Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

تساؤلات علمية جوية ....الأدب العلمي العدد الخامس والعشرون

       


  محمد حسام الشالاتي

لربما تساءل أحدنا عن بعض الحقائق العلمية المحيرة ولم يجد تفسيراً لها . ما رأيكم أن نزيل الغموض عن بعض تلك الحقائق العلمية المتعلقة بالجو والطيران ؟

لماذا نرى السحب رمادية اللون ؟
هناك قاعدة عامَّة نعرفها جميعاً، و هي أنه قبل أن تتساقط الأمطار تتكوَّن سُحُبٌ رمادية اللون. فما السر في تحوُّل السُّحب إلى اللون الرمادي، و لماذا تكون غيوم المطر داكنة اللون؟ تحظى الغيوم باهتمامٍ و محبةٍ كبيرةٍ لدى البشر سواء أكانت داكنة أم فاتحة، فهي لدى الغالبية فأل خير يُبشّر بقرب سقوط الأمطار، بينما تسبَّبَت ببعض حالات الاكتئاب في المناطق التي لا تُشرق فيها الشمس إلا قليلاً!! لكن لون الغيوم يُعدُّ مقياساً تقريبياً للتنبؤ الجوي بكمية الأمطار التي ستهطل؛ فكلما كانت الغيوم داكنة كانت كميات المطر غزيرة، في المقابل تبدو غيوم الطقس الجميل )المشمس جزئياً( فاتحة و بيضاء اللون كالقطن المنفوش. بيد أن الغريب في الأمر أن جميع الغيوم تبدو بيضاء عندما نراقبها من الأعلى )من طائرة مثلاً(، بما في ذلك الغيوم المطرية، فتبدو بيضاء من الأعلى و داكنة من الأسفل .
إن التفسير العلمي لذلك هو أن الغيوم تتكون من ملايين قطيرات الماء، و عندما تسقط أشعة الشمس على هذه القطيرات يتبعثر الضوء الذي يمرُّ من خلالها و تبدو الغيمة بيضاء من الأسفل، لكن كلما زادت كثافة الغيمة كلما قلَّت كمية ضوء الشمس التي تمرُّ عبرها، فالغيمة الكثيفة تحجب ضوء الشمس أكثر من الغيمة القليلة الكثافة، و لهذا السبب تبدو الغيمة الكثيفة داكنة بالنسبة لمن يراها من على سطح الأرض.

كيف تتحدى النباتات قوة الجاذبية ؟
النبات كائن مُدهش، فبفضل أشعة الشمس يُحوِّل النبات الماء و غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى هواء نقي و غلوكوز أو سكر العنب الذي ُعدُّ مصدر طاقة أساسياً للإنسان. و النبات يليس مُجرَّد مُكوِّن ضروري في الغذاء و الطب و صناعة العطور و حماية المُناخ مثلاً... بل هو عالمٌ في حدِّ ذاته أيضاً.
إن النبتة تصعد إلى الأعلى؛ إلى حيث يتواجد ضوء الشمس، و ذلك لتصنع الغذاء الذي تحتاجه من طاقة الضوء. بيد أن قوة الجاذبية التي تشدّ الأشياء إلى الأسفل و تبحث لنفسها باستمرار عن ضحايا جُدد
تُصعِّبُ عليها هذا النمو، فكيف تصعد النباتات إلى الأعلى على الرغم من قوة الجاذبية التي تشدّها إلى الأسفل؟ لدى الإنسان طرق كثيرة للحصول على الطاقة مثل الفطور الجيد و ممارسة الرياضة...
أما النباتات فتستمد طاقتها من هرمون النمو (أوكسين ) الذي يجعلها تنمو و تتفرَّع بشكل أقوى كلما ازداد إنتاجه. كما أن قوة الجاذبية مفيدة أيضاً، فالجذور تحتاجها من أجل تحديد الاتجاه و هي لديها مجسَّات خاصة تدلّها على الطريق نحو الأسفل حيث الماء و المواد المُغذِّية. إن اتجاه قوة الجاذبية يُخبر النباتات أين هو الاتجاه نحو الأعلى، فهي لا تستعين بالشمس في التوجه إلا بعد أن تنمو خارج التربة.

ما هو حجم أكبر قطرة مطر ؟
يبلغ متوسط عدد قطرات مياه الأمطار التي تسقط سنوياً في العالم على المتر المربع الواحد نحو 859 قطرة، تتوزَّع بشكل غير متساوٍ على بقاع الأرض. إلا أن تلك القطرات ليست كبيرة جداً، و يبلغ متوسط أكبر قطرة منها تحت ظروف مُعيَّنة حوالي تسعة ميليمترات. فمثلاً، تتحرك الرياح في السُّحُبْ الرعدية بقوة تجعل القطرات تتجه إلى الأعلى و تندمج مع بعضها بعضاً لتتحوَّل إلى قطرات أكبر حجماً و وزناً، ثم تنجذب نحو الأرض بسرعة 30 كيلومتراً في الساعة ليتلاعب بها الهواء و يُخلخلها لتصبح أصغر حجماً، و ذلك بنفس الطريقة التي تتلاعب بها الرياح بالقافزين المظليين أثناء قفزهم الحر )قبل فتح مظلاتهم(. كما أن قطرات المطر لا تبدو مثل قطرات مياه الصنبور، و لكنها تبدو كنبات الفطر أو كقنديل البحر، و السبب في ذلك هو ضغط مقاومة الهواء أثناء هبوطها باتجاه الأرض. و في ظلِّ انعدام الجاذبية في الفضاء تبدو قطرات المطر )في مركبات الفضاء مثلاً( كفقاقيع الصابون، لتصبح مصدراً لمداعبة روَّاد الفضاء بعضهم
البعض، فيتقاذفونها عبر النفخ عليها لتسبح بشكل بطيء و لطيف. بيد أنه عندما تتجمَّد قطرات المطر
لتسقط إلى الأرض على شكل حبَّات بَرَدْ، قد يصل حجمها إلى ما يوازي حجم بيض الحمام، وقد تتسبَّب بأضرار مادية و بشرية. و لحسن الحظ، لا تصبح القطرات السائلة بهذا الحجم أبداً!!!

هل يمكن الطيران بدون جوانح ؟

مرَّ الطيران خلال مراحل تطوره بتجارب و اختراعات كثيرة من الأشكال التي قد تُمكِّن الإنسان من الطيران. و حتى التجارب الغير ناجحة من التحليق، مثل تجربة اليونانيَين (ديدالوس ) و ابنه (إيكاروس (، و محاولة العالِم العربي الأندلسي (عباس بن فرناس ( و رسومات و مُخطَّطات الفنان النابغة الإيطالي (ليوناردو دافينشي ( لم تخرج تلك التجارب عن مفهوم استخدام الأجنحة لتحقيق حلم الطيران... وصولاً إلى ما حققه الطيران اليوم من تطور هائل يعتمد على الأجنحة أساساً في حمل الآلة الطائرة في الجو. و لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع الإنسان الطيران بدون أجنحة؟

إن الله - عزَّ و جلَّ - خصَّ الطيور دون البشر بميزة التحليق في السماء، في الوقت الذي لا يمكن للطيور مُجاراة الإنسان في التنقُّل على سطح الأرض. و لكن، و مع تطور العلم أصبح الإنسان يستطيع التحليق في الجو بتركيب أجنحة على جسده، أو بامتطاء آلة مُزوَّدة بتلك الأجنحة. و حتى أشكال الطيران غير المُعتمِدة على شكل الجناحين التقليديين لا تخرج عن استخدام أشكال من ابتكارات التحليق قريبة من مبدأ الأجنحة أو تُشبهه تماماً. فالطيران بالمظلات الشراعية غير ممكن بدون أجنحة، و مِنْ أجل زيادة
التحكُّم بالمظلة الشراعية يقوم المطوِّرون بتعديل شكل جناحها باستمرار. و مَنْ يريد التحليق بمنطادٍ حراري يتوجَّب عليه تسخين الهواء داخل كيس المنطاد، و بهذه الطريقة تنخفض كثافة الهواء داخل الكيس لتنشأ قوة رفع تؤثر على المنطاد، و هو المبدأ الذي اكتشفه العالِم اليوناني )أرخميدس ( قبل ألفي عام تقريباً. أما يُسمى بـ (طائرة الجناح ) التي لها شكل مُتميِّز يُحاكي جناحاً واحداً كبيراً، فبسبب تداخل السطح الحامل و الجسم في تلك الطائرات المُسطَّحة تكون قوة الرفع أكبر و بالتالي يمكن رفع حمولات أثقل، فهذه الطائرات قادرة على حمل ركاب أكثر من الطائرات التقليدية لأن سعتها أكبر و يمكن استخدام الحيز الداخلي فيها بالكامل .

وحده المكوك الفضائي يرتفع في الجو من دون استخدام أجنحته، و هو يُنقل إلى الفضاء الخارجي بقوة دفع محركاته الصاروخية الجبَّارة، التي يقتصر دورها على نقل المكوك إلى الفضاء الخارجي قبل التخلِّي عن تلك الصواريخ لتسقط إلى الأرض. ثم، و بسبب دوران المكوك السريع حول الأرض، تنشأ قوة طرد مركزي تُعادل قوة الجاذبية، و عندها تكفي القوة البسيطة لمحركات المكوك الذاتية بتوجيهه في الفضاء. و يستخدم المكوك أجنحته فقط للمساعدة بالتوجيه في الفضاء، و عند المناورة للعودة إلى الأرض كطائرة شراعية.

و لا ننسى أنه يمكن للبشر الطيران من دون أجنحة ببساطة في حالة انعدام الجاذبية في الفضاء فقط. و بذا لا يقتصر (الطيران من دون أجنحة) على الخيال العلمي ومنامات البشر !!!

متى تغيب عنك الشمس أثناء السفر بالطائرة ؟

يلاحظ الكثير من المسافرين جواً، أثناء عبورهم المحيط الأطلسي مثلاً، أن الشمس تشرق من نوافذ إحدى جهتي الطائرة، بينما الظلام لا يزال يسيطر على الأجواء الظاهرة من نوافذ الجهة الأخرى. و ذلك في أوقات معينة من اليوم و المكان الذي تطير فوقه الطائرة و الجهة التي تتخذها الطائرة، وقد صادف ذلك مرور الطائرة التي تقل هؤلاء المسافرين في هذه الظروف.

في الحقيقة و كما هو معروف، أن الأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق، و تبلغ سرعة دوران الأرض حول نفسها 1125 كم/سا. و إذا افترضنا جدلاً أن طائرة تطير نهاراً من الشرق إلى الغرب من نقطة
ما إلى نفس النقطة بسرعة 1125 كم/سا )أو أقل إذا أخذنا في الاعتبار أن دوران الأرض سوف يقرِّب النقطة المقصودة للوصول(، فإنها عندما تعود إلى النقطة التي انطلقت منها لن تكون قد عبرت في طريقها أية أجواء ليلية.

فمثلاً، لو طارت الطائرة بك الساعة السادسة صباحاً بسرعة 1125 كم/سا من بيروت إلى لندن ثم نيويورك ثم هونغ كونغ، و عادت بك إلى بيروت، فإن الشمس لن تغيب عنك في تلك الرحلة المُفترضَة لأن الطائرة تطير بنفس سرعة دوران الأرض حول نفسها. و كل ما يحدث هو أنك ستعود إلى بيروت صباح اليوم التالي دون أن تشهد الليل.


هل السفر بالطائرة ليلاً أسرع من السفر بها نهاراً لاحقاً ؟

من ناحية بعض الحالات العملية يمكننا الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب، أما من الناحية العلمية الأيروديناميكية فإن الإجابة ستكون حتماً: لا!!
ظهر الاعتقاد بأن السفر جواً ليلاً أسرع منه نهاراً عند تجربة بعض الناس السفر بالطائرة ذهاباً و إياباً بين نقطتين تقعان على خط عرض واحد تقريباً، و بنفس طراز الطائرة للرحلتين، و كانت إحدى الرحلتين )و هي التي تتجه من الشرق إلى الغرب( تتم في الليل، حيث لاحظوا أن زمن الرحلة الليلية أقصر من زمن الرحلة النهارية فعلاً بحوالي 10 إلى 20 %.

وقد فسَّر البعض هذا الحدث بأن حركة الطائرات ليلاً أخف من حركتها نهاراً، كما علَّق أحد الظرفاء بأن إشارات المرور لا تعمل ليلاً )تشبيهاً بإشارات مرور طرق السيارات(. و لإزالة الغموض حول هذا الموضوع نوضح الآتي:

- إن سرعة الطائرات التجارية النفاثة )طائرات الخطوط الجوية( قريبة من بعضها
 عموماً، و هي بحدود 900 كم/سا. أضف إلى ذلك أننا نعرض هذه الحالة بفرض استخدام الراكب نفس طراز الطائرة في الذهاب و الإياب.

- إن القول بأن حركة تخف ليلاً هو قول صحيح، و لكنه لا علاقة مباشرة له بموضوعنا - و إن كان له جزء ضئيل من نسبة قِصر الرحلة الليلية - ذلك أن الطائرات تطير في مسارات جوية مختلفة الارتفاعات و
الاتجاهات.

- لا يمكن بأي حال من الأحوال تشبيه حركة الطائرات في الجو بحركة المرور الطرقية على الأرض، من إشارات ضوئية و لافتات مرور و شرطي سير...

إن التفسير الحقيقي لهذه الظاهرة بسيط للغاية، و ما هو سوى أن حركة الأرض حول نفسها تتم من الغرب إلى الشرق مما يعني أن المسافر الذي سيسافر من نقطة في الشرق إلى نقطة أخرى في الغرب سيصل إلى مقصده بوقت أسرع من المسافر الذي سيسافر من نقطة في الغرب إلى نقطة تقع شرق النقطة الأولى. فالأول ستطير الطائرة به عكس حركة الأرض حول نفسها مما يعني اقتراب البُعد
الكوني لنقطة المقصد إلى الطائرة بشكل طفيف، أما الثاني فستطير الطائرة به مع حركة الأرض حول نفسها مما يعني أن نقطة المقصد تبتعد عن موقعها الكوني عن الطائرة بشكل طفيف مع مرور الوقت. وقد صادف أن بعض الرحلات التي تسير من الشرق إلى الغرب قد تمَّت في الليل و أن الرحلات الأخرى التي تسير من الغرب إلى الشرق تتم في النهار، مما سبب هذا الالتباس.

ما هو الدخان الذي تنفثه الطائرات خلفها ؟

كثيراً ما نشاهد دخاناً أبيض صادراً عن الطائرات أثناء طيرانها، و أحياناً يكون ذلك الدخان ذا ألوان متعددة. فما هو ذلك الدخان؟ في الحقيقة هناك نوعان من هذا الدخان، أحدهما تنفثه الطائرات النفاثة عن غير عمد أثناء طيرانها، و يكون لونه أبيض. و الثاني هو الدخان الملون الخاص بالاستعراضات الجوية.

بالنسبة للنوع الأول الذي يظهر على شكل خيط أبيض خلف الطائرات النفاثة التي تطير على ارتفاعات عالية، فإن الناس الذين ليست لديهم الخبرة الكافية بتقنيات الطيران و علم الديناميكا الهوائية يختلفون
في تفسير ذلك الخيط الأبيض، فمنهم من يقول إنه الدخان الخارج من عوادم محركات الطائرة، و منهم من يقول إنه ينشأ من فرق الضغط بين أعلى و أسفل الطائرة؟ بل حتى إن بعضهم يعتقد أن ذلك الطائر الذي يخلف هذا الخيط ما هو إلا صاروخ و ليس طائرة!!! لكن ذلك الخيط ما هو سوى الهواء الساخن جداً و الخارج من عوادم محركات الطائرة إلى المحيط الخارجي للطائرة و الذي يكون شديد البرودة على الارتفاعات العالية، حيث يتجمع ذلك الهواء الساخن و يتحول إلى نثار غائم و أبيض.

و لتفسير ذلك نوضح الآتي:
نحن نعرف أن الطبقات الجوية السفلى القريبة من سطح الأرض مؤلفة من كميات ثقيلة من الهواء، و كلما ارتفعنا ندر الهواء وقلت الكثافة الجوية. لذلك ترتفع الطائرات إلى علو مرتفع )في حدود 30000 قدم(، لأن قوة المقاومة لدى الهواء تنخفض كثيراً في هذا الارتفاع عن قوة المقاومة الموجودة في الطبقات القريبة من سطح الأرض، مما يؤدي إلى زيادة سرعة الطائرة و خفض استهلاك الوقود، بالإضافة إلى تحاشي الطيران المنخفض حيث تكثر العوائق )جبال مدن الخ...(. و المعروف أيضاً أنه كلما صعدنا
إلى الجو انخفضت درجات الحرارة. فمثلاً تتدنى درجات الحرارة إلى 40 درجة تحت الصفر على ارتفاع 30000 قدم، و هو الارتفاع الوسطي الذي تسلكه الطائرات التجارية. والطائرة التي تطير على علو مرتفع
في محيط يندر فيه الهواء، و وسط درجات حرارة قاسية، و الهواء البارد الذي يدخل إلى الراكس العنفي في المحرك، يُضغط و يسخن في الداخل ثم يخرج بقوة على درجات حرارة مرتفعة، و ما أن يخرج حتى يتجمع في المحيط الخارجي و يتحول إلى نثار خارجي أبيض و خطي الشكل يتلاشى بعد فترة
بسيطة، غالباً ما نشاهده في الأيام المشمسة الباردة و الصافية الرؤية، و هو عبارة عن بخار ماء متكاثف .و يمكننا ملاحظة ذلك البخار المماثل و الخارج من عوادم السيارات في أيام الشتاء الباردة. فكل 1000 كيلو غرام من الوقود ينتج عنه 1250 كيلو غراماً من بخار الماء تقريباً.

أما النوع الثاني من الدخان، و هو الدخان الملون الذي يخرج من الطائرات )أو حتى من أقدام القافزين الجويين أحيانا( خلال الاستعراضات الجوية، فهو دخان يستخدم عن عمد لإعطاء الاستعراض المزيد من
الجمالية و التشويق. و هو غير الدخان الذي يصدر من محركات تلك الطائرات الاستعراضية. يتكون ذلك الدخان من الكيروسين المُعالج و الممزوج بألوان معينة، و يتم اختيار تلك الألوان بحسب متطلبات
العرض. و يخرج ذلك الكيروسين من عبوات خاصة توضع في أسفل جسم الطائرة )أو يُربط بأقدام القافزين المظللين(، مما يعطي العرض المزيد من الإثارة، و يلوّن سماء منطقة العرض بألوان زاهية تمثّل شعاراً أو رمزاً، أو حتى ألوان علم دولةٍ ما.

لماذا لا يزود ركاب الطائرات بمظلات إنقاذ ؟

كلنا يعلم أن الطيار الحربي يستطيع إذا ما تعرّضت طائرته إلى إصابة أو شارفت على ذلك - إنقاذ حياته بضغطة زر واحدة تقذفه هو و مقعده إلى مسافةٍ آمنة خارج الطائرة، لتنفتح مظلة تهبط به بسلام إلى الأرض. هذه التقنية التي تُسهم بنجاة نحو 90 % من الطيارين الذين يضطرون لقذف أنفسهم خارج طائراتهم، تستخدم معظم الأحيان في الطائرات الحربية التي تشارك في القتال، و في حدود ضيقة في الطائرات الأخرى، و لا يتم استخدامها لمقاعد طياري الطائرات التجارية التي لا توجد فيها مظلة إنقاذ، لا للركاب و لا للطيار و لا لأي فرد من أفراد الركب الطائر.

فمن الصعوبة بمكان تزويد كل راكب بمظلة للنجاة بروحه إذا ما وقع حادثٌ ما و تدريبه على كيفية استخدامها، فهناك رجال و نساء، مسنين و صغار، و معظم الركاب إن لم نقل كلهم بمن فيهم الطيارون لن يتمكنوا من التعامل مع المظلة، حتى القافزون المظليون أنفسهم قد لا يستطيعون استخدامها إذا
كانوا لم يمارسوا القفز منذ مدة. ناهيك عن المساحات التي ستشغلها تلك المظلات فيما إذا تمّ اعتمادها في مقصورة الطائرة )الضيّقة أصلاً(، و الفوضى التي ستحدث داخل الطائرة التي توشك على السقوط فيما لو أراد كل مسافر القفز من أحد أبواب الطائرة، و حالات التشابك التي ستحصل بين المظلات في حالة فتحها... و خصوصاً في الوقت الحالي الذي تستخدم فيه طائرات

ذوات أعداد هائلة من الركاب، قد تصل إلى 800 راكبافي الطائرة الواحدة. أما الطيار، فيجب أن يبقى مصيره معلّقاً بمصير الطائرة و الركاب، و يبذل أقصى ما بوسعه لإنقاذهم، و لذلك لا يُزوَّد طيار طائرة الركاب التجارية بمظلة إنقاذ أو بمقعد مقذوف.
وتجري الآن أبحاث للاستعاضة استخدام مظلات للركاب باقتباس التكنولوجيا المجرّبة بنجاح في السيارات، والمتمثلة في استخدام الأكياس الهوائية. وتتلخص تلك الفكرة في تركيب الأكياس الهوائية في مقاعد خاصة مزودة بأحزمة نجاة، بحيث تنتفخ إلى الأمام بمجرد حدوث ارتجاج مفاجئ، فتوفر
وسادة للركاب لحماية رؤوسهم و أجسادهم من الارتطام بالحواجز المعدنية بين المقاعد أو أية أشياء خطرة اعتراضية أخرى. و كما يحدث في السيارات، فإن أجهزة الاستشعار سوف تعمل على تنشيط الأكياس في جزء من الثانية حال حدوث الارتجاج أو الصدمة.

و هي تقنية يجري استخدامها بالفعل، في الآلاف من الطائرات صغيرة الحجم، إلا أن إمكانية استخدامها في مقاعد ركاب الطائرات التجارية لا يزال بين أخذٍ و رد بالنظر إلى أن أكياس الهواء قد تتمدد بعيداً عن مستخدميها من الركاب، مما يولّد مشاكل أخرى قد تزيد من أعباء المشكلة بدلاً من حلها، ناهيك عن أن استخدام الأكياس الهوائية قد لا يكون مجدياً في بعض الحالات، مثل مشارفة الطائرة على الاصطدام بالأرض أو بطائرة أخرى، أو عند حدوث عطل أثناء الإقلاع أو الهبوط...
كما أنه تجري الآن تجارب لاستخدام المقاعد المقذوفة في الطائرات الشراعية الإنزلاقية.

لماذا يفضل المسافرون على متن الطائرة شرب عصير الطماطم ؟

على اليابسة غير مرغوب به كما على متن الطائرة، و هو مطلوب بشدة أثناء رحلات الطيران حتى أصبح واحد من آخر ألغاز الطيران، إنه عصير الطماطم )البندورة( الذي تُقدِّم منه شركة الخطوط الجوية الألمانية (لوفتهانزا ( لزبائنها مليوناً و نصف المليون ليتراً سنوياً، في بلدٍ لا يُعتبر فيه ذلك العصير مشروباً شعبياً حيث عصير التفاح وعصير البرتقال هما المشروبان التقليديان المُفضَّلان في ألمانيا. وعندما فكَّرت الشركة )لوفتهانزا( مرةً في حذفه من قائمة المشروبات واجهت احتجاجات عارمة. و عادةً ما ينتابني ذلك الشعور بالمَيْلْ لاحتساء ذلك المشروب على متن الطائرة؛ فقد تمرُّ سنوات على الأرض دون طلبي له أو حتى تذكُّره، أما عند ركوبي طائرة السفر فإنني أميل لتفضيله على غيره من المشروبات أو يذكِّرني به غيري
من الركاب الذين سبقوني في طلبه، حتى أصبح ذلك المشروب بالنسبة لي مرتبطاً بالسفر جواً!! و لكن السؤال يبقى: ما السرُّ في رغبة المسافرين بشرب عصير الطماطم و لماذا يُطلب بكثرة في الطائرة؟

يُلاحظ طواقم الطائرات منذ مدة زيادةً في استهلاك عصير الطماطم، خصوصاً في الرحلات القصيرة التي تغيب فيها وجبات الطعام، سواء قُدِّم لوحده أو مع عصير الليمون. فهو يحتوي على العديد من الفيتامينات و العناصر التي تسبب شبعاً مؤقتاً، كما أن طعمه بحد ذاته في الجو أفضل منه في البر و ذلك بخلاف الأطعمة الأخرى التي يتحتّم إضافة التوابل إليها بكثرة لجعلها مقبولة. فصدور الدجاج المطهية بخلطة مُتبَّلة أعجبت من شملتهم إحدى الدراسات و هم على اليابسة، لكن الأكلة ذاتها كان لها طعم
ممل عندما قُدِّمت لهم في أجواء تُحاكي أجواء الطيران. و يتوقع الخبراء أن ذلك يرجع إلى الهواء الجاف و الضغط الجوي الاصطناعي المنخفض المحيط بالمسافر أثناء الرحلة. فالهواء الرقيق و انخفاض نسبة الأكسجين في الجو )داخل الطائرة( يؤثران على حاسة تذوقنا، فلا تتسرب إلى أنفنا إلا روائح معينة
فقط، و تقلل تلك الروائح من رائحة الأكل و كأن المرء مصاب بزكامٍ خفيف. كما يؤثر الهواء الطلق على حاسة التذوق، فعلى متن الطائرة يقل شعور مناطق التذوّق في اللسان بالمذاق المالح بنسبة 30 % و الحلو بنسبة %20 ، و هذا ينطبق على المشروبات الأخرى مثل الكولا أو العصائر الصناعية ذات السكر
المضاف، بينما يبقى شعورنا بمذاق نكهات الثمار و الخضار )مثل الطماطم( هو نفسه، في حين يصير المذاق الحامض أكثر حموضة. و لكي نستطيع استطعام )تمييز الطعم( ما نتناوله، يتوجب علينا زيادة البهارات أو الملح أو السكر إلى ما نتناوله، و لهذا فإن الأطعمة الآسيوية تلقى قبولاً جيداً عن سواها من
أطباق الدجاج أو الأسماك على متن الطائرة لكونها لا تفقد من طعمها سوى القليل. و عصير الطماطم يشكِّل حالة خاصة فهو يحتفظ دائماً برائحته النفَّاذة، لكن مذاقه على اليابسة وُصِفَ بأنه متعفن و يشبه
مذاق التربة، أما في الجو فإن الناس يبدؤون في استيعاب المذاق الحلو و المنعش و مذاق الفاكهة. فقد أكدت تجارب الباحثين الألمان أن عصير الطماطم يحظى بمعدل إقبال متوسط في حال تناوله عند مستوى سطح البحر، أما عند وضع من شملتهم الدراسة في أنموذج )مُشبِّه طيران( يُحاكي تحلقاً
على الارتفاع الذي تطير عليه الطائرة عادةً و يتمتّع بمناخ ذي ضغط جوي منخفض و مستويات من الرطوبة و درجة الحرارة و الإضاءة و الصوت تُحاكي المستويات الواقعية للطائرة الحقيقية، و إتاحة إمكانية طلب المشروبات أو الوجبات التي يرغب بها هؤلاء المشاركون، لوحظ أن الغالبية العظمى منهم
طلبوا مشروب الطماطم. و هذا ما يفسِّر الإقبال الكبير في الجو على عصير الطماطم. و يعتقد العلماء أيضاً أن شرب هذا العصير على متن الطائرة بات تقليداً مثل تقليد تناول الذرة المُحمَّصة )الفوشار( في قاعات السينما، فيكفي أن يطلب أحد المسافرين هذا الشراب حتى يُقلِّده الآخرون.
من ناحية أخرى، فإن السفر الطويل جواً قد يسبب تخثر الدم لدى المسافرين عندما يجلسون في مقاعد ضيقة لمدة طويلة، وقد أوضحت إحدى الدراسات أن تناول ثلاث إلى أربع حبات من الطماطم يومياً يقي من تجلُّط الدم، و هي الكمية ذاتها التي يحتوي عليها كوب من عصير الطماطم؛ إذ إن الطبقة الصفراء اللزجة المحيطة ببذور الطماطم تحتوي على مواد مضادّة لتجلُّط الدم. كما أن عصير الطماطم ينتمي إلى العصائر الحمراء التي تعتبر في الغالب مغذية، فهو يقوّي جهاز المناعة في الجسم لاحتوائه على مادة (ليكوبين ) النباتية المضادَّة للأكسدة، و التي تعمل أيضاً على حماية الجسم من مخاطر الإصابة بأمراض أخرى.
و هكذا نستسيغ أكثر ما نستسيغ فوق الغيوم شرب عصير الطماطم، كألذّ ما يُقدَّم على ارتفاع أكثر من 30 ألف قدم.

0 comments: