الحياة خارج الأرض ....الأدب العلمي العدد الأول
هيسم جادو أبوسعيد
ليست فكرة البحث عن كائنات حية خارج
الأرض فكرة حديثة، لكننا نستطيع أن نقول أن الافتقار إلى الوسائل التي تمكّن من
البحث عن الحياة خارج الأرض جعل هذه المسألة تنحصر في نطاق التأمل الفلسفي والتوقع
العلمي لفترة طويلة من الزمن ، ويمكن عند التطرق إلى هذا الموضوع التحدث عن عدة
مراحل ..
ففي
القديم
تصور
مثقفو
مدرسة
الأيونات
الفلسفية التي أسسها
تالس
عام
600 ق.م
كلاً
من القمر والنجوم على
أنها
مأهولة
بالكائنات
الحية.
ورفضت
مدرسة
أبيكوريا
التي
تأسست
بعد
ذلك ب 300 سنة
فكرة
أن
تكون
الأرض
هي
العالم المسكون الوحيد.
وفي
مرحلة
تالية
مرت
فكرة
وجود
كائنات
حية خارج الأرض بحالة
من
الركود
استمرت
نحو 1000 سنة.
حيث
قدّم العالم الإسكندراني
كلاوديوس بطليموس
نموذجاً هندسياً للكون
يجعل فيه الأرض مركز
العالم كله بينما
تدور الشمس والقمر والكواكب
حولها في مدارات
دائرية معقدة قام بوصفها
بدرجة عالية من
الدقة بالنسبة إلى ذلك
العصر، بينما اعتبر
أن النجوم مثبتة في
قبة السماء الكروية
التي تدور حول الأرض
مرة واحدة كل
يوم. وبسبب كون
الأرض مركز الكون فقد
أصبح للإنسانية مكانتها المتفردة،
مما جعل التساؤل
عن عوالم أخرى مأهولة
بالسكان أمراً غير
جدير بالاهتمام.
واستمرت
حالة
الركود
تلك
حتى
عصر
النهضة الأوروبية، حيث
ظهرت
نظرية
جديدة
ترى الكون بشكل مختلف
عن
نظرية
بطليموس،
وقام بوضع هذه النظرية
نيقولا
كوبرنيكوس
) 1473 – 1543 م( الذي اعتبر
في
كتابه
«دوران الأجسام
السماوية
»
الشمسَ
مركزاً
للكون
بدلاً
من الأرض، بينما تدور
حولها
مجموعة
من
الكواكب أحدها الأرض
حتى
تتمكن
الشمس
من أن تمد الكواكب
السيارة
بالضوء،
وبهذا
أصبحت الأرض مجرد كوكب
من
الكواكب
التي تدور حول الشمس،
وفقدت
فكرة
فرادتها
وفرادة قاطنيها رونقها
وأهميتها. وعادت فكرة
وجود
كواكب
أخرى
مأهولة
بالأحياء
للظهور، حيث كان
كبار
فلكيي
القرن
السابع
عشر
واثقين
تماماً
من
هذا. ولكن
كوبرنيكوس
افترض خطأ أن الكواكب
السيارة
تتبع
في
حركاتها مدارات دائرية
تماماً. وعندما
توفي
كوبرنيكوس عام 1543 م
لم
يترك
سوى
سبعة
وعشرين رصداً بدلاً
من
الآلاف
اللازمة
لتعزيز
نظريته وتطويرها، ومع
هذا
فقد
كانت
نظريته
أدق وأوضح مما سبقها.
وقد
أسهم
الفلكي
الدانمركي
تايخو
براهي
) 1541 – 1601 م( من خلال
أرصاده
في
إثبات
نظرية كوبرنيكوس، وقد ساعده
في
أبحاثه
العالم الرياضي جوهان
كبلر )
1571 – 1630 م(
الذي
كان
يحسب
مدارات
الكواكب
السيارة
بناء
على أرصاد براهي، فأثبت
أن
مداراتها
ليست
دائرية تماماً كما
افترض
كوبرنيكوس،
بل
هي
قطع ناقص أو إهليلجية
Eliptical والشمس
تحتل إحدى بؤرتَي القطع
الناقص.
وكان
لاختراع
التلسكوب )المنظار
الفلكي
أو
المقراب( أهميته في تعزيز
هذه
الفكرة،
من
خلال التوصل إلى مجموعة
من
الاكتشافات
الباهرة التي أظهرت
أن
بعض
كواكب
المجموعة
الشمسية تشبه الأرض.
فقد
اكتشف
الفيزيائي
الإيطالي
غاليليو
غاليلي ) 1564 – 1642 م( بواسطة المنظار الفلكي
الذي
بدأ
مراقبة
الكواكب
عبره
عام
1609 م أربعة أقمار
تدور
حول
المشتري،
فلم
تعد الأرض ذات القمر
الواحد
أبرز
أعضاء
المجموعة الشمسية، واكتشف
غاليلي
أيضاً
جبالاً وودياناً فوق
القمر.
كما
استطاع
مراقب
الكواكب
الهولندي
كريستيان هويغنز Huygens من
خلال
دراسته لكوكب المريخ
التوصل
إلى
أن
المريخ
يعتبر أرضاً ثانية، وكان
من
أوائل
العلماء
الذين
أشاروا إلى إمكانية
وجود
حياة
على
سطح
كوكب المريخ.
وجاء
إسحق
نيوتن
Newton بعد
قرن
ونصف من كوبرنيكوس ليلغي
نظرية
النجوم
المثبتة في قبة
السماء،
وليُحدِث
ثورة
كبيرة
في تطور فكرة الكواكب
المأهولة،
فقد
افترض
نيوتن أن النجوم هي
شموس
موزعة
في
فراغ
غير متناه. ولم تكن
هذه
الفكرة
جديدة
تماماً، فقد قامت
الكنيسة
في
عام
1600 م
في
روما
بإعدام
الراهب
غيوردانو
برونو
Bruno لأنه كان مقتنعاً
بوجود
العديد
من
«الشموس
» التي تدور حولها
العديد
من
الكواكب
المماثلة
للأرض، وكان ذلك
مخالفاً
لتعاليم
الكنيسة.
وقد
قادت
افتراضات
برونو
إلى
افتراض
وجود
عدد كبير من الكواكب
التي
يُحتمَل
وجود
المياه
عليها، وإلى احتمال
وجود
كائنات
عاقلة
في
الكون، ورفع هذه
الأفكار
إلى
المستوى
الفلكي
الذي تُناقَش عنده في
يومنا
هذا.
وفي
عام
1755 م
حاول
الفيلسوف
الألماني
عمانوئيل كانت في
كتابه
تاريخ
الطبيعة
ونظرية
السماء أن يفسر
أصل
المجموعة
الشمسية
علمياً، استناداً إلى
قوانين
الميكانيك
الأساسية
التي صاغها نيوتن.
وحسب
رأيه،
نشأت
الشمس
والكواكب
من
تجمع عشوائي للشهب فقط،
وهذه
العملية
يمكن من حيث المبدأ
أن
تتكرر
في
مواقع
أخرى
من الكون، وبالتالي يمكن
للعمليات
التي
أدت
إلى ظهور الحياة وتطورها
أن
تتكرر
أيضاً.
وفي
عام
1830 م
عبّر
الإنكليزي
شارلز
ليل
Lyell
عن
رأيه
بأن
مظهر
سطح
الأرض
الحالي
إنما هو نتيجة عملية
تطور
طويلة
ومستمرة،
وقد تأثر بهذه الفكرة
الإنكليزي
شارلز
داروين
Darwin
الذي
أسس
نظرية
التطور
التي
تحاول تفسير تطور الحياة
على
الأرض،
ونشر
كتابه «أصل
الأنواع
»
في
عام
1859 م.
وأعلن
العالم
الفلكي
الإيطالي
جيوفاني
سكياباريلي عام 1877 م
عن
وجود
قنوات
في المريخ، فقد رصد
خلال
اقتراب
المريخ
من الأرض وجود شبكة
معقدة
من
الخطوط
المفردة والمزدوجة التي
تقاطعت
مع
المناطق
اللامعة من الكوكب،
وبسبب
خلل
في
الترجمة
من اللغة الإيطالية إلى
اللغة
الإنكليزية
فهم
الأوروبيون
والأمريكيون
أن
القنوات
التي
تحدث
عنها سكياباريلي كانت من
صنع
كائن
مفكر.
لكن
سكياباريلي
أعلن
عام
1892 م
عن
توقفه
عن مراقبة المريخ بسبب
ضعف
بصره. وفي عام 1894 م
أقام
برسيفال
لويل،
وهو
من بوسطن، مرصداً كبيرا
لمراقبة
المريخ. وكان لويل
قد
تأثر
كثيراً
بالاعتقاد
الذي
انتشر
بقوة
إثر ما أعلنه سكياباريلي،
فظن
لويل
أنه
يرى
شبكة من حفر الري
الكبيرة
تلتف
حول
المريخ
وتحمل
المياه
من
الجليد
القطبي
الذائب
إلى
السكان العطاش في
المدن
الاستوائية،
بهذا
ظن
أن المريخ مأهول بسكان
من
جنس
أقدم
وأكثر
حكمة من البشر ومختلفين
كثيراً
عنهم،
وظن
أيضاً أن التغيرات الموسمية
في
المناطق
المعتمة
على المريخ تعود إلى
نمو
النباتات
وموتها،
وظن
كذلك أن المريخ يشبه
الأرض
إلى
حد
بعيد.
وفي
عام
1907 م
راجع
ألفرد
راسل
والاس
الذي كان قد ساهم
في
اكتشاف
التطور
بواسطة الانتقاء الطبيعي
أحدَ
كتب
لويل،
فقدّم تحليلاً فيزيائياً دحض
فيه
ما
ظنه
لويل،
فقد استنتج والاس أن
الحياة
الكفيلة
بهندسة
وحفر قنوات الري على
المريخ
مستحيلة،
ولكنه
لم يقدم رأيه بشأن
وجود
العضويات
المجهرية.
وفي
عام
1947 انطلقت
الأخبار
المتعلقة
بالأطباق الطائرة Flying Saucers حين ادّعى
رجل
أعمال
أمريكي
يدعى
كينيث
أرنولد
بينما كان يحلّق بطائرته
الخاصة
بالقرب
من
جبل رينيير في واشنطن،
أنه
رأى
طبقاً
طائراً.
وراحت
مثل
هذه
الأخبار
تتكرر،
لدرجة
أن
البعض ادّعى أنه قابل
مخلوقات
فضائية
أو
سافر في أطباق طائرة
جاءت
من
الزهرة
أو
من
المريخ. وقد عمد بعض
الكتّاب
بناء
على
هذه
الأخبار إلى تفسير
بعض
الأحداث
الواردة
في
الأساطير القديمة والتوراة
على
أنها
مشاهدات
قديمة لصحون طائرة .
وقد نفى
العلماء هذه الأخبار ووجدوا لها تفسيرات مختلفة
تماماً
عن
أن
تكون
مرسَلةً
من حضارات بعيدة عن
الأرض.
وخلال
فترة
طويلة
تطور
الصاروخ
الذي
ظهر أول مرة في
الصين
وكان
استخدامه
فيها
لأغراض احتفالية، ثم
استورد
إلى
أوروبا
في
القرن الرابع عشر تقريباً
ليتم
استخدامه
في الحرب. وفي نهاية
القرن
التاسع
عشر
درس معلم مدرسة روسي
هو
كونستانتين
تسيولكوفسكي إمكان استخدام
الصاروخ
كوسيلة للنقل إلى
الكواكب،
ثم
طوره
للتحليق
على ارتفاعات عالية العالِمُ
الأمريكي
روبرت
غودارد، الذي استُخدمت
جميع
ابتكاراته
في
الصواريخ الحربية الألمانية
(V2)
في
الحرب
العالمية الثانية، ثم
في
إطلاق
الصاروخ
المركّب
ذي المرحلتين كابورال(( V2WAC إلى
ارتفاع
400
كم.
وفي
الخمسينيات
من
القرن
العشرين،
ونتيجةً للتقدم الهندسي
الذي
حققه
سيرغي
كورولوف في الاتحاد
السوفييتي
ووارنر
فون
براون في أمريكا، ظهرت
الأقمار
الصناعية. وبإطلاق الاتحاد السوفييتي
لقمره
الصناعي
سبوتنيك 1 في عام 1957 م،
ثم
بإطلاق
عشرات
الأقمار الأمريكية والسوفييتية،
وبإطلاق
أول إنسان وهو يوري
غاغارين
رائد
الفضاء
الروسي في قمر
صناعي
يدور
حول
الأرض
في
عام
1961 م،
ثم
برحلات
الإنسان
إلى
القمر، بدأ عصر
الفضاء
بالنسبة
إلى
الإنسان،
وأخذ موضوع البحث عن
الحياة
على
الكواكب
الأخرى حيّزاً هاماً
من
الدراسة
التي
ما
زالت
مستمرة حتى اليوم.
لمتابعة
المقال راجع مجلة الأدب العلمي العدد الأول
0 comments: