Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

العلم يكافح المرض ...الأدب العلمي العدد الثالث والرابع



أ.د محمد عامر المارديني

على مر العصور انقرضت بعض الأمراض التي سببت المآسي للإنسان، وكانت في وقت من الأوقات شديدة الخطر على حياته وبفضل العلم أمكن إيقاف هجمات المرض بأشكاله الجديدة عبر العصور المختلفة، حيث كان التطور العلمي - رغم بطئه في ذلك الزمن هو الأساس في ابتكار طرق العلاج والمكافحة.
ومع بداية هذا القرن حيث قفز العلم بتطوره الهائل إلى حد فاق القرون الماضية بكثير بدأت أيضاً تظهر أشكال جديدة من المرض استعصت على العلاج رغم محاولات الإنسان التخفيف من متاعبها.. ولعل الآيدز مرض فقدان المناعة المكتسبة هو آخر تلك الأمراض الجديدة وأشدها خطورة.. ورغم ذلك فقد سبق ظهور الإيدز ظهور أمراض أخرى كان بعضها رغم انحصاره بمناطق معينة لا يقل خطورة عن الإيدز.
بعد أن كان متفوقاً في لعب البريدج، أخذ ينسى أصول اللعبة، وبعد أن كان أحد العقول المدبرة لصاروخ )أطلس( الذي تم إنتاجه في أمريكا، أصبح البروفسور )كليف( لا يعرف ناتج جمع عددين بسيطين، وهكذا بدأ بالتدريج يفقد قدرته على التركيز وينسى أشياء مهمة في حياته ويرتكب الأخطاء المتتالية وحين قيل له أن زوجته مصابة بسرطان الجلد قلب شفتيه حيرة لقد نسي خطر هذا المرض فاستقبل الخبر باستخفاف. وكثيراً ما كان يوقف سيارته على الإشارة الخضراء. في البداية لم يجد الأطباء سبباً مباشراً لحالة النسيان تلك ولكن أحدهم وكان مختصاً بالأعصاب بعد دراسات وبحوث مستفيضة توصل إلى السبب أنه داء )الزهايمر( الذي يصيب الدماغ فيحلله وهو لا يصيب إلا المتقدمين في السن فكيف أصيب به كليف وعمره لا يتجاوز الخمسين عاماً؟
وضع الطبيب جواباً عن ذلك التساؤل فأرجع السبب إلى إصابة كليف أيضاً بالشيخوخة المبكرة، التي تهرم الخلايا بسرعة وتكثر التجاعيد والتعب الجسدي.. والمصاب بالزهايمر يصاب بالنسيان والخبل فينسى التاريخ والوقت واسم المكان الذي يعيش فيه.. والبروفسور كليف ليس إلا واحداً من مليونين ونصف المليون مصاب بهذا الداء في أمريكا ويسمى الزهايمر أحياناً ب آد ونهاية إصابته: التشوش والعجز ثم الموت.. والمصابون يعيشون أيامهم معتمدين على أفراد عائلاتهم يفكرون عنهم ويقضون لهم أعمالهم، ويسيرونهم في حياتهم وليس للمرض علاج معروف حتى الآن. إن مرض الملاريا الذي كان خطيراً قبل سنوات والذي انقرض في بلدان كثيرة أصبح أيضاً لا يشكل خطراً على المصابين به في البلدان الفقيرة.
والبعوض الخبيث هو الذي يحمل الملاريا وينقله إلى الإنسان عن طريق نفثه في الدم بإبرته الماصة وقد كافحت مختلف الدول تواجد البعوض فيها فأزالت أسباب الإصابة بالملاريا . وفي الهند حيث قتل الحيوان محرم مهما كان نوعه يلجأ الناس إلى دهن الأجزاء المكشوفة من أجسامهم بمراهم خاصة لطرد البعوض وأحياناً يشعلون بخوراً من نوع خاص يساهم أيضاً في طرده، ويلجأ بعضهم إلى تناول حبوب )الانتي ملاريا( في أشهر تكاثر البعوض، حيث يتناول المرء حبة واحدة كل(15) يوماً تقيه من الملاريا والإصابة بها.. وربما كانت الهند أكثر دول العالم إصابة بالملاريا ولكن الإصابة إن عولجت تصبح كالرشح دون أية تأثيرات ويعود الإنسان إلى حالته الطبيعية في يومين فقط وتنتشر المستنقعات والبحيرات الآسنة في بعض المناطق حيث يتكاثر البعوض بالملايين وينتقل إلى القرى والمدن بأسراب كبيرة دون أن تجابهه فرقة مكافحة.
وقد ذكر عالم كندي في معهد العلوم في مونتريال أن البعوض يمكنه في ظروف معينة أن ينقل فيروس مرض فقدان المناعة المكتسبة الإيدز- فقد أعلن البروفسور )جان ماري ديبوري( أن
العدوى تتطلب أن يلدغ شخصاً مصاباً بالإيدز حيث تنتقل الفيروسات إلى إبرته الماصة وحين يلدغ شخصاً آخر ينقل إليه الفيروسات ليصاب بالمرض. وقد أكد البروفسور )ديبوري( أن هذه الحشرة الخبيثة يمكنها البقاء عدة أسابيع دون لدغ أي إنسان إذا امتصت كمية كافية من الدم.. والمعروف أنه اكتشفت حتى الآن ملايين الإصابات بالإيدز ووصل عدد الضحايا إلى نحو ستة ملايين في مختلف أنحاء العالم.. وقد انتقل فيروس الإيدز حسب رأي روبرت جالو عن طريق القرود الخضراء في افريقيا بعد أن بقي في رحلته الطويلة معها نحو (50) ألف سنة وأول إصابة بشرية سجلت في بداية الستينات ولم يكن الفيروس معروفاً عندها وظل يتكيف منذ ذلك الحين مع جسم الإنسان حتى تمكن من قتل ضحاياه .
وبالنسبة لمرض الملاريا أيضاً فقد توصل العلماء مؤخراً إلى ابتكار نوع من اللقاح يستخدم الأجسام المضادة المعدة من المواد الكيماوية الطبيعية التي تتولى حماية الإنسان تستخدم كلقاحات تتيح للأطباء فرصة كبيرة لمعالجة الناس في المناطق التي ينتشر فيها المرض.. ومن جهة أخرى أعلن عدد من العلماء في فرنسا عن نجاحهم في تحصين الحيوانات ضد مرض البلهارسيا الذي يعاني منه أكثر من / 250 / مليون مريض في العالم.
إن ذبابة ) تسي تسي ( التي تنقل مرض النوم إلى الإنسان والحيوان تتكاثر في المناطق الحارة وهي حشرة سمراء بحجم الذبابة العادية حين تحط على الحيوانات المتوحشة في الغابات التي تحمل مرض النوم فإنها تمتص شيئاً من دمها المليء بالطفيليات وعندما تلدغ إنساناً أو حيواناً أيضاً تظهر عليه أعراض مرض النوم من رشح في الأنف والعينين ووفرة في اللعاب وتورم في الجسم وإحساس بالبرد والخمول والنعاس. وهو يصيب الإنسان والحصان والثور والكلب ولا يصيب الماعز والحمير والبغال.
إن مرض النوم - هذا - وكان مرضاً مستعصياً أصبح الآن محاصراً باللقاح الذي يمنع الإصابة به والذي ابتكر مؤخراً وأعطيت جرعات منه في المناطق التي يتكاثر فيها المرض .
ورغم ظهور أمراض عديدة بأشكال غريبة فإن العلم يحاول بإمكاناته الهائلة أن يوجد لها العلاج المناسب .. وقد ينجح في كثير من الأحيان.

مجلة الأدب العلمي  العدد الثالث والرابع

0 comments: