Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

علم الصيدلة عند العرب .... الأدب العلمي العدد الأول


أ.د. محمد عامر المارديني

عرف علم الصيدلة عند العلماء العرب باسم علم الأدوية أو علم العقاقير، ودعي بالأقرباذين وهي كلمة يونانية تعطي معنى الأدوية المركّبة أو تركيب الأدوية ..
ويقال أن علم الصيدلة نسبة إلى الصندل وهو محرّف عن ذلك ، وكان العرب كثيري العناية بالصيدليات ولا سيما الأندلسيون ، فإنهم كانوا يتفحصون أدويتها تفادياً لوقوع الغش وحدوث الضرر لمن يتناولونها ..
من الصعب جداً فصل علم الصيدلة عن الطب ، لأن الطبيب كان في الماضي يمارس علاج المرضى ويركب الدواء أيضاً ..
ولكن الأطباء العرب المسلمين قرروا فصل الطب عن الصيدلة ، لأن استخدامات الأدوية وتركيبها صار أكثر تعقيداً ، ووجب أن يتفرّغ من يعمل في حقل الصيدلة ويترك علاج المرضى للأطباء وكان ثمة تجار يتعاطون تجارة العقاقير والمواد الطبيعية ، كما كانوا يتعاطون تجارة البخور والتوابل .. وكانت الصيدلة من أربح أنواع التجارة ، لذلك استغلّها التجار . فصاروا يغشّون في الأدوية ..
ولم يكتفِ بعض العطارين بالتدليس والغش ، بل كانت تذهب بهم الجرأة والاستهتار إلى أبعد من ذلك فيدّعون أن لديهم جميع أصناف الأدوية ، ويدفعون لمن طلب منهم دواء أي دواء آخر معتمدين على أن الطالب عادة غير ملّم بمعرفة الأدوية ..
وهكذا أمر الخليفة المأمون بامتحان أمانة الصيادلة .. واهتم الولاة بعد ذلك اهتماماً بالغاً بالحفاظ على سمعة الصيدلة ، وعدم السماح لأي شخص بمزاولة المهنة إلا بعد أن ينجح في الامتحان وتثبت كفاءته.. وهكذا انحصر الممارسون للصيدلة بالامتحان الذي يضمّ أكفأ الأطباء ..
لقد برع الحكماء في استخلاص الأدوية من النباتات الطبيّة ، وحضّروا المعاجين والمساحيق والأقراص .. ووصلوا بتنقيتها إلى درجة من النقاوة تضاهي في بعضها تلك التي يتم تحضيرها في المختبرات الكيمياوية الحديثة ..
وأعطى تفوق علماء العرب والمسلمين في علم الكيمياء فرصة تميّزهم في علم الصيدلة فهم أول من بدأ بتركيبات الأدوية بصورة فعّالة دقيقة ..
وأنشأ العرب أول صيدلية في التاريخ ، حتى يمكن القول أن علم الصيدلة هو علم عربي إسلامي بحت .. وقد أدت مهارتهم في صنع العقاقير ، إلى إيجاد طريق تجاري نفذوا فيه إلى بقية أنحاء العالم ..
ويقال أن ازدهار بعض المدن الأوروبية كالبندقية في القرون الوسطى يعود إلى التجارة بالعقاقير التي صنعها العرب ..
وكان للصيادلة العرب قصب السبق في تجريب الأدوية على الحيوانات قبل أن توصف للمرضى .. وهذه التجارب التي أجروها على الحيوانات ، دونوها في كتبهم ومخطوطاتهم بحيث أصبحت مرجعاً لأوروبا في نهضتها الحديثة ..
لقد أكد الصيادلة العرب على التجريب .. ويفحص الدواء بطريقة التجربة ، يشترط أن تتحقق سبعة شروط منها أن يكون المجرّب عليه علّة مفردة لا مركبة ، وأن تكون قوة الدواء معادلة لقوة العلّة وأن يكون مجرباً حتى على الذين لا تقبل أجسامهم الدواء ، ويجب مراعاة المدّة ، والرائحة والطعم ..
كان على الصيدلي أن يهتم بتحضير الأدوية وأن يجعلها مستساغة وصالحة لعلاج المريض وقد نصح ابن سينا بتغليف الحبوب بالذهب والفضّة ، وحضّر الزهراوي الدواء، على شكل أقراص ..
لقد ابتدع العرب طرقاً كثيرة في تحضير وتنقية الدواء منها التقطير والترشيح والتكليس والتحويل والتبخير والتذويب والتبلور والتصويل ..
وفي عصر المعتصم ، أصدر قراراً بمنع ممارسة الصيلة إلا من قبل من يحمل شهادة تثبت كفاءته .. كما أكد الصيادلة على خصوصية مهنتهم وأهميتها .. وافتتحت الصيدليات المستقلّة عن محلاّت العطارة .. وأصبح علم الصيدلة علماً قائماً بذاته ، مبنيّاً على التجريب والمعاينة .

مجلة الأدب العلمي  العدد الأول 

0 comments: