Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

من الخيال العلمي إلى التطبيق الواقعي إنسان آلي يرافق رواد الفضاء ....الأدب العلمي العدد الثالث والعشرون



محمد حسام الشالاتي 

تواجه رحلات الفضاء المأهولة تحديات كبيرة ، وغالباً ما يضطر رواد الفضاء إلى تحمل ظروف قد لا يتحملها الإنسان على وجه الأرض ، فهم يعانون مثلاً –ولربما أكثر من غيرهم –من الوحدة والعزلة الاجتماعية .
ولتغيير هذا الوضع يوجد الآن على محطة الفضاء الدولية إنسان آلي "Robanut-2" يتكلم ويفهم اللغة الإنسانية ، وتكمن مهمته في إضفاء أجواء الأنس والمرح على رواد الفضاء . فهل يمكن أن يكون الإنسان الآلي رفيقاً مؤنساً لرواد الفضاء بالفعل ؟
في الواقع، إن الروبوتات التي تُحاكي الإنسان لم تعد تلعب دوراً في عالم الخيال العلمي فقط، بل باتت تتولى مهمات تخدم الإنسان في الحياة الواقعية على الأرض؛ و ربما في الفضاء. و لا يزال الروبوت كصديق مُجرَّد فكرة، و لكنها على وشك التحقّق، و علماء النفس يأملون في أن تساهم الروبوتات كمُرافق لروَّاد الفضاء في تجنُّب الأضرار النفسية التي تحدث لطاقم الرحلات الطويلة.لقد ركَّز العلماء فترة طويلة على الجوانب الطبية البحتة المُتعلِّقة بمشاكل العظم و العضلات و أثر الإشعاع، و لكنهم لاحظوا أيضاً في وقتٍ مبكر أن البقاء لفترة طويلة في الفضاء يُخلِّف تأثيرات نفسية، و سبب ذلك مُرتبط بعدة عوامل، منها بيئة العمل نفسها و التي تلعب دوراً هاماً أي أن العمل في هذه البيئة مُجهِد للغاية حيث يفقد الإنسان عدة مؤثرات خارجية مألوفة كالأقارب و الأصدقاء، و ذلك لأن التواصل الاجتماعي محدود للغاية و هي جميعها عبارة عن مشاكل، و الآن ينبغي إثبات إمكانية الاستعاضة بروبوتات كبديل عن المجتمع البشري!
في اختبارهم في "مركز الفضاء الألماني" في مدينة كولونيا يُآنس روبوتان مجموعة معزولة من البشر لمدة ثلاثة أسابيع، أحد الروبوتات مهمته تحفيز المجموعة على ممارسة الرياضة حتى و لو لم تكن لديهم رغبة في ذلك، فإذا لم يتحرك روَّاد الفضاء كثيراً لعدة أشهر فمن المُمكن أنهم سيكونون مُهدَّدين
بالتعب و ضمور العضلات و الاكتئاب. بيد أن شكل الروبوتات لا يُشبه البشر؛ فهل يمكن أن يتقبَّل الطاقم روبوتاً أكثر شبهاً بالإنسان؟
الباحثون ينفون ذلك، فبالنسبة للروبوتات يضع البشر معايير أدوات كمحمصة أو براد، و المظهر الجيد يبدو ألطف، و لكن مُحاكاة شكل الإنسان تضيف أيضاً المعايير الإنسانية، و عندها يبدو الخطأ شيئاً غريباً يُقابله الإنسان بالرفض. و في الفضاء لا يحتاجون إلى مُدرِّب و لكن أيضاً شريك في اللعب، و هنا يكفي رأس لطيف الوجه يُحدِّد تعاطفنا مع الشخص الذي يجلس قبالتنا. و لكن تعبيرات الوجه البشري مُعقَّدة جداً، فمليون شارة من شارات ناظرنا نحفظها لا شعورياً، و في علم النفس يقسمونها إلى سبعة أنواع أساسية في التعبير العاطفي، و هنالك تعبيرات عاطفية تظهر على الوجه و هي موحَّدة في كافة الثقافات العالمية، كالفرح و الغضب و الخوف و أيضاً الحزن و الاشمئزاز و الاحتقار و الذهول. و خلال اختبارات العُزلة لا يمكن للمُطوِّرين التدخل و تعديل برمجيات الروبوتات التي يتحتَّم عليها التصرُّف وحدهما لمدة ثلاثة أسابيع. و الباحثون لا يختبرون تكنولوجيا الروبوتات فقط، بل و تأثيرها على البشر أيضاً، حيث وجدوا أن هنالك شكوكاً جدية في إمكانية الاستعاضة عن المجتمع البشري بروبوتات و إمكانية مواجهة مشاكل الصحة العقلية، فبمقدور الإنسان التعاطف مع الكيانات و الأشياء و الآلات، و هناك أيضاً أبحاث عن كلاب روبوتات أو استخدام روبوتات في دور المسنين في اليابان على سبيل المثال، و لكن في مسألة حلِّ روبوت وحده للمشاكل النفسية التي تواجه روَّاد الفضاء سيظل الأمر محل شك.
ستستمر الشكوك ثلاثة أسابيع حتى تفتح الأبواب مرة أخرى، و بعدها ستتم مُقارنة البيانات التي تمَّ جمعها ببيانات من مجموعة أخرى دون روبوتات، و إذا أظهر الطاقم مع الروبوتات نتائج ملموسة أفضل فسوف تتم الاستعانة بروبوتات لترافق رواد الفضاء أثناء الرحلات الطويلة في المستقبل إلى المريخ على سبيل المثال. يريد الباحثون تطوير الأنظمة لتكون قابلة للاستخدام في الرحلات يوماً ما، فالمسألة تتعلق بنقطة تقاطع بين الإنسان و الآلات، بحيث يمكن للناس التفاعل مع الروبوتات لتحقيق التعاون في نهاية المطاف.

لقد نجت الروبوتات فعلاً في مهمتها المُتمثِّلة في اختبار العزلة، و ربما تتولى مسؤوليات جديدة قريباً. و بصرف النظر عن أثر العزلة التي تمَّ اختباره فإن تجربة ثلاثة أسابيع توفر معلومات أساسية عن استخدام الروبوتات لفترة طويلة، و هذا يسري في الواقع على كافة التطبيقات، كعلاجات النقاهة أو
مساعدة الأفراد على سبيل المثال، و عندها لا يتم استخدام الروبوت مرة واحدة و لكن عبر أسابيع أو أشهر أو ربما لسنوات أيضاً، و هذه أوضاع لا نعرف عنها الكثير في الوقت الحالي.

لقد بات استخدام الروبوت كصديق للإنسان رؤيا ملموسة، ليس فقط عندما يتعلق الأمر برحلات الفضاء، بل في مجالات عديدة أخرى أيضاً، فمتى تتم الاستعانة بها بشكل مُجدي؟

المراجع :

-موقع مركز الفضاء الألماني
-موقع وكالة الطيران والفضاء الأميركية NASA
-موقع وكالة الفضاء الأوروبية ESA
-موقع المركز الألماني للملاحة الجوية والفضائية DLR 

0 comments: