Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

نظريات تسبق عصرها ...الأدب العلمي العدد الثامن والعشرون


أ.د. محمد عامر المارديني

أحياناً يتقدّم خيال الإنسان وأفكاره على العصر الذي يعيش فيه خاصّة لدى النخبة التي تستخدم العقل لتطوير الأفكار والمكتسبات العلميّة .. والأمثلة على ذلك كثيرة .. وسنقدّم بعضها ..
في الثالث عشر من شهر كانون أول ( ديسمبر ) عام 1913 قدم لمحكمة نيويورك شاب نحيل هزيل الجسم ، بتهمة النصب والاحتيال وابتزاز أموال الناس بمشروع وهمي ..
وقد قدم النائب للمحكمة دليلاً لوّح به أمام الجميع ، ولم يكن هذا الدليل سوى انتفاخ زجاجي صغير الحجم ، تبرز أسلاك رفيعة من داخله إلى خارجه ..
لقد اتهم النائب العام ( دي فورست ) وهو اسم الشاب أنه احتال على بعض المستثمرين البسطاء بدفع مبالغ مالية لتمويل مشروعه لصنع جهاز يمكن نقل الصوت عبر المحيط ..
كما وجهت التهمة إلى رجلين آخرين ساعدا الشاب في إقناع الناس بتمويل ذلك المشروع ، وطلب المدعي العام بتوقيع أقصى العقوبة بحق الشاب ورفيقه ..
وبالفعل وضع الشريكان بالسجن ، وأهين الشاب في سجن آخر ، وظل محل سخرية الناس والقائمين على السجن من أنه يحمل أفكاراً غريبة ويحلم بالمستحيل..
إن ذلك الانتفاخ الزجاجي الذي عرضه المدعي العام ، لم يكن سوى ( أنبوبة أود يوم) التي ثبت فيما بعد أنها أعظم اختراع وابتكار أنتجه العقل البشري ..
لقد أدت هذه الأنبوبة التي قامت عليها فيما بعد كل الصناعات الإلكترونية ، إلى اختراع مكبرات الصوت والاتصالات الهاتفية عبر المحيطات ونقل الصور عن طريق الأمواج ، كما دخلت في صناعة السينما الناطقة ..
واستخدمت في أجهزة الرادار وأجهزة البث والاستقبال ، وغير ذلك من الصناعات التكنولوجية المتطورة ..
لم يكن الناس يعرفون مدى ما لأنبوبة ( الأوديون ) تلك من أهمية تماماً كما يتعاملون أحياناً مع بعض التنبؤات العلمية المدهشة ..
حتى في تعاملهم مع الخيالات العلمية المجنحة التي تعبر آفاق المستقبل ، إنهم يعتبرون هذه الخيالات أوهاماً ..
وربما تكون البذور الحقيقية لتنبؤات علمية قد تحدث في المستقبل ..
في عام 1928 قدم العالم الانكليزي الشاب ( بول ديراك ) معادلات رياضية تحكي عن حركة إلكترون وحيد في الفراغ .. والالكترون أحد دقائق الذرّة وهو سالب الشحنة يدور مع غيره من الالكترونات في مدارات محددة حول نواة الذرّة ..
ونواة الذرّة بدورها تتكون من دقائق موجبة الشحنة هي البروتونات وهي ترتبط ببعضها عن طريق الميزونات بسبب تنافرها كشحنات من نفس النوع ، وهناك دقائق أخرى في نواة الذرّة هي النترونات ..
تصور بول ديراك إمكانية وجود الكترون يدور بزمن معكوس ، أو يسير إلى الوراء ضد الزمن، كما أن الطاقة التي تحركه هي طاقة سالبة .. وقد قدم ديراك معادلات رياضية دقيقة تثبت وجود مثل هذا الالكترون ..وقد تنبأ ديراك أن الالكترون هذا ونقيضه الالكترون في الذرّة العادية إذا تقابلا فنى أحدهما الآخر .. وانطلقت طاقة على شكل موجات كهرطيسية لا زمان ولا مكان لها ..
وفي عام 1932 اكتشف ثلاثة من العلماء أن في الكون الذي نعيش فيه ، صوراً مضادة للمادة، وأن هناك عالماً آخر مضاداً لعالمنا فيه ذرات من المادة المضادة ، تتكون من نواة سالبة الشحنة والكترونات موجبة الشحنة تدور حولها ، قد تتقابلان وتنطلق طاقة كهرطيسية موجيّة ..
والموجات ذات الطاقة العالية يمكن أن تتجسد في جسيمات دقيقة بعضها يفني البعض الآخر .. فالطاقة مادة والمادة طاقة .. واستحق ديراك على ذلك جائزة نوبل ...
لقد انطلق ديراك من تنبؤ علمي رياضي ، وتوصل إلى نتائج تحققت فيما بعد .. وهناك مرآة للتنبؤات العلمية الدقيقة لما يمكن أن يحدث في المستقبل ..
إنه خيال العلم المنطقي يطلّ على المستقبل بعين نافذة تكشف الحجب وتضع الإنسان أمام خيارات قد تحقق معظمها ، كلما كان المنطق مستوعباً للصورة التي يرسمها للمستقبل وفق أسس مدروسة ..

مجلة الأدب العلمي   العدد الثامن والعشرون 

0 comments: