Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

العلاج بالتأثيرات الجانبية للأدوية ....الأدب العلمي العدد الأول


ترجمة : غصون عمار

كان يجب التفكير بهذا الأمر : إذا كان دواء ما يسبب تأثيرات جانبية غير مرغوبة ، فإن هذه التأثيرات يمكن أن تستخدم كعلاج عن علم ودراية والنتيجة : فوائد علاجية ..
يتعامل عدد كبير من العلماء في الوقت الحاضر مع التأثيرات الجانبية للأدوية على أنها... تأثيرات مرغوبة!. هنا وبينما ينظَر إلى هذه التأثيرات الشهيرة في العادة على أنها ضارة، يرى فيها هؤلاء العلماء فرصةً ممتازة
لتطوير علاجات جديدة تماماً، ليس بشكل محدود وهامشي بل بشكل منهجي، أملاً بالحصول على أدوية لأمراض عديدة يتعذر البرء منها وكذلك كحل لأزمة الابتكار التي تعيشها الصناعة الدوائية اليوم.

في الواقع، تسبب الأدوية كلها تأثيرات جانبية تؤثر على البروتينات، التي يمكن أن يتمخض أي تغيير في نشاطها أو كميتها عن نتائج سلبية على الجسم كله. « كيف يمكن أن لا يكون لدواء ما سوى تأثير واحد؟ ،» يقول « آتول بيوت Atul Butte » من جامعة «ستانفورد » بالولايات المتحدة. وهكذا، على سبيل المثال، لقد سبب ال ،Mediator وهو دواء كابت للشهية من المفترض أنه يحث الكبد على تركيب الغليكوجين، أذياتٍ بمستوى صمامات القلب. كذلك الأمر فيما يخص ال Pandemrix ، هذا اللقاح المضاد للإنفلونزا H1N1 ، الذي سبب حالات نوم انتيابي narcolepsie ) رغبة في النوم لا يمكن مقاومتها تتكرر في أثناء النهار والليل (.
الأمثلة حول التأثيرات الجانبية الضارة كثيرة. مع ذلك، ما قد يكون ضاراً عند أحدهم يمكن أن يكون مفيداً عند آخر. لنتصور دواءً يسبب فرطاً في أحد البروتينات كتأثير جانبي: سيكون هذا التأثير ضاراً عند معظم الناس، غير أنه يمكن أن يساعد في إعادة هذا البروتين إلى المستوى الطبيعي عند من يعانون من نقص فيه!.

تأثيرات مفيدة

كما نرى ، يمهد البحث عن التأثيرات النافعة خلف التأثيرات الجانبية الطريق نحو إمكانية علاجية غير مسبوقة.
وإذا ما طبق هذا النوع من فن إعادة التدوير على نطاق واسع، يمكن أن يقود إلى علاجات لا تحصى لم يكن أحد يفكر فيها حتى الآن. ولم يكن الصناعيون قد تمكنوا بشكل فاعل من قبل من توقع الاستعمالات المناسبة لهذه التأثيرات، التي لم تلاحظ في أغلب الأحيان إلا بالصدفة خلال تجارب سريرية أو بعد إطلاق دواء ما في السوق. وهكذا، بقيت عمليات تحويل بعض الأدوية، التي تقلب تأثيراتها من « ثانوية » إلى « أولية »، قليلة جداً باستثناء بعض الحالات الشهيرة.
إلا أن الأمور تتغير الآن: وجدت فرق من الباحثين، على نحو مواز، وسائلَ مختلفة لتوقع التأثيرات العلاجية لجزيئات جديدة، حتى قبل اختبارها على الإنسان، واتبع الباحثون في ذلك مسارات لم تكن متصورة من قبل، رغم بساطتها... .

ببساطة، يقوم المسار الأول الذي استكشفه « آتول بيوت » على تقاطع قاعدتي بيانات متاحتين مجاناً على شبكة الإنترنت: يحصي الأول تأثيرات 164 دواء على تعبير الجينات في الخلايا البشرية؛ ويصف الثاني تأثيرات 100 باثولوجية مختلفة على تعبيرات الجينات هذه. عندئذ، قارن الباحثون هذه الجوانب التعبيرية على أساس فرضية أنه قد تكون الأدوية كلها، التي لها فعل جيني معاكس لفعل أحد الأمراض، مرشحة فعلاً لعلاج هذا المرض.

منطق مثمر

في الواقع، تتوافق عمليات قرْن كثيرة مقدَّمة حسب هذه الطريقة مع علاجات موجودة حالياً في الأسواق، مؤكِّدةً وثوقية التوقعات. وبشكل خاص، كان الباحثون قد تحققوا، في الجسم الحي، من صحة عمليتي قرن دواء - مرض لا تتطابق مع أي علاج حالي. لقد خفض السيميتيدين cimétidine ، وهو علاج مضاد لقرحة المعدة، نموَّ أورام الرئة عند الفئران مثلما كان متوقعاً؛ بينما خفض مضاد الصرع المسمى التوبيراميت topiramate أعراض التهابات القولون لدى الجرذان، كما كان متوقعاً أيضاً. إجمالاً، من بين 16400 ترابط دواء - مرض التي تمت دراستها، كان هنالك نحو 1500 شاكلة مضادة، متيحة الاعتقاد بأن للجزيء تأثيراً نافعاً.بذلك، تم الكشف عن أدوية مرشحة لعلاج أكثر من نصف الأمراض المختبَرة. ولا بد أن تتحسن هذه النسبة أكثر من ذلك، « لأن قواعد البيانات حول الأدوية لا بد أن تتسع إلى حد كبير خلال السنوات القادمة »، يقول « آتول بيوت" .
ليس هذا كل شيء. ففي حزيران 2011 ، أثبت عدد من الباحثين فعالية طريقة أخرى تسمى Predict وتهدف إلى تصنيف أدوية وأمراض وفقاً لتداني تأثيراتها على الجسم. وعندئذ يختبرون كل دواء بالنسبة للأمراض كلها الدانية من المرض الذي طور الدواء من أجله. وبالعكس، يختبرون بالنسبة لكل مرض الأدوية كلها الدانية من الدواء الذي يعالجه.

قدرة كمونية ضخمة

هنا أيضاً، المفهوم مذهل في بساطته... ويعطي نتائج جيدة جداً. « يتطابق أكثر من 90 % من عمليات التوليف التي أظهرت تحليلاتنا أنها إيجابية بشكل واضح مع علاجات موجودة حالياً »، يقول « رودد شاران Roded Sharan ، مدير الأعمال. وقد أفضى تطبيق هذه الطريقة على جزيئات جديدة إلى عمليات توليف دواء - مرض غير مسبوقة، فضلاً عن 27 % من العلاجات التي تقوم الصناعات الدوائية باختبارها في الوقت الحالي. وهكذا، فإن بعض الحلقات الحسابية تعوض عن سنوات من الأبحاث .

في مدينة « ليل » بفرنسا، يستكشف الباحثان « بنوا دبريز Benoît Deprez » و «تيرانس بيغين Terrence Beghyn » مجالاً آخر، حيث يختبران تأثيرات الأدوية على زراعات خلايا مرضى مصابين بأمراض وراثية نادرة بهدف الكشف عن الأدوية التي يمكن أن تجعل الجينات تعود للتعبير بشكل طبيعي. « وقد أعطى أحد الجزيئات نتائج مشجعة جداً منذ وقت سابق »، يقول « بنوا دبريز.
ما المنفعة وراء هذه الطرق كلها؟ خلافاً للاستراتيجيات التي تتبعها صناعة المستحضرات الدوائية حتى الآن، تستند هذه الطرق إلى اختبارات منتظمة لا تتطلب أية فرضية أولية حول عمل الدواء. « ذلك أن المنظومات البيولوجية أعقد من إمكان نمذجة تأثيرات الأدوية عليها »، حسب عبارة « بنوا دبريز ». تلك هي إذاً عودةٌ إلى التجريبية القديمة، إلى المعلومات المستقاة من الخبرة، ودرسٌ في التواضع للمختبرات، التي تنشر الدعايات حول علاجاتها المستقبلية المشخصنة، الاستهدافية، ولكن التي تعاني من عدم القدرة على إنتاج أدوية جديدة.

مصلحة الصناعة الدوائية واضحة

إن تطوير عدة علاجات مختلفة من خلال الجزيء الفعال نفسه هو أسرع في الواقع وأقل كلفةً من إنتاج جزيء جديد لكل مرض. ذلك أن حرائك الأدوية في الجسم وطريقة تأثيراتها فيه، كذلك سلامة المستحضر، تكون معروفة من قبل. وهكذا، لا توجد مراحل اختبار أولى. « تلك هي الأبحاث مستقبلا »، تقول «كاترين
لاسال Catherine Lassale » ، المديرة العلمية في LEEM ، اتحاد شركات الدواء الموجودة في فرنسا.

عندما تنتهي مدة براءة استثمار الأدوية، بعد عشرين سنة من بدئها، يتوجب على شركات الأدوية استخدام هذه الطريقة مع جزيئات «ما تزال قيد التطوير أو مع جزيئات حصلت حديثاً على ترخيص طرحها في الأسواق مع دواعي استعمال للمرة الأولى »، حسبما تتوقع « كاترين لاسال
وسيتوجب أن تكون إعادة تدوير الأدوية القديمة من اختصاص مختبرات أصغر، خصوصاً من أجل صنع علاجات جديدة لأمراض لا يرجى برؤها حالياً.

هل هذه الاستراتيجية خبر جيد للمرضى ؟

يرى « رودد شاران » أن لا شك في ذلك، فاستخدامها يجب أن يتيح في الواقع « ازدياداً هاماً في عدد الأدوية خصوصاً لعلاج الأمراض التي لا يرجى برؤها حتى الآن ». إلا أن البحث الأولي عن تأثيرات متعددة لجزيء ما ستؤمن هو أيضاً مزيداً من السلامة للمرضى.

أدوية ولدت من الآثار الجانبية

الفياغرا Viagra ، من الذبحة الصدرية إلى خلل الوظيفة الانتصابية: كان هذا التأثير الجانبي الأكثر ربحاً في التاريخ. ففي عام 1991 ، أطلقت Pfizer تجربة سريرية مع ال sildénafil المفترَض أنه يعالج الذبحات
الصدرية. لكن التأثيرات كانت مخيبة بالمستوى الوعائي القلبي، غير أن المتطوعين تحدثوا عن
وجود تأثيرات جانبية محيرة لديهم: رغبة جنسية وحالات انتصاب قوية ومديدة. وأجريت تجربة على 3700 رجل ممن يعانون من العجز الجنسي بين عامي 1993 و 1995 . وظهر الفياغرا، الذي تباع منه ملايين العلب
كل سنة.
الباكلوفين Baclofène ، من الصَّعَر إلى الكحولية: ربما كان العلاج ضد الكحولية )إدمان المسكرات ( يختبئ منذ سنوات في دواء يعالج الصَّعَر torticolis ) تشوه في العنق (.كان طبيب القلب الفرنسي « أوليفييه أميسن Olivier Ameisen « هو من نوه إلى هذا التأثير في كتاب له بعنوان « القدح الأخير » نشر عام 2008 ، وذكر كيف نجح في التخلص من كحوليته بتناول جرعات قوية من الباكلوفين. وكانت قد أجريت مؤخراً تجارب أولية بهذا الخصوص.

الأفاستين Avastin ، من سرطان القولون إلى العمى الناجم عن العمر: ربما كان الأفاستين، الذي يوصف لمعالجة سرطان القولون، يحمي من التنكّس البُقْعي في العين والمرتبط بالعمر، مع تأثير يضاهي ال Lucentis ، الذي يوصف كعلاج نوعي لهذا التنكس، وبسعر يقل 40 مرة عن هذا الأخير ) 30 مقابل 1200 يورو للجرعة (. وكان هذا التأثير الجانبي قد لاحظه بالصدفة عام 2005 طبيب عيون مصاب بالعلتين.

الأسبرين، من مضاد للألم إلى الوقاية من الأحداث الوعائية: يأتي أحد الاستخدامات الجوهرية اليوم للأسبرين مما اعتبر لزمن طويل على أنه تأثيره الجانبي الرئيسي. في الواقع، كشف عدد من الباحثين، عام 1967 ، هذا التأثير المانع للتخثر خلال سعيهم إلى فهم السبب الذي يجعل هذا المضاد للألم يسهل حالات النزف. ولزم انتظار سبعينيات القرن الماضي كي يتم استخدام هذا الدواء في الوقاية من الأحداث الوعائية.

المراجع :

Science and Vie، décembre2011 


مجلة الأدب العلمي العدد الأول ظواهروخفايا

0 comments: