Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

مرايا الدماغ المدهشة ....الأدب العلمي العدد الثالث عشر


أ.د. محمد عامر المارديني

إن المعرفة قد تصل إلى الإنسان من مصادر أخرى غير الحسّ حين يخزّن الكم المعرفي في عقله مستفيداً منه، متأملاً في أعماقه تنوع المعارف المرتبطة بالوعي.. ومن المؤكد أن الأفكار تنتقل من إنسان إلى آخر.. ولو كانت تفصل بينهما مسافة كبيرة.. وهذه الحقائق حسب رأي علماء النفس، التي تنتمي إلى علم ( ماوراء النفس) يجب أن نقبلها على علاّتها، إنها تكوّن جزءاً من حقيقة الإنسان.. وتعبر عن جانب نادر يكاد يكون غير معروف من أنفسنا..
من الجائز أنها مسؤولة عن الدقة العقلية الذكية التي تلاحظ عند بعض الناس.. إنها ظاهرة متفوقة تنتج من اتحاد العقل الذكي مع القدرة على التخاطر..
إن العقل الذي يجعلنا نسيطر على ماحولنا إلى حدّ ما، ليس شيئاً بسيطاً، إننا نعرف جانباً واحداً من جوانبه، ونحن نحاول أن ننميه في المدارس والجامعات.. وهذا الجانب يبدو صغيراً أمام الجوانب الأخرى التي لها علاقة بالتفكير والمحاكمة المنطقية، والبصيرة النافذة.. فصاحب البصر المغناطيسي يمكنه أن يقرأ أفكار الآخرين ويبدو أن قراءة الأفكار هذه تتصل بالإلهام العلمي.. وفي كثير من المناسبات يندفع الإنسان لفعل شيء ما كأنه مدفوع بغريزة غير مفهومة، ويكون ذلك الشيء محصّناً له من خطر جسيم قد يقع فيه.. قد يصبح الرجل الذي كتب عليه الموت ودوداً مطواعاً فجأة دون مقدمات، ثم يموت فجأة.. وقد يشعر الإنسان بدنو أجله فيحاول أن ينهي مشاكله..
إنه يحاول أن ينهي أي مشكلة مع الناس ليخرج إلى عالمه الآخر مرتاح النفس.. وصاحب البصر المغناطيسي قد يرى موت الناس الذين يحبهم، أو قد يصف منظراً يبعد عنه آلاف الأميال، أوقد ينقل أفكاره لشخص متلق بعيد عنه، فينفذها دون إرادة.. والإنسان سرّ الأسرار، مازال الكثير من هذه الأسرار خافياً عليه، رغم تكوره العلمي الكبير.. إنه يحقد فيدمر بحقده.. ويحب فيصبح برقته شفافاً.. وبين الحقد والحب تكمن الألغاز المستعصية على الحل..
لم تكن البشرية في مسيرتها التاريخية مقتنعة بأن الذكاء الإنساني هو ذكاء متفرّد في الكون، كانت تتخيل أن هناك نوعاً من الحياة العاقلة موجودة حولها دون أن تستطيع كشفها، وكبر هذا التخيل حتى شمل البحث عن الحياة العاقلة في الكون المحيط بنا، ومازال هذا البحث مستمراً..
والذكاء الإنساني لا يقارن بذكاء الكائنات الحية الأخرى فهو ذكاء موجه عميق له قدرة على الاستيعاب والتحليل والاستنتاج بشكل لا يضاهيه فيه أي نوع آخر من الحياة.. نحن طبعاً نرصد بعض الكائنات الذكية ونحاول متابعتها ومقارنة ذكائها ببعضها، واختيار الأميز منها، مؤكدين أن هذه المقارنة لاترقى بها إلى المقارنة بمستوى ذكاء البشر.. من هذه الكائنات قردة البونجيدا (معدومات الذيل)، أذكى عائلات القرود، ومن بينها الشمبانزي والغوريللا و(الأورانغ أوتان).. هناك الدلافين التي تظهر ذكاءً واضحاً.. والغربان والببغاوات والكلاب والفيلة والذئاب، وبعض أنواع الزواحف والقطط والحيوانات المفترسة.. وهذا الذكاء يظهر في تقبل هذه الحيوانات للتدريب وإطاعة الإنسان الذي يتفرّغ للقيام بتنمية هذا الذكاء في حيوانات السيرك أو حدائق الحيوان، أو حتى في الغابات المفتوحة.. ويبقى الذكاء الإنساني هو الأكمل، والعقل البشري يشع بالطاقة.. ويمكن للإنسان أن يستوعب الكثير ويصل إلى مستوى راق من المعرفة.. وبإمكان دماغه أن يخزّن مالم تستطع الحواسيب الكبيرة استيعابه..
لاشك أن الإنسان هو أحد المخلوقات الفريدة، فهو يستطيع أن يخزن معلوماته الكبيرة بحرص في تلافيف دماغه دون أن ينساها.. ومنذ نشأة الإنسان على الأرض وهو يروّض علاقاته مع بني جنسه بحيث حقق الاستقرار للمجتمعات المتتالية التي مرّت على التاريخ البشري.. ومع انتشار القوانين الناظمة لعلاقات الناس ببعضهم أصبحت المجتمعات أكثر استقراراً ونمت حضارات اعتمدت على الاستقرار الاجتماعي في فترة ازدهارها وتقدمها..
رجّح بحث علمي نشر مؤخراً أن يكون الإنسان قد تمتع منذ آلاف السنين بحاسة سادسة مفقودة الآن بسبب تحوّل في جينات الجنس البشري، ويعتقد العلماء بوجود آثار عضو ضامر في الأنف كان في يوم مايلتقط الإشارات الكيميائية الصادرة عن أشخاص آخرين، بينما يرى البعض الآخر أن العضو مازال يؤثر على السلوك البشري إلى يومنا هذا..
ويقع هذا العضو الضامر خلف فتحتي الأنف في الدماغ وهو عبارة عن ثقبين صغيرين يحتويان على أعصاب تلتقط الإشارات الكيميائية التي يفرزها الآخرون، ولم يحسم العلم حتى الآن ماإذا كان الجسم البشري يمتلك القدرة على إطلاق الإشارات الكيميائية أم لا؟
وبالمقابل فإن الإشارات الكيميائية المنبعثة من أجسام العديد من الحيوانات تحرك أقرانها أنماطاً سلوكية غريزية مثل العدوانية، والتزاوج.. وقد قام أحد العلماء بعزل أحد الجينات من أجساد فئران التجارب، وهي الجينات التي يعتقد أنها تلعب دوراً أساسياً في التقاط الإشارة الكيميائية.. وقد تم التوصل إلى أن جسم الإنسان يحتوي على الجين نفسه، ولكن في صورة محورية تجعله عاجزاً عن أدائه وظيفته.. وأدت هذه النتيجة إلى الاعتقاد بأن البشر ربما عتقوا في عصور سابقة بالقدرة على التواصل بلغة كيميائية دقيقة المفردات، ولكن البشر فقدوها بعد أن أصبحت أنوفهم الضامرة غير قادرة على النمو والعمل بالصورة السليمة..

مجلة الأدب العلمي   العدد الثالث عشر   

0 comments: