تكنولوجيا الألياف الضوئية ...الأدب العلمي العدد السادس والعشرون
جميل حسن الأحمد
نعيش حالياً في عالم واحد فكمية المعلومات المحملة على الانترنت كبيرة جداً ويمكن لها أن تحتوي يومياً على مئة وخمسين مليار كتاب ومع أن المعلومات المحملة عن طريق الأقمار الصناعية اللاسلكية تأخذ حيزاً كبيراً ، لكن الغالبية تأتي عن طريق الألياف الضوئية . يمكن للأسلاك الضوئية أن تغلف حالياً الكرة الأرضية بمعدل خمسة وثلاثين ألف مرة ، حيث سيتضاعف هذا العدد في العقد القادم بحيث يمكن لكل سلك تحميل ما يصل إلى مئتين وخمسين DVD في الثانية .
كلما تحدث الناس عن أنظمة التلفون أو التلفزيون التي تعمل بالكوابل الأرضية أو شبكات الإنترنت اقترن الحديث دوما بذكر الألياف الضوئية فما هي الألياف الضوئية. الألياف الضوئية هي عبارة عن شعيرات
طويلة من زجاج على درجة عالية من النقاء يصل رفعها إلى حد أن تماثل شعرة رأس الإنسان تصطف هذه الشعيرات معا في حزمة تسمى الحبل الضوئي إذا نظرت عن قرب لأحد هذه الألياف الضوئية ستجد أنه يتكون من:
القالب وهو قلب من الزجاج الفائق النقاء يمثل المسار الذي ينتقل من خلاله الضوء.
القشرة الزجاجية و هو المادة الخارجية التي تحيط بالقلب الزجاجي و هي مصنوعة من زجاج يختلف معامل انكساره عن معامل انكسار الزجاج الذي يصنع منه القلب ويعكس الضوء باستمرار ليظل في داخل القالب الزجاجي، الغلاف الواقي و هو غلاف بلاستيكي يحمي القلب من الضرر مئات أو ربما الآلاف من هذه الألياف الضوئية تصطف معاً في حزمة لتكون الحبل الضوئي الذي يحمى بغطاء خارجي يسمى جاكيت.
نظرة تاريخية :
لقد استخدم الضوء للاتصال منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها فبدونه لا يمكن أن نرى من حولنا وقد استخدمت الإشارات والمرايا العاكسة والمصابيح لنقل المعلومات ولكن مقدار المعلومات المنقولة محدودة ويمكن للآخرين الاطلاع عليها علاوة على التأثير السلبي للظروف البيئية.
إن أول محاولة فعلية مدونه لاستخدام الإشارات كان عام 1791 من قبل كلود شابي في فرنسا ، إذ استخدم مجموعة من الأبراج
تحتوي
على عدة أذرع لنقل معلومات مسافة 200 كيلو متر يستغرق إرسال المعلومة الواحدة حوالي 15 دقيقة . في عام 1854 م أجرى جون تايندل تجربة بسيطة بين أن الضوء يمكن ثنيه إذا وجد الوسط الملائم وفي عام 1880م قام الكسندر جراهام بل بنقل الصوت عبر
حزمة ضوئية وقد أجريت محاولات عديدة
لاستخدام
الاتصالات البصرية خلال هذا القرن ولكنها لم تلق النجاح لعدم توفر المنابع المناسبة علاوة على الاضطرابات الجوية كالمطر والثلج والغبار والضباب مما حد من إمكانية استخدامها .
أدى اكتشاف الليزر عام 1960 من قبل
ثيودور
ميمان إلى تجدد الاهتمام بالاتصالات البصرية وفي عام 1966 م اقترح كل من تشارس كاو وجورج هوكام تصنيع ألياف زجاجية قليلة الفقد وفي عام 1970 م تم تصنيع ألياف بصرية مصنعة من مادة السليكا وبفقد 20 ديسيبل لكل كيلومتر بدلا من 1000ديسيبل لكل كيلومتر قبل ذلك الوقت .وفي غضون عشر سنوات ، تم تصنيع ألياف
بفقد يصل إلى 20 ديسيبل لكل كيلومتر عند
الطول
الموجي 1550 نانومتر.
أنواع الألياف الضوئية :
الألياف الضوئية يمكن أن تقسم بصفة عامة إلى نوعين أساسيين: الألياف الضوئية ذات النمط الأحادي
تنتقل من خلالها إشارة ضوئية واحدة فقط في كل ليفة ضوئية من ألياف الحزمة و هي تستخدم في شبكات التلفون وكوابل
التلفزيون .
هذا النوع من الألياف يتميز بصغر نصف قطر القلب الزجاجي حيث يصل إلى حوالي 9 ميكرونات و تمر من خلاله أشعة الليزر تحت الحمراء ذات الطول الموجي 1.55 - .nm 1.3
الألياف الضوئية ذات
النمط المتعدد و بها يتم نقل العديد من الإشارات الضوئية من خلال الليفة الضوئية الواحدة مما يجعل استخدامها أفضل لشبكات الحاسوب. هذا النوع من
الألياف يكون نصف قطره اكبر حيث يصل إلى 62.5 ميكروناً و
تنتقل من خلاله الأشعة تحت الحمراء.
كيف تعمل الألياف الضوئية وكيف تنقل الضوء من خلالها ؟
افترض أنك تريد أن توصل ومضة ضوئية خلال مسار طويل مستقيم كل ما عليك هو أن توجه الضوء خلال هذا المسار، ولأن الضوء ينتقل في خطوط مستقيمة فإنه سيصل للطرف الآخر بلا مشاكل. لكن
ماذا لو كان المسار به انحناء بسهولة يمكن أن تتغلب على ذلك بوضع مرآة عند الانحناء لتعكس الضوء إلى داخل المسار مرة أخرى.
و بنفس الطريقة تحل المشكلة لو كان المسار كثير الانحناءات حيث تصف مرايا على طول المسار لتعكس الضوء باستمرار من الجانب الآخر ليبقى في مساره. هذه
بالضبط هي فكرة عمل الألياف الضوئية. حيث
ينتقل
الضوء بواسطة الانعكاس المستمر عن الجدار المحاذي للقالب الزجاجي انعكاساً داخلياً كلياً. و
لأن هذا الجدار لا يمتص أي من الضوء الساقط عليه فإن الإشارة الضوئية يمكن أن تسافر مسافات طويلة. و
لكن يحدث
أحياناً أن يفقد جزء من الضوء حيث تمتصه الشوائب الموجودة في القلب الزجاجي. لكي تحدث الانعكاسات المستمرة على جدار الغلاف الواقي داخل الألياف الضوئية فإن هذا يعتمد على ظاهرة فيزيائية تسمى ظاهرة الانعكاس الداخلي الكلي فما هي هذه الظاهرة وكيف تعمل؟
الأساس الفيزيائي لنقل الضوء من خلال الألياف البصرية :
ظاهرة الانعكاس الداخلي الكلي هي الأساس الفيزيائي لتكنولوجيا نقل الضوء عبر الألياف الزجاجية حيث إننا ذكرنا سابقا أن كلاً من القالب الزجاجي والقشرة الزجاجية من الزجاج ولكن معامل انكسارهما
مختلف. فلماذا كان
معامل الانكسار مختلفاً ولماذا وجدت طبقتان من الزجاج.
تحدث ظاهرة الانعكاس الكلي الداخلي إذا تحقق الشرطان التاليان:
-1 أن
ينتقل الضوء من وسط ذي كثافة ضوئية أعلى )معامل انكساره كبير(
إلى وسط أقل كثافة ضوئية )معامل انكساره اقل(.
-2 أن تكون زاوية السقوط أكبر من الزاوية الحرجة.
مكونات الألياف الضوئية :
يتكون نظام الألياف الضوئية من ثلاثة أجزاء أساسية هي: مكونات
المرسل: و
هو الذي ينتج و يشفر الإشارة الضوئية حيث يكون الجزء الأساسي به هو المصدر الضوئي الذي قد يكون ليزراً أو الدايود الضوئي، فإذا أردنا مثلا نقل إشارة تلفزيونية أو أي معلومة فإنه من الضروري
تحوير الشارة الضوئية طبقاً للمعلومة المراد نقلها. تحوير الإشارة الضوئية قد
يتم
بتغيير شدتها ارتفاعاً و انخفاضاً أو إشعالها وإطفائها في تتابع و هو ما يعرف: بـ الألياف البصرية:
و هو الذي يقوم بتوصيل الإشارة الضوئية عبر المسافات و هو الجزء الذي تم شرحه مسبقاً.
المستقبل: يستقبل الإشارة الضوئية و
يفك
شيفرتها ليحولها إلى إشارة كهربية ترسل إلى المستخدم الذي قد يكون التلفزيون أو التلفون.
مميزات الألياف الضوئية :
لقد أحدثت الألياف الضوئية ثورة في عالم الاتصالات لتميزها على أسلاك التوصيل العادية فهي:
- أكثر قدرة على حمل المعلومات لأن الألياف الضوئية أرفع من الأسلاك العادية فإنه يمكن وضع عدد كبير منها داخل الحزمة الواحدة مما يزيد عدد خطوط الهاتف أو عدد قنوات البث التلفزيوني في حبل واحد. يكفي أن تعرف أن عرض النطاق للألياف الضوئية يصل إلى 50THz في حين
إن
أكبر عرض نطاق يحتاجه البث التلفزيوني لا يتجاوز 6MHz .
- أقل
حجماً حيث إن نصف قطرها أقل من نصف قطر الأسلاك النحاسية التقليدية، فمثلاً يمكن استبدال سلك نحاسي قطره 7.62 سم بآخر من
الألياف الضوئية قطره لا يتجاوز 0.635 سم و
هذا يمثل أهمية خاصة عند مد الأسلاك تحت الأرض.
- أخف
وزناً فيمكن استبدال أسلاك نحاسية وزنها 94.5 كجم بأخرى من
الألياف
الضوئية تزن فقط 3.6 كجم.
- فقد
أقل للإشارات المرسلة في الألياف الضوئية منه في الأسلاك النحاسية.
- عدم إمكانية تداخل الإشارات المرسلة من خلال الألياف المتجاورة في الحبل الواحد مما يضمن وضوح الإشارة المرسلة سواء أكانت محادثة تلفونية أو بث تلفزيوني. كما إنها لا
تتعرض للتداخلات الكهرومغناطيسية مما يجعل الإشارة تنتقل بسرية تامة مما له أهمية خاصة في الأغراض العسكرية.
- غير
قابلة للاشتعال مما يقلل من خطر الحرائق.
- تحتاج إلى طاقة اقل في المولدات لان الفقد خلال عملية التوصيل قليل.
بسبب هذه المميزات فإن الألياف الضوئية دخلت في الكثير من الصناعات و خصوصاً الاتصالات و شبكات الكمبيوتر. كما
تستخدم
في التصوير الطبي بأنواعه و كمجسات عالية الجودة للتغير في درجة الحرارة والضغط بما له من تطبيقات في التنقيب في باطن الأرض.
كيف تصنع الألياف الضوئية ؟
كما سبق و ذكرنا تصنع الألياف الضوئية من زجاج على درجة عالية من النقاء حيث وصفت إحدى الشركات ذلك بان قالت لو كان هناك محيط من الألياف الضوئية يصل للعديد من الأميال و نظرت من على سطحه للقاع يجب أن تراه بوضوح. وتتم صناعة الألياف الضوئية على
النحو التالي:
-1
عمل اسطوانة زجاجية غير مشكلة
-2
سحب الألياف الضوئية من هذه الاسطوانة الزجاجية
-3
اختبار الألياف الضوئية
الزجاج المستخدم في عمل الاسطوانة غير المشكلة يصنع من خلال عملية تسمى حيث يمرر الأكسجين على محلول من كلوريد السليكون و كلوريد الجرمانيوم كيماويات أخرى ثم تمرر الأبخرة المتصاعدة داخل أنبوب من الكوارتز موضوع في مخرطة خاصة عندما تدار يتحرك مجمر حول أنبوب الكوارتز حيث تتسبب الحرارة العالية في حدوث شيئين:
-1 يتفاعل السليكون و الجرمانيوم مع الأكسجين لتكوين أكسيد السليكون و أكسيد الجرمانيوم.
-2 يترسب أكسيد السليكون وأكسيد الجرمانيوم على جدار الأنبوب من الداخل ويندمجان معاً لتكوين الزجاج الخام المطلوب حيث يمكن التحكم بدرجة نقاء و صفات الزجاج المتكون من خلال التحكم بالخليط. الآن يتم سحب الألياف من هذه اسطوانة الخام غير المشكلة بوضعها في أداة السحب حيث ينزل الزجاج الخام في فرن كربوني درجة حرارته 1,900 - 2,200 درجة سليزية فتبدأ المقدمة في
الذوبان حتى ينزل الذائب بتأثير الجاذبية و بمجرد سقوطه يبرد مكونا الجديلة الضوئية. هذه
الجديلة تعالج بتغليف متتابع أثناء سحبها بواسطة جرار مع قياس مستمر لنصف القطر باستخدام ميكرو متر ليزري. تسحب الألياف من
القالب الخام بمعدل 20m/s .
يتم بعد ذلك اختبار الألياف من ناحية: معامل الانكسار، الشكل الهندسي و
خصوصاً نصف القطر، تحملها للشد، تشتت الإشارات الضوئية خلالها، سعة حمل المعلومات، تحملها لدرجات الحرارة و إمكانية توصيل
الضوء تحت الماء .
تطبيقات عملية على استخدام الألياف الضوئية :
رغم إن استخدام الألياف الضوئية لنقل المعلومات عبر
المسافات الطويلة استحوذ على معظم الاهتمام إلا
أنها تستخدم لنقل المعلومات عبر
المسافات القصيرة أيضا حيث تصل بين
الكمبيوتر الرئيسي والكمبيوترات الجانبية أو
الطابعة. بعيداً عن
مجال الاتصالات ظهرت هناك استخدامات أخرى عديدة و مهمة لهذه الألياف فمثلا نتيجة لمرونتها و
دقتها دخلت في صناعة الكاميرات الرقمية المتعددة المستخدمة في التصوير الطبي مثل
التصوير الشعبي و المناظير. كما دخلت في تصنيع الكاميرات المستخدمة في التصوير الميكانيكي لفحص اللحام والوصلات في الأنابيب و المولدات. و
لفحص أنابيب المجاري الطويلة من
الداخل.
استخدمت الألياف الضوئية أيضاً كمجسات لتحديد التغير في
درجات الحرارة و الضغط حيث
تفضل على المجسات العادية لصغر حجمها و
حساسيتها للتغيرات الصغيرة و دقة
أدائها. احد
التطبيقات المهمة لها كمجسات لقياس يكون بإدخالها في
صناعة جدار بعض
الطائرات مما يمنح الطائرة جداراً مميزاً يحذر الطيار من
الضغط الواقع على أجنحة أو
جسم الطائرة.
مما لا شك فيه أن تقنية استخدام الألياف البصرية تعتبر أحد
أهم المراحل التي شهدتها ثورة الاتصالات في
هذا القرن. حيث
تمكنت هذه التقنية وبما تتمتع به
من ميزات من تلافي عيوب ومشاكل نظم
الاتصالات السابقة . لكنه وبالرغم من الميزات المتعددة التي تتمتع بها أنظمة الاتصالات الحديثة والتي اعتمدت في الأساس على استخدام التقنية الضوئية عبر الألياف البصرية، إلا
أن النظام السابق مازال
يعمل حتى هذا اليوم ليس في الدول الفقيرة والنامية فحسب بل حتى في الدول المتطورة،
وذلك لأن النظامين مكملان لبعضهما البعض حيث إنه
من غير المجدي اقتصادياً استخدام الألياف البصرية من
المقسم الرئيسي وحتى المستخدم أو
استخدامه في شبكات ذات سعة محدودة وبسيطة.
لقد أثبتت العديد من الدراسات المكتوبة وتلك التطبيقات العملية، إن استخدام تقنية الألياف البصرية يوفر
جودة عالية وخياراً أمثل من الناحية الفنية والاقتصادية.
يكفي أن نقول إن الألياف البصرية تمتلك مزايا عديدة قلة
الفقد وخفة الوزن، ولكن الميزة الهامة هي
سعة نطاقها العالية جداً والتي تصل
إلى آلاف البلايين من البتات لكل ثانية ما
جعلها تحتل مكاناً متميزاً في مجال الاتصالات حيث
استخدمت بدلاً عن الأسلاك النحاسية في
العديد من التطبيقات كالربط بين
المقاسم الهاتفية والخطوط بعيدة المدى وعبر البحار، إن
الثورة الهائلة في مجال الاتصالات و
المعلومات و التي تتمثل في الاستخدام غير
المحدود للإنترنت فرض واقعاً جديداً لا
يمكن تحقيقه بدون شبكات اتصال ذات
سعة نقل معلومات هائلة جداً، والتي لا يمكن تطبيقها إلا باستخدام الألياف البصرية.
المراجع:
-1 الألياف الضوئية - وسيلة الاتصال في
العصر الحديث تأليف ونشر : درويش محمد المناصرة
موقع كتب - 2003 - 2012 .
-2 محمد محمد الهادي ) 2001 ( تكنولوجيا الاتصالات و
شبكات المعلومات القاهرة المكتبة
الأكاديمية .
-3 حسن
عماد مكاوي ) 1993 ( تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في
عصر المعلومات،القاهرة،الدار
المصرية اللبنانية .
مجلة الأدب العلمي العدد السادس والعشرون قسم بيئة المستقبل
.
0 comments: