Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

رحلة في عالم النجوم والمجرات ...الأدب العلمي العدد الثامن


أ.د. طالب عمران
يملك الفلكيون الذين يجوبون الفضاء بتلسكوباتهم البعيدة المدى تلسكوبات أخرى محمولة على أقمار صناعية يكشفون بواسطتها المجموعات النجمية على أبعاد سحيقة تزيد عن آلاف السنوات الضوئية (السنة الضوئية تعادل ستة ملايين مليون ميل )، وهناك كاشفات للأشعة السينية استطاع العلماء بواسطتها الكشف عن ولادة النجوم في مناطق كانوا يعتقدونها خالية حيث توجد علميات تسخين للمادة الناتجة عن حالة دوران امتصاصية دائمة يقوم بها نجم يمتص المادة بحيث يرفعها لدرجة هائلة من الحرارة تمكنها من بث الأشعة السنية في موجات مستمرة .
لعل هذه الفرضية تتفق إلى حد بعيد مع فرضية ظهرت في ثلاثينيات هذا القرن تقول بوجود نجوم قديمة متلاشية تملك قوة امتصاصية هائلة تجعلها تمتص كل ما يقترب منها ضمن دائرة محددة ، فإذا مرت نجمة ضمن هذه الدائرة فإن النجمة القديمة المتلاشية-التي تسمى بالثقب الأسود- تمتص هذه النجمة الداخلة في فلكها بحيث تنبثق عند ذلك أمواج هائلة من الأشعة السينية . .
وقد اكتشف أحد الفلكيين في (أوتاوا كندا) ثقباً أسوداً ضخماً في قلب مجرة الأندروميدا ، أضخم بمليون مرة من الثقوب السوداء التي اكتشفت في مجرة الأندروميدا (الشبيهة بمجرتنا) ويقول الخبراء أن هذا الثقب الأسود الضخم في قلب المجرة التي هي أقرب المجرات إلى مجرتنا ، يمكنه أن يبتلع الكثير من النجوم والسحاب الكوني ..
من جهة أخرى أعلن علماء من بريطانيا أنهم عثروا على أبعد نقطة معروفة في الكون حتى الآن ،وهو مصدر شعاع نجمي بعيد جداً عنا لدرجة أن ضوءه استغرق عشرين مليار سنة ليصل إلى الأرض ، ويعتبر هذا المصدر الإشعاعي (شبيه النجم) من أقوى مصادر الطاقة المعروفة ومن المحتمل أن يكون قد تشكل عندما كان عمر الكون مليار سنة ، وهذا الاكتشاف يقدم معلومات هامة عن حجم وعمر الكون ..
يتغير رأي الفلكيين بين مرة وأخرى عن حجم الكون ، وكل مرة يزداد حجمه عن السابق وتزداد دراسة مجراته ونجومه ، ولعل المجرات المجاورة لمجرتنا قد خضعت أكثر من غيرها لدراسة الفلكيين منذ أوائل هذا القرن ..
إضافة لدراسة مجرتنا ( درب التبانة) نفسها .. فمن مجرتنا ممثلاً  عمد كابتن جاكوني كورنيليس ، عام 1906 إلى دراسة الطريق اللبني وصور جزءاً منه وانتهى إلى فكرة أن المجرة على هيئة عدسة وأن الطريق اللبني الذي يشبه السحب المكونة من ملايين النجوم البعيدة التي نراها عندما ننظر على طول العدسة ، هو العجاج المشكل للسحابة وقدر طول المجرة ب ( 23 ) ألف سنة ضوئية وسمكها نحو ستة آلاف سنة ضوئية ، وقرر أن المجموعة الشمسية تقع قرب مركز المجرة وأرجع ( كابتين) أسباب ذلك إلى الطريق اللبني يقطع السماء إلى نصفين متساويين لذلك تقع  المجموعة الشمسية في المستوى المتوسط للعدسة ، ولو كانت فوقه أو تحته بكثير فإن الطريق اللبني يزدحم بالنجوم في نصف السماء .. فلو كانت المجموعة الشمسية في طرف العدسة فإن الطريق اللبني يكون أكثر سمكاً في الطرف البعيد وبالتالي أكثر لمعاناً وبريقاً ، لذلك تقع الشمس في مركز المجرة ..
ولكن ثبت فيما بعد أن هناك خاصية واحدة تدل على عدم تجانس النصفين فهناك تجمعات النجوم التي تتزاحم لتكون أشكالاً كروية وتحتوي كل مجموعة كروية منها على ما يزيد عن ( 100 ) ألف نجم وفي مجرتنا وحدها أكثر من ( 200 ) مجموعة مثل هذه المجموعات لذلك فليس هناك ما يدعو إلى عدم توزيع هذه المجموعات بالتساوي في المجرة فإذا ما كنا في المركز فيجب أن تنتشر هذه المجموعات بالنسبة إلينا في انتظام ملحوظ ولكن هذا غير محقق لمثل هذه التجمعات في جزء آخر .. والثابت الآن أنه في مجرتنا اللولبية تتخذ الشمس مكاناً لها ليس في وسط المجرة ولا في طرفها وتتحرك المجموعة الشمسية دائرة في المجرة بسرعة تقدر ب ( 175 ) ميلاً في الثانية . وفي هذه الرحابة اللامتناهية فتبعد المجرات عن بعضها وكأن الكون يتمدد في كل اتجاه ، وأقرب مجرة إلينا هي الأندروميدا وتبعد عنا مليون ( 600 ) ألف سنة ضوئية وهي تشبه مجرتنا إلى حد بعيد مجرة لولبية كما تبدو في المناظر رقيقة الحواف ، تحوي ملايين النجوم والكواكب والتوابع المتحركة المنتظمة المسارات العميقة الأبعاد .
وفي الكون مجرات هائلة يزيد عددها عن ( 100 ) مليون مجرة وبواسطة الصور الفوتوغرافية استطاع العلماء أن يقسموا هذه المجرات إلى ثلاثة أنواع حسب أشكالها : المجرات اللولبية والمجرات البيضاوية والمجرات ذات الشكل غير المنتظم وبين هذا العدد الهائل منها يوجد فراغ كبير قد يصل البعد أحياناً بين مجرتين إلى نحو مليوني سنة ضوئية .. السدم والمجرات : ومع بداية القرن العشرين أخذ العلماء يدرسون تكوينات خاصة خافتة الضوء خارج مجرتنا كان أوضحها تجمعاً هو سديم المرأة المتسلسلة والسديم تعني في اليونانية سحابة وعلى الرغم من أن ذلك السديم لم يكن واضحاً في المناظير ذلك الحين فإن ( أودين باول هابل) تمكن من مرصد جبل ويلسون عام 1924 من أخذ بعض الصور الفوتوغرافية التي ظهر فيها أن أطراف السديم قد تحول إلى نجوم .. وأوضح ( هايل ) في دراسته بأن عدداً من السدم مثل سديم المرأة المسلسلة قد تحول من سديم إلى مجرة ، حيث قفز حجم الكون من قطر يقدر بمئات آلاف السنين الضوئية إلى قطر يقدر بمئات ملايين السنين الضوئية .. وفي عام 1942 تمكن ولتر بادي بمنظار قطره ( مائة بوصة ) من دراسة الأجزاء الداخلية في سديم المرأة المسلسلة فوجد أن هناك فروقاً واضحة بين ألمع نجوم في المناطق الداخلية للسديم وبين ألمع النجوم على حافته فالأولى بدت محمرة بينما كانت الثانية تميل إلى الزرقة لذلك بدت الحافة لامعة أكثر بمائة مرة من الداخل ، فقسم عندها مجموعة نجوم المرأة المسلسلة إلى قسمين : سمي القسم الأول بنجوم الحواف والقسم الثاني بنجوم الداخل .. ونجوم الداخل هي نجوم متوسطة الحجم تسود أرجاء الكون وربما تصل نسبياً إلى ( 0.098 ) من نجوم الكون وتتحرك في وسط خال من الغبار الكوني ، أما نجوم الحواف فلا توجد إلا في المناطق ذات الأذرع اللولبية المزدحمة بالأتربة الكونية للمجرات وتختلف في أعمارها وتتباين في تركيبها إلى حد بعيد ولمجرتنا ذراع لولبي تقع فيه الشمس لذلك فإن النجوم التي تبدو في سمائنا تنتمي لنجوم الحواف .. إن الشكل الأخير لمجرتنا الذي يعتقد العلماء أنه الشكل الصحيح هو على هيئة عدسة طولها ( 100 ) ألف سنة ضوئية وسمكها ( 20 ) ألف سنة ضوئية ويتناقص هذا السمك بالاقتراب من الأطراف حيث توجد شمسنا التي تبعد عن مركز المجرة بمقدار ( 30 ) ألف سنة ضوئية أي على مسافة ثلثي الطريق إلى نهاية المجرة ويبلغ سمك المجرة حيث توجد شمسنا نحو ثلاثة آلاف سنة ضوئية

ثقوب سوداء وأقزام بيض 

إن قوة الجاذبية التي تجعل النجم يتلاشى وهو يلتف حول نفسه تقاوم قوة أخرى ناجمة عن الإشعاعات الناتجة عن الاحتراق وتتوازن هاتان القويان ما دام الهيدروجين لم ينفذ من مادة النجم حيث تخضع تلك المادة لتفاعلات هائلة ..
وعندما يتحول كل الهيدروجين الموجود في النجم إلى هليوم فإن القوة الخارجية تنعدم، وذلك لانعدام الإشعاع وهنا تتغلب القوة الجاذبة، ويبدأ النجم بالتقلص بحيث يصل إلى درجة حرارة تختلف عن درجة حرارة تشكله البالغة مائة مليون درجة ، وفي هذه الحالة يتحول الهليوم إلى فحم عن طريق الاندماج النووي وتبدأ عمليات تشكل خاصة بحيث تصبح مادة النجم كثيفة جداً ، وتنخفض درجة حرارتها وتتلاحم أجزاؤها حيث تبدو بيضاء ويتحول النجم إلى ما يسمى بالقزم الأبيض .. وإذا كان حجم النجم في البدء كبيراً ( أكبر من حجم الشمس بعدة مرات مثلاً ) فإن التفاعل يكون عكسياً وينفجر النجم ، وعندما يتلاشى فإن قشرته تظل في الفضاء لتكون سحباً غازية مضيئة تبث إشعاعات كاشفة تمسح عباب الفضاء وتبدو لأجهزة الاستقبال الأرضية كإشارات ( راديو )متناوبة بانتظام وهي تنبض.. يمكن للنجم خلال مسيرته الطويلة أن ينتهي عبر ثلاث شهايات فأما أن يتحول إلى سحب كاشفة أو إلى قزم أبيض فحمي متكاثف وأما إلى ثقب أسود ، ويعتقد العلماء أن سبب نشوء التجاويف أو الثقوب السوداء يعود إلى سرعة التحرر من القوى الجاذبة في النجم .. مثل القمر الصناعي الذي يدور حول الأرض ما دام مساره متوازناً بين القوة الجاذبة والنابذة .. وفي حال تغلب القوة الجاذبة على النابذة ينفلت نحو الأرض ، وإلا ضاع في الفضاء ، في حال تغلب القوة النابذة على الجاذبة .. وما دامت سرعة أي جسم ينطلق من الأرض أقل من ( 11 ) كيلو متراً في الثانية وهي سرعة التحرر من جاذبية الأرض ، فإنه سيسقط نحو الأرض ، وتبلغ سرعة التحرر في النجوم ( 300 )  ألف كيلو متر في الثانية أي معادلة لسرعة الضوء ، وهذا يعني أن الضوء الذي ينبعث منه لا يغادره وأحياناً تزيد سرعة التحرر عن سرعة الضوء لذلك يسمى بالثقب الأسود لأنه يتمسك بإشعاعاته ، ولأن النجم يحفر في هذه الحالة ما يسمى ببئر الجاذبية وهي صورة يستخدمها الفلكيون منذ أن شبه أينشتاين مجال الجاذبية بقطعة قماش مشدودة من كل الجوانب عليها كرات مختلفة الأحجام والأثقال ، فالكرة الصغيرة خفيفة الثقل تحفر مساحة صغيرة أما الكبيرة فتحفر مساحة أكبر ، لذلك تجذب الصغيرة إليها كما هو الحال في مجموعتنا الشمسية حيث تجذب الشمس كواكبها بينما تجذب الكواكب أقمارها ..


مجلة الأدب العلمي العدد الثامن   بيئة المستقبل

0 comments: