ابن يونس عالم الأرصاد ومخترع الرقاص ...الأدب العلمي العدد الأول
عبد الباقي أحمد خلف
ولد علي ابن يونس في 324هـ 935م في ضاحية
حلوان من مصر ، وعاصر المتنبي صغيراً ، والتقى به فتفرس الشاعر الكبير فيه الذكاء
والنجابة .
حفظ
من صغره القرآن
الكريم حيث كانت لديه
ذاكرة عجيبة فحفظ
كثيراً من الشعر ولاسيما
شعر المتنبي وحينما
التقى به ألقى بين
يديه قصيدته التي
يتحدث فيها عن
ليلة زيارة الحمى له
فتعجب المتنبي من
دقة حفظه. كما
درس علم الرياضة
وعلم الفلك واطلع على
جداول فلكية مترجمة
إلى العربية ، منها كتاب )السند
هند ( لفراهميرا الهندي،
وأزياج )جداول ( فلكية
للفزاري و البتّاني
والخوارزمي والفرغاني
وبينها كتاب )المجسطي( لبطليموس
وكتب أخرى في
علم الهيئة )علم
الفلك ( 1.
كان
علي
كثيراً
ما
يعتكف
لمواصلة
القراءة
في
كتب الفلك القديمة والمعاصرة
له
ويتأمل
طويلاً
في مواقع النجوم والكواكب
في
السماء
ويسافر
على فرسه إلى أحياء
الفسطاط
في
مصر
وغيرها ليجلب آلات
الرصد
المعروفة
ويعود
بها
إلى حلوان ليصنع بمعونة
حدّاد
ونجّار
ماهرين
آلات أخرى لرصد النجوم
والكواكب.
وحين
أتم علي الثلاثين
من عمره وأكمل تثقيف
نفسه في علم
الفلك أقام مرصده الخاص
المتواضع في ضاحية
حلوان وبدأ يفكر في
عمل جداول فلكية
خاصة به ليصحح
بها أعمال السابقين ويدوّن
ما اكتشفه هو
من الاختراعات الفلكية .
فقد
كان وعى أعمال
السابقين واطلع عليها حيث
كان أهم ما
اطلع عليه من
علومهم أنهم أدركوا حركة
الشمس والقمر ، وعلموا كروية الأرض
وأنها تدور حول
نفسها وأكملوا عدة
أيام السنة الشمسية خمسة
أيام هي أيام
النسيء وجعلوا فصول السنة
ثلاثة فصول هي:
الفيضان والزرع والحصاد
وعرفوا كسوف الشمس وخسوف
القمر وسجلوا بعض
أحداث السماء : مثل ظهور
جرم ذي ذنب
طويل يعبر السماء واستخدموا )
المزولة الشمسية ( والساعة المائية
وعرفوا بروج القمر
والنجوم الزاهرة
المتلألئة والنجوم الخنس
المنطفئة 2.
كان
علي ابن يونس
قد اطلع على
ذلك كله وقد رشحه
علمه أن يكون
أستاذاً لعلم الفلك بالجامع
الأزهر ويصطفي من
بين طلابه مساعدين له
في أرصاده بمرصده
في حلوان وكان من
أولى الأعمال التي
قام بها : جداول فلكية
خاصة بإقليم مصر .
وكان يقول لمساعديه: ما زلنا
في البداية
نناوش
بأرصادنا صفحة السماء
فهذه الجداول يا أهل
الخير هي الجداول
الصغرى وآن لنا أن
نقوم بأرصادنا الكبرى .
3
ومضى
يسهر في الليل
مواصلاً أرصاده السماوية يحدق
بمنظاره وأجهزته في
النجوم والكواكب
ويرى انتقالها من
مكان إلى مكان
مع دوران الأرض ويدوّن
مواعيد شروقها وغروبها ونزول
القمر في الأبراج
وبدت له السماء آنذاك
كونا أرحب مما
يخص مصر من
أجرام الفضاء.
مرصد المقطم :
كان
مرصد
المقطم
مشيداً
من
الحجر
الأبيض وكانت نوافذه
من
الزجاج
المعشق
الملون وكانت آلاته
مصنوعة
من
المعادن
المصقولة والأخشاب الثمينة
فكانت
فيها
آلة )الإسطرلاب( التي بالإضافة
إلى
عملها
في مراقبة النجوم وتحركاتها
كان
يقيس
بها
اتجاهات الريح وسرعتها
ويقيس
بها
زمن
الليل
والنهار وآلة )اللبنة( المربعة التي
تعرف
بها
أبعاد
الكواكب والميل الكلي
وخط
عرض
البلد
وآلة
الحلقة الاعتدالية لمعرفة
تحول
الفصول
وآلة
)ذات الأوتار( لمعرفة التحول
الليلي
وآلة )ذات الحلق( بدوائرها
الخمس
لمعرفة
نصف
النهار
ومنطقة البروج وخط
العرض
ودرجة
الميل
وسمت )هيئة( الكواكب وآلة )ذات
الشعبتين(
بمساطرها
الثلاث
لمعرفة
مدى
ارتفاع
الكواكب
وآلة ) ذات السمت والارتفاع( لمعرفة
السمت
والارتفاع معا وآلة )المشبهة
بالمناطق (
لقياس
البعد بين الكواكب .
وكان
من
أشهر
تلك
الآلات )
المزولة
الشمسية( التي عرفها العرب
منذ
بداية
الحضارة الإسلامية وقد
ذكر
العالم
البريطاني
الهندي الأصل نفيس
أحمد
فقال:
) وقد
أجرى
ابن يونس كثيراً من
أرصاده
في
مرصد
المقطم
وشيّد على جزء من
سلسلة
التلال
التي
تقوم
مباشرة في شرق
القاهرة
ويبلغ
ارتفاعها
حوالي 600 قدم وتطل على
النيل
وقد
أنفق
الحاكم يومئذاك الأموال
الطائلة
في
تجهيز
هذا المرصد وتدعيمه( 4
الرقاص(الموار) :
كان
ابن
يونس
يقول
للعلماء
والأمراء
الذين
حضروا عنده ليشاهدوا اختراعه
العجيب
)الرقاص( : إن
كل
حركة
من
هذا
الرقاص
تسجل ثانية وكل ستين
حركة
تسجل
دقيقة
واحدة من الساعة ،
لقد
صنعت
الرقاص
لأعرف به كم يستغرق
النجم
أو
الكوكب
من
الوقت بين ظهوره واختفاءه
في
السماء
ولا
أعلم
أحدا من العلماء قد
سبقني
إليه
، ولا أظن
أن
أحدا من علماء الفلك
بعدي
في
غنى
عنه .
كان
الحاضرون
يتواثبون
من
الفرح
والاندهاش وهم يتفرجون
على
الرقاص
الذي
يتذبذب دائما كنبض
القلب
حيث
صنعه
ابن
يونس من المعدن وجعله
ثقلاً
متدلياً
من
طول
معدني يروح ويجيء يمنة
و
يسرة .
ابن يونس الرياضي :
استخدم
ابن
يونس
علم
المثلثات
في
جداوله
فحل به كثيرا من
المسائل
المستعصية
في
علم
الفلك. وأسهم بحلوله هذه
في
المثلثات
الكروية
و استعماله للخطوط المماسة
قي
علم
المثلثات.
وابتدع
ابن
يونس
أسلوباً
خاصاً
به
سهل
بذلك كل العمليات الحسابية
حيث
اعتمد
في
هذه الطريقة على تحويل
عمليات
الضرب
إلى
عمليات جمع فوضع
بذلك
الأساس
الأول
لعلم
حساب اللوغاريتمات وبذلك يكون
قد
سبق
العالم الاسكتلندي )جان نابيير( الذي
طور
علم
اللوغاريتمات في القرن
الميلادي
السابع
عشر .
كما
استخدم
ابن
يونس
في
تجاربه
لأول
مرة
طريقة حساب الأقواس الثانوية
فاستطاع
بذلك تبسيط القوانين الرياضية
بعد
وفاة
ابن
يونس ب 600 سنة .
آثاره :
ترجمت
جداول
ابن
يونس
الفلكية
إلى
اللاتينية وظلت أكمل
الجداول
الفلكية
حتى
القرن الميلادي السابع عشر
بل
كان
المرجع
المفضل في القرون
الوسطى.
أما
كتابه )الزيج
الكبير
الحاكمي (
فقد
ترجمه المستشرق الفرنسي ) برسيفال( ونشره في
باريس
في
العام
الرابع
من
القرن
السابع
عشر .
ولابن
يونس
رسائل
فلكية
من
أهمها :
)الرقاص (
و )
الظل (
و )
الميل (
و )التعديل المحكم (
و )جداول
السمت
الشمسي (
والملفت
أنه ألف كتابا في
علم
الموسيقى
سماه )العقود
والسعود
في
أوصاف
العود (
.
وابن
يونس
من
أشهر
علماء
الفلك
المسلمين
وحسبه فخارا اكتشافه للرقاص )البندول( قبل جاليليو( بسبعة
قرون
فبفضل
هذا
الاكتشاف
تقدم علم الفلك وكانت
الساعات
الدقاقة
في
معاصم الأيدي وعلى الجدران .
مات
ابن
يونس
في
شوال
سنة
399 ه -
أيار1009
م .
-1 ابن
يونس
عالم
الأرصاد
تأليف
سليمان
فياض
الطبعة
الأولى
1411 ه -
1990 م
الناشر
مركز
الأهرام
صفحة /
12 /
2-ابن
يونس عالم الأرصاد صفحة
3-نفس
المصدر صفحة 30
4-جهود
علماء المسلمين في الجغرافيا تأليف : نفيس أحمد ترجمة : فتحي عثمان الناشر دار
القلم صفحة 175
مجلة
الأدب العلمي العدد الأول التراث الحضاري
0 comments: