Posted by Scientific Literature magazine مجلة الأدب العلمي | 0 comments

نظم مستعمرة النمل في برمجيات الإنترنت ...الأدب العلمي العدد السابع والعشرون

       

 م.طارق حامد

إذا قمت بمعاينة مسار النمل بين مركز مستعمرته وموقع المورد الغذائي ، تلاحظ أن صف الحشرات المتراص يسلك الطريق الأقصر والأسهل ولا يحيد قيد أنملة عن مسار يبدو محدوداً ومعروفاً من كل أفراد المجموعة الساعية إلى مصدر الغذاء ، ومنه إلى الخلية .ومن المؤكد أن هذه المعرفة غريزية حسية وترتبط بهرمون خاص يفرزه النمل الكشاف بعد جولات الاستكشاف في مسارات عدة يختار أسهلها وأقصرها ، فينشر هرموناً يدعى (الفيرمون) ليشكل الدليل وليوجه بقية المستعمرة من خلاله مباشرة إلى الهدف في نسق ثابت وبجهد أقل .

هذه المستعمرة وهذا المسار المحدد الأقصر والأسهل أوحيا لخبراء الحاسوب ومراكز الأبحاث المتخصصة بحلٍ لمعضلة اختيار المسار الملائم والأقصر والأسرع لشبكة الانترنت وذلك لنقل المعلومات والبيانات من

موقع إلى آخر، وتعد هذه المواقع الآن بالملايين والشبكة معقدة جداً ولا بد من محطات ودليل موجه إلى الهدف، وهذا ما توصل إليه الخبراء من خلال برنامج )نظام مستعمرة النمل(Ant Colony Optimization

فما هو هذا البرنامج؟ وكيف أمكن الوصول إليه ؟ وما هي تطبيقاته؟!


نعم، لقد ساهم النمل وقدم هدية لنا من أجل تطوير شبكة الإنترنت، وقد بدأت القصة في بلجيكا حصراً وتحديداً في جامعة (بروكسل الحرة( مع أبحاث الدكتور )ماركو دوريغو( المتخصص في دراسة سلوك النمل الذي أجرى العديد من الدراسات والأبحاث على نمل الأرجنتين المعروف علمياً باسم )لينا
بثاما هوميلي(.

وشملت تجارب الدكتور دوريغو وضع قطع تحتوي على غذاء موزع على مسافات معينة من خلية النمل لمراقبة سلوك الحشرات في ابتكار أفضل الطرق للوصول إليها.

وقد لاحظ دوريغو أن المستعمرة ترسل أولاً نملاً كشافاً يقوم بمسح عشوائي للمنطقة بحثاً عن الغذاء، وفي رحلة العودة بعد أن تجد الغذاء تقوم بإطلاق هرمون الفيرمون عبر غدد خاصة موجودة في بطنها بعد أن تحسب بدقة عالية وبطريقة رياضية مثيرة أقصر الطرق وآمنها بين موقع الغذاء، وموقع الخلية، فتنطلق رائحة الفيرمون المتميزة على طول المسار الجديد المختصر .

وتساعد هذه العملية التي ينتج عنها ما
يسمى بمسار )( Pheromon Tral)أثر الفيرمون( باقي أعضاء المستعمرة من عمال وجنود على نهج الطريق الأسرع والمختصر والأسهل للوصول إلى الغذاء معتمدةً على استشعارها مادة الفيرمون عبر شعيرات شم حساسة للروائح يتم نقلها إلى الدماغ للتحليل.

هذه التجارب لفتت مراكز بحث متخصصة بتطوير شبكة الإنترنت بما يضمن تسريع تبادل المعلومات عبر شبكاتها المعقدة والمتشابكة، ولاحظت مؤسسات مثل )بيد غروب البريطانية( ومعهد تطوير الذكاء الصناعي ( Sdsial ) الإيطالي، وكذلك جامعات ميتشيغان وسانتافي الأمريكية ولوزان السويسرية تشابه عمليات تعيين السبيل(Routing ) وتصحيحه (Rerouting) لدى النمل الكشاف ومسائل توجيه الحزم البيانية عبر الشبكة التي تواجه أحياناً مشكلات واختناقات إلى تؤدي إلى بطء عمليات التجارب عبرها .

مشكلات المسار والتوجيه عبر الانترنت :

من المعروف أن شبكة الانترنت تتألف من عدد كبير من الحواسب والمراكز والبرمجيات تتبادل المعطيات والبيانات الرقمية وفقاً لتوجيهات برمجيات حاسوبية تسمى الموجهات ( Routers)وهي عبارة عن برامج
يمكنها استقبال حزم البيانات من شبكة أو حاسوب ليقوم بتمريرها عبر(Nodes) أي عقد معينة في الشبكة باتجاه هدفها، اختصاراً للوقت والكلفة وتخدّم هذه الغاية حواسب خاصة تشبه في أدائها لواجبها دور )النمل الكشاف( في رحلة الذهاب والعودة مستخدما الطرق الأكثر اختصاراً وأمناً .

تقوم هذه الموجهات بفحص جهة البيانات التي تتلقاها وحساب المسار الأقصر وتعيينه، وتقاس سرعة حركة المعلومات بالقدرة على تمرير عدد من البتّات )وهي الأجزاء الرقمية للمعطيات مقسومة على واحدة الزمن( وتتسبب كثرة العقد بتعطيل إيصال البيانات أو بطئها بين بروتوكولات الإنترنت ) هي اللغة
التي تتخاطب بها أجهزة الحاسب المتصلة عبر شبكة الانترنت بهدف تبادل البيانات(. ويستطيع البروتوكول وصف تفاصيل البنية التحتية بين حاسوبين مثل ترتيب البيتات والبيتات المرسلة عبر الأسلاك، وتستطيع البروتوكولات كذلك وصف عمليات التبادل التي تجري بين البرامج على مستوى البنية
الفوقية مثل الطريقة التي يتبادل بها برنامجان الملفات عبر الشبكة .

ولحل أزمة الاختناقات الناجمة عن تعثر عمل الموجهات التقليدية، وضعت مراكز بحثية متعددة نماذج رياضية لحل المعضلة وتزويد الموجهات بالقدرة على اتخاذ القرار الأنسب في اعتماد الطريق الأقرب )المختصر(.

وضعت هذه النماذج في البداية على أساس رياضي محض باعتماد مبدأ )التوبولوجي(  ولكن ملاحظة سلوك النمل في بحثه السريع عن غذائه والعودة بأسهل الطرق وأقصرها أثار فضول هذه المراكز وزوّدها ببديل عملي لكيفية حل مشكلات التوجيه واتخاذ القرار المناسب .


البرمجيات وطرائق العمل :
تتكون برمجيات التوجيه الجديدة والمؤلفة من خوارزميات ومعادلات رياضية تكاملية تساعد في إعادة تصحيح المعطيات والمعلومات عبر الشبكة ( Rerouting ) وتوجيهها، وصولاً إلى الهدف عبر انتهاج السبيل الأقصر والأسرع ، ولا سيما في حالات تعطل عدد من العقد أو المحطات .

التجارب المعتمدة :

مختصراً لما سبق أقول تبدأ طريقة إنتاج برمجيات التوجيه الجديدة بالتعرف إلى طبيعة مخطط الحركة الذي يرسمه النمل الكشاف من خلال سعيه للغذاء وتحسّسه لهرمون )الفيرمون( في طريق العودة .
ويتضمن المخطط عدة محطات أو عقد Nodes))يلتقي بها النمل ثم يتحرك باتجاه جديد نحو الغذاء.

وبعد وضع النموذج الرياضي التطبيقي يجري اختياره عن طريق استبدال الحشرات بروبوتات إلكترونية صغيرة تسلك سلوك النمل في رسم المخطط الافتراضي ومن ثم يتم نقل المخطط الذي رسمه النمل ليصبح جزءاً من برمجيات الموجّه لاختصار المسافات وتسريع عمليات نقل المعلومات عبر شبكة الانترنت . وهكذا تبقى الطبيعة وكائناتها العديدة المتنوعة مجال إبداع وإلهام للإنسان ليستوحي منها الكثير أو ليقلدها ليصنع طائرة كالكونكورد تشبه شكل طير بانسيابية جسده وجماله، أو ليقلد القندس في بناء جسور فوق الماء الجاري ليصطاد سمكاً ليتغذى .

أو يستفيد من تجارب النمل في شبكة الإنترنت. فلا مجال هنا لنعدد العشرات من الأفكار التي استفاد منها الإنسان .ويبقى المجال مفتوحاً في المستقبل للكثير من الإبداعات من أجل خير الإنسان وفائدته
فالطبيعة سخية ومعطاءة وهي تستحق منا مبادلتها العطاء والسخاء، لا تدميرها كل يوم بشتى الطرق والوسائل بذريعة التطور والتكنولوجيا.


مجلة الأدب العلمي العدد السابع والعشرون قسم محطات .
                                                                    



0 comments: