Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

التقدم التقني مولد للأزمات .... الأدب العلمي العدد الخامس



د. كوثر عياد

بالعلم يمكن أن نسيطر على الكون ، وبالأدب يمكن أن نحميه

إن الحماس الذي صاحب الخيال العلمي في بداياته سرعان ما تبخر ، ذلك أن العلم حاد عن مساره ، إذ بالغ الإنسان في تسخير العلم للاستعمالات العسكرية وتفنن في ابتكار الأساليب للقضاء على البشرية .. لقد طوّر أسلحة رهيبة للدمار الشامل ... ولعل هذا راجع لفقدان الثقة بالاشتراكية ولانحراف الرأسمالية عن أهدافها إلى غير ذلك من الأسباب ...

 فـ" أمام هزائم الإنسانية المتتالية تخيّل كُتّاب الخيال العلمي الحدود التي يمكن لمجتمعاتنا أن تبلغها فحاولوا تنبيهنا لما يمكن أن نرتكبه من أخطاء في حقّ أنفسنا وفي حقّ البشرية"(ميلي 2001 ص 200) .

إنّ مراحل تَسارُع البحث العلمي وطفرة تقدّم التقنيات الإلكترونية والإعلامية والتلاعب الجيني جعلت كتّاب الخيال العلمي محتارين، فطرحوا أسئلة من قبيل: ما هو المصير الذي سيواجهه الإنسان في الأزمان القادمة؟ إلى أين يسير؟ أيّ عالَم سيبنيه؟
إنّ مجتمعاً مصنّعاً تصنيعاً كبيراً، ويؤمن إيماناً لا حدود له بالعلم، يسير بالتأكيد نحو كوارث بيئية، نحو استعباد الإنسان وسيطرة المتحكّمين في التقنية على البشر.

في رواية"سعادة غير محتملة "1970 لـ: "إيرا ليفين " هناك طبقة مغلقة من العلماء (مُبرمِجون) يضعون مجتمعاً كاملاً تحت سيطرة كمبيوتر يتحكّم عن قرب في مختلف نواحي حياة كلّ فرد.
تتوالى اللوحات القاتمة في روايات الخيال العلمي الرامية إلى التنبؤ بظهور كوارث مخيفة يتسبّب فيها علماء مجانين وخطِرين، فيتسبّبون في إحداث مصائب مختلفة ومتعدّدة: إبادةٌ للبشر، تلوّثٌ للبيئة، تلاعبٌ جيني وتغييرٌ في الخلقة البشرية، إحداثٌ لتقنيات متقدّمة للتجسّس، وتطويرٌ لوسائل مراقبة عمليات التدمير الشامل.

في رواية"الطوفان الأزرق"للمغربي عبد السلام البقالي1978  يقدّم لنا الكاتب علماء مشكّكين في تطوّر الإنسانية انزووا إلى صحراء المغرب ليؤسّسوا نواة لحضارة جديدة فصنعوا آلة متقدّمة جدّاً )معاذ( فاقت كلّ التصوّرات ذلك أنّ مهمّتها القضاء على البشرية: إنّه الطوفان الأزرق. لفظ الأزرق يحيل على لون الإشعاعات المُميتة التي ترسلها )الآلة معاذ( لتطهير الأرض من الجنس البشري.
نجد في الرواية تمازجاً كبيراً بين التطوّر التقني وبين الشرّ. وفي رواية "أفضل العوالم
الممكنة " 1933يقوم "هكسلاي " بدور المقرّب الصوتي بين "فوستر " العالم البيولوجي و "فاوست " في رواية "غوطة ".
يمكن القول أنّ التحالف مع الشيطان وقع إحياؤه كي يبيّن أنّ العلم أخذ دور الشيطان، وأنّه لم يعد إله المعاصرة وإنّما أصبح الشيطان المنبعث من جديد من الأساطير والخرافات.

تنبعث من روايات الخيال العلمي بشكل متزايد صورة علم بدون وعي، بدون أخلاق صورة علم أصبحت نتائجه المرعبة تُغذّي الانطباع بمآل التطوّر العلمي الذي تسير إليه الإنسانية للبحث عن عوالم أخرى ممكنة.
إنّ تحالف العلماء مع الحكام الشموليين مثّل قلقاً كبيراً لدى كُتّاب الخيال العلمي. فعندما يتشيّع العلم إلى سلطة استبدادية يقع استغَلاله ضدّ الإنسان، فيسحق الفردية ويُقصي كلّ أشكال الموضوعية. وهو موضوع وقع إبرازه بقوّة في روايات الخيال العلمي. هذا النمط من الكتابة يدفع القارئ إلى تبنّي نظرة ناقدة
للعالَم. لكن علينا أن نقرّ أنّ التّهم الموجّهة للعلم تتلاقى، في الحقيقة، مع إدانة "أثينا " للموسَى
المسؤولة عن إهراق دم الضحية. إنّ إصبع اتّهام كتّاب الخيال العلمي تتّجه للإنسان نفسه. إنّ
الموسى التي تحدّث عنها أهل "أثينا " لا يمكن أن تقطع لحم الأضاحي دون وجود إنسان
يستعملها. نفس الشيء بالنسبة إلى العلم.
ففي رواية " اندثار الحضارة" 1943 لـ "رينيه برجافال" استطاع "فرانسوا دو شان " أن يعيَ بالمسألة فيقول: " كلّ هذا كان نتيجة لغلطنا. لقد حرّر البشر القوَى الرهيبة التي حافظت عليها الطبيعة وحَمتْها بكلّ عناية. لقد ظنّوا أنّهم أصبحوا المسيطرين عليها. لقد وسموا هذا باسم التطوّر. " إنّه تطوّرٌ نحو الموت، وكان على الإنسان أن يدفع الفدية من روحه ومن حياته. إنّ بحثه عن الكمال جعله يجد نفسه يعيش في جسد معدّل جينياً، وهو الموضوع الذي عالجته رواية Neuromancien .
هذه الفكرة هي الفكرة السائدة التي عمَّمتها وسائل الإعلام. وهو موضوع وقعت معالجته في
رواية"جاك بارون والخلود"( Jack Baron
nommée zéro contact ( حيث تنحصر حياته الاجتماعية على التواصل عبر "الواب ."
يتيه ضمير »le Successeur de pierre« في عالمه الافتراضي الذي يحلّ محلّ متاهات الواقع المعاش.

يبدو أن الإنسانية قد هُزمت تحت  وطأة تجلّيات غزو المعرفة المجرّدة حينما كانت تبحث عن جلد الحمل الذهبي الأسطوري.
لقد واصل المركب إبحاره دون أن يكون أيّ إنسان على متنه، ولم يبق على ظهره سوى ناجٍ واحد أسماه الكاتب الفرنسي «ج.م. ترويانق » الخليفة. وهو صنف من الذكاء الاصطناعي يمكنه - حسب هذا الكاتب - أن يحلّ محلّ الإنسان على الكوكب.
لقد أصبحت الإنسانية مهدّدة في وجودها لأنّها خلقت، أثناء تطوّرها، ظروف اضمحلالها. هذه المسألة بالذات كانت محلّ اهتمام متزايد، ذلك لأنّ التطوّر التقني لم يحقّق، بالتأكيد، الاطمئنان على استمرارية حياة الجنس البشري.

تُصوّر روايات الخيال العلمي أزمةَ إنسانيةٍ تعيش بين فكّيْ دواليب تطوّرٍ لا يُعير أيّ اهتمام لنظام القيم الأخلاقية. تبعا لذلك، يمكن اعتبار أدب الخيال العلمي أدباً فكرياً يفتح المجال لطرح إشكاليات مرتبطة بالواقع
المعاش. إنّ العوالم الخيالية التي يصوّرها هذا الأدب إنّما هي عبارة عن قراءة للراهن. وهذا ينفي ما يُشاع من أنّ هذا النوع من الكتابة لا يُعتدُّ به كأدب لأنّه ليس مرآة للمجتمع. يرى الأستاذ «روجيه بوزيتّو » أنّ الفصل بين ما هو أدب وما هو غير أدب إنّما هو فصلٌ ذو طبيعة اجتماعية أكثر منه أدبية، لذلك لا بدّ من
تجاوز هذه الطريق المسدودة، والتعالي عن هذا النقاش العقيم.
الخيال العلمي أدب ثريّ جداً يطرح مواضيع مهمّة، فهو يعالج مشاكل الإنسان وقضايا الكون، بَلْ يدفع إلى التفكير في مصير الجنس البشري.

يعالج كاتب رواية الخيال العلمي الكثير من المواضيع العلمية ويطرح العديد من الإشكاليات، بل ويتجرّأ على إثارة المخاوف من مستقبل قد يكون مرعباً نظراً لما يشهده عصرنا من انحراف العلم عن مساره ومن تسبّبه في الكثير من المآسي للإنسانية من هيروشيما إلى تشرنوبيل.
رواية الخيال العلمي هي ناقوس الخطر الذي يقرعه الكاتب كلّما زاغ بعض العلماء عن القيم الإنسانية وأساؤوا استخدام العلم. يسائل هذا النمط من الكتابة المعارف العلمية من جهة، والعلماء من جهة أخرى، فينقد ما لا يتطرّق إليه النّقد ويتجرّأ على فضح المسكوت عنه. و «هنا يتجلّى الطابع السّحري لأدب الخيال العلمي.
فهو من ناحية يُغذّي العلم بتخيّل مبتكرات تُدخل الرفاهة على الإنسان، ومن ناحية أخرى هو في نفس الوقت صدًى للأزمات التي يتسبّب فيها العلم وراصدٌ وناقدٌ لهذا العلم إذا اتّخذ
مسلكاً يضرّ بالإنسان، بل ويصوّر ما يمكن أن يكون عليه المستقبل إذا لم يعدّل العلم مساره
كما يقول «كريستيان غرينيه (Christian Grenier 1994)

المراجع :

عبد السلام البقالي: الطوفان الأزرق/ الدار التونسية للنشر/ 1978
BARJAVEL، R. (1998) Ravage، Denoël.
BOGDANOFF، I.، G. (1979) L’Effet Science-fiction، Robert Laffont.
BUTOR، M. (1964) Essais sur les modernes، Gallimard.
GRENIER، C. (1994) La science-fiction، lectures d’avenir ? Presses
universitaires de Nancy.
HOTTOIS، G. (2000) Philosophie et science-fiction، Université de
Bruxelles.
HUXLEY، A. (1977 Le Meilleur des mondes، Press_Pocket.
KLEIN، G. (1992) Au coeur de la comète، préface، Livre de Poche.
LEHMAN، S. (1998) Escales sur l’Horizon، préface، Fleuve Noir.
LEVIN، I. (1976) Un bonheur insoutenable، J'ai Lu.
MILLET، G.، Labbé، D. (2001) La science-fiction، Belin.
SEOUD، A. (1997) Pour une sociologie de la littérature، Didier.
Publications électroniques
BOZZETTO، R. (2000) "Science-fiction et expérimentations formelles:
formes et registres modernes de l'imaginaire"، [on line]. Publication
DUNYACH، J-C. (2001) "science-fiction et image de la science"، [on
line]. Publication électronique. http://www.manuscrit.com
JOY، B. "Pourquoi le futur n’a pas besoin de nous" [on line]. Publication
électronique. http://www.ogmdangers.org/docs/Bill_Joy.html.
Le projet ITSF، (2001-2002) [on line]. http://www.itsf.org/project/french.
html.
Dictionnaires
Le Robert Méthodique (1989)
Dictionnaire Hachette multimédia (2005)

مجلة الأدب العلمي العدد الخامس دراسات وأبحاث

0 comments: