Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

البيروني عالم سبق عصره ....الأدب العلمي العدد الأول


ليلى عبد الرحمن السلطان

هو محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي ، فيلسوف رياضي ومؤرخ من أهل خوارزم ، ولد في إحدى ضواحي عاصمة الدولة الخوارزمية وذلك عام 362 هـ  الموافق لعام  973 م ، قضى البيروني شبابه في بلده وتلقى العلم على يد أبي منصور بن علي بن عراق ، وتنقل البيروني كثيراً في البلاد فكان سبب اتساع معارفه وثراء تجربته ..
اتصل أيضاً ببعض علماء عصره الذين أناروا لهُ دروب المعرفة مثل " أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي ، وأبو علي الحسن بن علي الجبلي " وقد أجاد في صباه اللغتين العربية والفارسية إضافةً إلى لغتهِ الأصلية "الخوارزمية " ثمّ أتقن فيما بعد اللغات السنسكريتية ، واليونانية، والسريانية ، مما جعلهُ يغترف من معين الدراسات العلميّة والتوسُّع في سبر أغوار المعرفة والاطلاع على الثقافات المختلفة والمتنوِّعة ، يقول عنه الأستاذ ( ديورانت) في كتابهِ ( قصّة الحضارة ) إنّ البيروني هو مثال العالِم المُسلم في أرقى مراتبهِ ، لقد كان فيلسوفاً ، مؤرِّخاً ، جغرافياً ، لغوياً ، رياضيّاً ، فلكياً ، شاعراً ، وعالِماً طبيعيّاً ).
لقد تنقّل البيروني في البلاد وزار عدّة بلدان في العالم وأوّل بلدٍ زارها هي الهند التي أقام بها ودرس علومها وأتقن لغتها ، وعرف آثارها، وكان لها الأثر الأكبر في تأليفهِ كتاب "الآثار الباقية في القرون الخالية " ومن الجدير ذكرهُ أنّ البيروني كتب أيضاً رسائل في بعض النواحي العلميّة الأخرى كالاقتصاد ، والنبات ، حتى أطلِقَ عليه لقب "الأستاذ " وقد درس علوم الأجرام السماوية ، واتّصل بالعالم ابن سينا .
لقد كتب البيروني كتبهُ كلّها باللغة العربية كسائر العلماء المسلمين من أصولٍ أعجميّة وكان مُعجباً بالعرب ولغتهم حيث سحرتهُ تلك اللغة وبيانها وفصاحتها وجزالة ألفاظها وسعة معانيها وتجلّى هذا الحب في كتبهِ العديدة وقد قال مرّةً : ( إنّ الهِجاء بالعربيّة أحبُّ إليَّ من المدحِ بالفارسيّة)
لم يقتصر البيروني خلال رحلة حياتهِ على الحياة العلمية والبحث والكتابة وسبر أغوار العلوم بل شارك أيضاً في الحياة السياسيّة في خوارزم حيث انضمّ إلى أنصار شاه أبي العبّاس وفي عام ( 385 هـ) اغتيل أبو العبّاس نتيجة نضالهِ ضدّ العائلة الملكية الجديدة التي كان يرأسها ( مأمون بن محمد ) فاضطرّ البيروني إلى الهجرة خارج حدود وطنهِ إلى ( جرجان ) في الجنوب الشرقي لبحر قزوين وهناك التقى بأستاذهِ الطبيب المنجِّم أبي سهيل المسيحي ، وبدأ بتأليف بعض الكتب وكتب باسم الأمير الكثير من المقالات ونشر أول مؤلفاتهِ الكبرى عن ( التقاويم والتواريخ ) ومسائل في الفلك والرياضيات ، وفي عام ( 400 ه ) عاد إلى وطنهِ وتبوّأ بعض المناصب والمهام السياسية وتابع مسيرتهُ العلميّة في البحث والتأليف وفي عام 704 ه / 1017 م أُسِرَ إثر غزوة السلطان الغزنوي محمود لخوارزم ونُقل مع طائفة من العلماء إلى مدينة ( غزنة) وهناك كتب موسوعتهُ النّفيسة في علم الفلك "القانون المسعودي في الحياة والنُّجوم" بالإضافة لعدّة كتب أخرى ، وبقي البيروني في مدينة ( غزنة ) التي أصبحت مقرّهُ الدّائم حتى توفي وانخمدت جذوة عبقريّتهُ أبداً عام ( 44 ه/ 1048 م ) .
أهم مؤلفات البيروني :
خلّف البيروني أكثر من ( 810 ) كتاباً ثبتها
في رسالته المعروفة ( الفهرس ) وقد ضاع الكثير من تلك الكتب وما تبقّى حتى الآن موزّع في مكتبات العالم ، وفيما يلي نذكر أهم كتبه العلميّة : ( الآثار الباقية عن القرون الخالية ، تاريخ الهند ، الهند الكبير ، مقاليد الهيئة ، دلائل القبائل ، الإظلال ، التفهيم في صناعة التنجيم، كتاب الأرقام ، تصحيح التواريخ ، اختلاف الأقاويل لاستخراج التحويل ، استيعاب في تسطيح الكرة ، جلاء الأذهان في زج البيان ، الشموس الشافية للنفوس ، المذنبات والذّوائب، تحقيق منازل القمر ، دوائر السموات في الاسطرلاب ، مواقع السمت ، تهذيب الأقوال في تصحيح العرض والأطوال ، تهذيب فصول الفرغاني ، إيضاح الأدلّة في كيفية سمت القبلة ، تكميل صناعة التسطيح ، جدول الدّقائق ، امتحان الشمس ، رؤية الأهلّة ، افراد المقال في أمر الظلال ، الصيدلة في الطب ، استشهاد باختلاف الأرصاد ... إلخ)
ومما يجدر ذكرهُ أنهُ أصبح لدى البيروني بعد كل هذا ذخيرةً لغويّةً وعلميّة جعلتْهُ أهلاً لتمحيص كل ما اطّلع عليهِ من علوم عصرهِ فكان ينظر فيها بعين الناقد الخبير غير مُكتَفٍ بتصحيح نصوصها ، وكان يُضمِّن كتبهُ ما يتصل بها من الأمور التاريخية مما يجعلها مرجِعاً لدراستهِ ، وكان البيروني يفتخر بكُتُبِهِ ومؤلَّفاتهِ ويعتدُّ بكُلِّ ما كتبَهُ ، فيقول : "ويجب عليك أن تعلم فيما عددتهُ من كتبي مما عملتُهُ في حداثتي وازدادت المعرفة بفنِّهِ بعد ذلك فلم أطرحهُ أو أسترذلهُ فإنّها جميعاً أبنائي "
ويقولُ أيضاً عنها : "إنها بمنزلة الرّبائب في الحجورِ والقلائد على النّحور لا أميِّزُ بينها وبين الأنهار"
ميزات المنهج العلمي عند البيروني :
تميّز منهج البيروني في البحث العلمي بنقاطٍ بارزة ، نُجمِلُها فيما يلي :
1_ البحث والتجربة هما الوسيلة في تحصيل المعارف.
2_ النجاح والتوفيق موهبة من الله ولكن يجب المواظبة والاستمرار للوصول إلى الهدف.
3_ التواضع والتجرّد من فكرة التفوُّق العنصري أو الدّيني.
4_ النّهل من علوم الآخرين.
5 _ الرجوع إلى المراجع الأصليّة.
6_ سلوك المسلك الحسي في طلب المعرفة .
وكان أسلوبهُ في الكتابة يتميز بما يلي:
( ترتيب الأفكار وتسلسلها واستعمال المصطلحات العلميّة وابتداع التراكيب _ عدم تنميق الجمل إلا حسب ما يلاءم الفكرة _ إضفاء شيء من المُسْحة الأدبيّة على الكتابات _ الميل الشديد إلى الجدل والنقد _ تجنُّب التعبيرات العلمية المائعة _ العناية بمقدِّمات الكُتُب _ صياغة القوانين الرّياضيّة ) .
المصادر :
1-أبوالريحان البيروني  إعداد : عبد اللطيف الأرناؤوط مجلة المعلم العربي ، دمشق ، العدد التاسع ، السنة 26 ، أيلول 1973 م.
2-أبو الريحان البيروني أعظم تحوُّل عرَفَهُ التاريخ إعداد : بشير الصعيدي ، جريدة تشرين ، دمشق ، العدد ( 7508 ) السبت : 18 / 9 / 1999 م .


مجلة الأدب العلمي  العدد الأول  التراث الحضاري 

0 comments: