكاثر في المياه الضحلة ، وأقصي عُمق يُمكن أن نجدها فيه ، لا يتجاوز ال 56 مترًا ، كما أن تواجدها يكون في المياه الصافية الشفّافة، وليس المياه الموسوقة بالغرين ( الطمي ) وسائر الرواسب، التي تخنق الشعاب المرجانية الضعيفة .. وثمة أنواع كثيرة من كائنات البحر، تتخذ الشعاب المرجانية مأوى دائم لها، مثل الرخويات ، التي تختبئ في كهوف الشعاب المرجانية ، و الأنقليس (الموراي) ، والسلعطون، والقشريات، والأسماك النجمية، والطحالب ، المحار ، والأصداف .

حدائق المرجان
وعلى الشاطئ الشرقي لأستراليا، بدءًا من توريس Torres ، وامتدادًا إلى جُزر سليمان، ومجموعة جُزر فانواتو، ثمة عدد هائل من الجُزر المرجانية ، تقتطع أجزاء واسعة من المُحيط الهادي، فيما يُعرف ب "بحر المرجان "، الذي يوجد في ناحيته الغربية أحد عجائب الطبيعة ، وهو الحيد المرجاني الكبير The great Barrier reef الذي يضم أكبر مجموعة من الشعاب المرجانية في العالم ، تُشكّل أكثر من 2500 حديقة بحرية فريدة ، مساحتها تتجاوز ال 350 ألف كيلو متر مربع ، وبحسب العلماء وخبراء البيئة فإن هذه الحدائق يعود تاريخها إلى نحو 18 مليون سنة ، وهذا يعني أنها نجحت في تجاوز فترة انقراض الديناصورات . وثمة حدائق مرجانية أخرى تنتشر في بحار ومحيطات العالم من أشهرها ، حدائق المرجان التي تمتد بطول الساحل الشرقي الاستوائي للبرازيل ، عبر جُزر الهند الغربية.. والحدائق المنتشرة في المحيط الهندي حتى سريلانكا وحول جُزر مدغشقر ، على الساحل الجنوبي الشرقي لقارة إفريقيا.. وثمة حدائق مرجانية بديعة الجمال تنتشر في المياه الضحلة على جانبي سواحل البحر الأحمر ، كتلك الموجودة في منطقة رأس محمد جنوب شبه جزيرة سيناء في مصر، ومنطقة سواكن في السودان ، وجزيرة سام جن في جيبوتي ، وحول جُزر فرسان بالمملكة العربية السعودية، " حيث تتعرض فيها الشعاب المرجانية لأكبر كمية من ضوء الشمس ، تساعدها على إتمام عملية البناء الضوئي ، اللازمة لنموها ، ومن ثم تمتد وتتسع الشعاب ، وتأخذ ألواناً زاهية، تبدو للغواصين، وحتى لراكبي الطائرات المروحية ، رائعة مُتألقة ".

كنز البيئة البحرية
وفوائد حدائق المرجان ، لا تقتصر على كونها تستقطب ملايين من البشر سنوياً، بمُشاهدتها والتّمتع ببديع صنع الخالق ، وإضفاء المزيد من الصفاء على النفس المُجَهدة من روتين الحياة وكفى ، بل فوائدها ممتدة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ، حيث أنّها تُعد مُستودع هام لخامات الكثير من الأدوية الطبيةّ المُتداولة حاليًا، وبتمويل من كُبرى شركات الأدوية في العالم ، تُجرى أبحاث على بعض أنواع المرجان ، وثمة قناعة بأن غير نوع من أدوية المُستقبل ، المُضادة للسرطان ومرض نقص المناعة المُكتَسبة (الإيدز) ، تكمن أسرارها وموادّها الفعّالة في نتوءات الشعاب المرجانية.. إضافة إلى ذلك، فإن المرجان، وبخاصة الأنواع النفيسة منه ، كالمرجان الأحمر، يؤخَذ لُبّه الصلب ويُصقل، ليدخل في صناعة الحُلي والمُجوهرات.. وأيضاً المسابح .
ومن فوائد حدائق المرجان أيضاً ، أنها تُساهم في حماية الشواطئ من عمليتي التآكُل والترسيب، التي تنتج عن العوامل الجوّية.. ناهيك عن أنها بمثابة مراعي بحرية ، غنيّة بالغذاء ، للأسماك والرخويات ، وغيرها من الكائنات البحرية ، التي يصطادها الإنسان ، وتُمثّل مصدرًا رئيساً لطعامه.. وبحسب دراسة اقتصادية للباحث كليف ويلكيستون ، أذاعت وكالة الأسوشيتدبرس مقاطع منها ، فإن الشعاب المرجانية تلعب دورًا اقتصاديًا أساسيًا في مناطق عديدة من العالم ، يتراوح بين اجتذاب السُيّاح ، وتأمين الغذاء ، وملجأ للأسماك ، وتصل فوائدها الاقتصادية إلى 375 مليار دولار سنوياً .

أخطار تهدد حدائق المرجان
ويُعد التلوّث ألد أعداء المرجان ،حيث يُصيبه بالأمراض، التي من أخطرها التقصير أو التبييض المرجاني، حيث تفقد الشعاب المرجانية ألوانها الزاهية ، وتموت أعداد كبيرة من الطحالب الصفراوية التكافلية.. وقد رُصِدت حالات مرضيّة من هذا النوع بين عامي 1979 و 1980 م في الشعاب المُحيطة بأوكيناوا، وجُزر الفصح وشمال شرق أستراليا، والبحر الكاريبي .. حدث الشيء نفسه بين عامي 1982 م و 1984 م في
الشعاب المرجانية المُقابلة للشواطئ الشرقية في القارة الإفريقية ، والشاطئ الغربي لأمريكا الوسطى ، وبين عامي 1986 م و 1988 أصاب التلوث الشعاب المرجانية في كلٍ من هاواي و فيجي وجزيرة مايوت بأضرار جسيمة ، حيث تدهورت قطاعات كبيرة منها ، فقدت ألوانها .. وبحسب أبحاث علمية ، أُجريت في حينه، وتواصلت بعد ذلك ، تبيّن أن الشعاب المرجانية تأثرت بارتفاع درجات الحرارة ، وما يُصاحبها من زيادة في نسبة الأشعة فوق البنفسجية ، المُنبعثة عبر طبقة الأوزون ، كما
تأثرت بالنفّايات التي تتسرّب إليها، وبخاصة ما يُعرف ب"مياه الصابورة"، التي تُلقيها السُفن في البحر ، أثناء تنظيف الخزّانات والمُستودعات ، التي على متنها . وكانت شبكة CNN الإخبارية، قد أذاعت تقريرًا حول ( أثر التلوّث على الشعاب المرجانية ) ، ورد فيه « إن مساحات الشعاب المرجانية في العالم ، آخذة في التقلّص ، نتيجة التغيّرات المناخية، وما طرأ من ارتفاع ملحوظ على حرارة الأرض خلال العقدين الماضيين ، وأن 30 في المئة فقط من شعاب المُرجان في العالم ، لا تزال مُتعافية ، مُقارنة ب 41 في المئة منذ عامين » .. وكشف التقرير « أن قرابة خُمس المساحات التي تمتد عليها هذه الشعاب ، أصبح مُدمرًا بشكل كامل ، ونصفها تضرر بشكلٍ كبير ، ولكن لا يزال هناك إمكانية لإنقاذها . » وبغير التلوّث ، ثمة مخاطر أُخرى تُهدد الشعاب المرجانية ، جُلها بالأساس يعود إلى سلوكيات ومُمارسات بشرية خاطئة ، نوجزها في الآتي :
- إسقاط مراسي القوارب والزوارق فوق الشعاب المرجانية .. ويكون الضرر عندما تُسحب هذه المراسي بقوّة ، فتؤدّي إلى قلع الشعاب من جذورها .
- التعامل غير الرشيد مع البيئة الشاطئية، التي تتسم بحساسيتها الشديدة للعوامل الطبيعية ، فجرف الرمال والصخور الشاطئية، لأغراض البناء ونحوها ، يؤثّر بشكل كبير على الشعاب المرجانية المُتاخمة للشاطئ ، حيثُ يزيد من تعكير المياه ، ومن ثم حجب الضوء الذي يصل إلى المرجان .
- السباحة والغوص في مناطق الشعاب المرجانية ، وما قد يصاحبه من احتكاك أدوات ومُعدّات الغوص، أو دعس بالأقدام ، على الأجزاء الهشّة من الشعاب .. وهذا أمر شائع يحدث من قِبل هواة جمع المحار والقواقع البحرية .

حدائق المرجان في قائمة التراث العالمي
ونتيجة للمخاطر المُحدقة بالشعاب المرجانية، التي تُمثّل أحد أهم الكنوز الفريدة:  إن لم تكن أهمّها على الإطلاق  في البيئة البحرية ، وفقد استُحدث ما يُعرف ب «شبكة مُراقبة المُرجان في العالم » ، التي تتخذ من سويسرا مقرًا رئيسًا لها، وهى هيئة دولية تستهدف بالأساس حماية ما تبقّى من الحدائق المرجانية، والعمل على تنميتها.. وكانت مُنظّمة اليونسكو ( مُنظّمة الأُمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة )، قد أدرجت الكثير من حدائق المرجان النادرة حول العالم ،ضمن قائمة « التُراث العالمي » ، سبق ذلك إبرام عدة اتفاقيات دولية، لإدراج المرجان الأحمر ضمن الأنواع الحيّة، التي يخضع صيدها واستغلالها لتدابير خاصة"، ومن هذه الاتفاقيات ، اتفاقية برن لصون الموائل الطبيعية، وبرتوكول (BD /  SPA) ، الذي أُعتمد عام 1995 م، والمُتعلّق بمناطق التنوّع البيولوجي ، المُتمتّعة بالحماية الخاصة .
وكانت خطة العمل الدولية لصون النظام الإيكولوجي المرجاني، قد قدّمت عدد من التوصيات، فيما يتعلّق بالإدارة المُستدامة للمرجان، نوجزها في النقاط التالية : «ضرورة نشر الوعي في صفوف الجمهور ، والجهات المعنيّة بشأن الايكولوجية المرجانية، حول ماهية المرجان كعُنصر من عناصر التُراث العالمي"
ترويج الاستغلال الرشيد ، عبر ما يلي :
- صياغة خطط الإدارة المُستندة إلى مبدأ تناوب مواقع الصيد ،لفترات تتلاءم مع الأنواع المُعيّنة .
- حماية الموائل من مُعدّات الجرف والأخطار الأُخرى .
- صياغة القواعد المُتعلّقة بالحجم الأدنى للمرجان المُصيِد ، وتكثيف عمليات تفتيش ورصد مُعدّات الصيد المحظورة ، واحترام مناطق الصيد .
-تدريب صيّادي المرجان المهنيين، على استخدام تقنيات الصيد الانتقائي، والنهوض بوعي الغطّاسين.
- تعزيز البحوث العلمية، والترويج لإنشاء شبكات تبادل البيانات، بمُساندة المُنظّمات الدولية والإقليمية، مثل برنامج الأُمم المتحدة للبيئة ، والبرنامج الإطاري للبحوث والتطوير التقاني في الاتحاد الأوروبي ، والهيئات العامة لمصايد الأسماك ، وما إلى ذلك .
- على المدى الطويل، ضرورة تشجيع ومُساندة تربية المرجان، كبديل عن صيده .
- القيام بالتشاور مع الجهات المعنية بإنشاء المزيد من المناطق البحرية المحميّة، على أن تكون ذات مساحة كافية ، لتشتمل على محميات المرجان .
إن حدائق المرجان هي زينة البحار والمُحيطات، التي تُبهج النفس وتسُر الناظرين، بألوانها الزاهية الرائعة ، ناهيك عن أهمّيتها البيئية والاقتصادية.. لقد أقرّ جل العُلماء ، الذين عكفوا على دراسة هذه الحدائق الحيّة، أنّهم لم يعرفوا سوى غيض من فيض أسرارها، وأشاروا إلى أنها بمثابة «كِنز ثمين على موائد البحث العلمي.

الهوامش :
الهور Lagoon : بُحيرة تجري إليها المياه ، فتفيض ، وتتسع .

المراجع:
- أطلس العالم الكبير  بيروت ( بدون تاريخ).
- ذكي ، أ . د . أحمد : نحو موسوعة علمية.
- كمال ، د . رحاب : عجائب الدُنيا السبع، وغرائب القارات الست  دار الطلائع للنشر والتوزيع  القاهرة ( بدون تاريخ ) .
- تقرير حول الذهب الأحمر ( مجلة أمواج البحر المتوسّط  العدد 56  تصدر عن مُنظّمة خطة عمل البحر المتوسط ) .
- الموسوعة العربية العالمية .
- الموسوعة الحرة . 

مجلة الأدب العلمي العدد التاسع محطات

0 comments: