Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

سيكولوجية الحاجة إلى معرفة لدى الطفل وأهميتها في تنمية إمكانياته وقدراته المعرفية في المنظور السايكولوجي ...الأدب العلمي العدد السادس


رانيا حسين السباهي

كثيراً ما نلاحظ الطفل يحاول أن يقبض على أشياء بيديه ويتفحصها ، وكثيراً ما نراه يتطلع إلى الأشياء بعينيه ويتتبعها ...
والواقع أن الطفل يحاول بهذا السلوك أن يتعرف على كل شيء جديد في بيئته ويحاول أن يخبره ...وهكذا نجد أن الحاجة إلى المعرفة من الحاجات المهمة لدى الطفل ..
إنّ محاولة الطفل أن يتعرّف على بيئته من العوامل الهامّة التي إذا ما عولجت بحكمة ، أمكن عن طريق ذلك تنمية ما يمكن أن يكون لدى الطفل من إمكانيّات وقدرات ، لذلك فإنّ إشباع هذه الحاجة من العوامل الهامّة التي يجب أن يهتم بها الآباء في تربية أبنائهم ..
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك وسائل معرفية متعددة تسهّل الطريق الذاتي والمكتسب لإشباع هذه الحاجة ، ومنها :
النشاط الذاتي للطفل :
النشاط الذاتي من المبادئ الهامّة التي أكدها علم النفس أساساً لعملية التعلّم ، إلاّ أنّ الكثير من الآباء والمربين لا ينتبهون - مع شديد الأسف - إلى هذه الحقيقة ، فيلجأ كثير منهم إلى تعليم أطفالهم عن طريق التلقين .. ولقد أثبتت كثير من الدراسات والتجارب أنّ التلقين عديم الجدوى في عملية التعلّم ، وأنّه لكي تتم هذه العملية على خير وجه لا بدّ أن يبذل المتعلّم نشاطاً من جانبه ... ذلك هو ما نسمِّيه بالنشاط الذاتي،أي النشاط الذي يصدر عن المتعلّم نفسه ، وبذلك يسهل إشباع الحاجة إلى المعرفة عن طريق النشاط الذاتي .
والنشاط الذاتي لا يتوفّر في الطفولة إلاّ في اللعب .. إلاّ أننا نلاحظ أنّ كثيراً من لعب الأطفال في مرحلة الطفولة المبكِّرة يكون من النوع غير الموجّه ، وهنا تبدو أهميّة الدور الذي يقوم به الآباء والمربون في توجيه لعب الأطفال إلى صحة الوجهة الصحيحة .
وليس المنزل فقط هو الذي يجب أن يهتم باللعب كوسيلة للمعرفة ، بل إنّ المدرسة كذلك يجب أن تساعد الأطفال على الاستفادة من هذه الوسيلة في اكتساب المعرفة .. ومن المؤسف أنّ مدارس الأطفال في كثير من الأحيان تصرف اهتمامها إلى أن يزوَّد الطفل بأكبر قدر من المعرفة والمعلومات ، وتلجأ في ذلك إلى التلقين، وتجعل منه الطريق الأساسي والوحيد الذي يُطلّ منه الطفل على عالَم المعرفة .. وتنسى في
نفس الوقت أنّ الإنسان عموماً والطفل خاصّة لا يستطيع أن يُحْسِن التعلّم إلاّ إذا بدأ هو ببذل الجهد والنشاط.. أي أنّ النشاط الذاتي ) من جانب الطفل ( هو المبدأ الأساسي للتّعلّم .. ويكون نتيجة اهتمام المدرسة بالتلقين أن تخرج شخصيّات مغلقة ، والشخصية المغلقة لا تتّسع لاستقبال المعرفة أو استيعابها وهضمها .
الأسئلة :
تعتبر الأسئلة التي يسألها الأطفال والإجابة عنها من وسائل اكتساب المعرفة لديهم . والسؤال الذي يبرز الآن .. ما هي ماهية الأسئلة ؟ وما وظيفتها السيكولوجية ؟
نستطيع أن نعرِّف السؤال بأنّه محاولة لاجتلاء شيء غامض في موقف من المواقف التي يحياها الطفل .. فالسؤال إذن وسيلة يستعين بها الطفل على اجتلاب معونة الكبار في الصعوبات التي يواجهها في موقف من المواقف .. ولكلِّ سؤالٍ يوجهه الطفل وظيفة سيكولوجية هامّة ذات وجهاتٍ ثلاث :

الوجهة التعبيرية :

فنقصد بها أنَّ السؤال كثيراً ما يكون تعبيراً عن حاجة نفسية يشعر بها الطفل ، فقد تعترض الطفل مشكلة انفعالية فيحاول التعبير عنها في شكل سؤال ، فإذا كان الوالدان يُخيفان طفلهما كلّما ارتكب خطأ بعقاب الله ) سبحانه وتعالى ( له في جهنّم .. فإنّ الطفل قد يسأل: لماذا لا نرى الله ) جلّ جلاله ( ؟ والواقع أنّه لا يقصد من سؤاله مجرَّد إشباع الحاجة إلى المعرفة ، أي أنّه لا يسأل السؤال لكي يعرف ما إذا كان الله موجوداً أم لا .. وإنّما يختبئ وراء سؤاله قلَقَه الناتج عن عملية التهديد بالعقاب ، وكأنّه يريد أن يقول : ) إنني أريد أن يكون الله - جلّ جلاله - غير موجود ( .

الوجهة المعرفية :

فنقصد بها أنّ السؤال يحمل رغبة في الوقوف على جوهر الصعوبات التي تعترضه إلى جانب التعبير عن شعوره بها . فالسؤال السابق ، لماذا لا نرى الله جلّ شأنه؟ نجد أنّه وإن دلَّ على دافع مُعيّن هو محاولة التخلّص ممّا سبّبه له موقف التهديد بالعقاب من قلق ، إلاّ أنّه يدل أيضاً على أنّ الطفل يريد أن يقف فعلاً على السبب الذي يمنعه من رؤية الله ) عزَّ وجل ( .

الوجهة السلوكية :

فنقصد بها أنّ كل سؤال يتضمّن - كما أشرنا من قبل - رغبة في استجلاء حقيقة الشيء المسئول عنه من ناحية ، ورغبة في معرفة الاستجابات التي يجب أن يستجيب بها السائل له .. فالطفل الذي يسأل عن سرِّ عدم رؤيتنا لله ، يريد شيئين : السبب في عدم الرؤية ، ثم الوسيلة التي يمكنه بها أن يراه أو يتجنّبه .
والإجابة عن أسئلة الطفل إجابة تناسب عمره ومستوى إدراكه ، من العوامل الهامّة التي تساعد على نموِّه، إذ أنّ الأسئلة هي الطريق التي يحاول الطفل أن ينفذ منها إلى فهم العالَم المحيط به تمهيداً للتعامل معه فعندما يثير اهتمام الطفل موضوعاً ما ، فإنّه يسأل عنه ويسمّي ) أنجلو بتري ( الرغبة في توجيه الأسئلة ) بالجوع العقلي ( ، ويرى أنّه لا بدّ من إشباع هذا الجوع حتى يتمكّن الطفل من الحصول على إجابات لأسئلته، وأصبح من الواجب على الوالدين أن يعرفا طبيعة هذه الأسئلة السيكولوجية ، حتى يستطيعا الإجابة عنها بما يتيح للطفل نموّاً سليماً .
غير أنّ الوالدين يقفان من أسئلة الطفل أحياناً موقف غير صحيح ، فقد تضطرهما ظروفهما إلى إهمال الإجابة عن أسئلة الطفل، أو الإجابة عنها بجفاف وحِدَّة .. فقد تشغل الأم بصراخ وليدها الجديد ، وإذا ما سألها طفلها شيء فإمّا أن تهمله أو تزجره ) تصرخ في وجهه ( فينتج عن ذلك شعور الطفل بالإحباط، بالإضافة إلى عدم إشباع الحاجة إلى المعرفة .
وكذلك قد يجيب الآباء عن أسئلة أطفالهم إجابات خاطئة أو مضلِّلة ، نتيجة جهلهم بموضوع السؤال ، أو لارتباط هذا الموضوع بخبرات انفعالية لا تسمح لهم بالإجابة الصريحة في هذا الميدان .. والأمثلة على هذا
كثيرة ، لعلَّ من أهمّها الأسئلة الخاصّة بالجنس، فقد يسأل الطفل والده أو والدته من أين جاء أخوه الصغير ؟ وقد يلجأ الوالدان إلى الإجابة عن هذا السؤال بأنّهما قد وجدا الطفل تحت شجرة أو في سلّة الغسيل مثلاً .. ولكنّ هذه الإجابة تملأ الطفل بالقلق ولا تشبع نهمه إلى المعرفة ، فضلاً عن أنّه قد يكتشف الحقيقة
من مصدر آخر ، فيفقد الثقة في والديه ، ويعتقد أنّهما يغرّران به ، ويخدعانه ، ومن ثم تبدأ علاقته بهما في الاضطراب .. وكذلك فإنّ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة قد تصل إليه مشوَّهة أو مُحرَّفة ، ممّا يضرّ بنموّه المعرفي .
لذلك فإنّه من الأهميّة الكبرى أن يهتم الوالدان بالإجابة عن أسئلة أطفالهما ، ولكي تشبع هذه الإجابة للحاجة إلى المعرفة يجب أن يعرف الوالدان العوامل الفعّالة التي تكمن وراء هذه الأسئلة .. كذلك يجب أن تكون الإجابة بحيث تتناسب مع مستوى إدراك الطفل .. فقد يحدث أن يسأل طفل في الثالثة من عمره أين
تذهب الشمس عندما تظلم الدنيا ؟ فإذا حاول الوالدان شرح الحقائق الفلكية المعقّدة ، فإنّ الطفل لن يستطيع فهمها في هذه السن ، ويكفي أن نجيبه بإجابة بسيطة مثل : ) إنّ الشمس تكون في أماكن أخرى أثناء الليل ( .. وعندما يكبر نشرح له فكرة كروية الأرض باستخدام نموذج صغير ، ونوضِّح له فكرة دورانها حول
الأرض ، ومن هنا نجد أنّ كمية المعلومات التي يستطيع الأطفال فهمها عندما يوجّهون سؤالاً معيّناً تختلف باختلاف عمر الطفل .
وكقاعدة عامة ، فإنّ الأطفال الصغار ليسوا مستعدين لفهم ما قد يفهمونه عندما يكبرون .. والطفل قد يريد إجابات كاملة ذات يوم ، وقد لا يهتم بذلك في يوم آخر .. وقد يكتفي بإجابة صغيرة في موضوع معيّن ، وقد لا يكتفي بذلك في موضوع آخر ، لأنّ وراء كل سؤال في كل موقف ، دوافع معيّنة وعوامل تدفعه .

كذلك يُلاحَظ أنّ بعض الأطفال تكثر أسئلتهم عن غيرهم من الأطفال الآخرين ، وذلك يدل على شدّة الحاجة إلى المعرفة لديهم، ولكنّ بعض الآباء للأسف يضيقون بالإكثار من هذه الأسئلة ، ويكون نتيجة هذا الضيق أن يتعرض الطفل للإحباط وعدم إشباع هذه الحاجة . والواقع أنّ الأطفال يتعلّمون عن طريق هذه الأسئلة أكثر ممّا يتعلمون عن طريق آخر ، فإذا أشبعنا لديهم هذه الحاجة إلى المعرفة نمواً أصحّاء .. وإذا لم نفعل عملنا على تأخير نموّهم وقد يدفعهم ذلك إلى طريق الانحراف .
المراجع :

-1 علم النفس وميادينه ترجمة وجيه أسعد.
-2 مجلة العربي مقالات مختارة.
-3 مراجع من مركز سيتي كارتياس مصر R.B.C عن التأهيل المجتمعي بالقاهرة و الإسكندرية
.R.B.C

مجلة الأدب العلمي العدد السادس دراسات وأبحاث

0 comments: